الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعظمه أهل الديلم وانقادوا له وأفضل عليهم بالأموال ليستعين بهم على العرب، فنزل جند الخليفة أسفل الطاق، فعاينوا منه مؤيساً لهم، فكتب صاحب الجيش إلى الخليفة أنه لا يمكنه في الحرم والخزائن شيء، فكتب إليه يأمره بالمقام مع جميع الجند هناك حتى يفتحوا الطاق أو يكون محشرهم منه، فأقاموا عليه سنتين وسبعة أشهر وسووا المنازل ورسل الأصبهبذ تختلف من الديلم في السر يتحملون الأموال من دفائن الساحل وينصرفون إليه بالأخبار وكان المتخلفون (1) بالطاق يدورون كل ليلة دورة بالسلاح حيث يراهم جند العرب، فأرسل الله عز وجل عليهم الموت ووقع في الرجال الوبأ فمات منهم في يوم واحد ثلثمائة رجل، ففزع النساء والحرم، وتقززوا من الموتى وضاق بهم الحصن وكانت فيهم الحرة أرومندخت بنت الفرخان الأعظم، وكان للأصبهبذ هناك ثلاثة بنين وثلاث بنات سماهم الخليفة: عيسى وموسى وإبراهيم بني خرشيد الأصبهبذ، فطلب الحرم الأمان على أن يدلوا على موضع الباب والمصعد إليهم، فدلوا على الباب ففتحوه، وأعان من بقي من رجالهم من فوق، فدخلوا الطاق وأصيب فيه من الأموال والذخائر ما لم يقدروا على حمله كثرة ولا فرغ من استخراجه من الطاق إلا في سبعة أيام، وحملوا الحرم والأولاد مكرمين. وبلغ الأصبهبذ ما وقع في أصحابه من الموت وفتح الطاق، فأمسك عن محاربة العرب، وقد كان تهيأ له ما أراد، فقال: ما حاجتي بعد الحرم والأولاد، فكتب إلى نسائه قبل الخليفة في العمل له في الموادعة على أن يحمل الضعف مما كان يحمل كل سنة، فكلموا الخليفة في ذلك فأجاب، وأمر بكتب السجلات، ودفعت إلى رسوله، ووصل الخبر قبل وصولها بموت خرشيد الأصبهبذ بالديلم فاسترجعت السجلات.
طاووس:
موضع في بلاد فارس قريب من اصطخر كانت فيه وقعة للمسلمين على أهل فارس في خلافة عمر رضي الله عنه.
قالوا (2) : كان العلاء بن الحضرمي يباري (3) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لصدع صدعه القضاء بينهما، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد استعمله على البحرين، وأذن له في قتال أهل الردة، واستعمله أيضاً عمر رضي الله عنه ونهاه عن البحر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر رضي الله عنه إذ لم يغزيا فيه أحداً فطال العلاء على سعد رضي الله عنه في الردة بالفضل، فلما ظفر سعد رضي الله عنه بالقادسية وأزاح الأكاسرة واستعلى بأعظم مما جاء فيه العلاء، أصر العلاء أن يصنع شيئاً في الأعاجم، ورجا أن يدال كما قد كان أديل، ولم يفكر العلاء فيما بين فضل الطاعة والمعصية، فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك، وفرقهم أجناداً، وهو على خاصة الناس، فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس، فخرجوا إلى اصطخر وبازائهم أهل فارس، فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم، فاقتتلوا بموضع يقال له طاووس، فقتل أهل فارس مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها، وخرج المسلمون إلى البصرة إذ غرقت سفنهم، ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلاً، فوجدوا سهرك (4) قد أخذ عليهم الطرق فبلغ عمر رضي الله عنه ما صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر، فاشتد غضبه على العلاء وكتب يعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه، تأمير سعد عليه، وقال: الحق بسعد بن أبي وقاص في من قبلك، فخرج نحوه بمن معه، وكتب عمر رضي الله عنه: إن العلاء بن الحضرمي حمل جنداً من المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعصاني، وأظنه لم يرد الله تعالى فخشيت عليهم ألا ينصروا ويثبتوا، كتب بذلك إلى عتبة بن غزوان في خبر طويل.
طبرستان:
من بلاد خراسان، بفتح أوله وثانيه، سميت بذلك لأن الشجر كان حولها شيئاً كثيراً فلم يصل إليها جنود كسرى حتى قطعوه بالفأس والطبر بالفارسية الفأس (5) واستان الشجر.
وطبرستان (6) بلد عظيم كثير الحصون والأعمال منيع بالأودية، وأهله أشراف العجم وأبناء ملوكهم، وهم أحسن الناس وجوهاً.
وطبرستان من الحصانة والمنعة بحيث لا يبلغه وصف، وكانت ملوك الفرس توليها رجلاً من أهل بيت المملكة وتسميه الأصبهبذ، وهو حافظ الجيش في لغتهم كما تقدم. وحد طبرستان مما يلي المشرق جرجان وقومس، ومما يلي المغرب الديلم، ومما يلي الشمال
(1) ص ع: المختلفون.
(2)
الطبري 1: 2546، وقارن بياقوت (طاووس) .
(3)
ص ع: يناوي.
(4)
الطبري: شهرك.
(5)
كذلك تعني لفظة ((طبر)) باللهجة المحلية هنالك ((الجبل)) ، وانظر ابن الفقيه: 301 - 302.
(6)
اليعقوبي: 277.
البحر، ومما يلي الجنوب بعض قومس، وطول هذا الحد خمسون فرسخاً، وعرضه مما يلي قومس أربعون فرسخاً.
وبحر طبرستان (1) هو المسمى بحر الخزر، وما حوله من أقطار الخزر والغزية، وهذا البحر منقطع غير متصل بشيء من البحار، وطوله نحو ثمانمائة ميل، وعرضه ستمائة ميل، وفيه أربع جزائر، وهو بحر مظلم لا مدَّ فيه ولا جزر، وهو مظلم القعر بخلاف بحر القلزم وغيره لأن تراب قعره طين، وما قيل أن هذا البحر متصل ببحر نيطس من تحت الأرض وبينهما نحو ست مراحل فليس بصحيح.
وكان مزيد صالح (2) أصبهبذ طبرستان ثم لم يزل بعد ذلك يعطي الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة مسلك البلد وخشونته فإذا أحسَّ من صاحب خُراسان بضعف لم يعط شيئاً ولا أرى طاعة، حتى ولي أبو جعفر الخلافة وقتل أبا مسلم فهابه الاصبهبذ، فكتب إليه بالطاعة ووجَّه رسله، فقبل أبو جعفر ذلك وبرَّ رسوله، ثم جَعَل يوجّه بالهدايا والألطاف في كل نوروز ومهرجان، ثم إن الاصبهبذ استطال أيام إلى جعفر فأمسك عن البعثة إليه، وبقية الخبر في رسم الطاق فانظره هناك.
وافتتحت طبرستان سنة اثنتين وأربعين ومائة، وأكبر مدنها الجبل وبها مستقر الولاة، وكانوا من قبل يسكنون سارية.
وحكى البلاذري (3) أن المأمون كان ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسمّاه محمداً، وجعل له مرتبة الأصبهبذ، فلم يزل على ذلك أيام المأمون وصدراً من خلافة المعتصم بالله نحواً من ست سنين ثم إنه كفر وغدر، فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر بن الحسين عامله على خُراسان وسجستان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته، فوجّه عبد الله الحسنَ بن الحسين عمه في رجال خُراسان، ووجّه المعتصم بالله محمد بن إبراهيم بن مصعب في من ضم إليه من جند الحضرة، فلما توافت الجيوش في بلاده كاتب أخْ له يقال له قوهيان (4) بن قارن الحسن ومحمداً وأعلمهما أنه معهما عليه، وقد كان يحقد عليه أشياء يناله بها من الاستخفاف، وكان أهل عمله قد ملّوا سيرته لتجبره وعسفه، فكتب إلى الحسن يشير عليه بأن يكمن في موضع سماه له، وقال للمايزديار: إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا وكذا، وذكر غير الموضع، وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك، فسار مايزديار يريد الحسن، فلما صار بقرب الموضع الذي كان الحسن كامناً فيه آذنه قوهيان بمجيئه، فخرج إليه في أصحابه، وكانوا منقطعين في الغياض فجعلوا ينثالون (5) إليه، فأراد مايزديار الهرب فأخذ قوهيان بمنطقته، وانطوى عليه أصحاب الحسن، فأخذوه بغير عهد ولا عقد، فحمل إلى سرّ من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين، وضرب بالسياط بين يدي المعتصم ضرباً مبرحاً، فلما وقعت السياط عليه مات، فصلب بسرّ من رأى مع بابك الخرّمي على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة، ووثب بقوهيان بعض خاصة أخيه، فقتل بطبرستان، وتولى طبرستان، سهلها وجبلها، عبد الله بن طاهر وطاهر ابنه بعده.
والذي ارتفع من خراج طبرستان وكورها سنة ست وثلاثين ومائتين سوى الضياع من المورّق (6) أربعة آلاف ألف ومائتا ألف وثلاثة وسبعون ألف درهم (7) ، وجميع المراحل ببلاد طبرستان أيام الطاهرية مائتان وثلاثون.
وليس (8) في بلاد الإسلام والكفر ناحية تقارب طبرستان في كثرة الابريسم، ومنها يرتفع الابريسم وأكسية الصوف والبرنكانات العجيبة، وليس في جميع الأرض أكسية تبلغ قيمة أكسيتهم، والغالب على أهلها وفور الشعر واقتران الحواجب وسرعة الكلام والعجلة والطيش، والغالب على طعامهم خبز الأرز وكذلك الديلم والجيل.
ومما يوصف من كثرة ذخائر خرشيد الاصبهبد أن رجلاً من أهل خُراسان أتى طبرستان فأهدى إليه ديكاً من ذهب، وفي عيني الديك ياقوتتان حمراوان لا يدرى ما قيمتهما، فأكرمه وقبل هديته، فكان ذلك الرجل يكثر أن يقول: حملت إلى الملك شيئاً ليس
(1) نزهة المشتاق: 270.
(2)
انظر مادة (الطاق) .
(3)
فتوح البلدان: 416، وقارن بياقوت (طبرستان) .
(4)
الفتوح: فوهيار.
(5)
ع: ثلثاثون، وفي البلاذري: يتتامون.
(6)
ص ع: المورن. وانظر ابن خرداذبه: 35.
(7)
انظر الخراج: 250.
(8)
قارن بابن حوقل: 323.