الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأبيض من أعلاها إلى أسفلها قد نقشت أحسن نقش وأنزلت بالذهب واللازورد، وكتب فيها الكتابات الحسنة بالذهب، وصورت فيها الصور الحسنة فجاءت من أحسن القصور وأتمها جمالاً وهذا الجبل أمسيول الذي فيه بجاية جبل عظيم عال قد ذهب في الجو وخرج في البحر وفيه مياه سائحة وعيون كثيرة وبساتين، وهو كثير القردة ويكون فيه الحيوان المشوك المسمى بالذرب.
وكان هجم على بجاية علي بن إسحاق بن حمو المشهور بابن غانية فملكها سنة ثمانين وخمس مائة في أول ولاية المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ثم انتقل إلى قسنطينة فحاصرها ولم يقدر عليها فتوغل في صحراء بلاد الجريد وعاث وسفك الدماء ومات على توزر، سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
بلاد البحرين
(1)
هي بلاد واسعة شرقيها ساحل البحر، وجوفها متصل باليمامة، وشمالها متصل بالبصرة، وجنوبها متصل ببلاد عمان، وقاعدتها هجر، وأهلها عبد القيس ومن بلاد البحرين الأحساء والقطيف وبيشة والزارة والخط الذي تنسب إليه الرماح الخطية وغيرها. وهي بلاد سهلة كثيرة الأنهار والعيون عذبة الماء ينبطون الماء على القامة والقامتين، والحناء والقطن على شطوط أنهارها بمنزلة السوسن، وهي كثيرة النخل والفواكه، ولها تمر إذا انتبذ وشرب اصفرت الثياب من عرقه، وبساتينهم على نحو ميل منها ولا يأتونها إلا غدواً أو رواحاً لافراط حر الرمضاء وإن حوافر الدواب تسقط فيها إذا احتدمت، وهي مخصوصة بتعظيم الطحال ولذلك قال بعض الشعراء:
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
…
ويغبط بما في بطنه وهو جائع ولها مدن كثيرة وبلاد البحرين منهالة الكثبان جارية الرمل حتى يسكروه (2) بسعف النخل وربما غلب عليهم في منازلهم، فإذا أعياهم حملوا النقوض وتحولوا، وقد كان من البحرين إلى عمان طريق فغلب عليه الرمل ومنع من سلوكه فلا يوصل اليوم من البحرين إلى عمان إلا في البحر. وفي البحرين على طريق البصرة جزائر مسيرة يومين وثلاثة وفيها آثار وبناء وخرابات يرفئ فيها أصحاب السفن إذا هاجت الرياح وفي تلك الجزائر صيد كثير وفي جزيرة خارك منها جزر غليظ يقطع بالقدوم لغلظه، وميرة البحرين تجلب إليها من فارس، ويقال إن اليمامة والبحرين والقريتين وما يليها كانت لطسم وجديس، وفي اليمامة كانت زرقاء اليمامة، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى في حرف الياء.
ولما سار حسان بن تبان أسعد أبو يكرب ملك اليمن بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم حتى إذا كانوا بالبحرين كرهت حمير وقبائل اليمن المسير معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم إلى آخر الخبر، ذكره ابن إسحاق (3) .
وبها كان خروج أبي فديك الخارجي تغلب عليها سنة اثنتين وسبعين، ووجه إليه عبد الملك بن مروان عشرين ألفاً من أهل البصرة والكوفة وكانت بينهم معركة عظيمة وحمل إليه أهل المصرين حتى استباحوا عسكر الخوارج وقتلوا أبا فديك وحصروهم في المشقر فنزلوا على الحكم فقتل منهم ستة آلاف وأسر ثمانمائة (4) .
بخارى
(5)
من بلاد خراسان، وهو بلد واسع يشف على المدن كبراً ومحاسن وكثرة أشجار، وهي في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشتبك ويحيط بهذا الخشب المشتبك في البناء من القصور والبساتين والسكك والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلاً في مثلها، ويحيط بجميعها سور يجمع هذه القصور والمساكن التي تمتد (6) من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاء وصيفاً، وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها، وداخل هذا السور (7) مدينة حسنة لها سور مجصص ولها قصبة خارج المدينة متصلة بها تكون كالمدينة الصغيرة وفيه (8) قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار منظرها ينزلها الولاة. ولبخارى ربض طويل فسيح المحلات، وأكثر أسواقها في هذا الربض، والمسجد الجامع بها معدوم المثال كثير الاحتفال، وببخارى بشر كثير لا يحصيهم العدد وجل أهلها
(1) البكري (مخ) : 68.
(2)
ص: يستروه؛ البكري: يسكرونه.
(3)
ابن هشام 1: 28.
(4)
خبر أبي فديك في الطبري 2: 852 - 853 (حوادث سنة 73) ، وما هنا ملخص عنه.
(5)
نزهة المشتاق: 213.
(6)
نزهة المشتاق: تعد.
(7)
زيادة من نزهة المشتاق.
(8)
ص: وفيها.
مياسير ويشق ربضها (1) نهر الصغد ويخترق أكثر ديارها وشوارعها وأسواقها ولأهل بخارى عليه أرحاء عدة، وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق المتسعة والأشجار والمزارع، ويقع فاضل هذا النهر في بحيرة كبيرة هناك، ولبخارى هذه مدن عدة.
وافتتح بخارى (2) سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية رضي الله عنه ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل مغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها.
قال أهل العلم بالممالك (3) : لم ير ولم يسمع بظاهر بلد أحسن من ظاهر بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء فكأن السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر تلوح القصور فيما بين ذلك كالكواكب العلوية بياضاً ونوراً، بين أرض وضياع كوجه المرآة استواء وكطلعة الحسناء بهاء قد جمعت إلى بعد المسافة وسعة المساحة عذاء التربة وكمال حسن المنتزه قالوا: والمشار إليه من متنزهات الأرض صغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق وسواد العراق.
وببخارى (4) دار الإمارة على جميع خراسان، وهي مدينة في مستو من الأرض ويحيط بها من القصور والبساتين والمسالك والقرى المتصلة والسكك المشتبكة ما يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها ويحيط بذلك كله سور يجمع تلك القرى والقصور ولا يرى من أضعاف ذلك قفر ولا خراب، ومن دون هذا السور على القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال التي تعد من القصبة سور آخر هو فرسخ في مثله، ومدينة داخل هذا السور وتحيط بها حصون ولها قهندز خارج المدينة متصل بها وهو مقدار مدينة صغيرة وبها قلعة بها مسكن ولاة خراسان، ولها ربض عريض طويل، والمسجد الجامع على باب القهندز في المدينة، ولها سبعة جوامع وأسواقها في ربضها وليس بخراسان ولا ما وراء النهر ما هو أشد اشتباكاً من بخارى ولا أكثر أهلاً، وفي ربضها نهر الصغد يشق الربض وأسواقها، وهو آخر نهر الصغد ويصير إلى طواحن وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء هناك، وللمدينة سبعة أبواب حديد وللقهندز بابان ولربضها دروب كثيرة وليس في مدينتها ولا قهندزها ماء جار لارتفاعهما (5) ، وتنبعث من نهرها الأعظم أنهار، وليس في داخل حدود بخارى جبل ولا نشز إلا موضع المدينة ولهم خارج المدينة ملاحات.
وأهل بخارى (6) يتفاوضون فيما بينهم ويتعارفون أنه ما عقد في قلعتهم لواء ولا خرجت منه راية فهزمت ولا غلب فيها وال قط وهذا من الاتفاق العجيب. ولسان بخارى لسان الصغد يحرف بعضه قليلاً، وزيهم الأقبية والقلانس كزي ما وراء النهر لأنها مستقيمة على كور ما وراء النهر، ويرجع أهلها من العفة والدماثة والأمانة وحسن السيرة وحسن المعاملة وقلة الشر وإفاضة الخير وبذل المعروف وسلامة النية إلى ما يفضلون به سائر الناس.
ويكفي أن من بخارى الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (7) رحمه الله مؤلف الكتاب الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عليه معول أهل السنة في جميع بلاد المسلمين وغير ذلك من تصانيفه، ومناقبه لا تحصى توفي سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنتين وستين سنة.
وفي سنة ست عشرة وستمائة (8) وقعت كائنة الططر العظمى، كان فيها المصاف بين الملك خوارزم شاه وجنكزخان بين نهر سيحون ونهر جيحون ودام القتال ثلاثة أيام بلياليها وقتل من الفريقين ما لا يحصى ولم ينهزم المسلمون ولا الكفار، فلما كانت الليلة الرابعة افترق كل فريق منهما تحت الليل وفر خوارزم شاه وقد انقطع قلبه مما شاهد من صبر (9) العدو وأيقن بذهاب دولته على
(1) ص: بعضها.
(2)
الطبري 2: 179، 393 - 394، 1198؛ وانظر أيضاً تاريخ بخارى للترشخي.
(3)
هذا النص أورده ياقوت نقلاً عن كتاب الصور؛ مع بعض اختلاف.
(4)
من هنا يتفق النص مع ابن حوقل: 398 والكرخي: 399 وهو أقرب غلى ابن حوقل، وقد سها المؤلف أن ما نقله عن نزهة المشتاق بجمع كثيراً من الحقائق التي وردت في هذه الفقرة، إذ ليس نص الإدريسي إلا نص ابن حوقل او الكرخي مع تحوير يسير.
(5)
في الأصلين: لارتفاعها.
(6)
متابع لابن حوقل: 404 والكرخي: 176 مع تصرف وزيادة.
(7)
ترجمته في تاريخ بغداد 2: 4 - 36، وطبقات الحنابلة 1: 271،وابن خلكان 3: 188، والوافي 3: 232، وتذكرة الحفاظ: 555، وتهذيب التهذيب 9: 47، والشذرات 2: 134، وإرشاد الساري 1:31.
(8)
ابن الأثير 12: 364 (حوادث 617) ، ولكن مؤلف الروض ينقل عن مصدر آخر.
(9)
ص: قير؛ ع: غير، والترجيح من ناسخ ص.