الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله
من عائد الصلة (1) : كان رحمه الله رجل صدق (2) ، طيب اللهجة سليم الصدر تام الرجولة، صالحاً عابداً، كثير القرب والأوراد في آخر حاله، صادق اللسان. قرأ كبيراً وسنه تنيف على سبع وعشرين، فشأى (3) أهل الدءوب (4) والسابقة، وكان من صدور الحفاظ (5) ، لم يستظهر أحد من زمانه من اللغة (6) ما استظهره، فكان (7) يستظهر كتاب التاج للجوهري وغيره، آية تتلى ومثالاً يضرب (8) ، قائماً على كتاب سيبويه يسرده بلفظه، اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة، طبقة في الشطرنج يلعبها محجوباً (9) ، مشاركاً في الأصول، آخذاً في العلوم العقلية مع الملازمة (10) للسنة، يعرب أبداً كلامه ويزنه (11) .
مشيخته
أخذ (12) ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ولازم [الأستاذ] أبا القاسم ابن الشاط وانتفع به وبغيره من العلماء.
دخوله غرناطة
قدم (13) غرناطة مع الوفد [الذين قدموا] من أهل بلده (14)[سبتة] عندما صار إلى إيالة (15) الملوك من بني نصر لما وصلوا بالبيعة.
وفاته
كان من الوفد الذين استأصلهم الموتان (16) ، منصرفهم عن باب السلطان ملك المغرب (17) ، باحواز تيزى (18) ، حسبما وقع التنبيه على بعضهم (19) .))
2 - تعليق على هذه الترجمة
1 -
تقول هذه الترجمة إن ابن عبد المنعم سبتي. غير أن المقري صاحب نفح الطيب يقول وهو ينقل عنه: " ولنرجع إلى كلام صاحب الروض المعطار فإنه أقعد بتاريخ الأندلس إذ هو منهم، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه "(20) . فهل هو سبتي أو أندلسي؟ إن اهتمامه بجغرافية
(1) ك: من العائد.
(2)
ك: رجلاً صدوقاً.
(3)
ك: ففات.
(4)
بروفنسال: الدرب.
(5)
ك: كان ثم الدحول صالحاً حافظاً عابداً.
(6)
من اللغة: سقطت من ك.
(7)
ك: يكاد.
(8)
ك: آية متلوة ومثل يضرب.
(9)
ك: مجموماً.
(10)
ك: ملازمة.
(11)
ويزنه: سقطت من ك.
(12)
ك: قرأ.
(13)
ك: دخل.
(14)
ك: من بلاده.
(15)
ك: حين صارت لايالة.
(16)
ك: الموت.
(17)
ك: عن باب الملك المغربي.
(18)
ك: تازه.
(19)
ك: حسبما يقع التنبيه عليه.
(20)
النفح 4: 362 (تحقيق إحسان عباس، ط بيروت 1968) .
الأندلس وأحداثها، في كتابه، يجعل المرء يظن، ولو كان هو المقري المهاجر البعيد عند الأندلس والمغرب، أن مؤلف الروض المعطار أندلسي، فالخطأ هنا ليس خطأ صاحب الروض، الذي كان سبتياً دخل الأندلس، وإنما هو خطأ الذين ظنوا أنه أندلسي النسبة لإسرافه في الحديث عن الأندلس. وقد أكد نسبته إلى سبتة محمد بن القاسم الأنصاري السبتي حين ذكر أنه مقبور بمقبرة المنارة بسبتة وأنه من أهلها في قوله:" قبر الشيخ اللغوي الحافظ الأنبل المتفنن في المعارف، أوحد زمانه في ذلك، وإمام عصره، أبي عبد الله ابن عبد المنعم الصنهاجي من أهل سبتة "(1) .
2 -
وتمدنا هذه الترجمة بصورة فيها شيء من التفصيل عن منجي ثقافته وضروب براعته إذ تصوره متضلعاً في الحديث واللغو والنحو، مضيفاً إلى ذلك كله إطلاعاً على العلوم العقلية، ومهارة خارقة في الشطرنج. ويؤكد ابن القاسم الأنصاري ما قاله ابن الخطيب حول تضلعه في القراءة والحفظ واللغة، وتفرده في هذه الشؤون حتى أصبح " أوحد زمانه في ذلك وإمام عصره ". ومما يؤكد ذلك طبيعة الاتجاهات التي سار فيها أساتذته الذين درس عليهم، وقد ذكر منهم ابن الخطيب اثنين وهما: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي (- 716) ، وشيخ النحاة والقراء بسبتة، فقد كان يتقن كتاب سيبويه، ولعل ابن عبد المنعم أخذه عنه، كما صنف كتاباً في قراءة نافع وآخر في شرح الجمل (2) أما أستاذه الثاني فهو أبو القاسم، القاسم بن عبد الله بن الشاط (- 723) فقد كان يقرئ الأصول والفرائض بمدرسة سبتة، وكان حسن المشاركة في العربية، متقدماً في الفقه ريان من الأدب (3) . وقد طبعت هذه الثقافة شخصية ابن عبد المنعم بطابعها، فقد كان الرجل على جانب غير قليل من التدين، وفي آخر عمره كان كثير " القرب والأوراد "، معروفاً بالصلاح بين معاصريه، سليم الصدر، كما يمكن أن يتصوره من يقرأ كتاب " الروض المعطار "، مهتماً بإعراب كلامه، وفي هذا من المشقة عليه وعلى معاصريه ما فيه. وفي كتاب الروض ما يشير من بعيد إلى ملامح من شخصيته، فهو من ناحية التقوى لا يدع أحداً من الصحابة دون أن يقرن اسمه ب؟ " رضي الله عنه "، ولو مر في الصفحة الواحدة عدة مرات - وهذا ليس من صنيع النساخ فيما اعتقد - وهو يحب أن يقف عند أمجاد المسلمين الأوائل، ولهذا تجده مغرماً بنقل أخبار الفتوح؛ وقد أحس هو نفسه أنه أسرف في النقل، حين تحدث عن معركة الزلاقة، فشفع ذلك بقوله:" قال مؤلف هذا الكتاب [رحمة الله عليه] : قد خالفت بشرح هذه الوقيعة شرط الاختصار لحلاوة الظفر في وقت نزول الهموم ووقوعها في الزمن الخامل، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء وهو المستعان ". ولعلها الملاحظة الوحيدة التي سمح لنفسه بتقييدها تعبيراً عن مشاعره الذاتية.
(1) اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار: 5 (ط. باريز، 1932) تحقيق إ. لافي بروفنسال؛ وقد فرغ المؤلف من جمع كتابه سنة 765.
(2)
انظر ترجمته في الدرر الكامنة 1: 13 وبغية الوعاة: 177 وكلاهما يعتمد على الذهبي؛ ودرة الحجال 1: 176 وغاية النهاية 1:18.
(3)
الإحاطة: 358 (النسخة ك) والديباج المذهب: 225.
3 -
وهذه الثقافة وتلك الشمات المحببة في شخصيته كسبت له تقدماً في مدينة سبتة، ولهذا نجده يشارك في حياتها السياسية مرتين: الأولى عندما ذهب في الوفد إلى غرناطة ليقرر تبعية سبتة لبني نصر، وقد عرفنا لسان الدين إلى اثنين آخرين كانا في ذلك الوفد، وهما أستاذه أبو القاسم ابن الشاط، ومحمد بن علي بن هانئ اللخمي السبتي " - 733 "(1) ؛ وقد كان انتماء سبتة إلى حكم بني نصر سنة 705، وعودتها إلى المرينيين سنة 709 (2) ، وعلى هذا تكون الوفادة قد تمت في أوائل تلك المرحلة بين هاتين السنتين.
4 -
وتقول هذه الترجمة إن وفاة ابن عبد المنعم كانت إثر عودته من زيارة لسلطان المغرب - باحواز تازه - بسبب انتشار موتان. وقد أراد بروفنسال أن يفهم من لفظة " موتان " أنها تعني وبأ جارفاً، ولكن الصيغة في النسخة الكتانية من الإحاطة وردت على النحو التالي:" الذين استأصلهم الموت "؛ غير إن استئصال الموت لوفدٍ يعني أنهم ربما تعرضوا لوبأ جارف، ولما كان الوبأ الذي اكتسح المشرق والمغرب قد حدث سنة 749، فهل ذلك مما يجعلنا نقول بوفاة ابن عبد المنعم في حدود ذلك العام؟ كان ذلك ممكناً لولا إن ابن حجر ذكر في الدرر الكامنة أن وفاة ابن عبد المنعم كانت سنة 727، وليس هناك من سبب يجعلنا نرد هذا التاريخ، وإن لم تحدثنا المصادر عن " موتان " ألم بالمغرب في ذلك العام.
5 -
ومع ذلك كله يبقى سؤال لابد من الإجابة عليه لتوضيح الموقف: في سنة 728 كانت سبتة تشهد قدوم السلطان أبي سعيد المريني إليها لإخضاعها، وتقويم زيغها عن الطاعة للمرنيين، وقد استجابت سبتة لإرادة السلطان، " فاحتل بقصبتها وثقف جهاتها ورم منثلمها وصلح خللها واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها "(3) فما هي الغاية - إذن - من الوفد في السنة السابقة؟ أليس من الطبيعي أن يكون ذهاب الوفد بعد هذه الإجراءات التي قام بها أبو سعيد المريني؟ أن القطع بتاريخ وفاة ابن عبد المنعم ليس أمراً سهلاً، ولكن سنظل نقبل ما جاء في الدرر الكامنة، إلى أن تعين المصادر التي سيتكشف عنها المستقبل، تاريخ ذلك " الموتان " الذي يشير إليه لسان الدين.
6 -
ولكن هذه الترجمة لم تقل أي شيء يتعلق بنشاطه في التأليف. هل كان إحسانه لما يحسن قاصراً على رغبة في المعرفة لا تتجاوز الكسب إلى العطاء؟ هل درس وتخرج على يديه عدد من التلامذة؟ هل ألف؟ هل كانت تشمل شؤون الجغرافيا - أعني هل نسلم بأن معرفته للعلوم العقلية كانت تشمل أيضاً إطلاعه على المصادر الجغرافية؟ هل قول ابن القاسم " المتفنن
(1) الإحاطة: 63 (النسخة ك) .
(2)
انظر بروفنسال، مقدمة الترجمة:18.
(3)
الاستقصا 3: 115 (ط. الدار البيضاء: 1954) .
في المعارف " يضم حرصه على أن يكون عارفاً بشؤون البلدان؛ ثم هل يمكن أن يتجاوز ما يتقنه في اللغة والنحو والقراءات فلا يؤلف فيها، ويكون مؤلفه " الوحيد " كتاباً جغرافياً؟ لماذا - وهذا الكتاب من أبرز ما يمثل جهده - لم تذكره الكتب التي ترجمت له؟
7 -
كل هذه التساؤلات التي أثرناها تضعنا في حيرة إزاء العلاقة بين ابن عبد المنعم و " الروض المعطار ". ومما يجعل هذا الموقف أشد عسراً أن كل محاولة لمعرفة مؤلف الروض من خلال كتابه - عدا تلك الإشارات الصغيرة العامة التي ألمحت إليها من قبل - تبوء بالإخفاق الذريع: لنأخذ الحقيقة الأولى وهي أن المؤلف سبتي: فماذا نجد؟ ليس حديثه عن سبتة إلا من خلال الآخرين، فإنه ينقل ما يقوله الإدريسي وصاحب " الاستبصار " وليس لديه كلمة واحدة - من عند نفسه - يقولها في سبتة. أما اهتمامه بأبي العباس الينشتي (1) الذي استقل في سبتة في أواخر عصر الموحدين فإنه لا يختلف عن اهتمامه بأحداث القرن السابع جملة، وهو شيء يرجع الفضل فيه - فيما اعتقد - إلى المصدر الذي اعتمده لا إلى معرفته الذاتية العيانية.
وهل يعقل أن يقول ابن سبتة المغربي وهو يتحدث عن " سلا "(المدينة الواقعة إلى جانب الرباط) ثم عن " سلى " التي في بلاد السودان: " ولا أدري هل هذه سلا التي ذكر أنها على ضفة البحر " ثم يذكر بعد قليل أن هذه " سلى " - الثانية - " من عمالة التكروري "؟ أقول: هل يعقل أن لا يعرف بأن سلا الواقعة في منطقة الدولة المرينية ليست هي الواقعة في عمالة التكروري؟ ومثل ذلك أن يقول في " الزهراء ": " مدينة في غربي قرطبة؟ كذا قالوا، ولا أدري أهي الزاهرة المتقدمة الذكر أو غيرها ". ربما كانت المدينتان في عصره قد اندثرتا، ولكن أليس يدل هذا على أن معلوماته التاريخية - حتى عند الأندلس - كانت قاصرة، وأن المقري كان مخطئاً حين تصور أن رب البيت أدرى بالذي فيه، إذ كان قد فصل بين الماضي والحاضر عندئذ مضيق متباعد العبرين، أوسع بكثير من بحر الزقاق.
8 -
وليس في كتاب الروض ما يشارف مطالع القرن الثامن - أو يتعداها قليلاً - إلا حادثتان: الأولى في مادة " أيلة " حيث جاء " ثم أصلحها السلطان [الأشرف قانصوه الغوري آخر ملوك الجراكسة من جملة ما أصلح في طريق الحجاج في أواخر عمره قبل العشرين والسبعمائة] والثانية في مادة " لوجارة " حين تحدث عمن بقي من المسلمين بها ثم قال: " وآل أمرهم في هذا العهد القريب إلى أن أجلاهم عنها صاحب صقلية الآن ". وقد بين الأستاذ رتزيتانو أن ذلك الإجلاء قد تم على يد الملك شارل الثاني سنة 700.
وحين نقف عند هاتين الروايتين نجد أن العبارة الأولى وردت مبتورة في نسخة بيرم باشا، كاملة في نسخة الشيخ محمد نصيف؛ وهي إلى ذلك قد تضمنت هفوة جسيمة: إذ كيف يكون قانصوه
(1) انظر مادة " ينشته " في الكتاب.
الغوري آخر ملوك الجراكسة في حدود سنة 720 ونحن نعلم أنه توفي سنة 922؟ إذن هنا يجب أن نقف عند الخطأ التقليدي للنساخ حين يضعون سبعمائة بدل تسعمائة (أو العكس) ونقول: الصواب " قبل سنة 920 " وإما أن نعتقد أن اسم قانصوه الغوري وقع سهواً في موضع الناصر محمد الذي أصلح طريق العقبة فعلاً قبل سنة 720 (كان ذلك سنة 719) ؛ قال ابن تغري بردي: " وفي هذه السنة (أي 719) مهد السلطان ما كان في عقبة أيلة من الصخور ووسع طريقها حتى أمكن سلوكها بغير مشقة، وأنفق على ذلك جملاً مستكثرة "(1) . وأي الفرضين اخترنا وجدنا أن الإشارة إلى هذه الحادثة لا يمكن أن تكون من عمل المؤلف، فلو قلنا أن قانصوه الغوري وقع سهواً بدلاً من الناصر محمد لكانت هذه الهفوة من عمل إنسان آخر عاش حتى عرف من هو قانصوه الغوري؛ ولو قلنا أن التاريخ الصحيح هو سنة 920 لكان ذلك تجاوزاً لأقصى تاريخ حددته المصادر لوفاة ابن عبد المنعم، وهو سنة 900 كما جاء عند حاجي خليفة، وعلى كلتا الحالين نجد أنفسنا إزاء عبارة مقحمة لا دخل لابن عبد المنعم بها، وهي تتعارض من حيث الزمن مع كون الروض المعطار مصدراً للقلقشندي المتوفى سنة 821 - كما تقدم القول - وسيزداد رفضنا لها عندما نناقش العبارة الثانية التي تدور حول إجلاء المسلمين من لوجارة:
فهذه العبارة الثانية أقوى من سابقتها بكثير، وليس من المستبعد أن تكون الإشارة فيها إلى تلك الحادثة من صنيع المؤلف نفسه، وكان الذي حدا بالأستاذ رتزيتانو إلى ربطها بعام 700 شيئان: وقوع الحادثة حسب المصادر الأخرى سنة 700 وورد عبارة " هذا العهد القريب " ولفظة " الآن " فيها، (وما دام ابن حجر في الدرر يحدد وفاة المؤلف بعام 727 فلا مانع إذن من هذا الربط) وما دامت المصادر الموثوقة قد تحدثت عن حدوث ذلك الجلاء عام 700، فمن المغالاة أن نحيطها بالشك، خصوصاً وأن التاريخ المذكور، يمكن أن يشير إليه مؤلف طعن في القرن الثامن بعدة سنوات. ولكن أحب أن أشير إلى أن لفظة " الآن " لا تعني المعاصرة أبداً لدى صاحب الروض، فإنه إذا وجدها عند مؤلف سابق أبقاها على حالها، فإذا لم ينتبه القارئ لهذه الحقيقة جاءت مضللة. مثال ذلك قوله في مادة (طيبة) : وهي الآن عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة الغزي؟ " وهذا كلام الإدريسي حرفياً؛ وذلك يكفي في تبيين نقل المؤلف عمن سبقه دون تصرف، فقد ورد هذا في غير موضع من كتابه؛ فإذا كانت عبارة " هذا العهد القريب " ذات معنى، فإنها تعني القرب من أوائل القرن الثامن، وهي بذلك تنفي الحديث الذي جاء في العبارة الأولى عن قانصوه الغوري وإصلاحه طريق العقبة قبل سنة 920.
9 -
إذن، ليس هناك من الناحية الزمنية، ما يعطل نسبة الروض المعطار إلى ابن عبد المنعم الحميري، وإن لم يحاول فيه أن يبرز موقفه، من ناحية الأحداث، أو منتماه السبتي (أو المغربي
(1) انظر النجوم الزاهرة 9: 60 أما عن صلة قانصوه الغوري بإصلاح طريق العقبة فانظر بدائع الزهور لابن اياس 4:133، 152؛ 5:95 (ط. القاهرة: 1961) .
وثبت به شريعته، ثم قالت لي: وكيف رأيت صاحبنا، تعني ابن أخيها محمد بن أحمد، قال فقلت: رأيت غلاماً حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء فاستمد بآرائهم ونصت لأقوالهم يزخرفون له الكلام ويوردونه الندم، فقالت لي: فهل لك أن ترجع إليه بكتاب فلعلنا أن نحل ما عقد السفهاء، قال قلت: أجل، فكتبت إليه كتاباً حسناً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة وأخلصت فيه النصيحة، وكتبت في آخره هذه الأبيات:
اقبل نصيحة أم قلبها وجع
…
عليك خوفاً وإشفاقاً وقل سددا
واستعمل الفكر في قولي فإنك إن
…
فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا
ولا تثق برجال في قلوبهم
…
ضغائن تبعث الشنآن والحسدا
مثل النعاج خمول في بيوتهم
…
حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا
وداو داءك والأدواء ممكنة
…
وإذ طبيبك قد ألقى إليك يدا
وأعط الخليفة ما يرضيه منك ولا
…
تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا
واردف أخاً يشكر ردءاً يكون له
…
ردءاً من السوء لا تشمت به أحدا قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد، فلما نظر فيه رمى به إلي ثم قال: يا أخا يشكر ما بآراء النساء تساس الدول، ولا بعقولهن يساس الملك، ارجع إلى صاحبك، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقه وصدقه، فقال: وأين كتاب أم الشريف؟ فأظهرته، فلما عرض عليه أعجبه شعرها وعقلها ثم قال: والله إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان ونزول محمد بن أحمد على الأمان لما عمهم القتال وجه إلي أمير المؤمنين فقال: يا شعلة بن شهاب هل عندك علم من أم شريف؟ قال، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين، قال: فامض مع هذا الخادم فإنك تجدها في جملة نسائها، قال: فمضيت، فلما بصرت بي أسفرت عن وجهها وأنشأت تقول:
ريب الزمان وصرفه
…
وعدته كشف القناعا
وأذل بعد العز من؟
…
االصعب والبطل الشجاعا
ولقد نصحت فما أطع؟
…
ت وكم حرصت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدار إ
…
لا أن نقسم أو نباعا
يا ليت شعري هل نرى
…
يوماً لفرقتنا اجتماعا ثم بكت وضربت بيدها على الأخرى وقالت: يا ابن شهاب كأني والله كنت أرى ما أرى فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال فقلت: إن أمير المؤمنين قد وجهني إليك وما ذاك إلا لحسن رأيه فيك، قال فقالت لي: فهل لك أن توصل إليه كتابي هذا بما فيه؟ قلت: نعم، فكتبت إليه بهذه الأبيات:
قل للخليفة والإمام المرتضى
…
وابن الخلائف من قريش الأبطح
بك أصلح الله البلاد وأهلها
…
بعد الفساد وطال ما لم تصلح
وتزحزحت بك قبة العز التي
…
لولاك بعد الله لم تتزحزح
وأراك ربك ما تحب فلا ترى
…
ما لا تحب فجد بعفوك واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها
…
هب ظالمين ومفسدين لمصلح قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى أمير المؤمنين، فلما عرضت عليه الأبيات أعجبته، فأمر أن تحمل إليها تخوت من ثياب وجملة من المال وإلى ابن أخيها محمد بن أحمد بن عيسى مثل ذلك، وشفعها في كثير من أهلها ممن عظم جرمه واستحق العقوبة.
ومن العلماء المنسوبين إلى آمد المتأخرين السيف الآمدي
أبو الحسن علي بن أبي الحسن (1) الفقيه الأصولي الناظر الحافظ مصنف " أحكام الأحكام " و " منتهى السول " و " أبكار الأفكار " والجدل والخلافيات وغيرها من تصانيفه، وفيه يقول القائل:
إني نصحت لأهل العلم إن قبلوا
…
وكل قابل نصح سوف ينتفع
لا تلتقوا السيف يوماً في مناظرة
…
فكل من يلتقيه السيف ينقطع
آزمُّور
(2)
مدينة في بلاد المغرب فيها صنف الأديب الكاتب أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن زنون الكتاب المسمى " الفرائد التؤام والفوائد التوام في أسماء الخيل المشاهير الأعلام " صنفه لصاحب سبتة أبي علي الحسن ابن خلاص (3) سنة تسع وثلاثين وستمائة، وهو كتاب حسن مفيد مليح في فنه، وقال في آخره: صنفه مؤلفه علي بن محمد بن علي بن زنون بمدينة آزمور.
وحدث محمد بن عقيل بن عطية قال: كانت بيني وبين الأديب أبي عبد الله محمد بن حماد صحبة ومودة ثم اجتزت عليه بمقربة من آزمور مقدماً للقضاء فوجدته في حمام قد حجر، مباح الدخول فيه لسلطانه، فحاولت الدخول إليه فمنعت، فنسبت ذلك إلى سوء أدب الخدام، فانتظرته بباب الحمام، فلما خرج وصافحته أنكر مني ما ألف، وجهل من حقي ما عرف، فكتبت إليه:
ألا أيها القاصي الذي خلت عهده
…
تحول الليالي وهو ليس يحول
أجدك هل أيقنت أني طالب
…
جداك فلم يمكن لديك قبول
وهل خلتني آتيك أشفع شافعاً
…
وذلك شيء ما إليه سبيل
فلم نؤت لما أن أتيت بجانب
…
وأعرضت عني حين حان وصول
ووالله ما أقضي للقياك حاجة
…
سوى رعي عهد والوفاء قليل
وما كنت إلا زائر البيت ليلة
…
ويحفزني من بعد ذاك رحيل
ولو قلت للشعرى أترضين أن أرى
…
نزيلك قالت طاب منك نزيل
فكيف ولم أعرض بشيء يخصني
…
ولا في طباعي أن يقال دخيل
ولي في مناديح الرئاسة مذهب
…
أبيت على وعد بها وأقيل
وقد كان لي لب بذكرك عامر
…
وظن على طول البعاد جميل
فلما تلاقينا تلاشت مبرة
…
ويا ليت أني قبل ذاك عليل
آمُل
بضم الميم بعد المد وآخره لام، مدينة من مدن خراسان بينها وبين مرو على شط نهر جيحون ست مراحل خفاف تكون مائة ميل وأربعة وعشرين ميلاً، وبين آمل وجيحون ثلاثة أميال وهي مدينة حسنة متوسطة القدر لها بساتين وعمارات وفيها ناس وتجارات وحمامات، ومن آمل إلى مدينة خوارزم المسماة الجرجانية اثنتا عشرة مرحلة.
وحكى البكري أن آمل من بلاد طبرية وأن منها محمد بن جرير الطبري الإمام ولعلها مدينة أخرى تسمى كذلك (4) .
وفي سنة ست عشرة ومائة ظفر أسد بن عبد الله وهو أخو خالد بن عبد الله القسري بخداش صاحب الدعوة فقطع يده ورجله وشخص به إلى آمل فقطع بها لسانه وسمل عينيه وصلبه، وكان خداش قد غير وبدل ورخص في أشياء لا تحل ونقش خاتماً
(1) ابن خاكان 3: 293 (رقم: 432) .
(2)
بفتح الزاي وتشديد الميم وضمها، ومعناها باللغة البربرية:((الزيتون البري) .
(3)
تولى سبتة سنة 637 ثم ثار على الموحدين سنة 641 وأعلن تبعيته للأمير أبي زكريا الحفصي صاحب تونس، وكانت وفاته سنة 646 (البيان المغرب 3: 359 وديوان ابن سهل، طبع بيروت 1967. واختصار القدح المعلى: 98)
(4)
قال ياقوت (آمل) عن الطبري: أصله ومولده من آمل؛ والصواب أن يقول المؤلف ((طبرستان)) لا طبرية، وإن كانت النسبة غلى طبرستان ((طبري)) .
على خاتم الإمام وأظهر كتباً مفتعلة ووجدت له كتب فيها خداش الروح وفيها سأريكم دار الفاسقين بني أمية فنيل بما نيل به، وظفر أسد بعد بجماعة من الشيعة فضرب وقطع وكسر الثنايا.
قال البكري: آمل هي المدينة العظيمة المتواصفة من مدائن طبرستان وبها كان بنو الخليل وهم قوم من أشراف العجم لهم بها نعم جليلة. وكان إبراهيم ومروان ابنا الخليل يركبان عند السفر إلى الديلم في ثمانمائة من مماليكهما سوى الموالي والخول والأتباع، وإنما كانوا أصحاب ضياع لم يدخلوا في عمل السلطان قط.
أمْسِيول
(1)
هو جبل بجاية، ويأتي ذكره عند ذكر بجاية إن شاء الله تعالى.
أبَّة
(2)
في البلاد الإفريقية وهي على اثني عشر ميلاً (3) من مدينة الأربس في غربيها، وكان بها من الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي كثرة وجودة. وبوسط أبة عين ماء جارية منها شرب أهلها، عذبة (4) ماؤها غزير، وكان على أبة فيما سلف من الزمان سور مبني بالطين، وأسعارها رخيصة، وأكثرها الآن خراب.
أُبَّذة
(5)
مدينة بالأندلس بينها وبين بياسة سبعة أميال، وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير، ولها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جداً، وفي سنة تسع وستمائة مالت عليها جموع النصرانية بعد كائنة العقاب وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها كما فعل جيرانها أهل بياسة، ولم ترفع تلك الجموع يداً عن قتالها حنى ملكتها بالسيف، وقتل فيها كثير، وأسروا كثيراً ووقع على ما كان فيها بين أجناس النصارى خصام آل إلى الشحناء والافتراق وكفى الله المسلمين بذلك شراً كثيراً، وكان بعضهم قد طلب أبذة فتنافسوا فيها ولم يأخذها أحد منهم وخربوا أسوارها.
أُبَال
(6)
حصن بالأندلس في شمال قرطبة وعلى مرحلة منها، وهو الحصن الذي فيه معدن الزئبق، وفيه يعمل الزنجفور (7) ومنه يتجهز بالزئبق والزنجفور إلى جميع أقطار الأرض، ويخدم هذا المعدن أزيد من ألف رجل فقوم للنزول وقطع الحجر، وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن، وقوم لعمل أواني السبك والتصفية، وقوم لبنيان الأفران والحرق، ومن وجه الأرض إلى أسفله فيما حكي أكثر من مائة قامة (8) .
أبواطا
جزيرة في إقليم برذيل وهي بازاء موضع نهر برذيل وأبواطا يأوي إليها المجوس بمراكبهم عند ارتجاج البحر، فإذا ركدت الريح وسكن البحر وأمكنهم الفرصة دخلوا النهر فجأة فيغيرون في ضفتيه حيثما أمكنهم ثم يرجعون إليها؛ وفي هذه الجزيرة آثار بنيان ومعالم عمران، وهي كثيرة الشعراء ملتفة الأشجار بها مياه عذبة ومزارع جمة، وإذا اتصلت بهم أهوال الشتاء فامتنعوا من ركوب البحر وأصابهم الجهد عمدوا إلى نوع من الشجر يكثر بهذه الجزيرة فيقتاتون به الشهر والشهرين.
الأبْواء
(1)
قرية جامعة بين مكة والمدينة شرفهما الله تعالى وسطاً من المسافة، ومعنى (10) الأبواء أخلاط من الناس، وفي واديها من نبات الطرفاء ما لا يعرف بواد أكثر منه، وهي قرية حصينة كثيرة الأهل وماؤها من الآبار، والبحر منها قريب، وبينها وبين السقيا سبعة وعشرون ميلاً، وبها ماتت آمنة بنت وهب (11) أم النبي صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين، وكانت قدمت به صلى الله عليه وسلم المدينة على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكان صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم.
قال ابن إسحاق (12) : وخرج رسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء يريد قريشاً وبني ضمرة وبني بكر بن عبد مناة فصالح بعضهم ثم رجع ولم يلق كيداً وذلك بعد اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة صلى الله عليه وسلم.
أَبان
(13)
بفتح أوله، جبل، وهما أبانان الأبيض والأسود،
(1) الإدريسي (ب بيربس) مسيون، ص: 62، وفي بعض أصول الإدريسي (د دوزي) : 90: أمسينون.
(2)
النقل عن الإدريسي (ب/ د) : 86/ 117، وأنظر أيضاً البكري:53.
(3)
البكري: ستة أميال، وهو مخالف لما عند الإدريسي.
(4)
الإدريسي: غدقة.
(5)
الإدريسي (د) : 203 وبروفنال: 11 والترجمة: 15 (Ubada) .
(6)
الإدريسي (د) : 213 وبروفنال: 10 والترجمة: 15 (Owejo) .
(7)
دوزي: الزنجفر.
(8)
الإدريسي (د) : مائتي قامة وخمسين قامة.
(1)
الإدريسي (ب بيربس) مسيون، ص: 62، وفي بعض أصول الإدريسي (د دوزي) : 90: أمسينون.
(10)
في ع ص: وفي
(11)
ابن هشام 1: 168
(12)
ابن هشام 1: 591.
(13)
معجم ما استجمع 1: 95.
فالأبيض لبني فزارة والأسود لبني والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بينهما فرسخ، وإياهما عنى مهلهل بقوله يعني ابنته:
انكحها فقدها الأراقم في
…
جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين جاء يخطبها
…
ضرج ما أنف خاطب بدم
أبرق العزاف
(1)
واد بالحجاز يقال إنه لا يتوارى جنه، قال خريم بن فاتك الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ألا أحدثك كيف كان بدء إسلامي، قال: بلى، قال رضي الله عنه: خرجت في طلب إبل لي
…
وبقية الحكاية في حرف الخاء من ابن عساكر " خريم بن فاتك " فانظره (2) .
الأبطح
(3)
بمكة شرفها الله تعالى، وقريش فريقان: قريش البطاح وقريش الظواهر، فقريش البطاح هم الذين ينزلون بطحاء مكة وهم بنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو عبد العزى وبنو عدي بن قصي بن كلاب وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو جمح، وقريش الظواهر الذين ينزلون حول مكة وهم بغيض بن لؤي وبنو الأدرم بن غالب ومحارب والحارث ابنا فهم، وسائر قريش الذين ليسوا من الأباطح ولا من الظواهر هم: سامة بن لؤي وخزيمة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي، ويقال لرسول صلى الله عليه وسلم الأبطحي لأنه من ولد عبد مناف، وكان يقال لعبد المطلب سيد الأباطح. وقال أبو رافع، وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم: لم يأمرني أن أنزل بالأبطح ولكن ضرب قبته فنزله.
أبهر
بلد ما بين قزوين وزنجان، من قزوين إليها اثنا عشر فرسخاً ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخاً. قالوا: وأبهر أيضاً في أصبهان ينسب إليها أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري الفقيه المالكي (4) جمع بين القراءات وعلو الأسانيد وتفقه ببغداد وشرح مختصر ابن عبد الحكم، وانتشر عنه مذهب مالك رحمه الله في البلاد. ومولده قبل التسعين والمائتين، ومات سنة خمس وسبعين وثلثمائة.
أبيوود
من مدن خراسان، فيها ولد الفضيل بن عياض الزاهد بمكة سنة سبع وثمانين ومائة، قال سفيان بن عيينة (5) : دعانا الرشيد فدخلنا عليه ودخل الفضيل آخرنا مقنعاً رأسه بردائه، فقال: يا سفيان أيهم أمير المؤمنين؟ فقلت: هذا، فقال: أنت يا حسن الوجه الذي أمر هذه الأمة كلها في عنقك؟ لقد تقلدت أمراً عظيماً، فبكى الرشيد، ثم أتي كل رجل منا ببدرة فكل قبلها إلا الفضيل، فقال الرشيد: يا أبا علي إن لم تستحل أخذها فخذها فأعطها ذا دين وأشبع بها جائعاً واكس عارياً وفرج بها عن مكروب، فاستعفاه منها، فلما خرج قلت له: يا أبا علي أخطأت ألا أخذتها وصرفتها في أبواب البر، فأخذ بطرف لحيتي ثم قال: يا أبا محمد أنت فقيه البلد والمنظور إليه وتغلط هذا الغلط! لو طابت لأولئك لطابت لي، قال سفيان: فصغر والله إلي نفسي.
ومن أهل أبيورد محمد بن أحمد الأموي أبو المظفر الأبيوردي (6) أوحد عصره في معرفة اللغة والأنساب وغير ذلك له تصانيف كثيرة، منها " تاريخ ابيورد ونسا " و " المختلف والمؤتلف " و " طبقات العلم في كل فن " و " ما اختلف وائتلف في أنساب العرب "، وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها، وكان متصرفاً في فنون جمة، فصيح الكلام حاذقاً بالتصنيف وافر العقل، سئل عن أحاديث الصفات فقال: بعر وتمر، وقال في قوله صلى وسلم الله عليه " ليس لعرق ظالم حق "، العروق أربعة: عرقان ظاهران وعرقان باطنان، فالظاهران الغرس والبناء والباطنان البئر والمعدن (7) وله:
تنكر لي دهري ولم يدر أنني
…
أعز وأحداث الزمان تهون
فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه
…
وظلت أريه الصبر كيف يكون وله:
(1) معجم ما استجمع 2: 940.
(2)
تهذيب ابن عساكره 5: 128 - 132، والقصة طويلة، وخلاصتها أنه سمع هاتفاً يهتف باسم الرسول ويعدعوه إلى الرشد فتوجه إلى المدينة وأسلم.
(3)
معجم ما استجمع 1: 257 (البطحاء)، 1:97.
(4)
الديباج المذهب: 255.
(5)
انظر القصة في ابن خكان 4: 47 (رقم: 531) .
(6)
ابن خلكان 4: 444 (رقم: 674) .
(7)
قال ابن الأثير في النهاية (3: 86 - 87) في تفسير الحديث: هو أن يجيء الرجل غلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساً غصباً ليستوجب به الأرض، وانظر إرشاد الساري 4: 184، ونقل عن ابن شعبان في الزاهي قوله: العروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان، فالظاهران البناء والغراس والباطنان الآبار والعيون.
فيا ويح نفسي لا أرى الدهر منزلاً
…
لعلوة إلا ظلت العين تذرف
ولو دام هذا الوجد لم يبق عبرة
…
ولو أنني من لجة البحر أغرف وله:
بأبي ريم تعرض لي
…
عن رضا في طيه غضب
فأراني صبح وجنته
…
بظلام الصدغ ينتقب
فأتى بالكأس مترعة
…
كضرام النار يلتهب
فهي شمس في يدي قمر
…
وكلا عقديهما الشهب
ولها من ذاتها طرب
…
فلهذا يرقص الحبب وتوفي سنة سبع وخمسمائة بأصبهان.
الأبلة
(1)
بضم الهمزة والباء واللام المشددة، مدينة بالعراق بينها وبين البصرة أربعة فراسخ ونهرها الذي في شمالها، وجانبها الآخر على غربي دجلة، وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة البساتين عامرة بالناس المياسير وهم في خصب من العيش ورفاهية.
وهي في قول محمد بن سيرين القرية التي مر بها موسى والخضر عليهما السلام فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، قالوا: وهم أبخل أهل قرية وأبعدها من السخاء، ويحكى أن أهلها رغبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يثبت في المصحف: فأتوا أن يضيفوهما بالتاء المثناة بدل الباء وقالت فرقة: بل القرية انطاكية، وقيل: هي برقة، ويقال: إنها الجزيرة الخضراء بالأندلس.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أمر بحفر نهر الأبلة فلما ولي عثمان رضي الله عنه جعل نصف النفقة على أهل الخراج والنصف الثاني على بيت المال، فمدوه إلى البصرة. والأبلة مدينة قديمة عامرة فتحها عتبة بن غزوان في زمن عمر رضي الله عنه (2) ، ولما نزل عتبة الخريبة وبالأبلة خمسمائة من الأساورة وكانت مرفأ الصين وما دونها، خرج إليه أهل الأبلة فناهضهم عتبة، وأمر رجلين من أصحابه فقال لهما: كونا في عشرة فوارس في ظهورنا فتردان المنهزم وتمنعان من أرادنا من ورائنا، ثم التقوا فاقتتلوا مقدار جزر جزور وقسمها، ثم منحهم الله تعالى أكتافهم فولوا منهزمين حتى دخلوا المدينة، ورجع عتبة إلى عسكره فأقاموا أياماً وألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب، فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الفرات وخلوا المدينة، فدخلها المسلمون فأصابوا متاعاً وسلاحاً وسبياً وعيناً فاقتسموا العين، وولي نافع بن الحارث أقباض الأبلة فأخرج خمسه ثم قسم الباقي بين من أفاء الله عليه، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون. قالوا (3) : ولما خرج الناس لقتال أهل الأبلة قالوا للعدو: نعبر إليكم أو تعبرون إلينا؟ فقالوا: اعبروا إلينا، فأخذوا خشب العشر وأوثقوه وعبروا، فقال المشركون: لا نأخذ أولهم حتى يعبر آخرهم، فلما صاروا على الأرض كبروا تكبيرة ثم كبروا الثانية فقامت دوابهم على أرجلها ثم كبروا الثالثة فجعلت الدابة نضرب بصاحبها الأرض وجعلنا ننظر إلى رؤوس تندر لا نرى من يضربها، وفتح الله على أيديهم المدينة. وقال سلمة بن فلان (4) : شهدت فتح الأبلة فوقع في سهمي قدر نحاس، فلما نظرت إذا هي ذهب فيها ثمانون ألف مثقال، وكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب أن يحلف سلمة بالله لقد أخذتها يوم أخذتها وهي عنده نحاس فإن حلف سلمت إليه، وإلا قسمت بين المسلمين، فحلفت فسلمت لي، قال: فأصول أموالنا اليوم منها. وقال خالد بن عمير: شهدت فتح الأبلة مع عتبة بن غزوان فأصبنا سفينة مملوءة جوزاً فقال رجل منا: ما هذه الحجارة؟ وكسرناها فأكلنا منها فقلنا هذا طعام طيب.
وقال علي بن سعيد: كان فخر الدين علي بن الدامغاني قدمه الخليفة المستنصر على ديوان الزمام، قال: وصحبته من مدينة السلام إلى أسافل دجلة لجمع الأموال فانحدرنا إلى البصرة وحللنا بين نهر معقل ونهر الأبلة، فنصب فخر الدين هناك خيمة وتزاحم الوفود عليه من المسلمين واليهود والنصارى والصابئة والمجوس، فقلت له:
ما بين نهر الأبله
…
وبين معقل حله
(1) انظر ياقوت (الإبلة) ونزهة المشتاق: 121.
(2)
الطبري 1: 2384.
(3)
الطبري 1: 2387.
(4)
هو سلمة بن المحبق كما في الطبري.