الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في التفريع على أن هذه المخصصات المتصلة مخصصة في بيان فروعها وأحكامها
المخصص الأول: الاستثناء
.
وفيه سبع مسائل:
المسألة الأولى: في حده: "هو اللفظ الذي لا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه مقترنا بلفظ المخرج، ولا يستقل بنفسه".
وبيان صحة هذا التعريف: أن الذي يخرج بعض الجملة منها، إما أن يكون معنويا كدلالة العقل والقياس، فيخرج من هذا التعريف بقولنا:"هو اللفظ"، فإنهما ليسا لفظين.
وإما أن يكون لفظيا، وهو إما أن يكون منفصلا، فيكون مستقلا بالدلالة، فيخرج بقولنا: ولا يكون مستقلا بنفسه؛ لأن المنفصل لابد أن يستقل بنفسه، أو متصلا، وهو إما الصفة، أو الغاية، أو الشرط، أو بقية تلك العشرة التي تقدم سردها في الفصل الأول.
وهذه الأمور التسعة، وهي العشرة ما عدا الاستثناء، قد يدخل في الكلام لا للإخراج، كقولنا: بسم الله الرحمن الرحيم، في الصفة، فإن هاتين الصفتين لم يحصل بهما في هذا الكلام إخراج، بل ثناء محض.
كذلك قولك: أكرم زيدا إن أطاع الله، فإن زيدا جزئي لا يحتمل الإخراج، ولفظ الأمر لا يقتضي التكرارـ، فلا يقبل الإخراج، وإن قلنا: إنه يقتضي التكرار مثلا بقولنا: إن جئتني بعبدي الآبق فلك دينار، والغاية، نحو: سرت إلى مكة، فإن هذه الغاية اقتضت تكرار السير وتكثيره إلى مكة؛ لا أنها منقصة، وكذلك بقية العشرة إذا اعتبرته وجدته قد لا يدخل في الكلام تارة لإخراج بعضه، وتارة لإخراج بعضه.
أما الاستثناء فلا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه، وإذا دخل لإخراج بعض الكلام، فيخرج لأجل دخوله بقولنا:(مقرونا بلفظ المخرج)، فإن قولنا: أكرم بني تميم الطوال، هذه الصفة مخرجة لبعض الكلام وهو القصار، غير أن لفظ القصار لم تنطبق به مع الصفة، أما إذا استثنيت فقلت: / إلا القصار، فقد قرنت باللفظ المخرج لفظ الشيء المخرج، فهذه خصيصة لم تحصل بشيء من تلك الأمور التسعة، فيكون هذا الحد منطبقا على الاستثناء وهو المطلوب.
سؤال:
قال النقشواني في شرحه للمحصول: إن لفظ (غير) موضوع
للاستثناء، وهو يدخل في الكلام، لا لإخراج، كقولنا: زيد غير عمرو، ومررت برجل غيرك، فتكون صفة الاستثناء، وكذلك (ليس) و (لا يكون)، يكونان للسلب المحض تارة، نحو: لا يكون زيد في الدار أبدا، وليس زيد في الدار، مع أنهما للاستثناء، وكذلك إذا قلت: أكرم القوم لا تكرم كلهم، صارت هذه اللفظة التي هي (لا)، للاستثناء، (وليست مختصة به، بل تدخل للنفي الصرف، نحو: لا رجل في الدار).
قلت: المقصود بالحدود المعاني من حيث هي ذوات ألفاظ، وكذلك قيل في حد الحد: أنه القول الشارح، أي: يبين من تفصيل المعاني ما لم يستقل اللفظ الموضوع لها ببيانها، وليس المقصود بالحدود اللفظ من حيث هو لفظ في هذه المواطن.
نعن قد يقصد اللفظ من حيث هو لفظ في غير هذه المواطن، كما إذا حددنا المتواطئ أو اللفظ المشترك، أو نحد الاسم أو الفعل أو الحرف، وأما ها هنا فإنما نقصد المعاني من حيث هي ذوات ألفاظ فإذا حددنا العطف، إنما نقصد ضم الشيء إلى غيره بلفظ مخصوص، وكذلك إذا
حددنا الاستثناء، إنما نقصد الإخراج بلفظ مخصص.
ولفظ "غير" مشترك بين الاستثناء والصفة، واللفظ المشترك يجب أن يكون له بحسب كل معنى (نحده نخصه) كالعين، فإن حد العين باعتبار العضو الناظر غير حدها باعتبار الفوارة، ولا يرد بعض تلك المعاني نقضا على حد لأن من شرط النقض إيجاد المعنى، فكذلك غير، إنما تدخل في حد الاستثناء (من حيث هي موضوعة للاستثناء)، وهي من هذا الوجه لا تدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه، وإذا وقعت صفة، فذلك معنى لآخر، والحد لم يقع للفظ الاستثناء من حيث هو لفظ، بل من حيث هـ لفظ موضوع للاستثناء، وهذا المفهوم ليس موجودا في (غير) إذا كانت صفة؛ لأنها حينئذ ليست موضوعة للاستثناء، فهذا معنى مباين لما نحن فيه، / فلا يرد نقضا عليه. وإنما كان يرد أن لو كان اللفظ متواطئا فيهما، أما المشترك فلا يرد نقضا إجماعا.
وكذلك القول في (ليس) و (لا يكون)، هما أيضا وضعا وضعا مشتركا للسلب المطلق والاستثناء، وهذه الاشتراكات من أوضاع التركيب، فإن العرب وضعت المركبات على القول الصحيح، كما وضعت المفردات، فيقع في وضعها لها المتواطئ والمشترك وأقسام الموضوعات، كما يقع في وضع
المفردات، وإذا كانتا وقعتا بالاشتراك للسلب المطلق والاستثناء، فلا يرد أحدهما نقضا على الآخر، كما تقدم (في غير).
فإن قلت: فهل يجري ذلك في الصفة، فيكون وضع الصفة والشرط والغاية مشتركا، يعني ما قلته: في (غير) وأخواتها، وعلى هذا لا يحتاج إلى إخراج هذه الحقائق عن حد الاستثناء، فإنها من حيث وضعت للاستثناء لا تدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه؟ .
قلت: ليس كذلك، والفرق: أن (غير) يقصد بها الاستثناء تارة، والصفة أخرى، ويكون المقصود مختلفا في الحالين، ومتى كانت المقاصد مختلفة في الاستعمال-والأصل في الاستعمال الحقيقة- لزم أن يكون اللفظ مشتركا؛ لأجل اختلاف المعنى.
أما الصفة، فمقصودها في الحالين واحد، وهو الوصف، ثم يتفق بطريق اللزوم الخروج على رأي من رآه، فإذا قلنا: أكرم قريشا الطوال، ليس المقصود إلا الصفة كقولنا: أكرم زيدا الطويل، وإن لزم من ذلك إخراج القصار عن هذا الحكم، فالمقصود واحد، فلا يكون اللفظ مشتركا.
وكذلك الشرط، مقصوده في الحالات كلها إنما هو التعليق، وتوقيف أمر، ودخوله في الوجود على دخول أمر آخر، وقد يتفق بطريق اللزوم للإخراج، كقولنا: أكرم قريشا إن أطاعوا الله تعالى، فالمقصود توقيف الإكرام على الطاعة، وإن لزم من ذلك إخراج العصاة، وإن كان المقصود واحدا، لا يكون اللفظ مشتركا، بخلاف "غير" و"ليس" و"لا يكون"، في قولنا: قام القوم لا يكون زيدا، تقديره: ليس بعضهم زيدا، فالمقصود إخراج بعض القوم
(147/ أ) عنهم وإذا قلنا/ليس زيد في الدار، المقصود سلب كونه في الدار، فالمقاصد متباينة، فتعين الاشتراك، بخلاف الصفة والشرط.
وأما قولنا: أكرم القوم ولا تكرم كلهم، فليس هذا استثناء عند النحاة، بل هو جملة أخرى مستقلة، ولذلك إذا قلنا: قام القوم وما قام زيد، وهو منهم، ليس استثناء إجماعا، بل جملة مستقلة، وإذا كان جملة مستقلة ليس استثناء، لا يرد عليه نقضا لاختلاف المعنى.
* * *