المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) ما يباح للصائم - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(6) ما يباح للصائم

(10)

ويستحب للصائم: الإكثار من العبادة والصدقة والإحسان إلى الأقارب واليتامى والمساكين لما تقدم في بحث الطاعة في رمضان (1).

(11) وتسن صلاة التراويح وتقدم بيانها وافياً (2).

(6) ما يباح للصائم

يباح له أمور المذكور منها هنا ثمانية:

(1) الكحل: بفتح فسكون - أي الاكتحال. وقد اختلف العلماء في اكتحال الصائم (فقال) الحنفيون والشافعي: يباح له الاكتحال ولا يفطر بذلك وإن وجد طعمه في حلقه ومثله ما يقطر في العين لأنها ليست بجوف ولا منفذ منها إلى الحلق (لقول) عائشة رضي الله عنها: "اكتحل النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم" أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفيه بقية وسعيد الزبيدي ضعيفان (3){190}

(وعن) انس بن مالك انه كان يكتحل وهو صائم. أخرجه أبو داود بسند لا بأس به (4). ومثل هذا لا يفعله أنس من قبل نفسه ففعله حجة (وقد) ورد في إباحة الكحل للصائم أحاديث وآثار تصلح بمجموعها للاحتجاج على جواره.

(وقال) احمد: يكره الاكتحال للصائم وإن وجد طعمه في حلقه أفطر (وقال) مالك: يحرم إن تحقق وصوله إلى الحلق وعليه القضاء وإن شك كره (لحديث) معبد بن هوذة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتحل بالنهار

(1) انظر ص 365.

(2)

انظر ص 243 ج 5 الدين الخالص.

(3)

انظر ص 265 ج 1 - ابن ماجه (الكحل للصائم) وص 262 ج 4 بيهقي.

(4)

انظر ص 105 ج 1 - المنهل العذب المورود (الكحل عند النوم للصائم).

ص: 454

وأنت صائم واكتحل ليلاً بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر" أخرجه البيهقي والدارمي.

وفيه عبد الرحمن بن النعمان عن أبيه وهما ضعيفان (وقال) يحيي ابن معين: هو منكر (1){191}

(وقال) ابن عباس: الفطر مما دخل وليس مما خرج. ذكره البخاري معلقاً ووصله البيهقي وابن أبي شيبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم قال: الفطر مما يدخل وليس مما يخرج (2) والكحل إذا وجد طعمه في الحلق فقد دخل. (وحاصل) مذهب مالك أن كل ما وصل الحلق من هذه المنافذ- وهي العين والأذن والأنف ومسام الشعر- مفطر إلا إذا فعل ليلاً وهبط للحلق نهاراً فلا يضر. واعلم أن الكحل ونحوه إن علم عدم وصوله للحلق جاز نهاراً وإن علم وصوله حرم وإن شك في ذلك كره وقيل يجوز الكحل نهاراً ولو اعتاد وصوله للحلق وهو قول أشهب (3)(وقال) ما كان الناس يشددون في هذه الأشياء هكذا (وقال) ابن حبيب: يقضي بما وصل الفرض دون النفل فتحصل أن الذي لا يصل جائز اتفاقاً ولا يوجب قضاء مطلقاً اتفاقاً والواصل فيه أقوال ثلاثة وعلى هذا يجري الجواب فيما يقطر في الأذن. فيجوز إذا كان لا يصل ويختلف فيه إذا كان يصل. وقال التتائي بالقضاء ولو لم يصل (4)(وقال) ابن قدامة: فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطره وإلا لم يفطره. وكذا الذرور والصبر والفطور وإن اكتحل باليسير

(1) انظر ص 262 ج 4 بيهقي (الصائم يكتحل) وص 15 ج 2 دارمي (والإثمد) بكسر فسكون حجر كحله أ- ود (ومنكر) لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد اكتحل وهو صائم.

(2)

انظر ص 125 ج 4 فتح الباري (الحجامة والقيء للصائم) وص 261 ج 4 بيهقي (الإفطار بالطعام وغيره).

(3)

انظر ص 637 ج 1 - الفجر المنير.

(4)

انظر ص 27 ج 2 حكمة البصير للشيخ الإمام.

ص: 455

من الإثمد غير المطيب كالميل ونحوه لم يفطر. وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم (1)

والظاهر بل المعتبر مذهب من قال بإباحة الكحل ونحوه مما يقطر في العين وأنه لا يفطر لما تقدم من الأدلة وهي وإن كان في بعضها مقال لكنها لكثرتها يقوي بعضها بعضاً، ولأن الأصل في كل شيء الجواز ولا ينتقل عنه إلا بدليل وليس في الباب ما يصلح للنقل لاسيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالترغيب في الكحل بدون خطر على الصائم كما جاءت في السواك والعين ليست بمنفذ فلا يبطل الصوم بما يصل إليها.

(2)

الدهن: - بفتح فسكون- أي الإدهان: ويباح للصائم دهن الشعر بزيت ونحوه عند الجمهور ولا يفطر وإن وجد أثره في الحلق- إن كان لغير الزينة أما الاكتحال أو الادهان لفصد الزينة، فمكروه (وقالت) المالكية الادهان كالاكتحال، لأن ما يصل الحلق مفسد وإن كان دهناً وصل إليه من مسام شعر الرأس كحناء وضعه في رأسه فوجد طعمه في حلقه، أو كان كحلاً وصل إليه من عينيه. وإذا وضع دواء أو دهناً في أنفه أو أذنه ليلاً فهبط لحلقه نهاراً، فلا يضر (2).

(3)

الحقنة: في غير الدبر وقيل المرأة- يباح للصائم حقن الدواء ونحوه في العروق ولا يفطر به كالكحل، لأنه يصل إلى الجوف بواسطة المسام لا من منفذ مفتوح. وكذا الحقنة في إحليل الذكر لا يفطر بها الصائم عند النعمان ومالك ومحمد بن الحسن وأحمد

(1) انظر ص 38 ج 3 مغنى ابن قدامة (والذرور) كرسول ما يذر في العين من الكحل وغيره و (الصبر) - بكسر الباء وتسكينها لغة قليلة- الدواء المر ..

(2)

انظر ص 637 ج 1 - الفجر المنير.

ص: 456

(وقال) أبو يوسف والشافعي: يفطر بها إن وصلت المثانة والخلاف مبني على أنه هل بين المثانة الجوف منفذ؟ عند الأولين لا، وعند أبي يوسف والشافعي نعم. وهذا أمر طبي يرجع فيه إلى أهل الذكر والخلاف فيما وصل إلى المثانة. أما ما دام الدواء في القضية فلا يفطر اتفاقاً كما أن الحقنة في الدبر وقبل المرأة تفسد الصوم اتفاقاً (1).

(1) وقد سئل الأستاذ الجليل الشيخ محمد بخيت مفتي مصر سابقاً رحمه الله بما صورته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (أما بعد) فإننا نرجو من فضيلتكم التكرم بالإجابة عن حكم الحقنة تحت الجلد أو في العضلات أو في سائر الجسم وسواء أكانت للتداوي أو التغذية أو للتحذير (كالمورفين) المخدر وغيره. بحيث تكون الفتوى شاملة الحكم على المذاهب الأربعة: أدامكم الله ذخراً للعلم.

(فأجاب) بقوله: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده (أما بعد) فقد اطلعنا على هذا السؤال وتفيد: أنه لو ادهن أو اكتحل، لا يفطر ولو وجد طعم الدهن أو الكحل. وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح، لأن الموجود في حلقه أثر داخل من المسام التي هي خلل البدن. والمفطر إنما هو الداخل من المنافذ للاتفاق على أن من اغتسل في ماء فوجد برده في باطنه أنه لا يفطر. وإنما كره الإمام الدخول في الماء والتلقف بالثوب المبلول، لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة. وبالجملة فالشرط في الفطر أن يصل إلى الجوف وأن يستقر فيه والراد بذلك أن يدخل إلى الجوف ولا يكون طرفه خارج الجوف ولا متصلاً بشيء خارج الجوف. وأن يكون الوصول إلى الجوف من المنافذ المعتادة لا من المسام ونحوها من المنافذ التي لم تجر العادة بأن يصل شيء منها إلى الجوف ومن ذلك يعلم "أن الاحتقان" تحت الجلد سواه كان ذلك في العضدين أو الفخذين أو رأس الأليتين أو في أي موضع من ظاهر البدن. وسواء كان الحقن للتداوي أو للتغذية أو للتخدير "غير مفسد" للصوم لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً. وعلى فرض الوصول فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفاً ولا في حكم الجوف. نعم إن كان لغرض التخدير كان غير جائز مع عدم الإفطار. وذلك لما رواه مسلم عن أم سلمة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. ذكره السيوطي في الجامع معزواً لأحمد وأبي داود رقم 9507 ص 338 ج 6 فيض القدير) هذا كله إذا لم يحصل في عقب الحقن. أما إذا حصل للمحتقن قيء عقب الحقن فإن حصل تقايؤه بسبب الحقنة وكان ما قاءه طعاماً أو ماء أو مرة وقد =

ص: 457

(4)

تبرد الصائم: يباح له أن يدفع عن نفسه الحر أو العطش بصب الماء على رأسه أو بدنه كله أو بالمضمضة والاستنشاق بلا مبالغة فيهما عند الجمهور ومنهم أبو يوسف (لقول) رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسكب على رأسه الماء بالسقيا إما من الحر وإما من العطش وهو

= ملأ الفم فسد صومه. وإن لم يملأ الفم أو كان ما قاءه بلغما فلا يفسد صومه. ومن ذلك يعلم أن ما يصل إلى الجوف لا يفسد الصوم إلا إذا وصل إليه من منفذ منفتح عرفاً. وهذا مذهب الحنفية وهو مذهب الشافعية إلا فيما لو وجد عين الكحل في حلقه كأن ظهرت في نحو نخامة فإنه إن ابتلعها فسد صومه وإلا فلا (قال) ابن قاسم العبادي في حاشية التحفة (قوله مفتوح) أي عرفاً أو فتحاً يدرك اهـ فأخرج بقوله: عرفاً أو فتحاً يدرك العين فإنها لا تسمى منفذاً منفتحاً في العرف وليس انفتاحها مدركاً كما أنه أخرج بهما مسام الجلد فإن انفتاحهما لا يدرك إلا بالاستعانة اهـ (وقال) الشرقاوي على التحرير قوله وإن وجد طعم الكحل خرج به ما لو وجد عينه كان ظهرت في نحو نخامة فإن ابتلعها ضر وإلا فلا (وأما المالكية) فقالوا لا يفسد الصوم إلا وصول شيء مائع إلى الحلق أو وصول شيء إلى المعدة سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل بشرط أن يكون من طريق متسع كالدبر وفرج المرأة وأما الحقنة في الإحليل (الذكر) فلا تفسد الصوم (وأما) الحنابلة فقالوا كما في شرح المنتهي هامش شرح في الإقناع ص 570 ج 1 مانصه: لو أفطر في إحليله أو غيب فيه شيئاً فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه اهـ ومن هذا يعلم أن الحقنة تحت الجلد لا تفسد الصوم باتفاق المذاهب الأربعة سواء كانت للتداوي أو للتغذية أو للتخدير وفي أي موضع من ظاهر البدن لأن مثل هذه الحقنة لا يصل منها شيء إلى الجوف من المنافذ المعتادة أصلاً وعلى فرض الوصول، فإنما تصل من المسام فقط وما تصل إليه ليس جوفاً ولا في حكم الجوف. وليست تلك المسام منفذاً منفتحاً لا عرفاً ولا عادة، ومثل الحقنة تحت الجلد فيما ذكر الحقنة في العروق التي ليست في الشرايين والحقنة التي تكون في الشرايين وكلاهما أيضاً لا يصل منه شيء إلى الجوف لكن الفرق أن الحقنة التي في الشرايين تكون في الدورة الدموية ولذلك لا يعطيها إلا الطبيب. فالحق أن الحقنة بجميع أنواعها المتقدمة لا تفخر. (مجلة الإرشاد غرة رمضان سنة 1351 - العدد الثاني من السنة الأولى. صفحة 42 وما بعدها).

ص: 458

صائم. ثم لم يزل صائماً حتى أتى كديداً ثم دعا بماء فأفطر وأفطر الناس وهو عام الفتح" أخرجه أحمد وهذا لفظه وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وصححه ابن عبد البر (1){192}

(وقال) النعمان: يكره للصائم تنزيهاً التبرد لما فيه من إظهار الضجر من العبادة وحمل فعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز رحمة بضعفاء الأمة (ورد) بأن هذا تعليل في مقابلة النص فلا يعول عليه.

(5)

ويباح للصائم مضغ طعام لابد منه لطفل بأن لم يوجد من يمضغه له غير صائم ولم يوجد ما يأكله الطفل بلا مضغ للضرورة.

(6)

الحجامة: هي أخذ الدم من الرأس؛ والقصد أخذه من أي عضو في الجسد يباح للصائم الاحتجام والفصد إذا لم يضعفه عن الصوم (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم" أخرجه أحمد والبخاري وهذا لفظه والبيهقي وقال الترمذي صحيح (2){193}

(وعن) ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة

(1) انظر ص 46 ج 10 - الفتح الرباني وص 92 ج 10 - المنهل العذب المورود (السواك للصائم) وص 263 ج 4 بيهقي (الصائم يصب على رأسه الماء) و (السقيا) موضع بين مكة والمدينة على ميلين منها و (كديد) بفتح فكسر- ماء على مرحلتين من مكة (وهو عام الفتح) أي وهم مسافرون لفتح مكة.

(2)

انظر ص 37 ج 10 - الفتح الرباني. وص 127 ج 4 فتح الباري (الحجامة والقي للصائم) وص 263 ج 4 بيهقي. وص 64 ج 2 تحفة الأحوذي.

ص: 459

للصائم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف" أخرجه البخاري والبيهقي (1){194}

(وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للصائم والحجامة" أخرجه النسائي والدارقطني بسند صحيح كلهم ثقات (2){195}

(ولهذه) الأحاديث الصحيحة ونحوها قال الحنفيون ومالك والشافعي فيما نقله عنه الترمذي: لا بأس بالحجامة للصائم إذا لم تضعفه عن الصوم ولا تبطله وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين. إما إن أضعفته الحجامة عن الصوم يقيناً تحرم ولا تبطل الصوم وتكره إن ظن حصول ضعف بها وكرهت حجامة مريض إن شك في السلامة والعطب بخلاف الصحيح فلا تكره له عند الشك. وإن خشي بتأخيرها هلاكاً وجبت وإن أدت إلى الفطر ولا كفارة. والفصادة كالحجامة في هذا التفصيل (3)(وقال) احمد وإسحاق والأوزاعي وجماعة: الحجامة تحرم على الصائم وتفطره حجاماً ومحجوماً (لحديث) ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم" أخرجه أحمد وهذا لفظه. والأربعة والحاكم والدارمي والبيهقي من عدة طرق بألفاظ متقاربة. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين (4){196}

(1) انظر ص 128 ج 4 فتح الباري. وص 263 ج 4 بيهقي.

(2)

انظر ص 239 - الدارقطني.

(3)

انظر ص 631 ج 1 - الفجر المنير.

(4)

انظر ص 35 ج 10 - الفتح الرباني (الحجامة للصائم) وص 94 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 64 ج 2 - تحفة الأحوذي. وص 265 ج 1 - ابن ماجه. وص 427 ج 1 مستدرك وص 14 ج 2 دارمي. وص 265 ج 4 بيهقي.

ص: 460

أي تعرض كل منهما للإفطار. أما المحجوم فلخشية الضعف. وأما الحاجم فلأنه لا يأمن أن يصل إلى جوفه شيء من الدم عند مص المحجم وليس المراد أنهما أفطرا حقيقة فهو نظير قولهم هلك فلان إذا تعرض للهلاك وإن كان سالماً. فالحديث لا تثبت به دعوى الحرمة والإفطار (وعن) رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "افطر الحاجم والمحجوم" أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. والترمذي وقال حسن صحيح (1){197}

(وأجاب) الجمهور عن هذا الحديث بأنه منسوخ (وقال) ابن حزم: صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وإسناده صحيح (2) فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً (3).

(ومنه) تعلم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور من أن الحجامة غير محرمة على الصائم ولا موجبة لإفطار الحاجم ولا المحجوم (وجملة) القول أنها مكروهة في حق من يضعف بها وتشتد الكراهة إذا كان الضعف يؤدي إلى الإفطار. ولا تكره في حق من لا يضعف بها. وعلى كل فتجنبها للصائم أولى (هذا) وقد أباح احمد للصائم الفصد والتشريط بالموسى بدل الحجامة للتداوي.

(7)

ويباح للصائم أن يصبح جنباً (لحديث) عائشة وأم سلمة "أن النبي

(1) انظر ص 35 ج 10 - الفتح الرباني. وص 428 ج 1 مستدرك. وص 64 ج 24 تحفة الأحوذي (كراهية الحجامة للصائم).

(2)

تقدم رقم 195 ص 460.

(3)

انظر ص 204 ج 6 - المحلي (المسألة 752).

ص: 461

صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً في رمضان من جماع غير احتلام ثم يصوم" أخرجه احمد والشيخان والدارمي وأبو داود والنسائي (1){198}

(وعن) عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأنا أصبح جنباً وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم" فقال الرجل: يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتبع" أخرجه مالك وأحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وهذا لفظه وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي (2){199}

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشد الناس خشية لله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم العباد بربه. وخشيته صلى الله عليه وسلم خشية مهابة وإجلال لا خشية توقع مكروه لأنه معصوم مأمون العاقبة صلى الله عليه وسلم.

(دل) الحديثان على أنه يجوز للصائم أن يصبح جنباً ولا قضاءً عليه سواء كانت الجنابة من جماع أو غيره. وسواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً ولو كان تأخير الغسل إلى ما بعد الفجر عمداً (وبهذا) قال الجمهور والأئمة الأربعة. وشذ من زعم أن من أخر الغسل عن الفجر عامداً لا يصح صومه.

(1) انظر ص 68 ج 10 - الفتح الرباني. وص 101 ج 4 فتح الباري (الصائم يصبح جنباً) وص 223 ج 7 نووي وص 13 ج 2 دارمي. وص 116 ج 10 المنهل العذب المورود.

(2)

انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ. وص 71 ج 10 الفتح الرباني (من أصبح جنباً وهو صائم) وص 223 ج 7 نووي. وص 119 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 213 ج 4 بيهقي.

ص: 462

(8)

يباح للصائم بلع ريقه أولاً فأولاً، لأن في اتقائه حرجاً ومشقة ولا يمكن الاحتراز عنه "وما جعل عليكم في الدين من حرج" أما إذا جمع ريقه في فمه ثم ابتلعه فإنه يكره لما فيه من الشبهة ولا يفطر به إجماعاً. أما إذا ابتلع ريق غيره فعليه القضاء إجماعاً (1). وكذا عند الحنفيين إذا ابتلع ريق حبيبه لأنه مرغوب فيه طبعاً يلتذ به. ولا كفارة عند الشافعية والحنبلية (وإن جمع) شخص ريقه ثم ابتلعه قصداً لم يفطره، لأنه يصل إلى جوفه من معدته فأشبه ما إذا لم يجمعه (وعن) احمد أنه يفطره لأنه أمكنه التحرز منه فأشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق، والأول أصح فإن الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وإن قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين أصابعه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أنظر، لأنه ابتلعه من غير فمه فأشبه ما لو بلع ريق غيره (ولو) ترك في فمه حصاة أو درهماً فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظر (فإن) كان ما عليه من الريق كثيراً فابتلعه أفطر.

وإن كان يسيراً لم يفطر بابتلاع ريقه، لأنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه فلا يفطره كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب المبلول (ولو) أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع لم يفطر، وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان إحداهما يفطر لأن النخامة تنزل من الرأس والريق من الفم (ولو) تنخم من جوفه ثم اذدرده أفطر لأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم ولأنها من

(1) (فعليه القضاء

) لا يقال: روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها. أخرجه أبو داود (انظر ص 123 و 114 ج 10 - المنهل العذب المورود- الصائم يبلع الريق) لأنا نقول: قال ابن الأعرابي: بلغني عن أبي داود انه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح. وعلى فرض صحته يحتمل أن يكون المعنى يقبل في الصوم وبمص لسانها في غيره، ويحتمل أن يمصه ثم لا يتبلعه.

ص: 463