المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) زكاة النعم - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(أ) زكاة النعم

(12)

ركن الزكاة:

هو تمليك الحق الواجب في المال لمستحقه بتسليمه إليه أو إلى نائبه مع قطع المنفعة عن المالك من كل وجه لقوله تعالى: "وآتوا الزكاة" والإيتاء التمليك. وقوله: "إنما الصدقات للفقراء. . . . . . الآية" واللام تفيد التمليك فلا تدفع الزكاة فيما لا تمليك فيه، كبناء مسجد أو إصلاح طريق أو تكفين ميت فقير أو قضاء دينه ولو بأمره قبل موته، لأن قضاء دين الحي لا يقتضي التمليك للمدين، ففي الميت أولي. أما قضاء دين الحي الفقير بإذنه فإنه يجوز باعتبار أنه تمليك للمدين والدائن يقبضه بالنيابة.

(13)

أنواع الزكاة:

هي نوعان: زكاة مال، وزكاة رأس، وهي صدقة الفطر (فزكاة) المال تكون في النعم والأثمان والعروض والزروع والثمار والمعادن، وهاك بيانها مرتبة:

(أ) زكاة النعم

النعم- بفتحتين- الإبل والبقر والغنم. وتفترض فيها الزكاة- بالسنة والإجماع- إذا بلغت نصابا وحال عليها

الحول وكانت سائمة- وهي التي تكتفي بالرعي في كلأ مباح في أكثر السنة- عند الحنفيين وأحمد، ولا عبرة لعلفها أقل الزمن لأنه لا يمكن الاحتزاز عنه، إذ لا توجد المرعى في كل سنة. والصحيح عند الشافعية أنها إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت الزكاة وإلا فلا. والماشية تصبر عن العلف اليومين ولا تصبر الثلاثة (ودليل ذلك) ما في حديث أنس من قول النبي صلى الله عليه وسلم:"وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي رواية للبخاري والنسائي: "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها"(1). {32}

(1) انظر ص 214 ج 8 - الفتح الرباني (كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة) وص 140 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 340 ج 1 مجتبي (زكاة الغنم) وص 206 ج 3 فتح الباري (زكاة الغنم) وص 338 ج 1 مجتبي (زكاة الإبل).

ص: 138

وعن معاوية بن حيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في كل خمس ذود سائمة صدقة" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله موثقون (1). {33}

(قيد) وجوب الزكاة بالسائمة فدل على أن المعلوفة لا زكاة فيها. (وقال) مالك والليث: تجب الزكاة في الماشية ولو معلوفة أو عاملة متى بلغت النصب للإطلاق في عدة أحاديث:

(منها) حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" الحديث أخرجه الجماعة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد روى من غير وجه (2). {34}

(وحديث) معاذ أن النبي صلى اله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (3). {35}

(وأجابوا) عن أدلة الجمهور بأن التقييد فيها بالسائمة خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، ويحتمل أن يكون ذكر السائمة لأن النعم وقتئذ كانت سائمة.

(1) انظر ص 70 ج 3 مجمع الزوائد (ما تجب فيه الزكاة) و (خمس) مضاف إلى (ذود) بفتح فسكون، والذود من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر، وهو مؤنث لا واحد له من لفظه.

(2)

انظر ص 240 ج 8 الفتح الرباني (زكاة الذهب والفضة) وص 199 ج 3 فتح الباري (زكاة الورق) وص 52 ج 7 نووي (الزكاة) وص 123 ج 9 - المنهل العذب المورود (ما تجب فيه الزكاة) وص 336 ج 1 مجتبي (زكاة الإبل) وص 6 ج 2 تحفة الأحوذي (صدقة الزرع والثمر).

(3)

انظر ص 221 ج 8 - الفتح الرباني (زكاة البقر) وص 172 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 5 ج 2 تحفة لأحوذي.

ص: 139

(وأجاب) الجمهور عن هذا بأن الأصل في القيود في كلام الشارع اعتبارها فلا يترك ظاهرها والعمل بمفهومها إلا بدليل، ولا دليل يقضي بعدم اعتبار القيد، فذكر السوم لابد له من فائدة يعتد بها صيانة لكلام الشارع عن اللغو. والمتبادر منه أن للمذكور حكما يخالف المسكوت.

(ويؤيده) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسن أو مسنة" أخرجه الطبراني في الكبير وفي ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس (1). {36}

(وحديث) أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهم"(الحديث) وفيه: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء" أخرجه أبو داود والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي (وقال) ابن القطان: إسناده صحيح (2). {37}

(وقد) روى مرفوعا وموقوفا، والموقف في هذا الباب له حكم الرفع. (وبهذا) يظهر أن ما ورد في زكاة المواشي مطلقا عن ذكر السوم غير باق على العموم لوجود ما يخصصه نصا أو قياسا (ومنه) تعلم أن الراجح مذهب الجمهور (وقال) ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بقول مالك والليث من فقهاء الأمصار، ثم الكلام ينحصر في تسعة فروع:

(1) انظر ص 75 ج 3 مجمع الزوائد (بيان الزكاة).

(2)

انظر ص 158 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة)، وص 99 ج 4 بيهقي (كيف فرض صدقة البقر)؛ وص 204 - الدارقطني، وص 14 ج 2 - ابن أبي شيبة، وص 360 ج 2 نصب الراية. و (التبيع) ولد البقرة في السنة الأولى.

ص: 140

(1)

زكاة الإبل:

الإبل: اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهو يشمل العربي والبختي، وهو المتولد بين عربي وعجمي- منسوب إلى بختنصر- فهما في الزكاة سواء، وأقل نصاب الإبل خمس، ففيها إلى تسع شاة ثني من الضأن وهو ما تم له سنة، ولا يجزئ الجذع وهو ما أتى عليه أكثر السنة، وفي عشر إلى أربع عشرة شاتان، وفي خمس عشرة إلى تسع عشرة ثلاث شياه. وفي عشرين إلى أربع وعشرين أربع شياه. وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض- وهي التي تم لها سنة ودخلت في الثانية- سميت بذلك لأن أمها تصير في الغالب ذات لبن لأخرى. وفي ست وأربعين إلى ستين حقة- بكسر الحاء- وهي التي دخلت في السنة الرابعة وحق لها أن تركب وتحمل. وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة- بالذال المعجمة وهي التي دخلت في الخامسة وأجذعت، أي أسقطت مقدم أسنانها- وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة. واعتبر في الكل الأنوثة لما فيها من منفعة الدر والنسل. وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون. وفي إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة حقتان.

(وعلى هذا) أجمعت الأمة واتفقت الآثار واشتهرت كتب الصدقات عن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن) أحسنها حديث أنس أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة إلى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر اله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاه، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض

ص: 141

أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي، وهذا لفظ البخاري (1). {38}

ثم بعد عشرين ومائة تستأنف الفريضة عند الحنفيين والثوري. ففي كل خمس- تزيد على عشرين ومائة- شاة مع الحقتين إلى خمس وأربعين ومائة ففيها حقتان وبنت مخاض، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق. ثم تستأنف الفريضة. فيجب في كل خمس شاة مع ثلاث حقاق إلى خمس وسبعين ومائة ففيها بنت مخاض \وثلاثة حقاق. وفي ست وثمانين ومائة بنت لبون وثلاث حقاق. وفي ست وتسعين ومائة إلى مائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون. ثم تستأنف الفريضة كما استؤنفت في الخمسين التي بعد المائة والخمسين.

(واستدلوا) بحديث حماد بن سلمة: قلت لقيس بن سعد: اكتب لي كتاب أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، فأعطاني كتابا أخبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتبه لجده عمرو بن حزم فكان فيه:"فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل" أخرجه أبو داود في المراسيل والطحاوي (2). {39}

(وفي رواية) عن قيس بن سعد قلت: لأبي بكر بن عمرو بن حزم: أخرج لي كتاب الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: فأخرج لي كتابا فيه: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة.

(1) انظر المراجع برقم 18 ص 118 (شروط الزكاة).

(2)

انظر ص 14 مراسيل، وص 417 ج 2 شرح معاني الآثار، وص 343 ج 2 نصب الراية.

ص: 142

(وقال) الشافعي والأوزاعي وابن القاسم المالكي: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة بواحدة ففيها ثلاث بنات لبون، وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وهكذا في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وهو رواية عن أحمد (لقول) ابن شهاب: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله ابن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر. فذكر الحديث (وفيه) فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقه حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وحدت أخذت" (الحديث) أخرجه أبو داود والحاكم والدارقطني (1). {40}

(ومشهور) مذهب المالكية كمذهب الشافعي، غير أنهم حملوا الزيادة على عشرين ومائة على عشرة لا على واحدة وهو رواية عن أحمد (قالوا) إن زادت الإبل على مائة وعشرين، فإذا كانت الزيادة من واحد وعشرين إلى

(1) انظر ص 155 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 393 ج 1 مستدرك، وص 205 - الدارقطني.

ص: 143

تسع وعشرين ومائة اختار الساعي حقتين أو ثلاث بنات لبون، وإن كانت الزيادة عشرات بأن بلغت مائة وثلاثين أو أربعين أو خمسين تغير الواجب وتقدر في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة (1).

(واستدلوا) بقوله في حديث أنس: فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة (2).

(وأجاب) الحنفيون: بأنه لا تعارض بين هذا وبين ما في حديث حماد ابن سلمة لحمل الزيادة في هذا على الزيادة الكثيرة جمعا بين الأخبار (روى) سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كتب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاه"(الحديث) وفيه عند أحمد: فإذا زادت (يعني على تسعين) ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون" (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه (3). {41}

(وقال) والعمل على هذا عند عامة الفقهاء.

(وجملة) القول في زكاة الإبل أنهم أجمعوا على أن في أربع وعشرين فما دونها الغنم، وعلى أن في خمس وعشرين بنت مخاض، وعلى أن مقدار

(1) انظر ص 530 ج 1 - الفجر المنير.

(2)

تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل).

(3)

انظر ص 207 ج 8 - الفتح الرباني (ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة) وص 153 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 3 ج 2 تحفة الأحوذى (زكاة الإبل والغنم) وقال الترمذي في العلل: سألت بالخاري عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون محفوظا، وسفيان بن حسين صدوق. قال المنذري: حديثه عن الزهري فيه مقال. (وقال) البيهقي: تابع سفيان بن حسين- على وصله- سليمان بن كثير، وهو ممن اتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه.

ص: 144

الواجب في الإبل إلى مائة وعشرين على ما في حديث أنس (1): فإذا زادت على مائة وعشرين، فمذهب الشافعي والأوزاعي وأحمد وأبو داود أن في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة كما سبق. (وعن) مالك روماية كمذهب الشافعي، ورواية ثالثة أن الساعي يتخير في مائة وإحدى وعشرين بين ثلاث بنات لبون وحقتين.

(وقال) إبراهيم النخعي والثوري والحنفيون: إذا زادت الإبل على عشرين ومائة تستأنف الفريضة. فيجب في خمس وعشرين ومائة حقتان وشاة، وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان، وهكذا على ما تقدم (2).

(2)

ما يؤخذ في الزكاة عند عدم السن المطلوب:

من لزمه سن كبنت لبون توجد عنده دفع أدنى منه والفرق بين السنين وهو شاتان أو عشرون درهما عند الشافعي وأحمد أو دفع أعلى وأخذ الفرق (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين- إن استيسرتا له- أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين"(الحديث) أخرجه الجماعة، إلا مسلما والترمذي (3). {42}

(1) تقدم رقم 38 ص 141.

(2)

انظر ص 400 ج 5 مجموع النووي.

(3)

انظر ص 203 ج 3 فتح الباري (من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنهد) وتقدم الحديث رقم 18 ص 18 (شروط الزكاة).

ص: 145

(وقال) الحنفيون: من لزمه سن ولم يوجد عنده يدفع أدنى منه والفرق بين السنين بالغا ما بلغ- ويجبر الساعي على قبول ذلك- أو يدفع أعلى من السن الواجب ويأخذ الفرق بين السنين من الساعي إن شاء لأنه في حكم البيع، وهو مبني على التراضي أو يدفع قيمة السن المطلوب مستدلين (بحديث) أنس المذكور، وتقدير الفرق فيه بالشاتين أو العشرين درهما بناء على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمنهم لا أنه تقدير لازم (وقال) مالك: يلزم رب المال بإحضار السن الواجب ولو بالشراء (والظاهر) المعقول ما ذهب إليه الحنفيون. واله ولي التوفيق.

(3)

زكاة البقر:

البقر: اسم جنس واحدة بقرة ذكرا أو أنثى، وهو يشمل الجاموس، فهما في الزكاة سواء- سمي بقرا لأنه يبقر الأرض أي يشقها- وليس في أقل من ثلاثين منه زكاة بالإجماع، فإن كان ثلاثين سائمة متخذة للنسل والدر لا للتجارة وحال عليها الحول ففيها تبيعة أو تبيع له سنة عند الجمهور، وتشهد له اللغة.

(وقال) مالك: التبيع ماله سنتان- سمي بذلك لأنه يتبع أمه- أما إن كانت للتجارة فالمعتبر أن تبلغ قيمتها نصابا وكذا الإبل والغنم. وإذا كانت أربعين ففيها مسنة أو مسن عند الحنفيين. والمسن ما له سنتان عند الجمهور (وقال) مالك: المسن ماله ثلاث سنين.

(ودليل) ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسن أو مسنة" أخرجه الطبراني في الكبير وفي ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس (1). {43}

(1) تقدم رقم 36 ص 14 (زكاة النعم).

ص: 146

(وقال) غير الحنفيين: يلزم في الأربعين مسنة أنثى للاقتصار عليها في أكثر الروايات كرواية أبي وائل بن سلمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة" أخرجه أحمد والثلاثة، وهذا لفظ النسائي (1). {44}

ولا شيء فيما زاد على الأربعين إلى تسع وخمسين عند الثلاثة وأبي يوسف ومحمد. وروى عن النعمان وهو المختار وعليه الفتوى عند الحنفيين (لقول) معاذ: "بعثني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصدق أهل اليمن وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا- والتبيع: الجذع أو الجذعة- ومن كل أربعين مسنة. قال: فعرضوا على أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذاك وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعا ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاثة اتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنتين وتبيعا ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة اتباع، وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا، وقال: إن الأوقاص لا فريضة فيها" أخرجه أحمد والبزار وهو ضعيف لأن في سند أحمد مجهولا وفي سند البزار الحسن بن عمارة وهو ضعيف (2). {45}

(1) انظر ص 219 ج 8 - الفتح الرباني (جامع لأنواع تجب فيها الزكاة) وص 5 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة البقر) وص 172 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 339 ج 1 مجتبي (زكاة البقر).

(2)

انظر ص 221 ج 8 - الفتح الرباني (زكاة البقر وما جاء في الوقص) و (أصدق) بفتح الصاد وشد الدال: أي اجمع منهم الصدقة (فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم إلخ لم يرجع من اليمن إلى المدينة إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (روى) طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك، فأبي أن يأخذ منه شيئا وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأساله، فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ أخرجه مالك في الموطأ والبيهقي، انظر ص 98 ج 4 بيهقي (كيف فرض صدقة البقر).

ص: 147

(وظاهر) الرواية عند النعمان أن فيما زاد عن الأربعين من البقر بحسابه. ففي الواحدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنين نصف عشر مسنة وهكذا، لأن الأصل أن لا يخلو المال عن شكر نعمته بعد بلوغه النصاب، والعفو لا يثبت إلا بنص، والمراد بالأوقاص في دليل الجمهور الصغار فلا تسقط الزكاة بالشك بعد تحقق السبب.

(وروى) الحسن بن زياد عن النعمان أنه لا شيء فيما زاد عن الأربعين إلى الخمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع، لأن نصاب البقر مبني على أن يكون بين كل عقدين وقص وفي كل عقد واجب بدليل ما قبل الأربعين وبعد الستين، فيكون ما بين الأربعين والخمسين كذلك (ورد):

(أ) بقول معاذ في الحديث السابق: وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا.

(ب) وبقوله: "لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم في أوقاص البقر بشيء" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (1). {46}

(قال) ابن عبد البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن النسبة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها (2).

(1) أنظر ص 73 ج 3 مجمع الزوائد (بيان الزكاة).

(2)

(وأما قول) ابن جرير الطبري: صح الإجماع أن في كل خمسين بقرة بقرة فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك فمختلف ولا نص في ايجابه (فمردود) بما تقدم من الأحاديث وإن كان في بعضها مقال لكنها لكثرتها يقوي بعضها بعضا (وكذا) ما رواه معمر عن الزهري عن جابر ابن عبد الله قال: "في كل خمس من البقر شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياه، فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بقرة بقرة (قال) معمر قال الزهري: وبلغنا أن قولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين بقرة بقوة أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ثم كان هذا بعد ذلك" أخرجه البيهقي وقال: فهذا حديث موقوف ومنقطع، والمنقطع لا تثبت به حجة، وما قبله أكثر وأشهر (انظر ص 99 ج 4 بيهقي).

ص: 148

(فوائد)

(الأولى) لا يخرج الذكر في الزكاة إلا في البقر والغنم. (قال) الخطابي: يشبه أن يكون ذلك لقلة نصاب البقر وانحطاط نوعه فيسوغ إخراج الذكر منه ما دام قليلا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون (1)، يعني فتتعين حينئذ الأنثى وهي المسنة عند غير الحنفيين، أما هم فقد سووا بين الذكر والأنثى في كل نصب البقر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما السابق (2).

(وحكمة ذلك التقارب بين الذكر والأنثى في البقر والغنم دون الإبل، وعليه فابن اللبون في الغبل ليس بأصل إنما هو بدل من ابنة المخاض، ولهذا لا يجزئ مع وجودها.

(الثانية) لرب المال أن يعطي المسنة عن التبيع والتبيعين عن المسنة أو يخرج أكثر منها سنا عنها، فإذا وجب تبيع فأخرج تبيعة أو مسنة أو مسنا قبل منه لأنه أكمل من الواجب، ولو وجب مسنة فأخرج تبيعين قبل منه، وإن أخرج مسنا لم يقبل (3) عند غير الحنفيين على ما تقدم.

(1) انظر ص 34 ج 2 معالم السنن.

(2)

تقدم رقم 43 ص 146 (زكاة البقر).

(3)

انظر ص 416 ج 5 مجموع النووي.

ص: 149

(الثالثة) لا مدخل للجبران في غير زكاة الإبل. فإذا وجب تبيع أو مسنة ففقده لم يجز الصعود لسن أعلى ولا النزول لأسفل مع الجبران لعدم ورود النص به. والعدول إلى غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز.

(الرابعة) لا زكاة في بقر الوحش على الأصح عند الجمهور، لأن اسم البقر لا ينصرف إليها عند الإطلاق، ولأنه لا يتأتى فيها تحقق نصاب مع السوق وحولان الحول، ولأنها لا تجزئ في الضحية والهدى فلا تجب فيها الزكاة. وسر ذلك أن الزكاة إنما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النماء فيها بالدر والنسل وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفة مئونتها فاختصت الزكاة بها دون غيرها (1).

(4) زكاة الغنم:

الغنم اسم جنس لا واحد له من لفظه يطلق على الذكر والأنثى ويشمل الضأن والمعز فهما في الزكاة سواء- سميت غنما لأنه ليس لها آلة دفاع فكانت غنيمة لكل طالب- وأول نصاب الغنم أربعون. فإذا كانت سائمة وحال عليها الحول ففيها إلى عشرين ومائة شاة وفي إحدى وعشرين ومائة إلى مائتين شاتان. وفي واحدة ومائتين إلى تسع وتسعين وثلاثمائة ثلاث شياه. وفي أربعمائة إلى تسع وتسعين وأربعمائة أربع شياه. ثم في كل مائة شاة.

على هذا أجمعت الأمة وبه جاءت كتب الصدقات (منها) ما في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنس من قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين فقيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه

(1) اغنظر ص 470 ج 2 مغنى ابن قدامة.

ص: 150

إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المتصدق" (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (1). {47}

هذا. والشاة الواجبة في الغنم الثني من الضأن وهو ما له سنة، والثني من المعز ما له سنتان عند الحنفيين والشافعي، وماله سنة عند مالك وأحمد. ولا يجزئ الجذع من الضأن وهو ماله أكثر من ستة أشهر عند الحنفيين وهو المعتمد عند مالك. ويجزئ عند الشافعي وأحمد.

(5) ما لا يؤخذ في زكاة الماشية:

لا يؤخذ في زكاة النعم معيب ولا فحل للضراب ولا كريم (لما) في حديث سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق" أخرجه أبو داود والدارقطني (2). {48}

والهرمة- بفتح فكسر- كبيرة السن التي سقطت أسنانها (والعوار) بفتح العين أو ضمها: العيب والنقص (والتيس) - بفتح فسكون- الفحل. أي لا يؤخذ فحل الغنم إذا كانت كلها أو بعضها إناثا لقلة الرغبة فيه لعدم سمنة أو لأن المالك يتضرر بأخذه. أما إذا كانت كل الغنم ذكورا فيؤخذ التيس

(1) تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل).

(2)

انظر ص 156 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وأخرجه الحاكم من حديث أنيس (انظر ص 391 ج مستدرك) و (من الغنم) لا مفهوم له فإن المعيب لا يؤخذ في جميع المواشي. و (المصدق) - بفتح الصاد وكسر الدال المشددتين- رب الماشية. والاستثناء فيه راجع إلى التيس. والمعنى: لا يؤخذ تيس الغنم إلا أن يشاء المالك إعطاءه، لأن أخذه بغير اختياره يضره (وروى) بتخفيف الصاد وهو الساعي، فالاستثناء راجع إلى الثلاثة، أي لا تؤخذ الهرمة ولا ذات العيب ولا تيس الغنم إلا أن يشاء الساعي أخذ واحد مما ذكر بأن يرى أنه أنفع للفقراء.

ص: 151

وقيد بالغنم لأن الذكر من غيرها قد يؤخذ كابن اللبون والتبيع والمسن (وقال) أحمد: لا يؤخذ الذكر في شيء من الزكاة إذا كان في النصاب إناث غير تبيع البقر وابن اللبون بدلا عن بنت مخاض لم توجد.

(وقال) الحنفيون: يجوز إخراج الذكر من الغنم الإناث لقوله صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة شاة" ولفظ الشاة يشمل الذكر والأنثى. وإن كان النصاب كله ذكر والأنثى. وإن كان النصاب كله ذكورا جاز إخراج الذكر في الغنم اتفاقا. وفي البقر في أصح الوجهين عند أحمد. وفي الإبل وجهان (والفرق) بين الثلاثة أن النبي صلى اله عليه وسلم نص على الأنثى في فرائض الإبل والبقر غير التبيع والمسن وأطلق في الشاة (وقال) في الإبل "من لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكرا".

هذا (واختلف) في العيب المانع من الأجزاء في الزكاة، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وهو ما يوجب نقصان الثمن عند التجار (وقيل) هو ما يمنع الإجزاء في الأضحية. ومحل عدم إجزاء المعيب إذا كان المال كله سليما، فإن كان فيه سليم ومعيب أخذ سليما وسطا قيمته بين المعيب والسليم، وإن كان كله معيبا أخذ الساعي واحدة من أوسطه عند الثلاثة، وهو رواية عن مالك. والمشهور عنه أنه يكلف رب المال إعطاء صحيحة أخذا بظاهر الحديث.

(ودليل) الجمهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإياك وكرائم أموالهم"(1)، ولأن مبنى الزكاة على المواساة وتكليف المالك إخراج الصحيحة عن المرضى إخلال بالمواساة. ولهذا يؤخذ الردئ من الحبوب والثمار الرديئة، والحكم في الهرمة كالحكم في المعيبة.

(وجملة) القول أن أسباب النقص خمسة:

(الأول) المرض، وتقدم بيانه.

(1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 104 (دليل الزكاة).

ص: 152

(الثاني) العيب، وحكمه حكم المرض سواء أكانت الماشية معيبة كلها أو كانت معيبة كلها أو كانت معيبة وصحيحة، ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا معيبة وفيها بنتا مخاض إحداهما من أجود المال مع عيبها والأخرى دونها، فهل يأخذ الأجود؟ الصحيح أنه يأخذ الوسط لئلا يجحف برب المال.

(الثالث) الذكورة- فإذا كانت الإبل كلها إناثا أو انقسمت ذكورا وإناثا لم يجز فيها الذكر إلا في خمس وعشرين من الإبل فإنه يجزئ فيها ابن لبون عند فقد بنت المخاض، وإن تمحضت ذكورا فالأصح جواز الأخذ الذكر. وعليه يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ في خمس وعشرين. وأما البقر فالتبيع يؤخذ منها في موضع وجوبه وهو في كل ثلاثين وحيث وجبت المسنة تعينت عند غير الحنفيين إن تمحضت البقر إناثا أو كانت ذكورا وإناثا.

(وقال) الحنفيون: يجوز أخذ المسن وإن تمحضت إناثا لما تقدم، وإن تمحضت البقر ذكورا جاز أخذ الذكر اتفاقا، ولو كانت البقر أربعين أو خمسين فأخرج تبيعين أجزأه. وأما الغنم فإن كانت كلها إناثا أو انقسمت ذكورا وإناثا تعينت الأنثى عند غير الحنفيين، وعندهم: يجوز الذكر لأن واجبها شاة وهو يقع على الذكر والأنثى، وإن تمحضت ذكورا أجزأ الذكر اتفاقا.

(الرابع) الصغر- وللماشية فيه حالات:

(أ) أن تكون كلها أو بعضها، ولو قدر الفرض في سن الفرض فيجب سن الفرض المنصوص عليه ولا يكلف فوقه ولا يدفع دونه وإن كان أكثرها كبارا أو صغارا.

(ب) أن تكون كلها فوق سن الفرض فلا يكلف الإخراج منها بل يحصل السن الواجبة ويخرجها وله أن يدفع الأعلى أو الأقل مع الجبران في الإبل كما سبق.

ص: 153

(الخامس) رداءة النوع- فإن اتحد نوع الماشية وصفها أخذ الساعي من أيها شاء، إذ لا تفاوت، وإن اختلفت صفتها وهي نوع واحد ولا عيب فيها ولا صغر، فقيل: يختار الساعي خيرهما، وقيل: بل يأخذ الوسط لئلا يجحف برب المال (1).

(6)

توقي كريم المال في الزكاة:

لا يؤخذ في الزكاة الماخض وهي الحامل ولا ما طرقها الفحل لاحتمال حملها ولا الأكولة وهي السمينة التي أعدت للأكل ولا خيار المال ولا ذات اللبن والولد (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "فإياك وكرائم أموالهم". (وروى) سفيان بن عبد الله الثقفي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدقا- علىالطائف- وكان يعد على الناس السخل فقالوا: أتعد علينا السخل ولا تأخذ منه شيئا؟ فلما قدم على عمر ذكر ذلك له، فقال عمر: نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الربي ولا الماهخض ولا فحل الغنم ونأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره" أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (2). {49}

(وأيضا) فإن الزكاة تجب على وجه الرفق، وأخذ خيار المال خروج عن حد الرفق، فإن رضى رب المال بإخراج ذلك قبل منه (لقول) أبي بن كعب: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا فمررت برجل فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك. فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخدها. فقلت له:

(1) انظر ص 419 إلى 424 ج 5 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 61 ج 2 زرقاني الموطأ (ما يعتد به من السخل في الصدقة) وص 100 ج 4 بيهقي (السن التي تؤخذ في الغنم) و (السخل) بفتح فسكون- جمع سخلة كتمر وتمرة. وهي ولد الضأن والمعز ساعة تولد، ويجمع أيضا على سخال (والأكولة) بفتح فضم- الشاة تعزل للأكل والعاقر من الشياه. وأما الأكولة بضمتين فهي قبيحة المأكول وليست مرادة هنا لأن السياق في تعداد الخيار (والربي) بضم الراء وشد الباء مقصورا: الشاة تربى في البيت للبنها، والجمع رباب كغراب (وغذاء المال) بكسر الغين والمد: جمع غذى ككريم وهو الصغير.

ص: 154

ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت على فأفعل فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته. قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي وأيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسوله قط قبله فجمعت له مالي، فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية ليأخذها، فأبى علي، وها هي ذه قد جئتك بها يا رسول الله خذها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك. قال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها، ودعا له في ماله بالبركة. أخرجه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي وأبو داود، وهذا لفظه، وفيه محمد بن إسحاق مدلس لكنه صرح هنا بالتحديث (1). {50}

(دل) الحديث على أن الكريم من المال لا يؤخذ لحق رب المال إلا إن تطوع به، وإذا ثبت هذا وأنه لا يؤخذ الردئ لحق الفقراء، ثبت أن الحق في الوسط من المال، فإذا جاء الساعي قسم الماشية أثلاثا: ثلث خيار، وثلث أوساط، وثلث ردئ، وأخذ من الوسط (2).

(ومما يدل) على هذا حديث عبد الله بن معاوية الغاضري- من غاضرة قيس- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله

(1) انظر ص 226 ج 8 - الفتح الرباني (اجتناب كرائم أموال الناس في الزكاة) وص 96 ج 4 بيهقي (ما يأخذ الساعي فوق ما يجب) وص 182 ج 9 - المنهل العذب المورود (وفيه) أي في المال. وفي رواية أحمد: فيها. أنث الضمير باعتبار الإبل (ولا لبن فيه) إلخ، يعني أن بنت المخاض لا منفعة فيها بلبن ولا ركوب لصغرها.

(2)

انظر ص 476 ج 2 مغنى أبن قدامة.

ص: 155

طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالك، فإن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره" أخرجه أبو داود والبزار والطبراني بسند جيد (1). {51}

(فائدة) لو تبرع المالك بالحامل قبلت منه عند العلماء كافة غير داود قال: لا تجزئ الحامل لأن الحمل عيب في الحيوان، بدليل أنه لو اشترى جارية فوجدها حاملا فله ردها بسبب الحمل ولا تجزئ في الأضحية (ورد) بأن الحمل نقص في الآدميات لما يخاف عليهن من الولادة بخلاف البهائم. ولذا لو اشترى بهيمة فوجدها حاملا ليس له ردها به فليس الحمل فيها عيبا بل فضيلة، وإنما لم تجزئ الحامل في الأضحية، لأن المقصود من الأضحية اللحم، والحمل يهزلها. والمقصود في الزكاة كثرة القيمة والدر والنسل وذلك في الحامل فكانت أولى بالجواز (2).

(7)

ما لا زكاة فيه:

هو خمسة أنواع:

(أ) الرقيق والخيل:

الرقيق آدمي مملوك (3)، فإن كان مملوكا للتجارة فيه الزكاة عند عامة العلماء إلا الظاهرية فلا زكاة فيه عندهم مطلقا كالخيل (والخيل) أسم جنس لا واحد له من لفظه، وأحوالها ثلاث:

(1) انظر ص 181 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) و (غاضرة قيس) قبيلة. و (الرافدة) من الرفد- بفتح فسكون- وهو الإعانة. يقال: رفدته نفسه رفدا، من باب ضرب، أي أعانته. و (الدرنة) بفتح فكسر: الجرباء. و (الشرط) بفتحتين: صغار المال وشراره. و (اللئيمة) البخيلة باللبن.

(2)

انظر ص 428 ج 5 مجموع النووي.

(3)

والرق عجز حكمي سببه الكفر الأصلي.

ص: 156

(1)

أن تكون للتجارة، ففيها زكاة التجارة إجماعا- خلافا للظاهرية- لكونها مالا ناميا فاضلا عن الحاجة، لأن الإعداد للتجارة دليل النماء والفضل عن الحاجة.

(2)

أن تكون معدة للركوب أو للحمل أو للجهاد في سبيل الله، فلا زكاة فيها اتفاقا لأنها مشغولة بالحاجة. ومال الزكاة إنما هو المال النامي الفاضل عن الحاجة.

(3)

أن تسام للدر والنسل، فلا زكاة فيها عند الجمهور والثلاثة وأبي يوسف ومحمد (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه" أخرجه السبعة، وقال الترمذي: حسن صحيح (1). {52}

والعمل عليه عند أهل العلم أنه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة. فإذا كانوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال عليها الحول (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" أخرجه أحمد ومسلم والدراقطني (2). {53}

(وعن) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" أخرجه أحمد والطحاوي والأربعة. وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح (3). {54}

(1) انظر ص 234 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق والخيل والحمر) وص 209 ج 3 فتح الباري (ليس على المسلم في عبده صدقة) وص 55 ج 7 نووي وص 198 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الرقيق) وص 342 ج 1 مجتبي. وص 7 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 285 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الخيل والرقيق).

(2)

انظر ص 234 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق والخيل والحمر) وص 56 ج 7 نووي.

(3)

انظر ص 235 ج 8 - الفتح الرباني (عدم الزكاة في الرقيق

) وص 167 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة) وص 343 ج 1 مجتبي (زكاة الورق) وص 3 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 285 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الخيل والرقيق).

ص: 157

(وقال) النعمان وزفر وزيد بن ثابت: لا زكاة في ذكور الخيل الخلص لعدم التناسل فيها. وتجب في الخيل- إذا كانت سائمة متخذة للنسل ذكورا وإناثا أو إناثا- عن كل فرس دينار أو ربع عشر قيمة الخيل إن بلغت نصابا ولا يقدر فيها نصاب عند النعمان في المشهور عنه (وقيل) نصابها ثلاثة أو خمسة (روي) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: في الخيل السائمة التي يطلب نسلها إن شئت في كل فرس دينار أو عشرة دراهم. وإن شئت فالقيمة. فيكون في كل مائتي درهم خمسة دراهم" أخرجه محمد في الآثار. وروى نحوه أبو يوسف (1).

(وقد) تنازع العلماء في زكاة الخيل في زمن مروان بن الحكم فشاور الصحابة في ذلك فروى أبو هريرة الحديث: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (فقال) مروان لزيد بن ثابت: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال أبو هريرة: عجبا من مروان أحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما تقول يا أبا سعيد؟ فقال زيد: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد به الفرس الغازي. فأما تاجر يطلب نسلها ففيها الصدقة. فقال: كم؟ قال: في كل فرس دينار أو عشرة دراهم (2).

(وقال) يعلي بن أمية: ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلي من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال: غصبني يعلي وأخوه فرسا لي. فكتب إلى يعلي أن ألحق بي. فأتاه فأخبره الخبر فقال: إن الخيل لتبلغ هذا عندكم؟ ما علمت أن فرسا يبلغ هذا فنأخذ من كل أربعين شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا، خذ من كل فرس دينارا. فضرب علي الخيل دينارا دينارا " أخرجه عبد الرزاق والبيهقي (3). {55}

(1) انظر ص 359 ج 2 نصب الراية. ورقم 429 ص 87 (آثار).

(2)

انظر ص 178 ج 2 سبل السلام (زكاة الخيل إذا كانت للتجارة).

(3)

انظر ص 119 ج 4 بيهقي (من رأى في الخيل صدقة) وص 359 ج 2 نصب الراية (والقلوص) الناقة الشابة.

ص: 158

(وقال) وقد روينا ما دل علي أن عمر رضي الله عنه إنما أمر بذلك حين أحبه أربابها (1). وهذه الرواية إن صحت تكون محمولة على مثل ذلك لتتفق الروايات (وقال) السائب بن يزيد: "رأيت أبي يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب" أخرجه الطحاوي والدارقطني بسند صحيح (2). {56}

(وأجاب) الجمهور بأن ذلك اجتهاد من عمر رضي الله عنه فلا يكون حجة. علي أنه روى عنه أنه إنما أمرهم بذلك حين اختاروا دفع الزكاة عن الخيل (روى) الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه: "خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى، ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه، فأبى، فكلموه أيضا، فكتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم" أخرجه البيهقي ومالك وقال: أي أرددها على فقرائهم (3). {57}

(ففي) امتناع أبي عبيدة وعمر أولا من أخذ الزكاة في الخيل والرقي، دليل واضح على أنه لا زكاة فيهما، وإلا فما كان ينبغي أن يمتنعا عن أخذ ما أوجب الله أخذه.

(ومما تقدم) يعلم أن القول بعدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق هو الأصح لقوة دليله. ولذا اختاره

الطحاوي وأجاب عن أدلة الحنفيين. وقال: فلما لم يكن في شيء من هذه الآثار دليل على وجوب الزكاة في الخيل السائمة وكان فيها ما ينفي الزكاة فيها، ثبت بتصحيح هذه الآثار قول الذين لا يرون فيها زكاة (4).

(1)(حين أحبه أربابها) يعني حين اختاروا أن يأخذ منهم صدقة في الخيل، يشير به إلى ماروي بعد (رقم)57.

(2)

انظر ص 310 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 359 ج 2 نصب الراية.

(3)

انظر ص 118 ج 4 بيهقي (لا صدقة في الخيل) وص 72 ج 2 زرقاني على الموطأ (صدقة الرقيق والخيل) و (ازرق رقيقهم) أي فقيرهم أو عبيدهم.

(4)

انظر ص 311 ج 1 شرح معاني الآثار.

ص: 159

(ب) البغال والحمير:

إن اتخذت للتجارة ففيها زكاة العروض كسائر أموال التجارة، وإن لم تكن للتجارة فلا زكاة فيها اتفاقا لعدم التناسل في البغال وعدم قصده في الحمير (وفي حديث) أبي هريرة قال: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" أخرجه أحمد ومسلم (1). {58}

(وعن) عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة". وفسره أبو عمر قال: الكسعة: الحمير: الخيل، والنخة: العبيد. أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن أرقم متروك (2). {59}

دل ما ذكر على عدم وجوب الزكاة في الحمير والبغال إلا إذا كانت للتجارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك.

(جـ) صغار النعم:

يشترط في نصاب السائمة أن يكون كله أو بعضه كبيرا ذا سنة فأكثر فإن كان كله صغارا- فصلانا أو حملانا أو عجولا- (3) فلا زكاة فيه عند أبي حنيفة ومحمد وروي عن أحمد، فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل ثم وضعت خمسا وعشرين فصيلا ومات الكبار قبل تمام الحول وتم على الصغار،

(1) هذا عجز الحديث السابق رقم 9 ص 109 (منع الزكاة)(الجامعة) أي المتناولة لكل خير ومعروف، و (الفاذة) أي القليلة النظير، والمعنى أنه لم ينزل علي فيها نص، ولكن نزلت هذه الآية الدالة على الترغيب في الخير. فمن تطوع خيرا فهو خير له.

(2)

انظر ص 69 ج 3 مجمع الزوائد (صدقة الخيل والرقيق) و (الكسعة) بضم فسكون و (الجبهة) بفتح فسكون و (النخة) بضم النون مشددة وفتح الخاء.

(3)

(الفصلان) بضم الفاء أو كسرها- جمع فصيل: وهو ولد الناقة قبل أن يتم له سنة و (الحملان) بضم الحاء وكسرها- جمع حمل- بفتحتين: ولد الضأن في السنة الأول و (العجول) جمع عجل بكسر فسكون: ولد البقر في السنة الأولى.

ص: 160

فلا زكاة فيها وكذا الحملان والعجول، لأن تقدير النصاب إنما يعرف بالنص والنص إنما ورد باسم الإبل والبقر والغنم وهي لا تتناول الفصلان والحملان والعجول، فلم يثبت كونها نصابا (ولما روى) سويد بن غفلة قال: سرت مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تأخذ من راضع لبن (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والدارقطني، وفيه هلال بن خباب، وثقه كثير وتكلم فيه البعض (1). {60}

(وقال) مالك وزفر: تجب الزكاة في الصغار كالكبار، وهو مشهور مذهب أحمد لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وقوله: في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، من غير فصل بين الكبار والصغار، لكنن لا يؤخذ الصغير (وعليه) فالمراد من الواجب في قوله: في خمس من الإبل شاة، وفي قوله: في أربعين شاة شاة، الكبيرة لا الصغيرة (ورد) بأن اسم الإبل والبقر لا يشمل الفصلان والعجول فالمراد بها الكبير.

(وقال) أبو يوسف والشافعي: يجب في الصغار واحدة منها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: في خمس من الإبل شاة وفي أربعين شاة شاة، لكن لا سبيل إلى إيجاب المسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للسعاة: إياكم وكرائم أموال الناس ولا تأخذوا من حرزات الأموال ولكن خذوا من حواشيها (2). وأخذ الكبار عن الصغار أخذ من كرائم الأموال وحرزاتها (3)(ورد) بما تقدم. واستدلوا أيضا بما روي أبو هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه

(1) انظر ص 227 ج 8 - الفتح الرباني (اجتناب كرائم الأموال) وص 175 ج 9 المنهل العذب المورود، وص 101 ج 4 بيهقي. و (راضع لبن) أي صغير لئلا يجحف بالفقير فإن حقه في الوسط.

(2)

روى عروة عن عائشة قالت: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا في أول الإسلام فقال: خذ الشارف والبكر ولا تأخذ حرزات الناس. أخرجه الطحاوي (انظر ص 314 ج 1 شرح معاني الآثار) و (الشارف) الناقة المسنة و (حرزات المال) خياره.

(3)

انظر ص 31 ج 2 بدائع الصنائع.

ص: 161

قال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها" أخرجه البخاري (1). {61}

والعناق: الأنثى الصغيرة من أولاد المعز، فدل أن أخذ الصغار زكاة كان أمرا ظاهرا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورد) بأنه روى عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: والله لو منعنوي عقالا- وهو صدقة عام أو الحبل الذي يعقل به بعير الصدقة- فتعارضت الرواية فيه فلم يكن حجة وإن ثبت فهو تمثيل لا تحقيق، أي لو وجبت هذه ومنعوها لقاتلتهم. وعلى هذا الخلاف إذا كان له مسنات فاستفاد في خلال الحول صغارا ثم هلكت المسنات وبقي المستفاد فهل تجب الزكاة في المستفاد؟ فمن كان له أربعون حملا ومسنة فهلكت المسنة وتم الحول على الحملان فلا زكاة فيها عند أبي حنيفة ومحمد، وعند مالك وزفر وأحمد تجنب فيها مسنة. وعند أبي يوسف والشافعي تجب واحدة من الصغار. هذا إذا كان الكل صغارا. فأما إذا اجتمعت الصغار والكبار وهي نصاب ومات بعضها قبل تمام الحول فإن الصغار تعد ويجب فيها ما يجب في الكبار وهو المسنة اتفاقا (لما تقدم) في حديث سفيان بن عبد الله الثقفي من قول عمر رضي الله تعالى عنه: نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ونأخذ الجذعة والثنية. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (2). {62}

وذلك أن الأصل حال اختلاط الصغار بالكبار أنه تجب الزكاة في الصغار تبعا للكبار إذا كان العدد الواجب في الكبار موجودا مع الصغار في قولهم جميعا، فإذا لم يكن الواجب في الكبار كله موجودا مع الصغار فإنه يجب بقدر الموجود عند أبي حنيفة ومحمد. فإذا كان له مستنتان ومائة وتسعة عشر حملا

(1) انظر ص 207 ج 3 فتح الباري (أخذ العناق في الصدقة).

(2)

هذا بعض الأثر رقم 49 ص 154 (توقي كريم المال في الزكاة).

ص: 162

يجب فيها مسنتان اتفاقا لوجود الواجب، وإن كان له مسنة واحدة ومائة وعشرون حملا أخذت تلك المسنة فقط في قول أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف والشافعي ومالك وأحمد تؤخذ المسنة وحمل، وإن كان له ستون من العجول فيها تبيع. فعند النعمان ومحمد يؤخذ التبيع لفقط، وعند غيرهما يؤخذ التبيع وعجل. وإن كان له ستة وسبعون من الفصلان فيها بنت لبون تؤخذ فقط عند النعمان ومحمد، وعند غيرهما تؤخذ بنت لبون وفصيل لأن الوجوب لا يتعلق بالصغار أصلا عندهما وعند غيرهما يتعلق بها (1).

(وجملة) القول أن الأئمة اتفقوا على أن النتائج يضم إلى الأصل إذا كان نصابا ولا يستأنف له حول لتعذر تميزه وضبط أوقات وجوده فجعل تبعا للأصل. وإن لم يكن الأصل نصابا فلا يضم إليه النتائج عند الثلاثة (وقال) مالك: يضم.

(د) العوامل:

هي جمع عاملة، وهي ما أعدت للعمل حملا وركوبا وغيرهما. ولا زكاة فيها عند غير مالك (لحديث) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم"(الحديث) وفيه: "وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء" أخرجه أبو داود والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح (2). {63}

(وعن) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس في الإبل العوامل ولا في البقر العوامل صدقة. أخرجه البيهقي والدارقطني (3). {64}

(1) انظر ص 32 ج 2 بدائع الصنائع.

(2)

تقدم رقم 37 ص 140 (زكاة النعم).

(3)

انظر ص 116 ج 4 بيهقي (ما يسقط الصدقة عن الماشية) وص 204 - الدارقطني.

ص: 163

(وعن) أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في المثيرة صدقة" أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال: في إسناده ضعف والصحيح موقوف. وقال الحافظ في الدراية: إسناد حسن وأخرجه عبد الرزاق موقوفا وهو أصح (1). {65}

(فهذه) الأحاديث تدل على أنه لا زكاة في الماشية العاملة، وبه قال جمهور العلماء (وقال) مالك: تجب الزكاة فيها أخذا بإطلاق الأحاديث. (ورد) بأن المطلق يحمل علي المقيد (قال) الإمام أحمد: ليس في العوامل زكاة وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل (وكذا) لا زكاة في الماشية المعلوفة، خلافا لمالك على ما تقدم بيانه (2).

(هـ) الأوقاص:

هي جمع وقص- بفتح فسكون أو فتحتين- ما بين نصابي السائمة وهو عفو لا زكاة فيه اتفاقا، لكن تتعلق

به الزكاة مع النصاب عند محمد بن الحسن وزفر وهو المعتمد عند المالكية، وهو قول للشافعي لأن الزكاة فرضت شكرا لنعمة المال والكل نعمة، فتتعلق به.

(ويؤيده) ما في كتاب الصديق رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل: فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث"(الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (3). {66}

(1) انظر ص 204 - الدارقطني وص 116 ج 4 بيهقي. وص 360 ج 2 نصب الراية (والمثيرة) من أثار الأرض: عمرها بالزراعة.

(2)

تقدم ص 138 (زكاة النعم).

(3)

تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل) ورقم 47 ص 150 (زكاة الغنم).

ص: 164

(وعن) أبي وائل عن معاذ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخذ من البقر شيئا حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة. أخرجه أحمد والثلاثة (1). {67}

(وقال) النعمان وأبو يوسف وأحمد: لا تتعلق الزكاة بالعفو وهو المشهور عند المالكية والأصح عند الشافعية (مستدلين) بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في خمس من الإبل شاة ولا شئ في الزيادة حتى تبلغ عشرا" أخرجه أبو يعلي وأبو إسحاق الشيرازي (2). {68}

(قال) في الهداية: وكذا قال في كل نصاب ونفى الوجوب عن العفو (3)(ورد) بأنه لا حجة فيه لأنه لم يثبت من طريق صحيح، وإذا ثبت لا يقوي قوة حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ولا خلاف في أن الوقص عفو لا زائد في الواجب لأجله. وإنما الكلام في تعلق الواجب به مع النصاب وهو الأقوى من جهة الدليل (وثمرة) الخلاف تظهر فيما إذا كان له تسع من الإبل أو مائة وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل أربع ومن الغنم ثمانون. فعلى الأول يلزم (5/ 9) خمسة أتساع شاة عن الإبل وثلث شاة عن الغنم الباقية. وعلى الثاني عليه شاة كاملة لبقاء النصاب. والله تعالى ولي التوفيق.

(8)

الجمع والتفريق:

لا يجوز لأرباب الماشية الجمع بين متفرق أموالهم ولا تفريق المجتمع منها مخافة وجوب الصدقة عليهم أو كثرتها: كأن يكون لشخص أربعون شاة ولآخر أربعون ولثالث أربعون فيجمعونها ليكون فيها شاة واحدة بدل ثلاث.

(1) تقدم رقم 44 ص 147 (زكاة البقر).

(2)

انظر ص 362 ج 2 نصب الراية.

(3)

انظر ص 512 ج 1 فتح القدير.

ص: 165

وأن يكون خليطان لكل واحد مائة شاة وشاة، فيكون الواجب عليهما ثلاث شياه فيفترقان عند طلب الساعي الزكاة فيكون على كل واحد منهما شاة واحدة، نهرا عن ذلك لأنه هروب عن الحق الواجب وإجحاف بالفقير. ولا يجوز أيضا للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة أو يجمع بين المفترق لتحققها أو زيادتها: كأن يكون لكل من الخليطين أربعون شاة فيفرق بينهما ليأخذ من كل واحد شاة بعد أن كان عليهما شاة واحدة، أو يكون لواحد عشرون شاة ولآخر كذلك فيأمر بجمعهما لأخذ الصدقة منهما، أو يكون لشخص مائة شاة وشاة ولآخر مثله فيأمر الساعي بجمعهما ليأخذ ثلاث شياه بدل شاتين (ودليل) ذلك ما في حديث سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة. أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود وهذا لفظه (1). {69}

(وعن) ثمامة أن أنسا رضي الله عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" أخرجه البخاري (2). {70}

(ومحل) عدم الجمع والتفريق خشية الزكاة في حالين:

(أ) في الجنس الواحد فلا يدخل في النهي ما اختلف جنسه. فمن كان عنده دون نصاب من البقر ودون نصاب من الغنم مثلا لا يضم إلى بعض اتفاقا.

(ب) إذا تعدد المالك، وأما إذا اتحد وكان له ماشية ببلد لا تبلغ نصابا وله بأخرى ما يكمله من جنسها فإنه يضم بعضها إلى بعض. وكذا من كان له

(1) انظر ص 227 ج 8 - الفتح الرباني (ما يجزئ من النعم). وص 283 ج 1 - ابن ماجه (ما يأخذ المصدق من الإبل) وص 177 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة السائمة).

(2)

انظر ص 252 ج 3 فتح الباري (لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع)(والتي فرض) أي كتب له الصدقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 166

نصاب في جهة وآخر في جهة أخرى فإنه يضم بعضه إلى بعض، ولا يضر اختلاف الأمكنة عند الجمهور، ووافقهم أحمد فيما إذا كانت ماشية الرجل متفرقة دون مسافة القصر. وأما إذا كانت بينهما مسافة قصر فما فوق فلا يجمع بينها وينزل كل منها منزلة مال مستقل. فما بلغ منها نصابا زكي وإلا فلا.

(قال) ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد. وأجمع أهل العلم على ضم الضأن إلى المعز. فإذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من أي الأنواع أحب (وقال) مالك وإسحاق: يخرج من أكثر النوعين عددا، فإن استويا أخرج من أيهما شاء.

(وقال) الشافعي: يؤخذ من كل نوع ما يخصه واختاره ابن المنذر لأنها أنواع تجب فيها الزكاة فتجب زكاة كل نوع منه كأنواع الثمر والحبوب. وهكذا الحكم في أنواع الإبل والبقر، وفي السمان مع المهازيل، والكرام مع اللثام. فأما الصحاح مع المراض والذكور مع الإناث والكبار مع الصغار فيتعين عليه صحيحة وأنثى وكبيرة على قدر قيمة المالين إلا أن يتطوع رب المال بالفضل (1).

(9)

الخلطة: هي نوعان:

(أ) خلطة أعيان، وهي أن يكون مال كل متميزا فخلطاه في المراح (المبيت) والمسرح والمرعى وغيرها.

(ب) وخلطة شيوع، وهي أن لا يتميز نصيب أحد الرجلين أو الرجال عن نصيب غيره، ولا تأثير لها بقسميها في وجوب الزكاة عند الحنفيين، فلا تجب الزكاة في نصاب مشترك لا يبلغ نصابا إلا بالضم، لا فرق في ذلك بين السائمة ومال التجارة، وإن تمت الخلطة باتحاد المسرح والمرعى والراعي والمراح والفحل وغيرها، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة (2). فإن المراد الجمع والتفريق في

(1) انظر ص 480 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(2)

تقدم رقم 70 ص 166 (الجمع والتفريق).

ص: 167

الأملاك لا الأمكنة. ألا ترى أن النصاب المفرق في أمكنة مع اتحاد المالك تجب فيه الزكاة. ومن ملك ثمانين شاة ليس للساعي أن يجعلها نصابين بأن يفرقهما في مكانين. فمعنى لا يفرق بين مجتمع أنه لا يفرق الساعي بين الثمانين مثلا ليجعلها نصابين. ومعنى لا يجمع بين متفرق أنه لا يجمع مثلا بين الأربعين المتفرقة بالملك بأن تكون مشتركة ليجعلها نصابا. والحال أن لكل عشرين (1). أما لو تعدد النصاب المشترك بحيث يبلغ- قبل الضم- ما لكل واحد بانفراده نصابا فإنه يجب عن كل منهما زكاة نصابه. فإذا أخذ الساعي زكاة النصابين من المالين. فإن تساويا فلا رجوع لأحدهما على الآخر. كما لو كان المال المشترك ثمانين شاة لكل منهما أربعون وأخذ الساعي شاتين منهما. وإن لم يتساويا تراجعا بالحصص بأن يكون لهما مائة وثلاثة وعشرون شاة لأحدهما الثلثان وللأخر الثلث فالواجب شاتان، فيأخذ من كل منهما شاة فيرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بثلثي الشاة التي دفعها ويرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بثلث الشاة التي دفعها ويقام ثلثه مقام ثلث من الثلثين الماطلب بهما ويبقى ثلث شاة يطالب به صاحب ثلثي المال (2).

وهذا هو المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصديق: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية".

(وقالت) المالكية: خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة ولا أثر للخلطة إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابا بشرط اتحاد الراعي والفحل والمراح ونية الخلطة. وأن يكون مال كل متمايزا عن الآخر وإلا كانا شريكين. وأن يكون كل منهما أهلا للزكاة، فلو كان أحدهما عبدا أو كافرا فلا تصح خلافا لابن الماجشون. ولا يشترط اتحاد المبيت ولا كون الخلطة في جميع الحول. فلو اختلطا قبل الحول بنحو شهرين فهما خليطان ولا يكفي الشهر

(1) انظر ص 496 ج 1 فتح القدير (صدقة السوائم).

(2)

انظر ص 38 ج 2 رد المحتار (زكاة المال).

ص: 168

خلافا لابن حبيب. ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي. وبه قال الأوزاعي: وما يؤخذ من المالين يوزع على الشريكين بنسبة ما لكل. ولو كان لأحدهما مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطا.

(وقالت) الشافعية: الخلطة بقسميها تؤثر في إيجاب الزكاة في المواشي والزروع والثمار والنقدين بشروط خمسة:

(1)

أن يكون الشركاء أهلا لوجوب الزكاة: فلو كان أحدهما ذميا أو مكاتبا فلا أثر للخلطة بل إن كان نصيب المسلم الحر نصابا زكاة وإلا فلا.

(2)

وأن يبلغ المال بعد لخطة نصابا.

(3)

وأن يمضي عليه بعد الخلط حول كامل.

(4)

وأن لا يتميز أحد المالين عن الآخر في المراح والمسرح والمشرب والراعي والمحلب (مكان الحلب) ولا يشترط خلط اللبن في إناء واحد.

(5)

وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد. فإذا كان بين شخصين فأكثر من أهل الزكاة نصاب مشترك في الأعيان أو الأوصاف ومضى بعد الخلط حول كامل ففيه زكاة المال الواحد.

(وبهذا) قال أحمد، غير أنه قال: لا تؤثر الخلطة إلا في المواشي فتؤثر في إيجاب الزكاة وفي تكثيرها وتقليلها. فلو ملك شخصان فأكثر أربعين شاة وتحققت شروط الخلطة وجبت فيها الزكاة (لحديث) ثمامة بن عبد الله أن أنسا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المسلمين (الحديث) وفيه: ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. أخرجه البيهقي والبخاري مفرقا في موضعين (1). {71}

(1) انظر ص 104 ج 4 بيهقي (صدقة الخلطة) وص 202 ج 3 فتح الباري (ترجمتين بجملتي الحديث).

ص: 169

(وأجاب) الأولون بأنه محمول علي ما إذا كان لكل منهما نصاب، بدليل عموم السلب (في حديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس فيما دون خمس ذود صدقة"(الحديث) أخرجه الجماعة. وقال الترمذي: حسن صحيح وقد روي من غير وجه (1). {72}

(وفي حديث) ثمامة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين من الغنم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها" أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي (2). {73}

وسائر النصوص الواردة في نصب الزكاة تدل على عدم الوجوب فيما دون النصاب (قال) ابن عبد البر: أجمعوا على أن المنفرد لا يلزمه زكاة في أقل من نصاب. واختلفوا في الخليطين. ولا يجوز نقض أصل مجمع عليه برأي مختلف فيه (وقال) الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت وإن لم يكن لكل نصاب، وليس ذلك برأي لأنه لم يفرق في حديثي الذود والغنم يبين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لمالك واحد. وقد اتفقوا في ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون أن عليهم شاة واحدة فنقصوا المساكين شاتين للخلطة. فقياسه لو كانت أربعون بين ثلاثة وجبت عليهم شاة للخلطة أيضا، لكن الاتفاق علي هذا إنما هو بين القائلين بتأثير الخلطة فلا يعادل القياس علي المجمع عليه. وهو خلاف عموم السلب في قوله:"ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وخلاف الشرط في حديث الغنم: (فقول) الحنفيين ومالك أرجح واستدلالهم أوضح (3).

(1) تقدم رقم 34 ص 139 (زكاة النعم).

(2)

تقدم رقم 38 ص 141 (زكاة الإبل).

(3)

أنظر ص 60 و 61 ج 2 زرقاني الموطأ (صدقة الخلطاء).

ص: 170