الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين إليها لامتنعوا من تسليمها ولم يلتفتوا إلى رهائنهم.
وأكثر الشعراء تهنئة الملك الكامل بهذا الفتح، ومن أشهر ما قيل في ذلك قول بهاء الدين زهير المهلبي الحجازي المولد من قصيدة أولها (1) :
بك اهتز عطف الدين في حلل النصر
…
وردت على أعقابها ملة الكفر منها:
ليهنك ما أعطاك ربك إنها
…
مواقف هن العز في موقف الحشر
وما فرحت مصر بذا الفتح وحدها
…
لقد فرحت بغداد أعظم من مصر
فأقسم لولا عزمة كاملية
…
لخافت رجال بالمقام وبالحجر ومنها:
به ارتجعت ذمياط قسراً من العدا
…
وطهرها بالسيف والملة الطهر
ورد على المحراب منه صلاته
…
فكم بات مشتاقاً إلى الشفع والوتر
وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى
…
لما حلمت إلا بأعلامه الصفر
ثلاثة أعوام ألحت وأشهراً
…
تجاهد فيها لا بزيد ولا عمرو
كفى الله ذمياط المخافة إنها
…
لمن قبلة الإسلام في موضع النحر
وما طاب ماء النيل إلا لأنه
…
يحل محل الدين من ذلك الثغر
لك الله من أثنى عليك فإنما
…
من القتل قد أنجيته أو من الأسر ونصب الملك الكامل لكل ملك كان في نصرته دهليزاً، وقعد هو في أحد الدهاليز، وزين كل دهليز بالعدد السلطانية والذخائر الملوكية، فكان ملوك الفرنج كلما عبروا فرأوا دهليزاً حسبوا الملك الكامل فيه فيقتلون الأرض فيقال لهم: هذا الملك فلان، فما زالوا كذلك إلى أن وصلوا إليه وقد امتلأت عيونهم وصدورهم من عزة الإسلام.
ذنب التمساح
(2) :
موضع حفير على ميل من بلد القلزم، كان حفره بعض الملوك ليوصل ما بين القلزم والبحر الرومي فلم يتأت له ذلك لارتفاع القلزم وانخفاض بحر الروم، والله تعالى قد جعل بينهما حاجزاً كما ذكره تعالى في كتابه، وعليه قنطرة عظيمة يجتاز عليها حاج مصر، ولما لم يتأت له ذلك احتفر خليجاً آخر من بحر الروم مما يلي بلاد تنيس وذمياط، فاستمر الماء في هذا الخليج من بحر الروم إلى موضع يعرف بقيعان، فكانت المراكب تدخل من بحر الروم إلى هذه القرية وتدخل من بحر القلزم إلى آخر ذنب التمساح فيقرب ما في كل بحر إلى الآخر، ثم ارتدم ذلك على طول الدهر، وقد هم الرشيد أن يوصل ما بين هذين البحرين من أصل مصب النيل من نحر بلاد الحبشة وأقاصي صعيد مصر فلم يتأت له قسمة ماء النيل، فرام ذلك مما يلي بلاد الفرما فقال له يحيى بن خالد: إن تم هذا يتخطف الناس من المسجد الحرام ومكة، فامتنع من ذلك. وقد أراد عمرو بن العاصي محاولة هذا عند توليه أمر مصر، فمنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الذنائب
(3) :
موضع بنجد عن يسار فلجة مصعداً إلى مكة، وينسب إليه يوم من أيام حرب البسوس وفيه قتل كليب بن ربيعة، وفيه يقول مهلهل من قصيدته المشهورة:
فإن يك بالذنائب طال ليلي
…
فقد أبكي على الزمن القصير وكان السبب (4) في قتل كليب أنه كان قد عز وساد في ربيعة فبغى بغياً شديداً، فكان هو الذي ينزلهم منازلهم ويرحلهم
(1) ديوان البهازهير: 121.
(2)
البكري (مخ) : 34، وصبح الأعشى 3: 241 - 242، وقارن بابن دقماق 5:53.
(3)
قارن بياقوت (الذئاب) ومعجم ما استعجم 2: 615.
(4)
في قصة حرب البسوس انظر الأغاني 5: 29 وما بعدها.
فلا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره، وبلغ من بغيه أنه اتخذ جرو كلب فكان إذا نزل منزلاً فيه كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من أذن بحرب، فضرب به المثل في العز فقيل: أعز من كليب. وكان يحمي الصيد فيقول: صيد ناحية كذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئاً، ولا يمر بين يديه أحد إذا جلس، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره.
وكان لمرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة عشرة بنين، جساس أصغرهم، وكانت أخته عند كليب، وكان قال لها: هل تعلمين على الأرض عربياً أمنع مني ذمة؟ فسكتت، ثم أعاد عليها الثانية فسكتت، ثم أعاد الثالثة فقالت: نعم، أخي جساس. وقيل إنه قال لها وهي تغسل رأسه ذات يوم: من أعز وائل؟ فصمتت، فأعاد عليها، فلما أكثر قالت: نعم أخواي جساس وهمام، فنزع رأسه وأخذ القوس فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جساس وجارة بني مرة فقتله، فأغمضوا على ما فيه وسكتوا على ذلك، ثم لقي كليب ابن البسوس فقال: ما فعل فصيل ناقتكم؟ قال: قتلته وأخليت لنا لبن أمه، فأغمضوا على هذه أيضاً، ثم إن كليباً أعاد على امرأته فقال: من أعز وائل؟ فقالت: أخواي، فأضمرها وأسرها في نفسه وسكت حتى مرت به إبل جساس فرأى الناقة فأنكرها فقال: ما هذه الناقة؟ قالوا: لخالة جساس، فقال: أو قد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير علي بغير إذني، ارم ضرعها يا غلام، فأخذ القوس فرمى ضرع الناقة فاختلط لبنها بدمها، فراحت الرعاة على جساس فأخبروه بالأمر، فقال: احلبوا لها مكيالي لبن، بمحلبها ولا تذكروا لها من هذا شيئاً، ثم أغمضوا عليها أيضاً، حتى أصابهم سماء فغدا في غبها يتمطر، وركب جساس بن مرة وابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل، وطعن عمرو كليباً فحطم صلبه، وقيل: سكت جساس حتى ظعن ابنا وائل، فمرت بكر بن وائل بماء يقال له شبيث، فنهاهم كليب عنه وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على ماء آخر يقال له الأحص فنفاهم عنه، ثم مروا على ماء آخر فمنعهم إياه، فمضوا فنزلوا الذنائب، قال: فاتبعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه، ثم مر عليه جساس وهو واقف على غدير الذنائب فقال: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشاً، فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون، فمضى جساس ومعه ابن عمه المزدلف، وقيل بل جساس ناداه فقال: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال: أو قد ذكرتها؟ أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل بها، فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه، فلما حضره الموت قال: يا جساس، اسقني من الماء فقال: ما عقلت استسقاءك الماء مذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه، فعطف عليه المزدلف عمرو بن ربيعة، فاحتز رأسه، فلما قتل كليباً أمال يده بالفرس حتى انتهى إلى أهله، قال: وتقول أخته حين رأته لأبيها: يا أبتاه، إن ذا الجساس أتى خارجاً ركبتاه، قال: ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم، فلما جاء قال: ما وراءك يا بني، قال: ورائي أني قد طعنت طعنة تشغل شيوخ وائل زمناً، قال: أقتلت كليباً؟ قال: نعم، قال: وددت أنك وإخوتك متم قبل هذا، ما بي إلا أن تتشاءم بي أبناء وائل.
وكان همام بن مرة آخى مهلهلاً وعاقده ألا يكتمه شيئاً، فجاءت أمة له فأسرت إليه قتل جساس كليباً، فقال له مهلهل: ما قالت، فلم يخبره، فذكره العهد بينهما فقال: أخبرت أن جساساً قتل كليباً، فقال: است أخيك أضيق من ذلك؟ وقيل قال له: أخبرتني أن أخي قتل أخاك، قال: هو أضيق استاً من ذلك. وتحمل القوم وغدا مهلهل بالخيل، وقالت بنو تغلب بعضهم لبعض: لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا بينكم وبينهم، فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل، فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا له: اختر منا خصالاً، إما أن تدفع إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هماماً، وإما أن تقيدنا من نفسك، فسكت وقد حضرته وجوه بكر بن وائل فقالوا: تكلم غير مخذول، فقال: أما جساس فغلام حديث السن ركب فرسه (1) حين خاف ولا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة، ولو دفعته إليكم، لصيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره، وأما أنا فما أتعجل من الموت؟ وهل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أول قتيل، ولكن لكم في غير ذلك، هؤلاء بني فدونكم أحدهم فاقتلوه به، وإن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل، فغضبوا وقالوا: لم نأتك لتؤدي (2) لنا بنيك ولا لتسومنا اللبن، فتفرقوا ووقعت الحرب.
(1) الأغاني: ركب رأسه.
(2)
الأغاني: لترذل.