الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذو القرنين في مطافه، وهو كثير الأفاعي والحيات، ولولا كثرة القنافذ لتلف من هنالك.
قال أصحاب المغازي (1) : قصد عاصم بن عمرو سجستان ولحقه عبد الله بن عمير فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم ثم اتبعوهم حتى حصروهم بزرنج، ومخر المسلمون سجستان ما شاء الله، ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوه من الأرضين، فأعطاهم ذلك المسلمون، وكان فيما شرطوه من صلحهم أن قنافذها (2) حمى، فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروها خشية أن يصيبوا منها فيخفروا، وأقيم أهل سجستان على الخراج، وكانت سجستان أعظم من خراسان، وأبعد فروجاً، يقاتلون القندهار والترك وأمماً كثيرة، وكانت فيما بين السند إلى نهر بلخ بحياله، فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرهما عدداً وجنداً حتى كان زمن معاوية، فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل، ودانوا لسلم بن زياد وهو يومئذ عامل سجستان، ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم تلك البلاد، وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه، فقال معاوية: إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه، قالوا: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة ومضايق، وهؤلاء قوم غدر نكر، فيضطرب عليهما الحبل غداً، فأهون ما يجيء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها، وتم لهم على عهد ابن زياد، فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل وخافه أخوه، فاعتصم منه بمكانه الذي هو به اليوم، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها، فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة. قالوا: وصار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد فلم تنتزع إلى اليوم، وقد كانت البلاد مذللة إلى أن مات معاوية.
ومن سجستان أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسماعيل بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني صاحب كتاب " السنن "، توفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين.
وبسجستان قتلت الخوارج معن بن زائدة فتكاً به سنة اثنتين وخمسين ومائة، وكان معن أحد الأجواد، وقف عليه أعرابي فقال له: جعلت قصدك سببي إليك، وكرمك وسيلتي عندك واستشفعت بك إليك، قال: سل ما أحببت، قال: ألفا درهم، قال معن: الله أكبر، ربحنا أربعة آلاف درهم، فقال الأعرابي: أنت أكرم من أن تربح على مثلي، قال: صدقت، وأمر له بستة آلاف درهم.
سجلماسة
(3) :
في صحراء المغرب، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة، وهي على نهر يقال له زيز، وليس بها عين ولا بئر، وزرعهم الدخن والذرة ولهم النخل الكثير.
وسجلماسة (4) من أعظم مدن المغرب، وهي على طرف الصحراء لا يعرف في قبليها ولا في غربيها عمران، وبينها وبين غانة في الصحراء مسيرة شهرين في رمال وجبال غير عامرة، قليلة الماء، يسكنها قوم من مسوفة رحالون لا يستقر بهم مكان، ليس لهم مدن ولا عمارة يأوون إليها إلا وادي درعة، وبينه وبين سجلماسة مسيرة خمسة أيام.
وهي كثيرة (5) العامر مقصد للوارد والصادر، كثيرة الخضر والجنات، رائعة البقاع والجهات، وهي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف، كزيادة النيل، ويزرع بمائه كحال ماء النيل، ولزراعته إصابة كثيرة، وفي السنة الكثيرة الأمطار ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر، وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره فينبت من غير حاجة إلى البذر (6) وحكي أن البذر يكون عاماً والحصاد فيه سبع سنين، وبها أنواع من الثمر لا يشبه بعضها بعضاً، وفيها الرطب المسمى البرني، وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها في غاية الصغر، وعندهم غلات القطن والكمون والكراويا والحناء، ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها، وهم يأكلون الكلاب والحرذون، وقل ما يوجد في أهلها صحيح العينين.
وسجلماسة (7) محدثة، بنيت سنة أربعين ومائة، أسسها مدرار بن عبد الله، وكان رجلاً من أهل الحديث يقال إنه لقي بإفريقية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وسمع منه،
(1) الطبري 1: 2705.
(2)
الطبري: فدافدها.
(3)
قارن باليعقوبي: 359.
(4)
عن الاستبصار: 200 وبعضه مطايق لما عند البكري: 149.
(5)
عن الإدريسي (د/ ب) : 60/ 37، وقارن بابن حوقل:90.
(6)
زيادة من الإدريسي.
(7)
عن الاستبصار: 201، وقارن بالبكري:148.
وكان صاحب ماشية، وكثيراً ما كان ينتجع موضع سجلماسة، وكان يجتمع بالموضع بربر تلك النواحي، فاجتمع إلى مدرار قوم من الصفرية، فلما بلغوا أربعين رجلاً، قدموا على أنفسهم مدراراً، وشرعوا في بناء سجلماسة فبنوها، ثم سورها أبو المنصور اليسع بن أبي القاسم بن مدرار، ولم يشركه في الإنفاق في بنائه أحد، أنفق فيه ألف مدي من طعامه. وقال آخرون: إن رجلاً جواداً اسمه مدرار كان من ربضية قرطبة، خرج من الأندلس عند وقعة الربض، فنزل منزلاً بقرب سجلماسة، وموضع سجلماسة إذ ذاك سوق لبربر تلك النواحي، فابتنى بها مدرار خيمة وسكنها، فبنى الناس حوله، فكان ذلك أصل عمارتها، وكان رجلاً أسود وهجي أولاده بذلك.
ولسجلماسة اثنا عشر باباً ولها بساتين كثيرة، وهي كثيرة النخل والأعناب وجميع الفواكه، وزبيب عنبها المعرش الذي لا تناله الشمس لا يزبب إلا في الظل، ويسمى الظلي، وما أصابته الشمس منه زبب في الشمس. وهي على نهرين من عنصر واحد في موضع يسمى الحلف (1) وتمده عيون كثيرة، ولهم مزارع كثيرة يسقونها من النهر في حياض كحياض البساتين، ويزرع بأرض سجلماسة عاماً ويحصد من تلك الزريعة ثلاثة أعوام، لأنه بلد مفرط الحر شديد القيظ، فإذا يبس الزرع تناثر عند الحصاد، وأرضهم مشققة، فيقع ما يتناثر من الحب في تلك الشقوق، فإذا كان العام الثاني أخرجوا النهر على عادتهم، لأن ماء المطر قليل عندهم وحرثوا بلا بذر وكذلك العام الثالث. وقمحهم رقيق الحب يسع مد النبي صلى الله عليه وسلم من قمحهم خمساً وسبعين ألف حبة، وهم يأكلون الزرع إذا أخرج شطأه، وهو عندهم مستظرف.
ومن العجيب (3) بسجلماسة أنها ليس فيها ذباب ولا كلاب لأنهم يسمنونها ويأكلونها كما يصنع أهل البلاد الجريدية، ويسمون الكنافين عندهم المجرمين (3) والبناءون عندهم اليهود لا يتجاوزون بهم هذه الصناعة. والسبب في تسخير أهل سجلماسة لليهود في ذلك كونهم محبين في سكنى بلادهم للاكتساب، لما علموا أن التبر بها أمكن منه بغيرها في بلاد المغرب لكونها باباً لمعدنه، فهم يعاملون التجار به ليخدعوهم بالسرقة وأنواع الخداع، ولما علم منهم (4) ذلك أبو عبد الله الداعي، عند استخراجه عبيد الله الشيعي من سجن اليسع بن مدرار بسجلماسة، وكان الذي عرف به ونم عليه يهودي، وحكى عبيد الله لأبي عبد الله ما جرى له معهم، قتل منهم الأغنياء وأخذ أموالهم بالعذاب وأمر من شاء منهم أن يقيم معهم في البلد بأن يتصرف في هذه الصناعة وفي شغل الكنافين، فمن دخل في الكنافين من أصناف الناس سموهم المجرمين لاجترامهم على حرفة موقوفة على اليهود. وقصروا البناء عليهم خاصة لأنهم خائفون من أن يجوز أحدهم المسلم فيهلكه فهم ينصحونهم في البناء ويلازمون الخدمة دون تردد، وهم الآن قد داخلوا المسلمين.
وبسجلماسة كان قيام الدعوة العبيدية وإخراج أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي من سجن اليسع بن مدرار. قالوا (5) : وكان أبو عبد الله الشيعي محققاً لوجود الإمام المهدي، والخبر عن خروجه إلى شاطئ دجلة وقراءته لسورة الكهف ولقائه الشيخ الذي معه الغلام، وسؤال الشيخ الذي مع الغلام له عن قتل الغلام المذكور في الآية بأمر لا يتحقق، ثم اجتماعه به في منزله وقول الشيخ له: إن الغلام الذي معه هو ولده عبيد الله وإنه الإمام المنتظر، وقوله لأصحابه الذين كانوا معه: هذا ثاني عشرتكم، وتوجيهه له إلى المغرب ليكون آخر دعاته إلى المهدي عبيد الله، مطول (6) مشهور فلنختصره. وكان ذلك في خلافة المعتضد سنة ثمانين ومائتين، ثم مات الشيخ والد عبيد الله، فهرب عبيد الله إلى مصر ونفذت مخاطبات المعتضد إلى صاحب مصر في طلبه والقبض عليه، وإلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة مثل ذلك، فلما خرج المهدي من مصر، بعث واليها في طلبه، فوجد راجعاً يذكر أنه يطلب كلباً هرب له، فحمل إلى الوالي، وقيل له: هو صياد هرب له كلب فطلبه، وشهد له بذلك شهود، وقيل: أعطى الوالي ما كان معه فأطلقه، ثم وصل إلى سجلماسة فدل عليه يهودي كان هناك، فأخذه اليسع بن مدرار وسجنه هناك وكبله، وتبعه ولده أبو القاسم، فسجنه أيضاً في قرية بالقرب من سجلماسة، فخاطب من السجن أبا عبد الله الداعي فأعلمه بحاله، فاستنفر الداعي قبائل كتامة ومن استجاب لدعوته وقصد سجلماسة،
(1) ص: الخلف؛ الاستبصار: أكلف.
(3)
البكري: والمجذمون عندهم هم الكنافون.
(3)
البكري: والمجذمون عندهم هم الكنافون.
(4)
ص ع: منه.
(5)
ما يزال يتابع الاستبصار، وفي هذه التفصيلات عن المهدي والداعي أبي عبيد الله قارن برسالة افتتاح الدعوة للقاضي النعمان، وانظر ص: 33 وتعليق المحققة في هذا الشأن.
(6)
خبر للمبتدأ: ((والخبر عن خروجه)) ....