المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) الأعذار المبيحة للفطر - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

(10) الأعذار المبيحة للفطر

تقدم أن ترك الصوم وإفساده لغير عذر حرام أما بعذر فلا يحرم وحيث اختلف الحكم بتحقق العذر وعدمه فلابد من بيان الأعذار المسقطة لإثم الفطر والمبيحة له وهي تسعة:

(1)

المرض: يباح الفطر في رمضان لمن دخل عليه وخاف- بغلبة ظن أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير ظاهر الفسق- من الصوم المرض إذا كان صحيحاً أو زيادته أو بطأه إذا كان مريضاً لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر (1) "(وفي) حديث معاذ بن جبل في أحوال الصيام قال: ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن- إلى قوله- فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح. ورخص فيه للمريض والمسافر. وثبت الإطعام الكبير الذي لا يستطيع الصيام، أخرجه احمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح (2). {226}

وعلى هذا أجمعت الأئمة: فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروهاً لما يتضمنه من الإضرار بنفسه وتركه تخفيف الله وقبول رخصته. ويصح صومه ويجزئه لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة إذا حضرها. والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله والخوف من تجدد المرض في معناه

(1) سورة البقرة: آية 185.

(2)

انظر هامش ص 281.

ص: 503

(قال) أحمد- فيمن به شهوة غالبة للجماع يخاف أن تنشق أنتياه- له الفطر. وقال في الحارية تصوم إذا حاضت فإن جهدها الصوم فلتفطر ولتقض يعني إذا حاضت وهي صغيرة إذا كانت تخاف المرض بالصيام فيباح لها الفطر وإلا فلا (1).

(2)

السفر: يباح الفطر للمسافر سفر قصر وإن لم يضره الصوم، لأن السفر الطويل لا يعري عن المشقة وهي لا تنضبط فاعتبر مظنتها لقوله تعالى:"فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر" أخرجه الجماعة والبيهقي وقال الترمذي حسن صحيح (2){227}

وهو نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار وأنه يصح صوم الفرض للمسافر وأن صومه في السفر ليس واجباً. وظاهره أنه سأل عن مطلق الصوم فرضاً أو غيره فلا يكون فيه حجة على من منع صوم رمضان في السفر. لكن قد صرح برمضان في أحاديث (منها) حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرٍ شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه" أخرجه مسلم (3){228}

(1) انظر ص 17 ج 3 شرح المقنع.

(2)

انظر ص 97 ج زرقاني الموطأ. وص 100 ج 10 الفتح الرباني. وص 129 ج 4 فتح الباري (الصوم في السفر والإفطار) وص 237 ج 7 نووي. وص 146 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 41 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 262 ج 1 ابن ماجه. وص 243 ج 4 بيهقي.

(3)

انظر ص 238 ج 7 نووي (جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر).

ص: 504

ثم الكلام هنا في ستة فصول:

(1)

صوم المسافر: دلت أحاديث الباب على جواز صيام رمضان وفطره للمسافر وبه قال عامة العلماء. واختلفوا في الأفضل منهما (فقال) الحنفيون ومالك والشافعي والثوري: الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه والفطر أفضل لمن يقو على الصيام؛ لقوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم" و (لحديث) أبي الدرداء السابق ففيه فطر من اشتد عليهم الحرّ من الصحابة ولم يقو على الصيام وصيام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، لأنه لم يجهدها (وحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:"كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوة فصام ذلك حسنٌ ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (1){229}

(وقال) أحمد وإسحاق: الفطر أفضل (لحديث) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلاً قد اجتمع الناسُ عليه وقد ظلل عليه فقال ماله؟ قالوا هذا رجلٌ صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر" أخرجه أحمد ومسلم (2){230}

تمسك بعض الظاهرية بهذا وقال إذا لم يكن من البر فهو من الإثم فدل على أن صوم رمضان لا يجزئ في السفر. وحمله أحمد على الكراهة (ورد) بأن الحديث معناه إذا شق عليكم وخفتم الضرر كما يدل عليه

(1) انظر ص 102 ج 10 الفتح الرباني (جواز الفطر والصوم في السفر) وص 234 ج 7 نووي وص 245 ج 4 بيهقي. و (لا يجد) بكسر الجيم أي لا يحقد على غيره.

(2)

انظر ص 106 ج 10 الفتح الرباني (أفضلية الفطر في السفر) وص 233 ج 7 نووي.

ص: 505

سياق الحديث وصوم النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في شدة الحر ولو كان إثماً لكان أبعد الناس منه (قال) الخطابي: الحديث مقصور على من كان في مثل حال من سيق له فالمعنى ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله عليه وسلم في سفره ولتخييره في حديث حمزة الأسلمي بين الصوم والإفطار. ولو لم يكن الصوم براً لم يخيره فيه (1)(وعن) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنهم ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأنظر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن أناساً صاموا فقال "أولئك العصاة أولئك العصاة" أخرجه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح (2){231}

(وأجيب) بأنه محمول على من تضرر بالصوم لقوله: إن الناس قد شق عليهم الصيام أو أنهم أمروا بالفطر أمراً جازما لبيان جوازه فخالفوا الواجب. وعلى التقديرين لا يكون الصائم في السفر عاصياً إذا لم يتضرر به (وقال) ابن عمر: لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إلي من أن أصوم، أخرجه البيهقي (3) وهذا اجتهاد من ابن عمر فلا حجة فيه أو محمول على من يضعفه الصوم (والقول) الأول أعدل المذاهب.

(1) انظر ص 124 ج 2 معالم السنن (اختيار الفطر).

(2)

انظر ص 232 ج 7 نووي وص 40 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية الصوم في السفر) و (كراع) بضم الكاف و (الغميم) بفتح الغين المعجمة واد أمام عسفان على نحو ثلاثة مراحل من مكة (وقال) الترمذي: قال الشافعي: إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس من البر الصيام في السفر" وقوله - حين بلغه أن ناساً صاموا- "أولئك العصاة" فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى. فأما من رأى الفطر مباحاً وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلى (انظر ص 41 ج 2 تحفة الأحوذي).

(3)

انظر ص 245 ج 4 بيهقي (من اختار الصوم في السفر إذا قوي عليه).

ص: 506

(ب) فطر المسافر: يجوز للمسافر في أثناء الشهر الفطر ولو شهد أول رمضان في الحضر (لحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد- وهو ماءٌ بين عسفان وقديد- أفطر وأفطروا قال الزهري: وإنما يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر" أخرجه البخاري (1){232}

فيه دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان وفيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان دون بعض ولا يلزمه بصوم بعضه إتمامه (2)(وقال) ابن عباس: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه حتى إذا بالكديد دعا بماء في قعبٍ

(1) انظر ص 2 و 3 ج 8 فتح الباري (غزوة الفتح في رمضان). (وذلك على رأس ثمان سنين ونصف

) هكذا في رواية معمر وهو وهم الصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت سنة ثمان. ومن ربيع الأول إلى رمضان نصف سنة. فالتحرير أنها سبع سنين ونصف (انظر تمامه بص 3 ج 8 فتح الباري) و (الكديد) بفتح فكسر مكان فيه ماء بينه وبين المدينة نحو سبع مراحل وعلى مكة من مرحلتين والمرحلة يقطعها المسافر في يوم. و (عسفان) بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة و (قديد) بالتصغير موضع بين مكة والمدينة (وقد) غلط بعض العلماء في فهم هذا الحديث فتوهم أن الكديد فريب من المدينة وأن قوله: فصام حتى بلغ الكديد. كان في اليوم الذي خرج فيه من المدينة فزعم أنه خرج منها صائماً فلما بلغ الكديد في يومه أفطر في نهار رمضان واستدل بهذا على أنه إذا سافر بعد طلوع الفجر صائماً له أن يفطر في يومه. ومذهب الحفنيين ومالك والشافعي والجمهور: أنه لا يجوز الفطر في هذا اليوم وإنما يجوز لمن طلع عليه الفجر في السفر. واستدلال هذا القائل بالحديث من العجائب لأن الكديد وكراع من الغميم على سبع مراحل أو أكثر من المدينة (انظر ص 230 و 231 ج 7 نووي).

(2)

انظر ص 230 ج 7 نووي مسلم.

ص: 507

وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون بعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون" أخرجه احمد (1){233}

المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه استمروا يصومون من خروجهم من المدينة حتى بلغوا كديداً. وهذه المسافة تستغرق نحو سبعة أيام ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فشرب ليعلم الناس أنه قد أفطر فأفطروا (وفيه) دليل على أن فضيلة الفطر للمسافر لا تختص بمن أجهده الصوم أو خشي العجب والرياء أو ظن به الرغبة عن الرخصة بل يلتحق بذلك من يقتدي به ليتابعه من وقع له شيء مما ذكر ويكون الفطر في حقه حينئذ أفضل للبيان.

والأحاديث في هذا كثيرة وكلها تدل (أولاً) على أن للمسافر أن يفطر في أثناء الشهر ولو استهل رمضان في الحضر فإن النبي صلى الله عليه وسلم استهل رمضان عام الفتح وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائه لعشر مضين منه وصام حتى بلغ الكديد بعد سبعة أيام ثم أفطر وبهذا قال عامة العلماء (2)(ثانياً) تدل الأحاديث على أن من نوى الصوم وهو مسافر يجوز له الفطر وهو مذهب الجمهور وبه قطع أكثر الشافعية، وقال بعضهم: ليس له أن يفطر.

(جـ) متى يفطر من خرج مسافراً؟ يباح لمن خرج مسافراً الفطر متى جاوز مساكن البلد، لقول

(1) انظر ص 113 ج 10 الفتح الرباني (من شرع في الصوم ثم أفطر) و (القعب) - بفتح فسكون- قدح من خشب.

(2)

(عامة العلماء) وشذ عبيدة السلماني وأبو مجاز وسويد بن غفلة فقالوا: لا يباح لمن سافر في أثناء الشهر الفطر لقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهذا قد شهده وهو مقيم (ورد) بأن الأحاديث الصحيحة الكثيرة دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أول الشهر وهو مقيم ثم سافر بعد عشر منه ثم أفطر بعد سبعة أيام من سفره وقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" معناه من شهد كله خالياً من الأعذار فليصمه ومن شهد بعضه كذلك صام ما لم يطرأ عليه مبيح للفطر وإلا أفطر.

ص: 508

عبيد بن جبير. ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط إلى الإسكندرية في سفينة فلما دفعنا من مرسانا أمر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان فقلت: يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد، فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا، قال: فكل فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا" أخرجه أبو داود والبيهقي والدارمي وأحمد وهذا لفظه (1){234}

(دل) الحديث

(أ) على أنه يجوز لمن بيت نية الصوم ثم سافر نهاراً أن يفطر وهو الأصح عن أحمد واختاره المزني (قال) الخطابي: وشبهوه بمن أصبح صائماً ثم مرض في يومه فإن له أن يفطر للمرض. وكذلك من أصبح صائماً ثم سافر، لأن كلاً من المرض والسفر مرخص حدث في أثناء النهار (ورد) بأن السفر لا يشبه المرض، لأن السفر من فعله والمرض يحدث من غير اختياره فيعذر فيه لا في السفر (2) (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي والأوزاعي: لا يباح له فطر ذلك اليوم، لأن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة

(1) انظر ص 158 ج 10 المنهل العذب المورود (متى يفطر المسافر إذا خرج؟ ) وص 246 ج 4 بيهقي وص 10 ج 2 دارمي. وص 117 ج 10 الفتح الرباني (وابن جبير) بالتصغير كان ممن بعث به المقوقس مع مارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فله صحبة (والفسطاط) بضم أو كسر فسكون في الأصل المدينة التي فيها مجمع الناس. والمراد هنا مصر القديمة التي بناها عمرو بن العاص (والسفرة) في الأصل يصنع للمسافر وتطلق على ما يوضع فيه الطعام مجازاً و (الغداء) بالدال الطعام يؤكل أول النهار و (أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم استفهام إنكاري أي لا يترك الأكل فإن في تركك له إعراضاً عن العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسم إذا قال الصحابي: من السنة كذا. فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (وما حوزنا) بشد الواو وفتح الزاي أي الموضع الذي ضمنا وأردنا السفر إليه.

(2)

انظر ص 126 ج 2 معالم السنن.

ص: 509

(وأجابوا) عن الحديث (أولاً) بأن أبا بصرة لعله ثبت عنده بنوع اجتهاد أنه يجوز الإفطار إذا نوى الصوم بالليل، وإلا فلا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثانياً) أنه يحتمل أن أبا بصرة كان مقيماً في فسطاطه فخرج منها ليلاً قبل الصبح ولم ينو الصوم، فصار مسافراً فجاز له الإفطار لما فارق بيوت مصر من الجهة التي ركب فيها السفينة (1).

(2)

ودل الحديث أيضاً على أنه لا يجوز لمن خرج مسافراً الفطر حتى يجاوز مساكن البلد. وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور، لظاهر قوله في الحديث (ما تغيبت عنا منازلنا بعدُ) أي أتأمرنا بالطعام قبل بعدنا عن البيوت. قال: ذلك مستغرباً لظنه أن الفطر لا يجوز للمسافر وهو يرى العمران. فلا يباح له الفطر حتى يخلف البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها.

(د) مسافة السفر المبيح للفطر: أقل مسافة يباح فيها الفطر للمسافر ثلاثة أميال أي فرسخ (5565 متر) عند الظاهرية (روي) روي منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق مرة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط (وذلك ثلاثة أميال) في رمضان ثم إنه أفطر وأفطر معه ناسٌ وكره آخرون أن يفطروا. فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت النوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك- أخرجه احمد والطحاوي وأبو داود وهذا لفظه والبيهقي، ومنصور الكلبي قال ابن المديني: مجهول ووثقه العجلي وباقي رجاله ثقات يحتج بهم في الصحيح (2).

القرية من دمشق هي قرية مزة- بكسر الميم وشد الزاي- كان يسكنها

(1) انظر ص 160 ج 10 المنهل العذب المورود (الشرح).

(2)

انظر ص 118 ج 10 الفتح الرباني. وص 160 ج 10 المنهل العذب المورود (قدر مسيرة ما يفطر فيه) وص 241 ج 4 بيهقي.

ص: 510

دحية وهي قرية كبيرة بينها وبين دمشق نصف فرسخ، والمسافة التي بينها وبين المحل الذي انتهى سير دحية إليه كالمسافة التي بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة، ولعلها أميال. وقد رأى دحية أن هذه المسافة يرخص فيها للصائم بالفطر، ولذا أفطر وأفطر بعض من معه وعاب على من صام، لأنه فهم أن صيامهم ليس بقصد العزيمة بل هو إعراض عن رخصة الإفطار في السفر أو أنه يرى أن الفطر واجب بالسفر (قال) الخطابي: يحتمل أن يكون دحية إنما صار في ذلك إلى ظاهر اسم السفر، وقد خالفه غير واحد من الصحابة فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار في أقل من أربعة برد وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة (1).

(وقال) الليث بن سعد: الأمر الذي اجتمع الناس عليه ألا يقصروا الصلاة ولا يفطروا إلا في مسيرة أربعة برد في كل بريد اثنا عشر ميلاً

(قال) البيهقي: قد روينا في كتاب الصلاة: ما دل على هذا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. والذي روينا عن دحية الكلبي إن صح ذلك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله: رغبوا عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أي في قبول الرخصة لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه (2)، وإذا قال الأئمة الأربعة والجمهور: لا يجوز الفطر للمسافر إلا في مسافة تقصر فيها الصلاة والخلاف في فطر المسافر كالخلاف في قصر المسافر الصلاة فكل سفر يبيح قصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم (3).

(1) انظر ص 127 ج 2 معالم السنن (والبرد) بضمتين جمع بريد. فتكون المسافة بالليل ثمانية وأربعين ميلاً. وبالكيلو متر نحواً من تسعة وثمانين كيلو متراً عند غير الحنفيين وعندهم 83.5 ك ونصف كما تقدم في مسافة القصر (انظر ص 44 ج 4 الدين الخالص).

(2)

انظر ص 241 ج 4 بيهقي.

(3)

(فهو مبيح لفطر الصائم) قال ابن رشد: ذهب الجمهور إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي نقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في هذه المسألة. وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم سفر وهم أهل الظاهر (وسبب) اختلافهم معارضة ظاهر اللفظ للمعنى وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر فله أن يفطر لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر فهو المشقة. ولما كانت لا توجد في كل سفر وجب أن يجوز الفطر في السفر الذي فيه المشقة. ولما كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب أن يقاس ذلك على الحد في تقصير الصلاة (انظر ص 206 ج 1 بداية المجتهد).

ص: 511

(هـ) مدة فطر المسافر: هي مدة السفر، فللمسافر الفطر حتى يرجع إلى وطنه أو ينوي الإقامة خمسة عشر يوماً فأكثر بموضع واحد يصلح لإقامته عند الحنفيين والثوري والمزني والليث بن سعد (وقال) الأئمة الثلاثة: المسافر إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام أفطر، وإن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج صام وقد تقدم في بحث مدة القصر أدلة كل (1)، وأما من لم ينو الإقامة بل عزم على الرجوع إلى بلده متى قضى حاجته فإنه يفطر مدة انتظاره قضاء حاجته عند الحنفيين ومالك وأحمد، وروي عن الشافعي لما تقدم في بحث مدة القصر، (ولقول) ابن عباس رضي الله عنهما: صام النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ الكديد- الماء الذي بين قديد وعسفان- أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلح الشهر" أخرجه البخاري (2). {235}

كان فتح مكة لثلاث عشرة أو ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة خلت من رمضان على الخلاف في ذلك (وفي الحديث) دليل على أن المسافر إذا أقام ببلد متردداً جاز له أن يفطر مدة تلك الإقامة كما يجوز له أن يقصر كما تقدم في بحث قصر الصلاة (3).

(1) انظر ص 59 ج 4 الدين الخالص.

(2)

انظر ص 2 ج 8 فتح الباري (غزو الفتح).

(3)

انظر ص 49 وما بعدها ج 4 الدين الخالص.

ص: 512

(و) انقطاع حكم السفر:

ينتهي السفر بأحد أمور ثلاثة

(أ) نية الإقامة بموضع صالح لإقامته مدة معينة على ما تقدم بيانه

(ب) الرجوع إلى المكان الذي ابتدأ منه السفر

(ج) نية الرجوع إليه قبل أن يقطع مسافة القصر. أما إن نوى الرجوع بعد قطعها فإنه لا يلزمه الصوم إلا إذا دعا بالفعل. فإذا حصل واحد مما ذكر في أثناء نهار رمضان وهو مفطر، لزمه الإمساك عند الحنفيين والثوري والأوزاعي وهو رواية عن أحمد، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصوم فإذا طرأ أوجب الإمساك كقيام النية بالرؤية.

(وقال) مالك والشافعي: يستحب له الإمساك. وروي عن أحمد، لحرمة الشهر ولا يجب، لأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له استدامة الفطر كما لو دام العذر. وتقدم تمام الكلام في هذا في بحث من صار أهلاً للصيام (1).

(3 و 4) الحمل والرضاع: الحامل هي التي في بطنها جنين. والمرضع التي شأنها الإرضاع وإن لم تباشره. والمرضعة هي المباشرة له بإلقام ثديها الصبي. فيباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما ولو رضاعاً- بغلبة الظنّ بنحو تجربة أو إخبار طبيب ثقة- من حصول ضرر بالصوم كضرر المريض. وللمرضع الفطر بشرب دواء أخبر الطبيب الثقة أنه يمنع استطلاق بطن الرضيع مثلاً (لحديث) أنس بن مالك الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام" أخرجه أحمد والأربعة والبيهقي وحسنه الترمذي (2){236}

(1) تقدم ص 350.

(2)

انظر ص 126 ج 10 الفتح الرباني (الصيام للمريض والحامل والمرضع) وص 153 ج 10 المنهل العذب المورود وص 318 ج 1 مجتبي وص 263 ج 1 ابن ماجه وص 42 ج 2 تحفة الأحوذي (الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع) وص 231 ج 4 بيهقي.

ص: 513

(دل الحديث) على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما وبه يقول عامة العلماء. واختلفوا في لزوم القضاء والفدية عليهما (فقال) ابن عباس وابن عمر: عليهما الفدية بلا قضاء إذا خافتا على ولدهما (روي) سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنه قال إذا خافت الحاملُ على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً ولا يقضيان صوما أخرجه ابن جرير الطبري (1).

(وعن) نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة. أخرجه مالك والبيهقي (2).

(وقال) الحنفيون: يباح الفطر للحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما وعليهما القضاء عند القدرة ولا فدية عليهما لعدم النص عليها في الحديث (وبهذا) قال مالك في الحامل (وقال) في المرضع: إذا خافت على ولدها أو نفسها ولم تجد أجرة ترضعه بها عليها الفطر والقضاء والفدية لكل يوم مد (وقال) الشافعي وأحمد: يباح لهما الفطر وعليهما القضاء فقط إن خافتا على أنفسهما فقط أو مع ولدهما. أما إن خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء لأن حالهما لا ينقص عن حال المريض وعليهما الفدية أيضاً لكل يوم مد من غالب قوت البلد عند الشافعي لأنهما يطيقان الصوم وقد قال الله تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (3) "(وقال) أحمد: الواجب مد بر أو نصف صاع شعير والخلاف فيه

(1) انظر ص 80 ج 2 جامع البيان.

(2)

انظر ص 116 ج 2 زرقاني الموطأ. وص 230 ج 4 بيهقي.

(3)

سورة البقرة آية 184.

ص: 514

كالخلاف في إطعام المساكين في كفارة الجماع. فإن عجزتا عن الإطعام سقط عنهما بالعجز ككفارة الوطء بل أولى لوجود العذر. وقيل لا يسقط (1).

(5)

الكبر: - بكسر ففتح- الطعن في السن يطلب من الشيخ الهرم والمرأة العجوز إذا لحقهما بالصوم مشقة أن يفطروا ويطعما لكل يوم مسكيناً مداً من بر عند الشافعي وأحمد ونصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك عند الحنفيين إن قدر وإلا استغفر الله تعالى وطلب منه العفو والاقالة (قال) ابن عباس رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه. أخرجه الدارقطني والحاكم وصححاه (2)(والظاهر) أن هذا موقوف. ويحتمل أن المراد رخص النبي صلى الله عليه وسلم فبني الفعل للمجهول للعلم بالفاعل. فإن الترخيص إنما يكون توقيفاً. ويحتمل أنه فهمه ابن عباس من الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" وهو الأقرب (وقال) مالك: الشيخ الفاني والمرأة الفانية يفطران ولا شيء عليهما لأنهما تركا الصوم للعجز فلا تجب فدية كالمريض الذي اتصل مرضه بالموت. وهذا قياس مع النص فلا يعول عليه.

(هذا) ولو كان الشيخ الفاني مسافراً فمات قبل الإقامة لا يلزم الإيصاء بالفدية لأنه إنما ينتقل من الصوم إلى الفدية عند لزومه وهو لا يلزم المسافر. والفدية لا تكفي إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره، فلو لزمته كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ عاجز عن الصوم أو لم يصم

(1) انظر ص 21 ج 3 شرح المقنع.

(2)

انظر ص 250 الدارقطني.

ص: 515

حتى عجز عنه لا تكفيه الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره. هذا ويجوز في الفدية طعام الإباحة عند الحنفيين وهو أكلتان مشبعتان (وقال) غيرهم لا يجوز بل لابد فيها من التمليك وإن قدر الشيخ أو العجوز على الصوم بعد الفدية، لزمه القضاء لأنه وجد أياماً أخر ولأن شرط وقوع الفدية خلفاً عن الصوم دوام العجز عنه (وعن) أحمد- فيمن أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام- روايتان (الأولى) لا يلزمه لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية الواجبة عليه فلم يعد إلى الشغل بما برئت منه كمن كان مريضاً لا يرجي برؤه أو شيخاً لا يستمسك على الراحلة فأقام من يحج عنه ويعتمر فيجزيء عنه وإن عوفي (الثانية) يلزمه القضاء لأن الإطعام شرع لليأس وقد تبينا ذهاب اليأس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض ثم حاضت (1).

(6)

يباح الفطر لمن أكره عليه بملجئ كالقتل أو قطع عضو.

(7)

ويباح الفطر للمجاهد لا علاء كلمة الدين ولو مقيماً إذا خاف الضعف عن الجهاد إذا استمر صائماً.

(8 و 9) ويباح الفطر لمن خاف الهلاك أو نقصان العقل أو الضرر من جوع أو عطش شديدين إن لم يفطر لقوله تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"(2)

(1) انظر ص 80 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(2)

سورة البقرة آية 195. و (بأيديكم) الباء زائدة وقال المبرد: بأيديكم، أي بأنفسكم تعبير للبعض عن الكل. وقيل هو مثل مضروب للاستسلام يقال: ألقي فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم. و (التهلكة) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وتهلكه أي لا تأخذوا فيما يهلككم. قال أسلم أبو عمران: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة. فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة؟ فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما نزلت هذا الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله عز وجل (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي والحاكم وهذا لفظ أبي داود انظر ص 320 ج 2 عون المعبود (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة- الجهاد).

ص: 516

وقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج)(1)(ولحديث) ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا ضرر ولا ضرار" أخرجه أحمد بسند حسن (2){237}

(تتميم) من أفطر لعذر مما سبق ومات قبل زواله لا يلزمه قضاء ولا وصية بالفدية، لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر وهذا مجمع عليه (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (3){238}

ومن أفطر لعذر زوال قبل الموت بقدر ما فاته يلزمه قضاؤه، لإدراكه عدة من أيام أخر وإن لم يزل الذر بقدر ما فات بل زال أياماً أقل من الفائت ثم حل الموت، لزمه القضاء بقدر أيام زوال العذر. فإن كان قضاها فيها وإلا لزمه الوصية بالفدية عن كل يوم يلزمه قضاؤه.

فمن أفطر لعذر. وتمكن من القضاء ولم يقض أو أفطر لغير عذر ومات ولم يقض أطعم عنه من له التصرف في ماله عن كل يوم مسكيناً (لحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً" أخرجه الترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. والصحيح عن ابن عمر موقوف وأخرجه ابن ماجه من طريق آخر مرفوعاً (4){239}

(1) سورة الحج آية 78.

(2)

انظر رقم 9899 ص 431 ج 6 فيض القدير.

(3)

انظر ص 109 ج 15 نووي (وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم. وص 2 ج 2 مجتبي (وجوب الحج) وص 253 ج 4 بيهقي.

(4)

انظر ص 43 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 274 و 275 ج 1 ابن ماجه (ومن مات وعليه صيام رمضان)(فليطعم) مبني للفاعل. أي فليطعم ولي الميت بدل كل يوم مسكيناً وروي مبنياً للمفعول ومسكين نائب فاعل.

ص: 517

و (لذا) قال الحنفيون: لا يصام عن الميت مطلقاً ويطعم عنه وليه إن أوصى به عن كل يوم لزم نصف صاع من بر أو دقيقة أو سويقة أو صاعاً من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك (وقال) مالك والشافعي في الجديد: يطعم عنه وليه مداً من طعام عن كل يوم، لقول ابن عباس لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة أخرجه النسائي في الكبرى بسند صحيح (1) (وقالت) عائشة رضي الله عنها:"لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم" أخرجه عبد الرازق والبيهقي (2).

(هذا) ويلزم أن يكون الإطعام من ثلث ما تركه من عليه الفدية إن كان له وارث وإلا فمن الكل إن أوصى. والوصية لازمة إن كان له مال وإن لم يوص لا يلزم الإطعام عند الحنفيين ومالك وإن تبرع به الولي أو غيره صح وله الثواب عند الشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون ومالك: لا يسقط الواجب عن الميت لعدم نيته وفعل الغير لا يقوم مقام فعله بلا إذنه. والزكاة والصلاة كالصوم وكل صلاة في الفدية كصوم يوم على الصحيح عند الحنفيين (وقال) المحدثون والليث بن سعد والزهر كما والشافعي في القديم: يجوز الصوم عن الميت مطلقاً لا فرق بين قضاء رمضان والنذر والكفارات (لعموم) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) انظر ص 257 ج 4 الجوهر النقي. وص 263 ج 2 نصب الراية.

(2)

انظر ص 257 ج 4 بيهقي (من قال: يصوم عنه وليه).

ص: 518

"من مات وعليه صيام صام عنه وليه" أخرجه أحمد والشيخان والبيهقي وأبو داود وقال: هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل (1){240}

المعنى أن من مات من المكلفين وعليه قضاء صيام لازم من فرض رمضان أو نذر أو كفارة صام عنه وليه. والمراد به كل قريب ولو غير عاصب على الصحيح.

(وقال) بريدة رضي الله عنه "بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شعر أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي عنها" أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح (2){241}

(وقال) أحمد وإسحق: من مات وعليه صيام صاله عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مداً (لقول) ابن عباس "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك" أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم (3){242}

والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها والنذر أخف حكماً لكونه لم يجب بأصل الشرع وإنما أوجبه الناذر على نفسه (وأجاب) الجمهور عن هذه الأحاديث.

(1) انظر ص 255 ج 4 بيهقي. وص 143 ج 10 المنهل العذب المورود. والحديث تقدم رقم 100 ص 93 (القرب تهدي إلى الميت).

(2)

انظر ص 132 ج 9 الفتح الرباني، وص 25 ج 8 نووي (قضاء الصوم عن الميت) وص 25 ج 2 تحفة الأحوذي (المتصدق يرث صدقته).

(3)

انظر ص 140 ج 4 فتح الباري، وص 24 ج 8 نووي (قضاء الصوم عن الميت).

ص: 519