الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها الفنادق والحمامات، وفيها قيسارية عظيمة البنيان، وهي أكثر بلاد المغرب جنات وبساتين وأعناباً وفواكه، وأكثر شجرها الزيتون، فيها منه ما تستغني به عن غيرها من البلاد، وتمير بلاداً كثيرة، وبها شجر أرقان (1) ، ودهنه عندهم مستعمل نافع، وزيتون مراكش أكثر من زيتون مكناسة، وزيتها أرخص وأطيب. وأجرى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في وسطها ساقية ظاهرة، يخرج ماؤها من قصره فيشق المدينة من القبلة إلى الجوف، فكانت أشرف مدن المغرب وأعدلها هواء، وجعل فيها مارستان للمرضى يدخله العليل فيعاين ما أعد فيه من المنازه والمياه والرياحين والأطعمة الشهية والأشربة المفوهة، فتنعشه من حينه، وكان ذلك سنة خمس وثمانين وخمسمائة، ثم استدعى العلماء ورواة الحديث وأهل الفنون المختلفة، فجلبوا إليه من الأقطار، فكثر فيها العلماء وامتلأت بوجوه أهل البلاد من كل صقع، وقصدها التجار من كل جهة، وصارت حاضرة المغرب وقاعدة البلاد، وتناهت ضخامتها وانقادت إلى طاعتها أقاليم المغرب وبلاد الأندلس وغيرها، إلى أن اختلت الأحوال ووقعت الفتن وفشا فيها الظلم والفجور وشرب الخمور والتحامل على الناس، وفي ذلك يقول قائلهم:
يطوف التجار بمراكش
…
طواف الحجيج ببيت الحرام
تروم النزول فلا تستطيع
…
لشرب الخمور وهتك الحرم وكان من ملوك بني عبد المؤمن ما كان، وانقرضت دولتهم بقتل يعقوب بن عبد الحق المشتهر بابن تامطوت المريني صاحب فاس آخر ملوكهم ادريس بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن الملقب بأبي دبوس في سنة ست وستين وستمائة، وكان ناجزه مراراً في كلها يظهر عليه إلى أن ناجزه مرة بظاهر مراكش، فخامرت عليه عربه وأسلمته فقتل، وصارت الدولة مرينية، فسبحان من لا يزول ملكه.
ومع هذا كله ففي مراكش يقول أبو القاسم بن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن نوح الغافقي من أهل بلنسية:
مراكش إن سألت عنها
…
فإنها في البلاد عار
هواؤها في الشتاء ثلج
…
وحرها في المصيف نار
وكل ما ثم وهو خير
…
من أهلها عقرب وفار
فإن أكن قد مكثت فيها
…
فإن مكثي بها اضطرار وأهل مراكش يأكلون الجراد، ويباع فيها كل يوم منه أحمال، وعليه قبالة، وكان أكثر الصنائع بمراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان والصابون وغيرهما، وكانت القبالة على كل شيء يباع، فلما صار الأمر للموحدين قطعوا تلك القبالات وأراحوا منها، واستحلوا قتل المتقبلين لها، فلا ذكر لها في بلادهم.
مرعش:
من ثغور أرمينية، وبينها وبين زبطرة تسعة فراسخ، وهي مدينة حصينة عليها سور حجارة.
فتحها خالد بن الوليد رضي الله عنه، وجهه إليها أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهو بمنبج، ففتح حصنها وجلا أهلها فأخربه فبناه معاوية وأسكنه جنداً. ثم سار إليها العباس بن الوليد بن عبد الملك فعمرها وحصنها ونقل إليها الناس، وبنى بها مسجداً جامعاً، ثم حصرها الروم أيام محاربة مروان لأهل حمص، حتى صالحهم (2) أهلها على الجلاء فخرجوا منها وأخربت، فلما فرغ مروان من حرب أهل حمص أعاد بناء مرعش ومدنها، ثم أخربها الروم في فتنة بني أمية فأعادها صالح بن علي في خلافة المنصور وشحنت بالرجال، ثم قصدها طاغية الروم فحصر أهلها، وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي، وهو بدابق على الصائفة فوجه إليه خيلاً كثيفة فأصيبوا فأحفظ ذلك المهدي فاحتفل لإغزاء الجسور قحطبة في العام المقبل سنة اثنتين وستين ومائة.
قالوا: وجيحان مخرجه من عيون تعرف بعيون جيحان على
(1) الاستبصار: الهرجان.
(2)
ص ع: صالحه.