الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النجاغة
(1) :
من مدن الحبشة صغيرة على ضفة النهر، أهلها فلاحون يزرعون الذرة والشعير ومنه يعيشون ومتاجرها قليلة، والسمك عندهم كثير ممكن والألبان غزيرة، وبينها وبين مركطة ستة أيام انحداراً في النهر، وفي الصعود أزيد من عشرة أيام على قدر الإمكان وليس بعد هاتين المدينتين في جهة الجنوب شيء من العمارات ولا شيء يعول عليه.
نجران:
من بلاد اليمن، سميت بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وممن كان (2) في الفترة أصحاب الأخدود، وكانوا بنجران، وبلغ ذا نواس أن قوماً بنجران على دين المسيح، وكان هو يهودياً، فنهض إليهم بنفسه، وحفر لهم أخاديد وأضرمها ناراً ثم دعاهم إلى اليهودية فمن أبى قذفه في الأخاديد، فأتي بامرأة معها طفل ابن سبعة أشهر فأبت أن ترجع عن دينها، فأدنيت من النار فجزعت، فأنطق الله تعالى الطفل فقال: امضي على دينك فلا نار بعدها فألقيت في النار، فسلط الله تعالى عليهم الحبشة وغلبوهم على أرض اليمن إلى أن كان من أمر ابن ذي يزن واستجارته بكسرى أنوشروان ما كان.
وبنجران (3) كان عبد الله بن الثامر من أهل دين عيسى عليه السلام، وكان بها بقايا من أهل دينه على الإنجيل أهل فضل واستقامة، وعبد الله بن الثامر رأس لهم، وكان أصل ذلك الدين بنجران، مع أن العرب كانوا أصحاب أوثان، أن رجلاً من بقايا ذلك الدين يقال له فيميون وقع بين أظهرهم فحملهم عليه فدانوا به، وكان صالحاً مجتهداً زاهداً في الدنيا مجاب الدعوة، وكان سائحاً ينزل القرى ولا يعرف في قرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يده وكان بناء يعمل الطين، وكان يعظم الأحد فلا يعمل فيه شيئاً، فخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي، وكان في قرية من قرى الشام، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح، فأحبه حباً شديداً وكان يتبعه حيث ذهب فلا يفطن له فيميون حتى خرج في يوم أحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع، فاتبعه صالح وهو لا يدري بمكانه، وقام فيميون يصلي فأقبل نحوه التنين، الحية ذات الرؤوس السبعة، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، فرآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فعيل صبره فصرخ: يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى وانصرف، وعرف أنه قد عرف، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه فقال له: يا فيميون، اعلم أني ما أحببت شيئاً قط حبك، وقد أردت صحبتك والكينونة معك حيث كنت، قال: إما شئت، أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح. وكان إذا جاءه أحد به الضر دعا له فشفي، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون، فقيل له إنه لا يأتي أحداً دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجرة، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوباً، ثم جاءه فقال: يا فيميون إني أردت أن أعمل في بيتي عملاً فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه، فأشارطك عليه (4)، فانطلق معه حتى دخل حجرته ثم قال: ما تريد أن تعمل في بيتك هذا. قال كذا وكذا، ثم أزال الرجل الثوب عن الصبي وقال: يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له، فدعا له فيميون فقام الصبي ليس به بأس وعرف فيميون أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل فقال: أفيميون؟ قال: نعم قال: ما زلت أنتظرك وأقول: متى هو جاء، حتى سمعت صوتك فعرفت أنك هو، لا تبرح حتى تقوم علي فإني ميت الآن، قال: فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف، وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدوا عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة، فإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي النساء، ثم خرجوا إليها وعكفوا عليها يوماً، فابتاع فيميون رجل من أشرافهم، وابتاع صالحاً آخر، فكان فيميون إذا قام الليل في بيت له أسكنه إياه سيده يصلي استسرج له البيت نوراً حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذة النخلة لا تضر ولا تنفع ولو
(1) ع: النجاعة، وكذلك هي في أصول نزهة المشتاق، الإدريسي (د) : 24 (OG: 43) .
(2)
البكري (مخ) : 21.
(3)
السيرة 1: 31 وما بعدها؛ والطبري 1: 920.
(4)
ص ع: فأشار عليه.