الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستجلبه من العراق فأقبل إلى الأندلس، فلما وصل إلى المرية مات الحكم فانعكس أمله وبقي حائراً، وكان مقلاً ثم نهض إلى قرطبة حضرة السلطان ونشر بها علمه، فشرق فقهاؤها بمكانه وبقي مدة مضاعاً حتى هم بالانصراف إلى المشرق، ثم علق بحبل محمد بن أبي عامر قيم الدولة الهشامية وكان عرف مكانه في العلم وبعد أثره فيه، فرغب في اصطناعه وأجرى عليه الرزق فنعشه (1) به ثم أخرج أمر السلطان بتقديمه للشورى ثم ولي قضاء سرقسطة، وكان من حفاظ مذهب مالك إلا أنه على مذهب العراقيين من أصحابه، ومن تواليفه " الدلائل على أمهات المسايل " توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة على أثر موت ابن أبي عامر.
اصبهان
ليست هذه الباء بخالصة ولذلك يكتبها بعض الناس بالفاء وهي مكسورة الأول، سميت بأصبهان بن نوح وهو الذي بناها، وقيل سميت اصبهان لأن اصبه بلسان الفرس البلد وهان الفرس، معناه بلد الفرسان. ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل اصبهان لنجدتهم وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثلاً شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان.
وذكر ابن سعيد أن اصبهان اثنتا عشرة مدينة (2) بعضها قريب من بعض والمتميزة منها بالشهرة جي وشهرستان واليهودية.
وكان الططر قد قاسوا عليها زحوفاً لم يقاسوها على غيرها من بلاد الإسلام إلى أن نشأ بين رئيس الشفعوية ورئيس الحنفية فتنة فقتل الشفعوي الحنفي وسما ابن الحنفي لطلب الثأر فسار إلى الططر وضمن لهم أن الحنفية معه، فأرسلوا معه جمعاً عظيماً فكان ذلك سبباً لأن غلبوا عليها فأبقوا على الحنفية وأفنوا الشفعوية وهدموا ديارهم وأحرقوا أملاكهم.
وكور أصبهان ثمانون فرسخاً في مثلها وهي بضعة عشر رستاقاً، والرستاق الإقليم بلغتهم، وفي كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية، وليس بالعراق إلى خراسان بعد الري مدينة أكبر من اصبهان ومنها يرتفع العتابي والوشي وسائر ثياب الابريسم والقطن إلى الآفاق، وبقرب اصبهان معدن الكحل وهو الاثمد مصاقب لفارس، ومن اصبهان يتجهز به إلى كل بلد ومدينة اصبهان أكثر البلاد يهوداً، وفي الخبر: يتبع الدجال من مدينة اصبهان أكثر من أربعين ألفاً عليهم الطيالسة.
ومن أهل اصبهان داود بن علي بن خلف الأصبهاني (3) قيل كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله، وإليه انتهت رياسة العلم ببغداد. ومنها أيضاً أبو الفرج الأصبهاني صاحب الكتاب الكبير في الأغاني كان عالماً حافظاً.
وبأصبهان لقي قحطبة أحد أكابر قواد السفاح عامر بن ضبارة فقتله في سنة إحدى وثلاثين ومائة وكان في مائة ألف وخمسين ألفاً، وكان قحطبة في اثنين وثلاثين ألفاً فبلغت عدد الرؤوس من السبي التي جمعت لقحطبة من أصحابه عشرين ألفاً وصار في يديه من ذراريهم عشرون ألفاً إلى غير ذلك من الأمور الجليلة.
اصطخر
مدينة من كور فارس ولها نواح، وهي مدينة كبيرة جليلة كثيرة الأرزاق والتجارات بناؤها بالطين والحجارة والجص، وهي أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً، وكانت دار ملوكها إلى أن ولي ازدشير الملك فنقل ملكهم إلى جور وجعلها دار الملك. ويروى أن سليمان عليه السلام كان يسير من طبرية إليها في غدوة أو عشوة، وبها مسجد يعرف به، وباصطخر قنطرة تسمى قنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة، وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام، ومن اصطخر إلى شيراز ستة وثلاثين ميلاً، وهواء اصطخر فاسد وخيم، وبها تفاح يكون نصف التفاحة حلواً صادق الحلاوة والنصف الآخر حامضاً صادق الحموضة وفي الأخبار المشهورة التي ينقلها الناس أن سليمان عليه السلام كان يغدو من اصطخر فيتغدى ببيت المقدس ويروح من بيت المقدس فيتعشى باصطخر، وذكر أن منزلاً بناحية دجلة مكتوب فيه: نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه عدونا من اصطخر نقلناه ونحن رائحون فآتون الشام إن شاء الله تعالى.
وكان باصطخر بيت نار معظم والناس يذكرون أنه مسجد
(1) ع ص: فبعثه.
(2)
نص قول ابن سعيد (بسط الأرض: 94) وهي 12 محلة كل محلة منها كالمدينة المفردة.
(3)
ابن خلكان 2: 255.
سليمان عليه السلام وهو على نحو فراسخ من اصطخر، وهو بنيان عجيب وهيكل عظيم وفي أعلاه صور محكمة من الصخر من الخيل وسائر الحيوان، يحيط بذلك كله سور عليه صور الأشخاص يزعم من جاور هذه المواضع أنها صور الأنبياء، وفي جوف هذا الهيكل الريح غير خارجة منه في ليل ولا نهار لها هبوب وحفيف يذكر من هناك أن سليمان عليه السلام حبس الريح فيه وأنه كان يتغدى ببعلبك من الشام ويقيل بتدمر ثم يتعشى بهذا المسجد، فقال يوماً للريح: تيامني أو تياسري، فسارت إلى أرض فيها قصر أبيض فسارع من كان مع سليمان عليه السلام، فدخلوا القصر فإذا ليس فيه أحد يسألونه عن حال القصر وعن الباني له وإذا على القصر نسر واقع، فقال سليمان عليه السلام للنسر: من بنى هذا القصر؟ فقال النسر: يا نبي الله لا أدري من بناه وأنا عليه مذ ثمانمائة عام، هكذا أصبته، فسارع بعض من كان مع سليمان عليه السلام فكتب على القصر:
غدونا من قرى اصطخ؟
…
ر للقصر فقلناه
فمن يسأل عن القصر
…
فمبنياً وجدناه
يقاس المرء بالمرء
…
إذا ما هو ماشاه
فلا تصحب أخا الجهل
…
وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
…
حليماً حين آخاه ونقل من خط أبي بكر ابن عروة أن سليمان عليه السلام رأى يوماً في الصحراء بناء فأمر الريح فأمت به ذلك البناء فإذا قصر مبني من النحاس عليه شرفات وله سبعة أبواب على كل باب سبعة أقفال، فقرأ كتباً على حيطان القصر فوقع على المفاتيح فاحتفر فأخرجها وفتح القصر فإذا عتبة الباب من الذهب الأحمر وعليها كتابة باللازورد: من برجيس رحلنا، وبالقصر قلنا ومن يسأل عن القصر فمبنياً وجدنا فقال: لا إله إلا الله إن هذا لأمر عجب، رحل هؤلاء من برجيس غدوة ولحقتهم القائلة هنا وبين برجيس وهذا الموضع مسافة طويلة. ثم دخل فأصاب فيه مقاصير كثيرة فأقبل يفتح وينظر ما فيها من العجائب، ثم إنه فتح مقصورة فأصاب فيها رجلاً مدرجاً في أكفانه على سرير من الحديد الصيني طوله أربعون ذراعاً ملقى على قمحدوته، فوضع يده على صدره فصار رماداً من طول ما أتى عليه من الأزمنة والدهور، فقال: لا إله إلا الله لكأن هذا الشخص لم يعمر في الدنيا قط، وإذا بحربة من ذهب مركوزة عن يمين السرير، وعن شماله أخرى مكتوب في إحداهما:
إنما الدنيا ساعة ويوم،
…
ورقدة بينهما ونوم،
…
يعيش قوم ويموت قوم،
…
والدهر يمضي ما عليه لوم.
…
وفي الأخرى:
ملكنا وقدرنا، وقهرنا وتركنا
…
وقضى الموت علينا، بعد هذا فذهبنا
…
وإذا بلوح من ذهب مكتوب فيه:
إذا الحادثات بلغن المدى
…
وكادت لهن تذوب المهج
وحل البلاء وبان العزاء
…
فعند التناهي يكون الفرج وإذا تحت السرير مائدة من الحديد الصيني عليها ملح جريش وعليها مكتوب: أكل على هذه المائدة سبعون ألف ملك أعور سوى الأصحاء والبصراء وسوى الراقد على هذا السرير، ثم خرج من القصر وأصحابه، ورد مفاتيحه إلى موضعها، فإذا نداء من قبل الله عز وجل: يا سليمان إنما كانت المسئلة قبل أن يعطيك الله الملك ألا ينبغي لأحد من بعدك فأما من كان قبلك فبلغ أكثر من ذلك.
وذكر الطبري (1) أن فتح اصطخر الأخير كان سنة ثمان وعشرين وسط إمارة عثمان رضي الله عنه على يد الحكم بن أبي العاص، فأما فتحها الأول (2) ففي أيام عمر رضي الله عنه قصدها عثمان بن أبي العاص فالتقى هو وأهلها بجور فاقتتلوا ما شاء الله تعالى ثم فتح الله عز وجل على المسلمين حور واصطخر ودعاهم عثمان إلى الجزية فأذعنوا، وجمع عثمان ما أفاء الله فخمسه وبعث بالخمس إلى عمر رضي الله عنه وقسم الباقي في الناس وعف الجند
(1) الطبري 1: 2827، 2698.
(2)
الطبري 1: 2626.