الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه عبد الرحمن بن إبراهيم ضعفه يحيي بن معين والنسائي (1){65}
فهو لضعفه لا يصلح دليلاً على لزوم التتابع، وقراءة أبي لم تثبت ولو ثبتت تحمل على الندب دون الاشتراط، إذ لو ثبت على وجه الاشتراط ما خالف ابياً أحدً في لزوم التتابع (2) (فالحق) أنه لا يلزم التتابع في قضاء رمضان لما تقدم (ولقول) عائشة رضي الله عنها: نزلت: فعدة من أيام أخر متتابعات فسقطت متتابعات. أخرجه البيهقي والدارقطني وقال: إسناد صحيح (3). وقال البيهقي: وسقطت أي نسخت لا يصح له تأويل غير ذلك (وعن) سفيان ابن بشر بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قضاء رمضان: إن شاء فرق وإن شاء تابع. أخرجه الدارقطني وقال: لم يسنده غير سفيان بن بشر وصححه ابن الجوزي وقال: ما علمنا أحداً طعن في سفيان بن بشر (4){66}
(جـ) الصوم المنهي عنه
…
ورد النهي عن عشرة أنواع من الصيام هاك بيانها:
(1)
يوم الشك: هو- عند الحنفيين والشافعي- اليوم الذي بلى التاسع والعشرين من شعبان إذا تحدث الناس بالرؤية ولم تثبت أو شهد بها من ردت شهادته لفسق ونحوه، فإن لم يتحدث بالرؤية أحد فليس يوم شك ولو كانت السماء مغيمة،
(1) انظر ص 259 ج 4 بيهقي. وص 243 الدارقطني.
(2)
(ما خالفه أحد) أما ذكر التتابع في صوم كفارة اليمين في قراءة ابن مسعود فلم يخالفه فيه أحد من الصحابة فصار كالمتوفي العمل به.
(3)
انظر ص 258 ج 4 بيهقي (قضاء رمضان) وص 243 الدارقطني.
(4)
انظر ص 244 منه.
واختاره ابن عبد السلام المالكي (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدروا له"(1) أي أكملوا مدة ما قبله ثلاثين يوماً فإنه يدل على أن صبيحة يوم الغيم من شعبان جزماً. (وقالت) المالكية: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مغيمة فلو كانت مصحبة لم يكن يوم شك لأنه إن لم ير الهلال كان من شعبان جزماً (2). (وقالت) الحنبلية: هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برؤية الهلال ليلته ولم يروه والسماء مصحية، فإن حال دون رؤيته غيم أو غبار فليس يوم الشك (والظاهر) مذهب الأولين هذا ولصوم يوم الشك ثلاث صور:
…
(أ) أن ينوي صومه عن رمضان وهو مكروه تحريماً عند الحنفيين ومالك والليث (لقول) صلة بن زفر: كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مضية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أخرجه الأربعة والدارمي والدارقطني وقال: إسناد حسن صحيح ورواته ثقات (3){67}
(وقال) الترمذي: حسن صحيح والعمل على هذا عند اكثر أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق: كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه، ورأى أكثرهم إن صامه وكان من شهر رمضان أن يقضي يوماً مكانه (4). (وقال) الحنفيون: إن ظهر أنه من رمضان أجزأ عنه
(1) هذا عجز الحديث رقم 8 ص 255 (ما يثبت به الهلال).
(2)
انظر ص 623 ج 1 الفجر المنير.
(3)
انظر ص 52 ج 10 المنهل العذب المورود (كراهية صوم يوم الشك) وص 306 ج 1 مجتبي وص 32 ج 2 تحفة الأحوذي وص 2 ج 2 دارمي وص 227 الدارقطني.
(4)
انظر ص 33 ج 2 تحفة الأحوذي.
(وقال) بعض المالكية والشافعية يحرم صومه يوم الشك عن رمضان، لظاهر قول عمار: ومن صام اليوم الذي شك فيه فقد عصا أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. والقائل بالكراهة حمل العصيان فيه على شدة الزجر فلا يقتضي الحرمة (وقال) ابن عمر: يجب صومه عن رمضان إذا حال دون رؤية الهلال سحاب أو غبار. أما إذا كانت السماء سحواً ولم ير الهلال فلا يصام وهو ظاهر مذهب أحمد (وعنه) أنه في حال الغيم لا يجب صومه ولا يجزئه عن رمضان إن صامه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك (وعنه) أيضاً رواية ثالثة أن الناس تبع للإمام فإن صاموا وإن أفطر أفطروا، وهو قول الحسن وابن سيرين (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون" أخرجه الترمذي بسند رجاله ثقات وقال: حسن غريب (1){68}
ومعناه أن الصوم والفطر يكون مع الجماعة ومعظم الناس.
(ب) أن ينوي صوم يوم الشك عن واجب غير رمضان، وهو مكروه تنزيهاً عند الحنفيين ويقع عما نواه إن ظهر أنه من شعبان في الأصح، وإن لم يظهر الحال لا يكفي عما نوي، لجواز أن يكون من رمضان فلا يكون قضاء بالشك، وإن ظهر أنه من رمضان أجزأ عنه لو كان الصائم مقيماً، ولو كان مسافراً فنوى فيه واجباً آخر لم يكره عند النعمان لأن أداء رمضان غير واجب عليه ويقع عما نوى وإن بان أنه من رمضان (وقال) أبو يوسف ومحمد: يكره للمسافر صومه كالمقيم ويجزئ عن رمضان إن بان أنه منه (وقال) مالك والشافعي: يجوز صوم يوم الشك عن واجب غير أداء رمضان كقضاء عن رمضان سابق أو نذر أو كفارة يمين.
(1) تقدم رقم 15 ص 259 (من رأى الهلال ورد قوله)
(جـ) أن ينوي صوم يوم الشك تطوعاً فلا يكره- عند الحنفيين ومالك والشافعي- بل يستحب إن وافق صوماً اعتاده أو صام من آخر شعبان ثلاثة أيام فأكثر لا أقل (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم" أخرجه السبعة والدارقطني وقال: إسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح (1){69}
والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، وإن كان رجل يصوم صوماً فوافق صيامه ذلك فلا بأس به عندهم ففي الحديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له فإن يصله بصوم قبله ولا صادف عادة له فهو حرام على الصحيح عند الشافعي ولا بأس به عند الحنفيين ومالك، لأن المراد بالتقدم- المنهي عنه في الحديث- التقدم بصوم عن رمضان جمعاً بينه وبين حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لرجل:"هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت فصم يوماً أو يومين" أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والدارمي وقال: سرره آخره (2){70}
…
وفي رواية له: (فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) أي بدل ما اعتدت صيامه.
(1) انظر ص 256 ج 9 - الفتح الرباني وص 90 ج 4 فتح الباري (لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين) وص 194 ج نووي وص 54 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 307 ج 1 مجتبي (التسهيل في صيام يوم الشك) وص 33 ج 2 تحفة الأحوذي وص 260 ج 1 - ابن ماجه وص 229 - الدارقطني.
(2)
انظر ص 206 ج 10 الفتح الرباني (النهي عن الصوم في النصف الثاني من شعبان والرخصة في ذلك) وص 53 ج 8 نووي (صوم شعبان) وص 45 و 46 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 18 ج 2 دارمي (الصوم من سرر الشهر) و (السرر) بفتحتين آخر الشهر ليلة ثمان وعشرين أو ما بعدها سمي بذلك لاستسرار القمر فيه أي استتاره.
فالأمر بصوم آخر شعبان محمول على استحباب صومه تطوعاً والنهي عن التقدم محمول على صومه عن رمضان جمعاً بين الأدلة وقال النووي: هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم ويومين (ويجاب عنه) بأن هذا الرجل كان معتاداً صيام آخر الشهر أو نذره فتركه لخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي (1)(وعليه) فالحديث يدل على أن من اعتاد الصوم في النصف الثاني من شعبان فله صومه بلا كراهة، وكذا من كان عليه صيام نذر فله أن يؤديه فيه. فإن ضاق الوقت عليه ودخل رمضان قضاء في شوالٍ (2).
هذا. والأدلة الصحيحة تدل على أن يوم الشك لا يصام عن رمضان ولو كان بالسماء غيم ولا عن نفل غير معاذ ولا بأس بصومه عن غيرهما. والله ولي التوفيق.
…
(2) صوم العيدين: يحرم - عند مالك والشافعي وأحمد- صوم يومي عيد الفطر والأضحى سواء النذر والكفارة والقضاء والتطوع وبه قال بعض الحنفيين. ومشهور مذهبهم أن صومهما مكروه تحريماً؛ لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله
(1) انظر ص 54 ج 7 نووي مسلم.
(2)
(هذا) وقد ذكر الحنفيون - لصوم يوم الشك- صورتين أخريين:
(أ) أن يرد الصائم في أصل النية بأن ينوي صوم غد إن كان من رمضان وعدم صومه إن كان من شعبان فلا يصير صائماً لعدم الجزم بالنية فصار كما لو نوى أنه إن وجد غداء أفطر وإلا صام (ب) أن يردد في وصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان صام عنه وإن كان من شعبان فعن واجب آخر وهذا مكروه تنزيهاً لتردده بين أمرين الفرض والواجب (وكذا) يكره تنزيهاً لو نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع إن كان من شعبان لتردده بين مكروه وغيره وفي الصورتين إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لوجود أصل النية وهو كاف في رمضان لعدم لزوم التعيين فيه وإن ظهر أنه من شعبن يكون نفلاً غير مضمون بالقضاء لعدم التنفل قصداً.
تعالى (ولحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر" أخرجه السبعة إلا النسائي وقال الترمذي: حسن صحيح (1){72}
…
وصف اليومين لبيان العلة في وجوب فطرهما وهي الإشعار بانتهاء صوم الفرض بعيد الفطر والتمكين من الأكل من الأضحية المتقرب يذبحها في الأضحى (وإن نذر) صوم هذين اليومين لم ينعقد نذره ولا شيء عليه عند مالك والشافعي والجمهور وهو رواية أبي يوسف عن النعمان، (وقال) أحمد وإسحق: من نذر صومها لا ينعقد نذره وعليه كفارة يمين (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين" أخرجه أحمد والأربعة، وقال الترمذي: حديث غريب وفي سنده سليمان بن أرقم قال النسائي متروك الحديث (2){73}
(1) انظر ص 140 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم يومي العيدين) وص 172 ج 4 فتح الباري وص 15، 16 ج 8 نووي وص 165 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 62 ج 2 تحفة الاحوذي.
(2)
انظر ص 230 ج 3 عون المعبود وص 145 ج 2 مجتبي (كفارة النذر) وص 367 ج 2 تحفة الأحوذي (لا نذر في معصية) وص 333 ج 1 - ابن ماجه.
(وأجاب) الجمهور عن الحديث بأنه ضعيف (ورد) بأنه روى من عدة طرق يقوي بعضها بعضاً فهو صالح للاحتجاج به. وقد صححه الطحاوي وابن السكن. (وروي) محمد والحسن بن زياد عن النعمان أنه يصح نذر صوم يوم العيد لكن لا يصومه بل يقضيه في يوم آخر. لأنه نذر صوماً مشروعاً والنهي عن صومه لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره لكنه يفطر احترازاً عن المعصية ثم يقضي إسقاطاً للواجب وإن صامه يخرج عن العهدة لأنه أداة كما التزمه، ومنشأ الخلاف أن النهي هل يقضي فساد المنهي عنه؟ قال الأكثر: يقتضي فساده (وقال) الحنفيون: لا يقتضي الفساد ولا ينفي مشروعية الأصل ونسب إلى أكثر الفقهاء (ويؤيده) قول زياد بن جبير: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: رجل نذر أن يصوم يوماً فوافق ذلك يوم عيد فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم" أخرجه الشيخان (1){74}
فقد عرض ابن عمر للسائل بأن الاحتياط قضاء ذلك اليوم جمعا بين أمر الله تعالى بوفاء النذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد (ولو شرع) في صوم يومي العيد ثم أفسده يلزمه القضاء عند أبي يوسف ومحمد وأن الشروع في التطوع سبب الوجوب كالنذر، فإذا وجب المضي فيه وجب القضاء بالإفساد كما لو شرع في التطوع في سائر الأيام ثم أفسده (وقال) النعمان: لا يلزمه القضاء لأن الشروع ليس سبب الوجوب وضعا وإنما الوجوب يثبت ضرورة صيانة للمؤدى عن البطلان وتؤدى هاهنا لا يجب صيانته لمكان النهي فلا يجب المضي فيه فلا يضمن بالإفساد (2)
(1) انظر ص 172 ج 4 فتح الباري وص 16 ج 8 نووي (صوم يومي العيدين).
(2)
انظر ص 79 ج 2 بدائع الصنائع.
(وأما) لو نذر صوم يوم معين فوافق يوم العيد، فلا يحل صومه إجماعاً ويلزمه قضاؤه عند الحنفيين ولا يلزمه عند الجمهور وهو أصح قولي الشافعي، لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار. وكذا لو صادف أيام التشريق لا يجب قضاؤه في الأصح (1).
…
(3) صوم أيام التشريق (2): هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وصومها حرام ولو للمتمتع عند الليث بن سعد وهو المشهور عن الشافعي والأصح عند أحمد وبه قال بعض الحنفيين. ومشهور المذهب أن صومها مكروه تحريماً لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله تعالى (ولقول) سعد بن أبي وقاص: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام مني أنها أيام أكل وشرب فلا صوم فيها يعني أيام التشريق. أخرجه احمد والبزار بسند رجاله رجال الصحيح (3){75}
…
والمعنى أن هذه الأيام لا يجوز صيامها لأن الله تعالى أكرمنا بضيافته لنا فيها فلا ينبغي الإعراض عنها كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: وهي أيام أكل وشرب. قال الخطابي وهذا كالتعليل لوجوب الإفطار فيها فلا يجوز صيامها تطوعاً ولا نذراً ولا عن صوم التمتع (4).
(وعن) أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو ابن العاص رضي الله عنهما فقرت إليهما طعاماً فقال كل، فقال إني صائم. قال عمرو كل فهذه الأيام التي كان يأمرنا رسول الله صلى الله عليه
(1) انظر ص 16 ج 8 نووي مسلم.
(2)
(التشريق) لغة رفع الصوت بالتكبير بعد الصلوات في أيام التشريق. ويطلق على تخفيف لحوم الضحايا في الشرقة (أي الشمس).
(3)
انظر ص 142 ج 10 - الفتح الرباني. وص 202 ج 3 مجمع الزوائد (ما نهى عن صيامه من أيام التشريق).
(4)
انظر ص 128 ج 2 معالم السنن.
وسلم بفطرها وينهانا عن صيامها. وهي أيام التشريق. أخرجه احمد وابن خزيمة والحاكم وصححاه والنسائي وأبو داود والبيهقي والدارمي (1){76}
…
(وقال) مالك: يحرم على غير المتمتع صوم ثاني وثالث يوم النحر ولو نذراً، وبكره صوم رابعه تطوعاً، وإن نذر صومه لزمه صومه. وإن صامه تطوعاً ينعقد. وإذا أفطره عامداً غير قاصد التخلص من النهي، يلزمه قضاؤه وإنما لزم نذره مع أن النذر إنما يلزم به ما ندب نظراً إلى كونه لا ينحر فيه عند مالك ولا يرمي فيه المتعجل فضعف كونه من أيام التشريق المنهي عن صيامها فأعمل فيه النذر لقوته. ولما كان له حكمها عند بعض العلماء كره تطوعاً لعدم المعارض القوي (2) (وقال) الأوزاعي وإسحق والشافعي في القديم وأحمد في رواية: لا يجوز صيام أيام التشريق إلا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة الأيام في تسع ذي الحجة (لقول) ابن عمر: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة. فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام مني، أخرجه البخاري (3).
(وقال) ابن عمر: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق" أخرجه الدارقطني وفيه يحيي بن سلام ليس بالقوي (4){77}
(1) انظر ص 144 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم أيام التشريق) وص 435 ج 1 مستدرك وص 166 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 260 ج 4 بيهقي. وص 24 ج 2 الدارمي. و (إني صائم) قاله ابن عمرو ففي الموطأ عن أبي مرة عن ابن عمرو أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو فوجده يأكل قال فدعاني فقلت له: إني صائم (الحديث)(انظر ص 223، 224 ج 2 زرقاني الموطأ- صيام أيام مني).
(2)
انظر ص 53 ج 2 (حكمة البصير للشيخ الإمام).
(3)
انظر ص 174 ج 4 فتح الباري (صيام أيام التشريق).
(4)
انظر ص 24 الدارقطني.
(وهذا) الحديث وإن تكلم فيه يؤيده عموم قول الله تعالى "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج (1) " فإن الآية عامة فيما قبل يوم النحر وما بعده. فتدل على جواز صيام أيام التشريق للمتمتع. وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن بالصيام وعموم الحديث المشعر بالنهي. وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعاً فكيف، وفي كونه مرفوعاً نظر (2)(فالراجح) القول بجواز صيام أيام التشريق للمتمتع دون غيره حملاً للأحاديث المطلقة في النهي عن صيامها على المقيدة بإباحة صومها للمتمتع.
…
(فائدة) هل يصح نذر صوم أيام التشريق؟ (روي) محمد بن الحسن عن النعمان أنه يصح نذر صومها، لكن الأفضل أن يفطر فيها ويصوم أياماً أخر ولو صامها يكون مسيئاً، وإن خرج عن عهدة النذر، لأنه أوجب صومها ناقصاً وأداه ناقصاً (وروي) أبو يوسف عن النعمان انه لا يصح نذر صومها ولا يلزمه شي. ولو شرع في صومها ثم أفسده هل يلزمه القضاء؟ (3) فيه خلاف تقدم بيانه في صوم يومي العيد (وقالت) الشافعية: يجوز صوم هذه الأيام لسبب كنذر أو كفارة أو قضاء. أما ما لا سبب له فلا يجوز فيها اتفاقاً.
(4)
صوم يوم الجمعة: يكره- عند أبي يوسف والشافعي وأحمد- إفراده بالصوم إلا أن يوافق عادة له (الحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده" أخرجه البيهقي والستة إلا النسائي. وقال الترمذي: حسن صحيح (4){78}
(1) سورة البقرة: آية 196.
(2)
انظر ص 174 ج 4 فتح الباري (الشرح).
(3)
انظر ص 79 ج 2 بدائع الصنائع.
(4)
انظر ص 167 ج 4 فتح الباري وص 18 ج 8 نووي (كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته) وص 168 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 54 ج 2 تحفة الأحوذي وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 02 ج 4 بيهقي. و (لا يصم) بالنهي وفي رواية البخاري والترمذي: لا يصوم. بالنفي، والمراد منه النهي.
(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي. ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" أخرجه مسلم والبيهقي (1){79}
…
(حمل) الجمهور النهي في الحديثين ونحوهما على الكراهة (وحمله) ابن حزم على الحرمة فقال: يحرم إفراد يوم الجمعة بصوم (وقال) الطحاوي: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه والآخر منهما النهي، لأن فيه وظائف فلعله إذا صام ضعف عن فعلها (وعن) النعمان ومالك ومحمد بن الحسن: أنه يباح صوم يوم الجمعة مطلقاً (قال) مالك في الموطإ: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومن يقتدي به ينهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن (وقال) ابن مسعود:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثةً أيام من غرة كل هلال وقلما يفطر يوم الجمعة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حبان وصححه والترمذي وحسنه (2){80}
لكن لا يتم الاستدلال به، لأن المعنى أنه كان يصوم يوم الجمعة مع يوم قبله أو بعده لا أنه كان يصومه وحده (فقد) نهى صلى الله عليه وسلم عن إفراده بالصوم. ولعل النعمان ومالكا ومن معهما لم يبلغهما أحاديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ولو بلغتهم لم يخالفوها وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (واختلف) في سبب النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم على أقوال (منها) أنه يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتبكير إلى صلاة الجمعة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها، لقول الله تعالى:
(1) انظر ص 18 ج 8 نووي وص 302 ج 4 بيهقي (النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم).
(2)
انظر ص 219 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال) وص 123 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم. وص 270 ج 1 - ابن ماجه (صيام يوم الجمعة) وص 294 ج 4 بيهقي. وص 54 ج 21 تحفة الأحوذي.
"فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون (1) " وغير ذلك من العبادات المطلوبة يومها فاستحب الفطر فيه، ليكون أعون للمؤمن على تأدبة هذه الوظائف بنشاط وانشراح بلا ملل ولا سآمة (ومنها) أن يوم الجمعة يوم للعيد الأسبوعي والعيد لا يصام (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده" أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد (2){81}
ولا يلزم من هذا أن يكون كالعيد من كل وجه؛ فإنه يباح صومه مع يوم قبله أو بعده أو وفق عادة بخلاف العيد فإنه لا يصام مطلقاً.
(5)
إفراد يوم السبت أو الأحد بصيام: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التطوّع بصوم يوم السبت وأباح صومه مع الجمعة وصامه هو مع الأحد (روي) عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فلميضغه" أخرجه احمد والأربعة والدارمي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وصححه ابن السكن وحسنه الترمذي (3){82}
…
(وقال) ومعنى الكراهية في هذا أن يختص الرجل يوم السبت بصيام،
(1) سورة الجمعة: آية 10.
(2)
انظر ص 148 ج 10 - الفتح الرباني (إفراد يومي الجمعة والسبت يصوم). وص 437 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 152 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن إفراد يومي الجمعة والسبت بالصيام) وص 170 ج 10 - المنهل العذب المورود (النهي أن يخصص يوم السبت بصوم) وص 54 ج 3 تحفة الأحوذي. وص 270 ج 1 - ابن ماجه وص 19 ج 2 دارمي: وص 302 ج 4 بيهقي وص 435 ج 1 مستدرك (والصماء) لقب واسمها بهيمه أو نهيمه صحابية. و (لحاء) ككساء قشر الشجرة و (يمضغ) بفتح الضاد وضمها.
لأن اليهود يعظمون يوم السبت (وعن) جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها في يوم الجمعة وهي صائمة فقال "أصمت أمس؟ قالت: لا قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري" أخرجه احمد والبخاري وأبو داود والشافعي والبيهقي (1){83}
(دل) الحديث على أن من شرع فيما يظنه طاعة فتبين له خلافه يطلب منه قطعه وفيه دلالة على إباحة صوم يوم السبت موصولاً بما قبله (وقالت) أم سلمة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد اكثر مما يصوم من الأيام ويقول "إنهما عيدا المشركين. فأنا أحب أن أخالفهم" أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم وابن خزيمة وصححاه. وهذا مختصر (2){84} فالنهي عن صوم السبت في الحديث الأول، محمول على إفراده بالصوم. وأما إذا وصله بيوم قبله أو بعده كما في الحديثين بعده فجائز (ولذا) قال الحنفيون والشافعي وأحمد: يكره إفراد السبت بالصوم إن لم يوافق عادة له.
…
(والحكمة) في النهي عن صومه أن اليهود كانوا يعظمونه باتخاذه عيداً، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم مخالفتهم (وقال) مالك وجماعة: لا يكره صومه ولو منفرداً. ولا دليل لهم على هذا (وقول) أبي داود: حديث عبد الله بن يسر منسوخ (غير) مقبول وأي دليل على نسخه؟ (3)
(1) انظر ص 150 ج 10 - الفتح الرباني وص 167 ج 4 فتح الباري (صوم يوم الجمعة) وص 172 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 302 ج 4 بيهقي.
(2)
انظر ص 224 ج 10 - الفتح الرباني (صيام السبت والأحد). وص 303 ج 4 بيهقي (النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم) وص 436 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 440 ج 6 مجمع النووي (وقال) مالك: هذا الحديث كذب. وهذا القول لا يقبل فقد صححه الأئمة. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري (انظر ص 439 ج 6 مجموع النووي).
(ويكره) إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان (1) بالصوم، لأنهما يومان يعظهما الكفار فيكون تخصصيهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم (2) كيوم الأحد إذا كانوا يعظمونه بالصوم. أما إذا عظموه بغيره فلا يكون صومه تشبهاً بهم (قال) العلامة القسطلاني: وقد ورد أيضاً النهي عن إفراد صوم يوم الأحد، لأن النصارى تعظمه كما أن اليهود تعظم يوم السبت (3).
…
(6) صوم الدهر: ورد النهي عن صومه فيحرم صوم السنة كلها بما فيها أيام العيد والتشريق (وعليه) يحمل حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صام من صام الأبد" أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه (4){85}
…
(وحديث) عبد الله بن الشخير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر" أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان بسند جيد (5){86}
…
وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك عن الطعام والشراب ولأنه إذا اعتاد الصوم لم يجد
(1)(النيروز) بفتح فسكون معرب نوروز بالفارسية ومعناه يوم جديد وهو أول توت و 22 سبتمبر أول فصل الخريف. و (المهرجان) يوم 29 برمهات و 25 مارس وهو يوم الاعتدال الربيعي.
(2)
انظر ص 98 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(3)
انظر ص 59 مدارك المرام.
(4)
انظر ص 156 ج 10 - الفتح الرباني (النهي عن صوم الدهر). وص 158 ج 4 فتح الباري (حق الأهل في الصوم). وص 45 ج 8 نووي. وهو في الصحيحين عجز حديث. وص 268 ج 1 - ابن ماجه.
(5)
انظر ص 157 ج 10 - الفتح الرباني. وص 268 ج 1 - ابن ماجه (صيام الدهر).
مشقه يترتب عليها مزيد الثواب فكأنه لم يصم. وحيث لم ينل راحة المفطرين فكأنه لم يفطر. ويحتمل انه دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك كراهة لفعله وزجراً له عن ذلك.
(وحديث) أبي قتادة أن عمر رضي الله عنه قال: "يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؛ قال: لا صام ولا أفطر أو ما صام وما أفطر"(الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود مطولاً والنسائي والترمذي وحسنه (1){87}
فإن ظاهره أنه تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه ورغبته عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاده أن غيرها أفضل. وهذا وعيد شديد يقتضي الحرمة (2)، وحمله الجمهور كغيره على من صام السنة كلها وفيها الأيام المنهي عن صومها (3)، أما لو صام السنة غير الأيام المنهي عنها فهو
(1) انظر ص 160 ج 10 - الفتح الرباني (ما يستحب صومه وما يكره) وص 51 ج 8 نووي. وص 173 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 61 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 324 ج 1 مجتبي (النهي عن صوم الدهر).
(2)
انظر ص 159* ج 4 فتح الباري.
(3)
(وحمله الجمهور)(وقيل) بأن على فيه بمعنى عن أي ضيقت عنه فلا يدخلها. وذلك أن الصائم لما ضيق مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار. فلا يبقى له فيها مكان.
جائز (لحديث) أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن الآن الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام" أخرجه أحمد وابن حبان والبيهقي بسند رجاله ثقات (1){89}
فإن متابعة الصيام تشمل صيام الدهر (وعن) عائشة أن حمزة الأسلمي رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إني رجل أشرد الصوم أفأصوم في السفر؟ قال: صم إن شئت وأفطر إن شئت" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي والدارمي والنسائي (2){90}
…
فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على متابعة الصوم في غير الأيام المنهي عن صيامها. وفيه دلالة على أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف منه ضرراً ولا يفوت به حقاً بشرط فطر يومي العيدين وأيام التشريق لأنه أذن له فيه في السفر ففي الحضر أولى.
…
(وأما) إنكاره صلى الله عليه وسلم على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر (فلأنه) علم صلى الله عليه وسلم أنه سيضعف عنه. وهكذا جرى فإنه ضعف في آخر عمره وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). (وقال) أبو الخطاب الحنبلي: والذي يقوي عندي أن صوم الدهر مكروه وإن لم يصم الأيام المنهي عن صيامها، فإن صامها فقد فعل محرماً،
(1) انظر ص 192 ج 3 - مجمع الزوائد (صيام الدهر). وص 301 ج 4 - بيهقي (من لم يرد بسرد الصيام بأساً).
(2)
انظر ص 100 ج 10 - الفتح الرباني (الفطر والصوم في السفر) وص 129 ج 4 فتح الباري. وص 237 ج 7 نووي. وص 146 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 324 ج 1 - مجتبي (سرد الصيام) وص 243 ج 4 بيهقي. وص 97 ج 2 - دارمي.
(3)
انظر ص 237 ج 7 - نووي مسلم.
وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه (1).
(7)
وصال الصوم- الوصال هو صوم يومين فأكثر بلا فطر بينهما قصداً- فليس منه الإمساك عن الفطر بلا قصد- وهو منهي عنه (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال- قالها ثلاث مرار- قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: "إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فاكلفوا من العمل ما تطيقون" أخرجه مالك وأحمد والشيخان والبيهقي (2){91}
…
(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا"، قالوا: يا رسول الله إنك تواصلُ، قال:"إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكل بهم" أخرجه أحمد وكذا الشيخان والبيهقي بلفظ: نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال (الحديث)(3){92}
(1) انظر ص 99 ج 3 - مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 109 ج 2 - زرقاني الموطأ (النهي عن الوصال) وص 79 ج 10 - الفتح الرباني وص 148 ج 4 فتح الباري (التنكيل لمن أكثر الوصال) وص 212 و 213 ج 7 نووي وص 282 ج 4 بيهقي و (يطعمني ربي ويسقيني) أي يجعله الله تعالى في قوة الطاعم الشارب (وقيل) وعلى ظاهره وأنه يطعم من طعام الجنة كرامة له. والصحيح الأول، لأنه لو أكل حقيقة لم يكن مواصلاً (ويؤيده) قوله في حديث ابن عمر رقم 93 - إني أظل أطعم يقال ظل يفعل كذا إذا عمله في النهار دون الليل. ولا يجوز أن يكون أكلا حقيقياً في النهار (فاكلفوا) - بهمزة وصل وسكون الكاف وفتح اللام- من كلفت بهذا الأمر من باب تعب أي تكلفوا من العمل ما تطيقونه.
(3)
انظر ص 83 ج 10 - الفتح الرباني وص 147 ج 4 فتح الباري وص 212 ج 7 نووي وص 282 ج 4 بيهقي.
(وإنما) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم لئلا يشق عليهم (روي) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناسُ فشق عليهم فنهاهم، قالوا: إنك تواصل، قال:"لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأشقى" أخرجه البخاري (1){93}
…
وهل النهي للتحريم؟ (قال) الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور: إنه للكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بالصحابة ولو كان حراماً ما واصل بهم وقال ابن حزم والظاهرية: النهي للتحريم واختاره ابن العربي المالكي أخذاً بظاهر النهي (ورد) بأنه مصروف عن التحريم (بحديث) أبي هريرة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه (وبحديث) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمهما على أحد. أخرجه أحمد بسند صحيح (2){94}
…
(وقال) أحمد وإسحاق وابن المنذر وبعض المالكية: يجوز الوصال إلى السحر ويكره الزائد عليه (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر (الحديث) أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (3){95}
(قالوا) هذا الوصال لا يترتب عليه مشقة ولا حرج، فقد تناول الأكلة التي للصائم في اليوم والليلة غير أنه نقلها من أول الليل إلى آخره، وكان هذا عوناً على قيام الليل. (ولا يخفى) أن محل ذلك لم يشق على الصائم وإلا فلا يكون قربة. (وفي) الحديثين رد على من قال: إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز
(1) انظر ص 98 ج 4 فتح الباري (بركة السحور ............ )
(2)
انظر ص 36 ج 10 - الفتح الرباني.
(3)
انظر ص 85 ج 10 - الفتح الرباني (الوصال إلى السحر) وص 149 ج 4 فتح الباري وص 85 ج 10 - المنهل العذب المورود (الوصال).
وإن كان تعجيل الفطر أفضل كما سيأتي (والظاهر) مذهب الجمهور: أن الوصال مكروه، لأن الأدلة صريحة في الكراهة. وقد واصل الصحابة رضي الله عنهم بعد النهي للتنزيه لا للتحريم (تنبيه) علم أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بأصحابه يومين، وواصل أحياناً إلى السحر وثبت أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً. أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح.
…
(8) الصوم في النصف الثاني من شعبان- يكره- عند الشافعية- صوم التطوع في النصف الثاني من شعبان إلا صوماً اعتاده أو وصله بصوم في النصف الأول (لحديث) العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان" أخرجه أحمد والأربعة وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ (1){96}
ولفظه عنده: إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا (والنهي) هنا للتنزيه رحمة بالأمة أن يضعفوا عن صيام رمضان على وجه النشاط، وأما من صام شعبان كله فقد تمرن على الصوم وتزول عنه الكلفة ولذا قيده بالانتصاف (وقيل): نهى عن الصوم في النصف الثاني من شعبان لأنه نوع من التقدم المنهي عنه (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد والجمهور: لا يكره صوم التطوع في النصف الثاني من شعبان (لحديث) عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لرجل: "هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟ يعني شعبان. قال: لا. قال: فإذا أفطرت "فصم يومين" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والدارمي (2){97}
(1) انظر ص 205 ج 10 - الفتح الرباني وص 56 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 51 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان).
(2)
تقدم رقم ص 384 (صوم يوم الشك).
وتقدم أنه يدل على أن من اعتاد الصوم في النصف الثاني من شعبان فله صومه بلا كراهة وأن من عليه صوم واجب كمنذر فله أن يؤديه فيه، فإن ضاق عليه الوقت ودخل رمضان قضاء في شوال (وأجاب) الجمهور عن حديث العلاء بأنه ضعيف، فقد قال أحمد وابن معين: إنه منكر (واستدل) البيهقي على ضعفه بحديث: لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين (1) فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، واستدل الطحاوي على ضعفه بحديث عمران ابن حصين (2).
(9)
صوم المرأة وزوجها حاضر: لا يحل للمرأة المتزوجة أن تصوم تطوعاً وزوجها حاضر إلا بإذنه (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصم المرأة يوماً واحداً وزوجها شاهد إلا بإذنه إلا رمضان" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي والدارمي (3){98}
…
فيحرم على امرأة- يحتاجها بعلها- تطوّع بصلاة أو صوم أو اعتكاف أو حج أو عمرة بلا إذن من الزوج. وكذا ليس لها نذر شيء من ذلك بلا إذن. فإذا تطوّعت بشيء من ذلك أو نذرته بلا إذن فله إفساده عليها بالجماع ويلزمها قضاؤه. وأولى لو استأذنته فقال لها لا تصومي مثلاً فأصبحت صائمة فله جماعها.
(1) تقدم رقم 69 ص 384 (صوم يوم الشك).
(2)
جمع الطحاوي بين حديث العلاء وحديث: لا تقدموا صوم رمضان، بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن (انظر ص 91 ج 4) فتح الباري.
(3)
انظر ص 166 ج 10 - الفتح الرباني وص 236 ج 9 فتح الباري (صوم المرأة بإذن زوجها) وص 115 ج 7 نووي (أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها) وص 232 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 303 ج 4 بيهقي وص 12 ج 2 دارمي.
وكذا لو دعاها لفراشه فأحرمت بصلاة نافلة أو فريضة متسعة الوقت فله قطعها وضمها إليها بخلاف ما ضاق وقته. وفي قطع الفرض إذا اتسع وقته نظر، لأن الصلاة أمرها يسير وهي فرض تلبست به وتريد براءة ذمتها. فإن أذن لها في نذر أو تطوع فليس له إفساده عليها. وإن علمت أنه لا يحتاج لها الزوج جاز لها التطوّع بلا إذن. ولها تعجيل قضاء ما عليها من صوم وله منعها بالأولى من فرض اتسع وقته (1)(وحكمة) حرمة ما ذكر على المرأة أن زوجها له حق الاستمتاع بها في أي وقت وهو واجب على الفور فلا يفوت بالتطوع ولا بواجب على يكره تطوعها بصوم وغيره بلا إذن زوجها. والصحيح الحرمة. فلو صامت بلا إذن صح صومها وإن كان حراماً، لأن تحريمه لحق الزوج لا لمعنى يعود على الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة فإذا صامت بلا إذن فلا ثواب لها (2).
أما لو كان الزوج غائباً فلها التطوّع بما ذكر، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها بلا كراهة، وفي معنى الغيبة كونه مريضاً لا يستطيع الجماع (3).
…
(10) ويكره لضيف تطوع بصوم بلا إذن رب المنزل (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ألبسه الله نعمى فليكثر من الحمد لله، ومن كثرت ذنوبه فليستغفر الله، ومن أبطأ رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن نزل بقوم فلا يصومنَّ إلا بإذنهم" أخرجه الطبراني
(1) انظر ص 659 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
انظر ص 392 ج 6 مجموع النووي.
(3)
انظر ص 238 ج 9 فتح الباري.