الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرة ومساجد ومسجد جامع، وسورها صخر وطوب، وبها حمامات وفنادق وبواد عظيمة وقصور جمة وحصون ورباطات على البحر، منها محرس فيه منار مفرط الارتفاع يرقى إليه في مائة وست وستين درجة.
وصفاقس في وسط غابة زيتون، ومن زيتها يمتار أهل مصر والمغرب و
صقلية
والروم، وربما بيع الزيت بها أربعين ربعاً بمثقال واحد، وهي محط لسفن الآفاق، وإذا جزر الماء بقيت السفن في الحمأة فإذا مد رجعت السفن وعامت، ولا بد من المد والجزر كل يوم.
وكان الأديب أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي تميم ولي في المدة المستنصرية اشرافها فلم توافقه فقال (1) :
صفاقس لا صفا عيش لساكنها
…
ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا
ناهيك من بلدة من حل ساحتها
…
عانى بها العاديين الروم والعربا
وليتها فتولتني الهموم وقد
…
لقيت من سفري في أرضها نصبا
كم ظل في البر مسلوباً بضاعته
…
وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا
قد عاين البحر قبحاً في جوانبها
…
فكلما هم أن يدنو لها هربا ويقصدونها (2) التجار من الآفاق بالأموال الجزيلة لابتياع المتاع والزيت وعمل أهلها في القصارة والكمد كعمل أهل الإسكندرية وأحسن، وتقابل صفاقس في البحر جزيرة قرقنة، وهذه الجزيرة في وسط القصير، بينها وبين مدينة صفاقس في ذلك البحر الميت القصير القعر نحو عشرة أميال، وليس للبحر هناك حركة، وحذاء هذا الموضع في البحر على رأس القصير بيت مشرف مبني بينه وبين البر الكبير نحو الأربعين ميلاً، فإذا رأى ذلك البيت ركاب السفن الواردة من الإسكندرية والشام وبرقة أداروها إلى مواضع معلومة.
صقلية:
جزيرة صقلية في قطعة من البحر الشامي بينها وبين أقرب بر من مالطة ثمانون ميلاً؟ افتتحها المسلمون في صدر الإسلام وغزاها أسد بن الفرات الفقيه أميراً وقاضياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، ففزع فيمه (3) البطريق النصراني قائد صاحب صقلية إلى زيادة الله فعرض عليه أمر صقلية، والظفر بها، فولى زيادة الله أسد بن الفرات القاضي الفقيه على جيش إفريقية من قريش والعرب والبربر وغيرهم وأقره على القضاء مع القيادة، فخرج أسد في جيش عظيم وجمع كثير وعدة كاملة في شهر ربيع الأول من العام المذكور، وكان فصوله من مدينة سوسة في سبعين مركباً يوم السبت للنصف من ربيع الآخر ووصل إلى مرسى مازر يوم الثلاثاء بعده، وكانت طريقه من المرسى على قلعة بلوط ثم على قرى الريش ثم صار إلى قلعة الدب، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها دباً أنيساً، ثم إلى قرية الطواويس، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها طاووساً، ثم إلى معركة بلاطة (4) ، وهناك ظهر لهم جمع الروم فنازلهم فانهزم المشركون وأصيب لهم كراع وسلاح ولذلك سميت معركة بلاطة، وهو اسم ملك النصارى، ثم رحل إلى حصون الروم وقراهم يغير ويسبي، وبث السرايا في جميع الجزيرة وكثرت المغانم عند المسلمين وصاروا في رغد من العيش، وسارع الناس إلى إمدادهم من إفريقية والأندلس، وحاصر أسد مدينة سرقوسة وقاتلهم (5) براً وبحراً وأحرق مراكبهم وقتل جماعة من أهلها، ومات أسد سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو محاصر لسرقوسة، ووقع الموتان في عسكر المسلمين.
واختلفت عليهم بعده الولاة، ثم كان فيها من العلماء والعباد والفقهاء والشعراء وأعيان الناس ما لا يأخذه عد ولا يأتي عليه إحصاء، إلى أن طال الأمد وقست القلوب واختلفت الأهواء ووقعت الفتن بين أهلها، وخلفت فيهم خلوف، ومضت الأعصار الطويلة فتغلب عليها النصارى في سنة أربعمائة وثلاث وخمسين، ومازال
(1) رحلة التجاني: 69، وفيها معلومات هامة عن صفاقس، وانظر كذلك الاستبصار:116.
(2)
عادة إلى النقل عن البكري: 20 - 21.
(3)
ص ع: قيمه؛ وفيه أو فيمي (Euphemius) هو الذي تذكر المصادر العربية أنه حث الأغالبة على فتح الجزير لنزاع بينه وبين صاحب القسطنطينية (نهاية الأرب 22: 238) ؛ وهذا النص يشبه ما عند البكري (ح) : 219 مع اختلاف في بعض التفصيلات.
(4)
كذا ولعله ((منزلة)) ؛ وبلاطة: موضع المعركة، ولكن المصادر العربية تجعله أيضاً أسماً لحاكم صقلية.
(5)
ص ع: وقابلهم.
الطاغية رجار الفرنجي يفتحها قطراً قطراً ويأخذها كفراً كفراً إلى أن استولى على جميعها وذلك في مدة ثلاثين عاماً (1) إلا أنه أقر الناس بها على ديانتهم وشرائعهم وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأهلهم وذراريهم، وأقام على ذلك مدة حياته إلى أن مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة، فخلفه ابنه رجار الثاني فحذا حذوه وسار بسيرته فركن إليه الناس ورضوا بتسليم الأمور له.
وصقلية اسم لإحدى مدنها فنسبت الجزيرة كلها إليها، وفيها مدن (2) كثيرة، وهي جزيرة عظيمة ضخمة حصينة خطيرة قيل إن فيها مائة بلد وثلاثين بلداً بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل.
وطول هذه الجزيرة سبعة أيام وعرضها خمسة أيام، وفتحت في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فتحها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير القيروان، بعث إليها أسد بن الفرات، كما قدمناه، فمشى في مراكبه إلى سرقوسة، مدينة من مدن الجزيرة، فنزل بمرساها، وقاتل البطريق الذي كان بها حتى قتله.
قالوا: ومعنى صقلية باللسان القديم: تين وزيتون، وهو الذي أراد أبو علي حسن بن رشيق في مدح قاعدتها بلرم المدعوة باللسان العربي المدينة في قوله:
أخت المدينة في اسم لا يشاركها
…
فيه سواها من البلدان والتمس
وعظم الله معنى ذكرها قسماً
…
قلد إذا شئت أهل العلم أو فقس يشير إلى قوله تعالى: " والتين والزيتون ".
وقال البكري (3) : سميت صقلية باسم سيقلو أخو ايطال (4) الذي به سميت ايطالية وكانت تعرف قبل تري قريا، ومعناه باللسان الإغريقي: ثلاثة في أربعة (5)، وإنما ذلك لثلاثة مواضع مشرفة فيها وهي: بلرم التي هي قاعدتها وباجنة ولياوم (6) ، وبين صقلية وبلد إيطالية خليج من البحر.
وقال ارشيوس عرض جزيرة صقلية مائة وسبعة وخمسون ميلاً وطولها مائة وسبعة وسبعون ميلاً، وقال غيره: دور صقلية الذي يحيط بها خمسمائة ميل وطول جزيرة صقلية من جبل بلرم إلى جل بحيتة، وعرضها من جبل باجنة إلى جبل انتسوا عند مرسى علي، ويذكر أنها مثلثة الشكل.
وقال بعضهم: لا أدري جزيرة في البحر أكثر منها بلاداً ولا عمارة أقطار، فالثلث الشرقي منها، من مسيني إلى جزيرة الأديب، مائتا ميل، ومن جزيرة الأديب إلى طرابنش أربعمائة ميل وخمسون ميلاً، وهو الوجه الجنوبي، والوجه الثالث من طرابنش إلى الحراش اثنان وخمسون ميلاً. وهي كثيرة الزرع والضرع والفواكه، وبلرم قاعدتها في شمال الجزيرة على سبع ليال من المجاز.
وبجزيرة صقلية البركان العظيم (7) الذي لا يعلم في العالم أشنع منظراً منه ولا أغرب خبراً، وهو في جزيرتين شمالاً من هذه الجزيرة، وإذا هبت الريح الجوفية سمع له دوي هائل كالرعد القاصف.
وقد كان بروفوريوس الفيلسوف شخص من مدينة صور إلى صقلية لينظر إلى البركان ويعاين فعل الطبيعة هناك ويخبر عنه وعن العلة فيه بقول واضح، فمات بها وقبره بها معروف، وقبر جالينوس أيضاً هناك معلوم، وكان قد شخص من مدينة رومة يريد الشام ليلقى أصحاب عيسى عليه السلام.
وبصقلية مياه حامضة، وبها معدن من الكبريت الأصفر الذي لا يوجد بموضع مثله، وهو بجزيرة البركان، وله قطاعون وعمالون عالمون بتناول ذلك قد تمرطت شعورهم وتصلبت (8) أظفارهم، ويذكرون أنهم يجدونه في بعض الأزمنة سيالاً متميعاً فيجدون له في الأرض مواضع يجتمع فيها، ثم يجدونه في غير ذلك الأوان قد تحجر وحمض فيقطعونه بالمعاول.
(1) بعض هذه الفقرة ملخص عن الإدريسي (م) : 20 - 21 مع حذف حماسته لرجار وإشادته بذكره.
(2)
عاد إلى التلخيص عن الإدريسي.
(3)
البكري (ح) : 213، وبعضه عند ابن الشباط (المكتبة الصقلية: 210) .
(4)
في الأصلين: انطال
…
أنطالية.
(5)
لعل ((في أربعة)) مصحفة عن ((مرابع)) وذلك قد يوافق قوله ((لثلاثة مواضع مشرفة)) .
(6)
الأرجح أن تكون ((باجنة)) هي ((باشنو)) التي يذكرها الإدريسي: 56 كما اقترح الأستاذ رتزيتانو؛ أما لياووم فيرجح الأستاذ نفسه أنها محرفة، وأن مكانها في الزاوية الشمالية الشرقية هو الفارو ((il Faro)) .
(7)
انظر مادة ((البركان)) في ما تقدم.
(8)
البكر وابن الشباط: ونصلت؛ وهو أصوب.