الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: التخصيص بالدلائل السمعية وهي قسمان: قطعية السند متواترة، وظنية السند أخبار آحاد
.
القسم الأول: التخصيص بالمقطوع السند، وفيه سبع مسائل:
المسألة الأولى: تخصيص الكتاب، جائز عندنا، خلافًا (لبعض) أهل الظاهر
.
استدل الأصحاب بوقوعه على جوازه بقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء} مع قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجهلن أن يضعن حملهن} .
وبقوله تعالى: {لا تنكحوا المشركات} مع قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} .
قالوا: ووجه التقرير، إما أن يجمع بين دلالة العام على عمومه والخاص على خصوصه (وذلك محال)؛ لاجتماع النفي والإثبات في مدلول الخصوص.
وإما أن يرجع أحدهما على الآخر، وحينئذ زوال الزائل إن كان على سبيل التخصيص فقد حصل الغرض، وإن كان بالنسخ، فقد حصل الغرض أيضا؛ لأن (كل) من جوز نخ الكتاب بالكتاب، جوز تخصيصه به أيضا؛ ولأن النسخ أشد من التخصيص، فإذا جوزنا الأشد جوزنا الأضعف بطريق الأولى.
قلت: قد تقدم أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات، [وقد] تقدم الدليل عليه من أربعة أوجه حسان، فقوله تعالى:{والمطلقات .... } الآية، يقتضي أن تكون عدتهن بالأقراء في حالة ما وهو كذلك، لم يعتبر شيء من العموم بهذا التفسير عن حالة: فلا يكون تخصيصًا؛ لأنهن حالة (الحيض) تكون عدتهن بالأقراء، (وهذه حالة) مخصوصة، وإذا ثبت حكم العموم لجميع أفراده في حالة مخصوصة ثبت في مطلق الحالة؛ لضرورة استلزام الخاص المطلق، فما خرج شيء من العموم البتة.
نعم لو قال: بعض المطلقات لا تعتد بالأقراء في حالة ما- أعني في جميع الأحوال- صدق التخصيص؛ لأن العموم اقتضى مطلق الحالة، وهي موجبة جزئية في الأحوال، فلا يناقضها إلا السالبة الكلية، فيتحقق التخصيص حينئذ؛ لأن من شرط التخصيص المنافاة، أما ما يمكن اجتماعه مع العموم
فليس مخصصًا، (وهذا يمكن اجتماعه معه، فلا يكون مخصصًا).
وكذلك قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} يقتضي تحريم نكاحهن- كما مر- في حالة مطلقة، لا في جميع الأحوال، للقاعدة المتقدمة.
وقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} ، والمراد بالإحصان هاهنا الحرائر، وهذا لا يناقض العموم الأول؛ لأن النكاح جائز، لمجموع النصين في حالة الحرية، وتبقى حالة الرق لا يقع فيها جواز النكاح، وإذا جاز نكاح كل مشركة في حالة الحرية، وتبقى حالة الرق لا يقع فيها جواز النكاح، وإذا جاز نكاح كل مشركة في حالة الحرية وكونها من أهل الكتاب- وهذا المجموع حالة خاصة- فقد جاز نكاحهن في مطلق الحالة؛ لاستلزام الخاص العام، فالعموم باق على عمومه، ولم تحصل منافاة بين النصين.
نعم لو كان بعض المشركات لا يجوز نكاحه في جميع الأحوال، حصل التناقض والتخصيص؛ لمنافاة السالبة الكلية الموجبة الجزئية.
بل الحاصل من هذه النصوص كلها التي يتوهم أنها مخصصات التقييد لتلك الحالة المطلقة، فإنها تصير مخصوصة معينة، والتقييد ليس بتخصيص؛ لأن التقييد زيادة على مدلول اللفظ، والتخصيص تنقيص لمدلول اللفظ، والتخصيص أيضا مخالفة الظاهر، والتقييد ليس مخالفة للظاهر، فالتقييد ليس بتخصيص ضرورة إذا جرت على هذه القوانين عسر تحقيق التخصيص في كثير من النصوص التي يدعى فيها التخصيص، بل نجدها كلها تقييدات لمطلق
تلك الأحوال التي في تلك العمومات، ولا نجد التخصيص إلا في مثل قوله تعالى:{الله خالق كل شيء} ونحوه، فإن واجب الوجود لم يثبت له الخلق في حالة من الحالات، وذلك قوله تعالى:{وأوتيت من كل شيء} ، و} تدمر كل شيء} كما تقدم تقريره في هذا الباب، فالسالبة الكلية متحققة في جميع هذه النصوص فتكون مخصوصة، غير أن هذه النصوص الكتابية لم تخصص بالكتاب، فلا تصلح مثلا لهذه المسألة، ومثلها على التحقيق يعسر، فتأمل ذلك.
احتج الخصم بقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} ، ففوض البيان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نزل، ولفظ التنزيل حيث أطلق ظاهر في القرآن فيكون بيان القرآن مفوضًا له صلى الله عليه وسلم، والتخصيص بيان فلا يقع في الكتاب إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المطلوب.
والجواب: أن صيغة (تبين) فعل في سياق الإثبات، والفعل في سياق الإثبات مطلق، فلا يتناول إلا فردًا من أفراد البيان، وقوله تعالى:{ما نزل إليهم} يقتضي العموم في كل ما نزل وهو يتناول الكتاب والسنة؛ لأن السنة