الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم عليهما السلام، وأنا كفيل على قومي "، قالوا: نعم.
وقال لهم العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج هل تدرون على مَ تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي في الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتلة الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال صلى الله عليه وسلم:" الجنة "، قالوا: ابسط يدك، فبسط صلى الله عليه وسلم يده، فبايعوه؟ وإنما قال ذلك العباس رضي الله عنه ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم، وقال آخرون: إنما قال ذلك ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي بن سلول فيكون أقوى لأمر القوم.
قال: فلما بايعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة، بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل المنازل، هل لكم في مذمم والصبَاء معه قد اجتْمعوا على حربكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هذا ازب العقبة، أي عدوّ الله، أما والله لأفرغن لك "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ارفضّوا إلى رحالكم " فقال له العباس بن عبادة بن نضلة رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن غداً على أهل مِنى بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم أؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم "، قال: فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا لتستخرجوه من بين أظهرنا، وتبايعوه على حربنا، والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينكم منكم، قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون ما كان من هذا شيء، وما علمناه، قال: وصدقوا لم يعلموا، قال: وبعضنا ينظر إلى بعض، قال: ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت له، كلمة، كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي فقال: والله لتنتعلنهما، قال: يقول أبو جابر: مه أحفظت والله الفتى، فاردد إليه نعليه، قال، فقلت: والله لا أردّهما، فأل والله صالح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنه.
قال: ونفر الناس من مِنىً فتنطس القوم الخبر، فوجدوه قد كان، فخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعدَ بن عبادة رضي الله عنه بأذاخر فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته، وكان ذا شعر كثير. قال سعد رضي الله عنه: فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قُريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال، قال، قلت في نفسي: إن يكن عند أحد من القوم خير فعند هذا، قال: فلما دنا مني رفع يديه فلطمني لطمة شديدة، قال، فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا من خير، قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى إلي رجل منهم فقال: ويحك، أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال، قلت: بلى والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجاره وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، قال: ويحك، فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما، قال: ففعلت، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: أما أن رجُلاً من الخزرج الآن يضرب بالأبطح، وإنه ليهتف بكما، ويذكر أن بينه وبينكما جواراً، قالا: ومَنْ هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق والله إن كان ليجير تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده، فجاءا فخلصا سعداً من أيديهم، فانطلق.
العَقْر
(1) :
بأرض بابل من ناحية الكوفة بالعراق بين واسط وبغداد، موضع كان التقاء مسلمة ين عبد الملك في ستة آلاف من أهل الشام بيزيد بن المهلب الخارج على يزيد بن عاتكة.
وكان (2) قد هرب من سجن عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وصار إلى البصرة، وعليها عدي بن أرطأة الفزاري، فأخذه يزيد بن المهلب فأوثقه: ثم خرج يريد الكوفة مخالفاً على
(1) ميز ياقوت بين أمكنة متعددة بهذا الاسم، وانظر كذلك معجم ما استعجم 3:949.
(2)
حتى آخر المادة لمروج الذهب 5: 453 - 457.
يزيد بن عبد الملك، وحشدت له الأزد أحلافها، وانحدر إليه أهله وخاصته، وعظم أمره واشتدت شوكته، فبعث إليه يزيد أخاه مسلمة بن عبد الملك وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيش عظيم، فلما شارفاه رأى يزيد بن المهلب في عسكره اضطراباً فقال: ما هذا الاضطراب أن قيل جاء مسلمة والعباس؟! فوالله ما مسلمة إلا جرادة صفراء، وما العباس إلا نسطوس بن نسطوس، وما أهل الشام إلا طغام قد حشدوا ما بين فلاح وزراع ودباغ وسفلة، فأعيروني (1) أكفكم ساعة تصفعون بها خراطيمهم، فما هي إلا روحة أو غدوة حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين، علي بفرسي، قال: فأتي بفرس أبلق، فركب غير مسلح، فالتقى الجيشان فاقتتلوا قتالاً شديداً، وولى أكثر أصحاب يزيد عنه، فقتل يزيد في المعركة وصبر إخوته أنفسهم فقتلوا جميعاً، وفي ذلك يقول الشاعر:
كل القبائل بايعوك على التي
…
تدعو إليها طائعين وساروا
حتى إذا حضر الوغى وجعلتهم
…
نصب الأسنة أسلموك وطاروا
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن
…
(2) عاراً عليك وبعض قتل عار فلما ورد الخبر على يزيد بن عبد الملك بذلك استبشر، وتكلف الشعراء له بهجو آل المهلب فأكثر، وبعث يزيد هلال بن أحوز المازني في طلب آل المهلب، وأمره ألا يلقى منهم من بلغ الحلم إلا ضرب عنقه، فاتبعهم حتى أتى قندابيل من أرض السند، وأتي هلال بغلامين من آل المهلب فقال لأحدهما: أدركت؟ قال: نعم، ومدَّ عنقه، فكأن الآخر أشفق عليه فعض شفتيه، أي لا تظهر جزعاً، فضرب عنقه، وأْثخن هناك القتل في آل المهلب حتى كاد يفنيهم، فذكر أن آل المهلب مكثوا بعد إيقاع هلال بهم عشرين سنة، يولد فيهم الذكور ولا يموت منهم أحد.
وقتل مع يزيد أخواه حبيب ومحمد ابنا المهلب، وكان يزيد جواداً شجاعاً بليغاً فصيحاً.
عقرباء:
موضع بناحية اليمامة فيه نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه والمسلمون حين لقوا مُسَيْلَمة الكذّاب وجمعه.
قالوا: لما أشرف خالد بن الوليد رضي الله عنه وأجمع أن ينزل بعقرباء قدم الطلائع أمامه، فرجعوا إليه فأخبروه أن مُسيلمة ومَن معه قد خرجوا فنزلوا عقرباء، وضرب عسكره، وقد قيل إن خالداً رضي الله عنه هو الذي سبق إلى عقرباء فضرب عسكره ثم جاء مسيلمة فضرب عسكره، ويقال توافيا إليها جميعاً. فلما فرغ خالد رضي الله عنه من ضرب عسكره وحنيفة تسوّي صفوفها نهض خالد رضي الله عنه إلى صفوفه فصفّها وقدّم رايته مع زيد بن الخطّاب رضي الله عنه ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس، فتقدم بها، وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عُيينة بن ربيعة، وعلى ميسرته شجاع بن وهب، واستعمل على الخيل البراء بن مالك، ثم عزله واستعمل أسامة بن زيد، وأقبلت بنو حنيفة قد سلّتِ السيوف، فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهاراً طويلاً، فقال خالد: يا معشر المسلمين، أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم، فما سلّوا السيوف من بعيد إلا ليرهبونا، وإن هذا منهم لجُبن وفشل، فقال له مجاعة (3)، وكان أسيراً عنده: كلا والله يا أبا سليمان، ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها، وهي غداة باردة فأبرزوها للشمس لأن تسخن متونها. فلما دنوا من المسلمين نادوا: إنا نعتذر من سلّنا سيوفنا، والله ما سلَلْناها ترهيباً لكم ولا جُبناً عنكم، ولكنها كانت الهندوانية، وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم فسترون، قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً وتصبر الفريقان جميعاً صبراً طويلاً حتى كثرت القتلى والجراح في الفريقين، واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا إلا قليلاً، وهزم كِلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين، والمشركون عسكر المسلمين مراراً، وحملت حنيفة أول مرة وخالد على سريره حتى خلص إليه، فجرد سيفه وجعل يسوق حنيفة سوقاً حتى ردَّهم وقتل منهم قتلى كثيرة، ثم كرَّتْ حنيفة حتى انتهوا إلى فسطاط خالد رضي الله عنه فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف، ولما دخلوا الفسطاط أراد من حمل منهم قتل أم متمم امرأة خالد،
(1) ع ص: فساعدوني.
(2)
ورد هذا البيت منسوباً لحبيب بن خدرة الهلالي من قصيدة يرثي بها زيد بن علي (شعر الخوارج: 80) .
(3)
كان مجاعة - وهو من بني حنيفة - قد أسر قبل بدء المعركة.