الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظير (إن) في أنه لا يعلق عليها إلا غير المعلوم، (متى) ، لا يسأل أبها إلا عن زمان مبهم، فلا تقل: متى تطلع الشمس؟ ، وكذلك لا يعلق عليها معلومًا، فلا تقل: متى زالت الشمس، وبقية صيغ العموم لا تكاد تدخل إلا على غير المعلوم.
قاعدة:
عشرة ألفاظ وضعت لعشر حقائق، لا تتعلق بالمعدوم والمستقبل من الزمان: الشرط، وجزاؤه، والأمر، والنهي، والدعاء، والوعد، والوعيد، والترجي، والتمني، والإباحة، فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، لا يريد دخلة مضت ولا طلاقا متقدم، بل الجميع مستقبل، وكذلك بقية العشرة لا تتعلق إلا بمعدوم، احترازًا من الحاضر، والمستقبل من الزمان، احترازًا من الماضي، وهذه القاعدة جليلة، ولها فوائد كثيرة، وينحل بمعرفتها إشكالات عظيمة، ويتخرج بها مسائل عديدة.
المسألة الثالثة: في أن المشروط متى يحصل
؟
قال الإمام فخر الدين في المحصول: ذلك يستدعي مقدمة وهي: أن الشرط على أقسام ثلاثة.
أحدها: الذي يستحيل أن يدخل في الوجود (إلا) دفعة واحدة بتمامه، سواء كان ذلك في نفسه واحدًا لا تركيب فيه، أو كان مركبًا لا يدخل شيء من أجزائه الوجود إلا مع الآخر.
مثال الأول: مطلق البتة، لا يدخل إلا في زمن فرد دفعة واحدة من غير تعدد.
مثال المركب الذي لا يدخل إلا دفعة: هو كل حقيقة مركبة من جزءين يكونان معلولي علة واحدة، متى تحققت تلك العلة تحقق معلولاتها. وهذانك الجزءان يستحيل أن يتقدم أحدهما على الآخر؛ لأن شأن العلة أن لا يتقدم أحد جزئي معلولها قبلها ولا يتأخر عنها كالبنوة والأبوة، هما جزءان معلولان لعلة واحدة هي الوطء الخاص، لا يتقدم أحدهما على الآخر في الوجود، ولا يقعان إلا في زمن واحد.
ففي الزمان الذي صدق على الوالد أنه أب، صدق على الآخر أنه ابن.
والإشراق والإحراق معلولا النار، فلا يتقدم أحدهما على الآخر في الوجود، بل يتحققان عند تحقق النار، نعم قد يعلم أحدهما قبل الآخر، والعالمية والمعلومية معلولا العلم، فلا يتقدم أحدهما على الآخر البتة.
فهذه الأجزاء متى اعتبرها العقل حقيقة واحدة، استحال دخول هذا المركب في الوجود إلا دفعة، ومتى لم يعتبرها العقل حقيقة واحدة، كانا حقيقتين متباينتين من غير تركيب.
وثانيها: ما يستحيل أن يدخل بجميع أجزائه في الوجود كالكلام، فإن الحروف لا يمكن النطق منها بحرفين جملة، بل عند النطق بالزاي من زيد
لا ينطق بالياء ولا بالدال، وعند النطق بالدال لا ينطق بالزاي. فلا يمكن أن يوجد كلام مجتمع الحروف البتة، بل لا يدخل الكلام في الوجود إلا مندرجًا.
وثالثها: ما يصح أن يدخل في الوجود تارة بمجموعه، وتارة متفرقا، كقوله لعبده: إن أعطيتني عشرة دنانير فأنت حر، فيجوز أن يعطيها له جملة، ويجوز أن يعطيها له دينارًا بعد دينار.
إذا تقررت الأقسام الثلاثة، فالمجعول شرطًا حينئذ، إما وجود هذه الأقسام أو عدمها، فإن كان الشرط عدمها، حصل المقصود في الأقسام الثلاثة في أول زمان عدمها، قاله الإمام في المحصول.
وفيه نظر؛ بسبب أنه إذا قال لعبده: إن لم تقرأ الفاتحة فأنت حر، فمضى زمن فرد ولم يقراها فقد تحقق الشرط كما قاله الإمام، فإنه علق على العدم، وقد تحقق العدم. وكذلك إذا قال له: إن لم تعطني عشرة دنانير، فمضى زمن فرد ولم يعطه العشرة، تحقق الشرط الذي هو العدم، فالتعليق على العدم يستوي الأقسام الثلاثة في أن الزمن الفرد كاف في تحقق العدم، وهو الشرط، غير أن عادة لسان العرب والأحكام الشرعية تقتضي أن يكون مقصود المعلق أن يكون ذلك العدم شاملا لجميع العمر، ولذلك قال الفقهاء: إذا قال: إن لم أعطك دينارًا فعبدي حر، لا ينجز عليه العتق حتى ينقضي عمره، إلا أن تكون هناك نية أو قرينة أو لفظ مضاف للفظ التعليق يقتضي تعيين زمان معين معجلا
أو مؤجلا، فمتى تحقق العدم في ذلك الزمان المعين ترتب المشروط. غير أن بحثا في هذه المسألة في التعليق من حيث هو تعليق، لا في صميمة أخرى إليه، قال الإمام فخر الدين: وإن كان الشرط وجود هذه الأقسام الثلاثة فنقول: أما القسم الأول، فالحكم يحصل مقارنًا لأول زمان حصول الشرط.
وأما القسم الثاني، فإنه يحصل عند حصول آخر جزء من أجزاء الشرط في الوجود، فإنه الذي يعد حصولا لذلك الشرط في اللغة والعادة والشريعة، فإذا نطق بالدال من زيد بعد نطقه بالزاي والياء، يقال: نطق باسم زيد، ولا يحكم أهل العرف بوجود هذه المركبات إلا عند وجود آخر جزء من أجزائها في الوجود، والحكم كان معلقا على وجوده، فوجب أن يحصل الحكم في ذلك الوقت.
وأما في القسم الثالث فنقول: وجوده حقيقة إنما يتحقق عند دخول جميع أجزائه في الوجود دفعة واحدة، لكنا في القسم الثاني عدلنا عن هذه الحقيقة للضرورة، وهي مفقودة في هذا القسم، فوجب اعتبار الحقيقة (حتى) إنه (إن) حصل مجموع أجزائها دفعة واحدة ترتب الجزاء عليه، وإلا فلا.
هذا مقتضى البحث الأصولي، إلا إذا قام دليل شرعي يقتضي العدول عنه.
قلت: وقد قام الدليل الشرعي على عدم اعتبار ذلك، فإن السيد إذا قال لعبده: إن أعطيتني عشرة دنانير فأنت حر، فأعطاه إياها في أزمنة متعددة عتق،
حتى يصرح بقوله: إن أعطيتني إياها مجتمعة، وكذلك يصدق لغة أيضا أنه أعطاه عشرة، فإن إعطاء العشرة يعرض لها وصفان، الاجتماع والافتراق، وهي من حيث هي أعم من كونها مجتمعة أو متفرقة، والتعليق إنما وقع عليها من حيث هي، فيعتق بإعطائها مجتمعة ومفترقة.
وبهذا التقرير ننازع الإمام رحمة الله في أن هذا هو مقتضى البحث الأصولي، فإن الأصول مبنية على اللغة.
وقوله- أيضًا-: إن المشروط يحصل مقارنًا لأول أزمنة حصول الشرط.
وهي مسألة مختلف فيها بين العلماء، هل يحصل المشروط مع الشرط أو بعده؟ .
وجه الأول: أن الشرط غايته أن يكون كالعلة العقلية، والعلة العقلية يحصل معها معلولها معًا في الزمان، وإن كانت متقدمة عليه بالذات، ففي الزمان الذي قام بك العلم فيه حصلت لك العالمية، وإن كان العلم قبل العلمية بالذات لا بالزمان.
ووجه الثاني: أنه لو حصل معه لم يكن أحدهما مترتبا على الآخر بأولى من العكس، فيجب أن يوجد الشرط في زمان ويترتب عليه المشروط في الزمان الثاني، وعليه يتخرج: إن بعتك فأنت حر، إن قلنا بعده فلا يعتق عليه؛ لأنه بعد البيع يصير في ملك المشتري، وهو لا يعتق عليه ملك غيره، وعلى الأول يقع العتق مع البيع، فلا يصادف ملك المشتري.