المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني والعشرون في بناء العام على الخاص - العقد المنظوم في الخصوص والعموم - جـ ٢

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثاني: في إقامة الدليل على أن ما تقدم من (الصيغ كلها من) العموم وذلك بأن أقسمها ثلاثة عشر قسمًا

- ‌القسم الأول: / صيغ الاستفهام:

- ‌الباب الخامس عشر في تقرير الجمع بين أقوال العلماء من النحاة والأصوليين فإنها متناقضة في ظاهر الحال

- ‌فائدة:ضابط جمع القلة

- ‌ضابط مسمى جمع الكثرة:

- ‌الباب السادس عشر في حد التخصيص، وتمييزه عن النسخ والاستثناء، وقبول اللفظ العام للتخصيص

- ‌الفصل الأولفي حد التخصيص

- ‌الفصل الثاني في الفرق بين التخصيص والنسخ والاستثناء

- ‌الفصل الثالث في قبول اللفظ العام للتخصص

- ‌الباب السابع عشر في الفرق بين المخصص والمؤكد، والمقيد والأجنبي، والفرق بين النية المخصصة والمؤكدة

- ‌الباب الثامن عشر فيما يصير به العام مخصوصًا على الحقيقة وعلى المجاز، وما هو الأصل في ذلك، وما هو الفرع فيه

- ‌ الفرق بين الصرائح والكنايات

- ‌الباب التاسع عشر في جواز التخصيص ومسائله

- ‌وفيه سبع مسائل:

- ‌الباب العشرون في المخصصات المتصلة، ووقوع التخصيص بها، وما يتفرع عن ذلك

- ‌ الحال

- ‌الفصل الأول في بيان أن هذه الأمور ليست مخصصة للعموم

- ‌الفصل الثاني في التفريع على أن هذه المخصصات المتصلة مخصصة في بيان فروعها وأحكامها

- ‌المخصص الأول: الاستثناء

- ‌المسألة الثانيةيجب أن يكون الاستثناء متصلا بالمستثنى منه

- ‌المسألة الرابعةفيما اتصل إليه الاستثناء في الكثرة والقلة

- ‌المسألة الخامسة: الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات

- ‌المسألة السابعة: الاستثناء المذكور عقب الجمل

- ‌المخصص الثاني المتصل: الشرط

- ‌المسألة الثالثة: في أن المشروط متى يحصل

- ‌المسألة الرابعة:الشرطان إذا دخلا على جزاء واحد

- ‌المسألة الخامسة:الشرط الواحد إذا دخل على مشروطين:

- ‌المخصص الثالث المتصل: الغاية

- ‌فيه ثلاث مسائل

- ‌المخصص الرابع المتصل: التقييد بالصفة

- ‌الباب الحادي والعشرون في المخصصات المنفصلة

- ‌القسم الثاني: التخصيص بالحس

- ‌القسم الثالث: التخصيص بالواقع

- ‌القسم الرابع: التخصيص بقرائن الأحوال

- ‌القسم الخامس: التخصيص بالعوائد

- ‌الفصل الثاني: التخصيص بالدلائل السمعية وهي قسمان: قطعية السند متواترة، وظنية السند أخبار آحاد

- ‌القسم الأول: التخصيص بالمقطوع السند، وفيه سبع مسائل:

- ‌المسألة الأولى: تخصيص الكتاب، جائز عندنا، خلافًا (لبعض) أهل الظاهر

- ‌المسألة الثانية:تخصيص السنة المتواترة بالسنة المتواترة

- ‌المسألة السابعة: التخصيص بالتقرير:

- ‌القسم الثاني: في تخصيص المقطوع بالمظنون

- ‌المسألة الأولى: يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الشافعية والمالكية والحنفية

- ‌المسألة الثانية: يجوز تخصيص السنة المتواترة وعموم الكتاب بالقياس، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأبي الحسين البصري، والأشعري، وأبي هاشم أخيرًا

- ‌الباب الثاني والعشرون في بناء العام على الخاص

- ‌الباب الثالث والعشرون فيما ظن أنه من مخصصات العموم مع أنه ليس كذلك

- ‌فيه عشر مسائل:

- ‌المسألة الأولى: الخطاب الذي يرد جوابًا عن سؤال سائل- إما أن لا يكون مستقلا بنفسه، أو يكون

- ‌المسألة الثانية: الحق أنه لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي

- ‌المسألة الثالثة: لا يجوز تخصيص العام بذكر بعضه خلافًا لأبي ثور

- ‌المسألة الرابعة: التخصيص بالعادات

- ‌المسألة الخامسة: كون المتكلم ناطقًا بالخطاب، ومتكلمًا به، لا يقتضي تخصيص العموم بخروجه منه

- ‌المسألة السادسة: العموم المتناول للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة كقوله تعالى: {يا أيها الناس} ،} يا أيها الذين آمنوا} ، يعم الحكم الجميع

- ‌المسألة السابعة: العموم المتناول لما يندرج فيه السيد والكافر، لا يخصص بخروج هذين الفريقين منه؛ لأن العموم شامل لهما، ولا مانع من بقائه على عمومه

- ‌المسألة الثامنة: إذا ورد العموم في سياق المدح والذم، لا يوجب تخصيص العام؛ لأن الموجب للعموم موجود، والجمع بين جميع الأنواع فيه ممكن يوجب التعميم

- ‌المسألة التاسعة: اختلفوا في العموم إذا تعقبه استثناء أو صفة حكم، وكان ذلك لا يتأتى في (بعض ما تناوله) العموم، هل يجب أن يكون المراد بذلك العموم ذلك البعض فقط أو لا

- ‌المسألة العاشرة: عطف الخاص على العام هل يقتضي تخصيصه

- ‌الباب الرابع والعشرون في حمل المطلق الكلي على المقيد

- ‌القسم الأول: أن يختلف الحكم والسبب معًا

- ‌القسم الثاني: أن يتفقا معًا

- ‌القسم الثالث: أن يكون السبب مختلفًا والحكم واحدًا

- ‌القسم الرابع: أن يكون الحكم مختلفًا والسبب واحد

- ‌مسألة: إذا أطلق الحكم في موضع، وقيد في موضعين بقيدين متضادين

- ‌فائدة: التقييد والإطلاق اسمان للألفاظ باعتبار معانيهما

- ‌الباب الخامس والعشرون في تحقيق الفرق بين حمل المطلق على المقيد في الأمر والنهي

الفصل: ‌الباب الثاني والعشرون في بناء العام على الخاص

‌الباب الثاني والعشرون في بناء العام على الخاص

قال الشيخ أبو إسحاق في اللمع: عندنا يتقدم الخاص، ويتوقف فيهما عند القاضي أبي بكر، وعند الحنفية: إن تأخر الخاص خصص العام، (وإن تقدم نسخة العام، وقال بعض أصحابنا: إن ورد الخاص بعد) العام كان نسخًا لما يتناوله من العام، بناء على أن البيان لا يجوز تأخيره عن وقت الخطاب، قال بعض أصحابنا كما قالت المعتزلة، وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الخاص والعام متفقًا على العمل (بهما)،

ص: 339

قضي بالخاص على العام كقوله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) مع قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أواق صدقة)، وقال أهل الظاهر: إن كانا في القرآن، قضي بالخاص على العام، أو في السنة سقطا، فهذه ستة مذاهب.

قال الإمام فخر الدين- رحمه الله: إذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبران، خاص وعام- كالمتنافيين- فإما أن يعلم تأريخهما، أو لا يعلم، فإن علم التأريخ، فإما أن يعلم مقارنتها، أو يعلم تأخر أحدهما (عن الآخر)، (فإن علمنا مقارنتهما) نحو أن يقول: في الخيل زكاة، ويقول عقيبة: ليس في الذكور من الخيل زكاة، فالحق: أن يكون الخاص مخصصًا للعام.

ومنهم من قال: بل ذلك القدر من العام يصير معارضًا للخاص.

ص: 340

لنا وجوه:

الأول: أن الخاص أقوى دلالة على ما يتناوله من العام، والأقوى راجح، فالخاص راجح.

بيان الأول: أن العام يجوز إطلاقه من غير إرادة ذلك الخاص، (أما ذلك الخاص) فلا يجوز إطلاقه من غير إرادة ذلك الخاص، فثبت أنه قوي.

قلت: ومعنى قوله: "كالمتنافيين": أن ظاهر اللفظ يقتضي التنافي، وإذا جمع بينهما، يحمل العام على مأخذ الخاص، ذهب المتنافي فلذلك قال:"كالمتنافيين"، ولم يقل:"متنافيان"، فإن التنافي ليس محققًا، لإمكان الجمع.

الثاني: (أن السيد إذا قال لعبده): اشتر كل ما في السوق من اللحم، ثم قال- عقيبه-: لا تشتر لحم البقر، فهم من كلامه الأول أنه أخرج لحم البقر منه.

الثالث: أن إجراء العام على عمومه إلغاء للخاص، واعتبار الخاص لا يوجب إلغاء واحد منهما، فكان ذلك أولى.

قلت: فإن قلت: لم لا حملتم قوله في الزكاة على التطوع، وقوله:(لا زكاة في الذكور من الخيل) على نفي الوجوب؟ وهذا وإن كان مجازًا، لكن التخصيص أيضًا مجاز، فلم كان مجازكم أولى من مجازنا؟

قلت: افرض الكلام فيما إذا قال: أوجبت الزكاة في الخيل، ثم قال: لا أوجبها في الذكور من الخيل؛ ولأن قوله: (في الخيل زكاة) يقتضي وجوب الزكاة في الإناث، فلو حملناه على التطوع لكنا قد عدلنا باللفظ عن ظاهره في

ص: 341

الإناث، لدليل لا يتناول الإناث، وليس كذلك إذا أخرجنا الذكور من قوله:(في الخيل)؛ لأنا نكون أخرجنا من العام شيئاً لدليل يتناوله واقتضى إخراجه.

قلت: وعليه مناقشة؛ لأن قوله: (في الخيل زكاة) لا يقتضي الوجوب في الإناث؛ لأنها لا تقتضي الإيجاب، بل هي أعم من الوجوب والندب؛ لأن ثبوت الزكاة فيها يصدق بالطريقتين.

ثم قال: أما إذا علمنا تأخير الخاص عن العام، فإن ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام، كان ذلك بيانًا للتخصيص، ويجوز ذلك عند من يجوز تأخير بيان العام، ولا يجوز عند المانعين منهم وإن ورد الخاص بعد وقت حضور العمل بالعام، كان ذلك نسخًا وبيانًا لمراد المتكلم فيما بعد، دون ما قبل؛ لأن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة في عادة الشرع، وإن كان العقل يقتضي جوازه بناء على تجويز تكليف ما لا يطاق، لكن تكليف ما لا يطاق غير واقع، فيعتقد إذا عملنا بالعام ولم يأت بيان أن العموم مراد، فيكون الرفع بد ذلك نسخًا لما هو (مراد أو بيانًا)؛ لأن المتكلم أراد عدم الحكم فيما بعد ذلك، دون ما قبله؛ لأن الحكم الثابت قبل العموم، لا بالخصوص الناسخ.

أما إذا كان العام متأخرًا عن الخاص، فعند الشافعي وأبي الحسين- رحمهما الله- أن العام مبني على الخاص، وهو المختار، وعند أبي حنيفة والقاضي عبد الجبار: أن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم.

ص: 342

لنا وجوه:

الأول: أن الخاص أقوى دلالة- على ما يتناوله- من العام، كما تقدم تقريره، والأقوى راجح.

الثاني: أن إجراء العام على عمومه يوجب إلغاء الخاص، واعتبار الخاص لا يوجب إلغاء واحد منهما بالكلية، فكان أولى.

احتج أبو حنيفة وأصحابه- رحمهم الله بأمور:

أحدها: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث) فإذا كان العام متأخرًا، كان أحدث، فوجب الأخذ به.

قلت: ويرد على هذا الوجه أن الأحدث صيغة عامة في أفراد (الأحدث)، مطلق في أحوالها ومتعلقاتها وأزمنتها وبقاعها، كما تقدم تقريره،

ص: 343

فنحمله على بعض متعلقاته وهو الأحدث من الأحكام، ودن الأدلة، والنزاع إنما هو في الأدلة، ويكون هذا تقييدًا لتلك الحالة أو المتعلق، لا تخصيصًا للعموم، ويبقى لفظ الراوي على عمومه، والأحكام هي السابقة للفهم عند هذا اللفظ، ولذلك قال العلماء: أحكام أوائل الإسلام كانت فيها الرخص كثيرة، ولما قويت عصابة الإسلام واستقرت، تجددت العزائم ناسخة لتلك الأحكام السابقة، وهو معنى الحديث.

وثانيها: قالوا: لفظان تعارضا، وعلم التأريخ بينهما، فوجب تسليط الأخير على الأول، كما لو كان الأخير خاصًا.

واحترزنا بقولنا: (لفظان) عن العام الذي يخصه الفعل، فإنا- هناك- سلطنا المتقدم.

وثالثها: أن اللفظ العام- في تناوله الأفراد، ما دخل تحته- يجري مجرى ألفاظ خاصة، كل واحد منها (يتناول واحدًا فقط من تلك الآحاد؛ لأن قوله:(اقتلوا المشركين)، قائم مقام قوله:(اقتلوا زيدًا المشرك، اقتلوا عمرًا، اقتلوا خالدًا) ولو قال ذلك- بعد ما قال: (لا تقتلوا زيدًا) لكان الثاني ناسخًا.

واحتج ابن القاص على التوقف: بأن هذين الخطابين) كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه آخر؛ لأنه إذا قال:(لا تقتلوا اليهود)، ثم قال- بعده- (اقتلوا المشركين)، فقوله:(لا تقتلوا اليهود) أخص من قوله: (اقتلوا المشركين)، من حيث إن اليهودي أخص من المشرك (من وجه)، وأعم منه من حيث إنه دخل في المتقدم من الأوقات ما لم يدخل في

ص: 344

المتأخر، وهو ما بين ورود المتقدم والمتأخر.

ظهر أن الخاص المتقدم أعم في الأزمان، وأخص في الأعيان، والعام المتأخر بالعكس، فكل واحد أعم من الآخر من وجه، وأخص من وجه، وإذا ثبت ذلك: وجب الوقف والرجوع إلى الترجيح، كما في كل خطابين هذا شأنهما.

والجواب عن الأول: ما تقدم من حمله على الأحكام، أو نقول: هو قول صحابي، وفي كونه حجة خلاف، أو نقول: يحمل كلامه على ما إذا كان المتأخر هو الخاص.

وعن الثاني: أن الفرق فيما ذكروه: أن الخاص أقوى من العام، فوجب تقديمه عليه؛ ولأنا لو لم نسلط الخاص المتأخر على العام المتقدم لزم إلغاء الخاص، أما لو تسلط العام المتأخر على الخاص المتقدم، لا يلزم ذلك، فظهر الفرق.

وعن الثالث: بالفرق بين صيغة العموم والتنصيص على الأفراد على سبيل الخصوص: أن صيغة العموم حقيقة في العموم، وهي تدل على نوع تضمنًا، وفي التنصيص على الأنواع تدل مطابقة، لفظ التنصيص على الأفراد لا يقبل الاستثناء في كل فرد نص عليه، وفي العموم تقبله؛ ولأن اللفظ إذا كان عامًا، احتمل التنصيص، وليس كذلك إذا كان خاصًا، ولهذا لو كان قوله:(لا تقتلوا اليهود) مقارنًا لقوله: (اقتلوا المشركين) لخصه، ولو قارن المنفصل لناقضه ولم يخصه؛ لأن الخاص لا يحتمل التخصيص.

ص: 345

وأما الذي تمسك به ابن القاص فضعيف؛ لأنه فرض الخاص المتقدم نهيًا فلا جرم عم الأزمان، وفرض العام المتأخر أمرًا، فلا جرم لم يعم الأزمان، بناء على أنه ليس للتكرار، وهو- أيضًا- مما يمنع، فلا جرم صح له ما ادعاه من كون الخاص أعم من العام على هذا الوجه.

أما لو فرض الخاص المتقدم أمرًا والعام المتأخر نهيًا، فإنه حينئذ لا يستقيم كلامه؛ لأن الخاص المتقدم، لا شك أنه خاص في الأعيان، وهو أيضًا خاص في الأزمان، بناء على أن الأمر لا يفيد التكرار.

وأما العام المتأخر إذا فرضناه نهيا، كان أعم من المتقدم في الأعيان بالاتفاق، وفي الأزمان أيضًا؛ لأن الأمر لا يتناول كل الأزمان، بل زمانا واحدًا، فها هنا المتأخر أعم من المتقدم من كل الوجوه، فبطل ما قاله.

ثم تحته مشى على أن النهي- أيضًا- يقتضي التكرار، فيتناول الأزمنة من حين وروده إلى آخر الدهر، والأمر- وإن سلمنا أنه للتكرار- فإنما يتناول من حين وروده إلى آخر المستقبل، فيفصل النهي السنة الكائنة قبل ورود الأمر.

ثم إذا سلم له أن كل واحد منهما أعم وأخص من وجه، لا يلزم التوقف أيضًا؛ لأن عموم المشركين في الأشخاص وعموم النهي الخاص في الأزمان، ودلالة الشخص على الأشخاص ليس من الأزمنة، والزمان أبعد منها، والمقصود المهم إنما هو الأشخاص ودلالة الخاص على أفراده أقوى، فوجب ترجيحه.

ثم ينبغي له أن لا يتوقف إلا في الأفراد التي يتناولها الخاص من العام، أما ما عداها فسالم عن معارضة هذه الشبهة، فلا يليق إطلاق القول بالتوقف مطلقًا.

ص: 346

فائدة:

يقع في (بعض) نسخ الأصول، ابن العاص، بالعين المهملة، وهو تصحيف، وإنما هو القاص بالقاف والصاد المهملة، اسمه: أحمد، واشتهر بأبي العباس، من الفقهاء الشافعية، وهو: أبو العباس (بن أبي) أحمد، المعروف بابن القاص الطبري، صاحب أبي العباس ب سريج، مات سنة خمس وثلاثمائة، وله مصنفات كثيرة:(المفتاح)، و (أدب القضاة)، و (المواقيت)، و (التلخيص)، وفيه يقول الشاعر:

عقم النساء فلم يلدن شبيهه *** إن النساء بمثله عقم

وعنه أخذ أهل طبرستان، ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء وتصحف (بابن الفارض) بالفاء واحدة من فوقها، والراء المهملة. و"بالعارض" بالعين، وإنما هو القاص بالقاف والصاد المهملة.

ص: 347

وأما إذا (لم يعلم) التأريخ، فعند الشافعي- رضي الله عنه إنما الخاص منهما يخص العام.

وعند أبي حنيفة- رضي الله عنه يتوقف فيهما، ويرجع إلى غيرهما، أو إلى ما يرجع أحدهما على الآخر، وهذا هو مقتضى أصله؛ لأن الخاص دائر ين أن يكون منسوخًا، أو مخصصًا، وناسخًا مقبولًا، وناسخًا مردودًا، وعند حصول التردد يجب التوقف؛ لأن الخاص يحتمل عند الجهل بالتأريخ أن يكون متقدمًا، فيكون منسوخًا عنده بالعام المتأخر، فمقتضى قاعدته.

وإن كان متأخرًا وورد قبل العمل بالعام، كان مخصصًا، أو بعد العمل فيكون ناسخًا مقبولًا، إن كان مساويًا له أو أقوى منه من جهة السند، فإن المتقدم إن كان متواترًا لا ننسخه بالآحاد المتأخر، وإن كان متواترًا نسخ العام المتقدم في الأفراد التي يتناولها الخاص، فلم (تعارضت الاحتمالات) وجب التوقف على قاعدته.

واحتج أصحابنا على مذهبهم بوجهين:

أحدهما: أنه ليس للخاص مع العام إلا أن يقارنه، أو يتقدمه، أو يتأخر عنه، وقد ثبت تخصيص العام بالخاص على التقديرات الثلاثة، فعند الجهل بالتأريخ يكون الحكم أيضًا كذلك، وهذا الوجه الضعيف، بسبب أن الخاص المتأخر عن العام- إن ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، كان تخصيصًا، وإن ورد بعده كان ناسخًا.

ص: 348

وعلى هذا يقول: إن كان العام والخاص مقطوعين، أو مظنونين، أو العام مظنونًا والخاص مقطوعًا-: وجب ترجيح الخاص على العام؛ لأن الخاص دائر ين أن يكون ناسخًا، أو مخصصًا.

وعلى التقديرين: فالخاص مقدم في هذه الصورة.

وأما إذا كان العام مقطوعًا، والخاص مظنونًا- فبتقدير أن يكون الخاص مخصصًا- وجب العمل به؛ (لأن تخصيص الكتاب بخبر الواحد حائز، لكن بتقدير أن يكون ناسخًا، لا يجب العمل به)؛ لأن نسخ الكتاب بخبر الواحد لا يجوز.

والحاصل: أن الخاص دائر بين أن يكون مخصصًا، وبين أن يكون ناسخًا مقبولًا، (أو ناسخًا مردودًا، وإذا كان كذلك، لم يجب تقديم الخاص على العام مطلقًا، بل يفصل في النصوص، ويقال: هل هما حالة النطق مقطوعين، أو مظنونين، أو أحدهما؟

وتخرج أحكامها على هذه القواعد المتقدمة، ولا يجزم بالتقديم مطلقًا، بل يقدم العام المقطوع على الخاص المظنون؛ لاحتمال تأخره عن وقت العمل بالعام، ويقدم الخاص المقطوع على العام المظنون السند؛ لأن أسوأ حالة أن يكون ناسخًا، وهو يصلح لذلك.

وثانيهما: قالوا: العموم يخص بالقياس مطلقًا؛ فلأن يخص بخبر الواحد أولى.

ص: 349

وهذا الوجه- أيضًا- ضعيف؛ لأن القياس يقتضي أصلا يقاس عليه- فذلك الأصل إن كان متقدمًا على العام، لم يجز القياس عليه عند أبي حنيفة؛ لأنه خاص متقدم على عام، فيكون منسوخًا بالعام على قاعدته، والقياس على المنسوخ باطل.

فكذلك إذا جهل تقدمه وتأخره، لا يجوز القياس عليه؛ لأنه دائر عنده بين أن يكون منسوخًا، فيبطل القياس، أو لا، فيصلح القياس، والدائر بين الصحيح والباطل باطل.

ولأبي حنيفة- رحمه الله أن يمنع هذه الطريقة التي للأصحاب على أصله، فلا يستقيم تمسك الأصحاب بها.

قال الإمام فخر الدين: إن فقهاء الأمصار- في هذه الأعصار- لم يزالوا يخصصون أعم الخبرين بأخصهما، مع فقد علمهم بالتأريخ، مع أن ابن عمر لم يخص قوله تعالى:{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ، بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم

ص: 350

الرضعة والرضعتان}، وعنه أيضًا لما سئل عن نكاح النصرانية حرمه محتجًا بقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ، وجعل العام رافعًا لقوله تعالى:{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} مع خصوصه.

ويمكن الجواب عنه (من وجهين):

أحدهما: أنا (لا) ندعي الإجماع إلا بعده في الأعصار المتأخرة، ولا تنافي بين تقدم الخلاف وتأخر الإجماع.

وثانيهما: أن القاعدة المتقدمة (أن العام في الأشخاص، مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات)، ومن جملة الأحوال: خمس رضعات، والرضعة

ص: 351

الواحدة، فيكون التعيين تقييدًا لتلك التي هي المفهومة من قوله تعالى:{وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ، ولعله كان لا يرى بتقييد المطلق، ويرى بتخصيص العام. والكل مختلف فيه. فلعل مدركه عدم التقييد، لا عدم التخصيص.

وكذلك} والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم} إنما هي حالة خاصة، ولم يرد التقييد بها، بل بقى المطلق على إطلاقه.

ويحتمل أن يكون امتنع من ذلك الدليل وحده، منعه من التخصيص في هذه الصورة.

تنبيه:

الحنفية لما اعتقدوا: أن الواجب (في) مثل هذا العام والخاص، إما التوقف، وأما الترجيح، ذكر عيسى بن أبان ثلاثة أوجه في الترجيح.

أحدها: اتفاق الأمة على العمل بأحدهما.

وثانيها: عمل أكثر الأمة بأحد الخبرين، وتعيينهم على من لم يعمل به، كعملهم بخبر أبي سعيد، وعيبهم على ابن عباس حين نفى الربا في الزيادة، وخصصه بالنسيئة معتمدًا على قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الربا في

ص: 352

النسيئة).

وثالثها: أن تكون الرواية لأحدهما أشهر.

وزاد أبو عبد الله البصري وجهين (آخرين):

أحدهما: أن يتضمن أحد الخبرين حكمًا شرعيًا، والآخر مضمونه حكم عقلي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث لبيان الشرعيات، لا لبيان العقليات.

وثانيهما: أن يكون (أحد) الخبرين بيانًا للآخر بالاتفاق، كاتفاقهم على أن قوله صلى الله عليه وسلم:(لا قطع إلا في ثمن المجن)، بيانًا لآية السرقة،

ص: 353

لأنهم لو لم يتفقوا على أنه بيان لما تقدم؛ لأن التخصيص كله بيان، فلولا الإجماع، لوجب التوقف عند هذا القائل بين العموم وهذا المخصص، لكن لما دل الصادق المعصوم الذي هو الإجماع: على أنه بيان له، وجب المصير لما قاله الإجماع اضطرارًا.

قال أبو الحسين البصري: وهذه الأمور المرحة أمارة لتأخير أحد الخبرين، إذ لو كان متقدمًا منسوخًا، لما اتفقت الأمة على استعماله، ولما كان نقله أشهر، ولما أجمعوا على كونه بيانًا لناسخه، وكون الحكم غير شرعي يقتضي كون الخبر الذي تضمنه (مصاحبًا) للعقل، وأن الخبر المتضمن للحكم الشرعي متأخر.

قال الإمام فخر الدين: وهذا الوجه ضعيف.

قال ابن يونس الموصلي- في تعليقه على المحصول-: يزيد أن هذا لا

ص: 354

يفيد اعتقاد أنه متأخر، بل لعل سبب ذلك ما ذكره الجمهور من كونه خاصا، وهو الموجب لتقديمه على العموم.

سؤال:

قال النقشواني في شرح المحصول: الشهادتان، إذا علم تقدم أحداهما، عمل بها، وقدمت.

وإن جهل التأريخ، عمل بهما، مع أن كل واحدة منهما يمكن أن تكون مقبولة ومردودة، فعلى هذا لا ينبغي التوقف عند الجهل بالتأريخ، بل يعمل بهما، فما الفرق بين البابين؟

ومثاله: إذا شهدت إحداهما: أنه أقرضه مائة، وشهدت الأخرى: بأنه أبرأه من خمسين، حتى يبقى فيهما أعم وأخص، فإن علم تقدم الإبراء، لم يعتبر، أو تقدم القرض، اعتبر (وبرئ من خمسين)، وإن جهل التأريخ، اعتبرت البينات، ولزمت خمسون فقط مع جهل التأريخ، ولا يحصل ها هنا توقف أصلا، مع جواز أن يكون الإبراء قبل القرض، فلا يؤثر إسقاطًا، وتبقى المائة

ص: 355

على حالها، لتأخرها عن زمن الإبراء- مع أنه لم يقل به أحد.

فكما لم يحصل التوقف في الشهادتين في حالة من الحالات- علم التأريخ أم جهل، فكذلك في الخبرين، وهذا مستندهم في الإعابة على من ترك العمل بخبر أبي سعيد في الربا، وتقديم احتمال التخصيص على احتمال النسخ؛ لأنه أخف، وكما في الشهادتين.

* * *

ص: 356