الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي والعشرون في المخصصات المنفصلة
وهي إما أن تكون بغير السمع، أو بالسمع، فهذان فصلان:
الفصل الأول: [فيه] أقسام خمسة:
الأول: التخصيص بالعقل، كقوله تعالى:{الله خالق كل شيء} ، فإنا نعلم بالضرورة العقلية أن كل ما هو واجب الوجود لا يندرج في المراد بهذا العموم، وهو ذات الله وصفاته العلا.
واختلف الناس في التخصيص بالعقل:
قال الإمام فخر الدين رحمه الله: والأشبه عندي أنه لا خلاف في المعنى بل في (اللفظ).
أما أنه لا خلاف في المعنى فلأنه لما دل الدليل من قبل العموم على ثبوت الحكم في جميع الصور- والعقل منع من ثبوته في بعض الصور- فإما أن نحكم بصحة مقتضى العقل والنقل، فيلزم صدق النقيضين وهو محال (أو نرجح النقل على العقل وهو محال)، لأن العقل أصل في النقل من جهة أن النقل يتوقف في كونه حجة على شهادة العقل في المعجزة بأنها دالة على النبوة (حتى) يكون المخبر بذلك السمع معصومًا، فالقدح في العقل حينئذ قدح في أصل النقل، والقدح في الأصل لتصحيح الفرع يوجب القدح فيهما معا.
وإما أن نرجح حكم العقل على مقتضى العموم، وهذا هو المراد من تخصيص العموم بالعقل.
وأما أن البحث لفظي: فهو أن المخصص العقلي هل يسمى مخصصا أو لا؟
فنقول: إن أردنا بالمخصص الأمر الذي يؤثر في اختصاص اللفظ العام ببعض مدلوله، فالعقل غير مخصص؛ لأن المقتضي لذلك الاختصاص
هو الإرادة القائمة بالمتكلم، والعقل يكون دليلًا على تحقق تلك الإرادة، فالعقل يكون دليل المخصص لا نفس المخصص، ولكن على هذا التفسير وجب أن لا يكون الكتاب مخصصًا للكتاب ولا السنة للسنة، لأن المؤثر في ذلك التخصيص هو الإرادة لا تلك الألفاظ.
قال الشيخ سيف الدين الآمدي رحمه الله: منع التخصيص بالعقل طائفة شاذة (من المتكلمين) لشبهات ثلاث:
أحدها: أن دلالة اللفظ بالوضع، والواضع لا يضع لما هو معلوم الخروج مقطوع به، وإنما يضع لما لم يمكن إرادته، والمستحيل لا يمكن أن يراد، فلا يتناوله اللفظ، فلا يتصور التخصيص؛ لأنه فرع التناول.
وثانيها: أن التخصيص بيان، والخارج بالعقل بين فلا يحتاج للبيان؛ لئلا يلزم تحصيل الحاصل.
وثالثها: العقل لا يكون ناسخًا، فلا يكون مخصصًا.
والجواب عن الأول: أن صيغة العموم لم توضع لخصوص مادة حتى يتعين فيها الوضع للمستحيل، بل لتعميم المذكور، وقد يكون ممكنا وقد لا يكون، فالاستحالة إنما جاءت من خصوص المادة لا من الوضع من جهة التركيب مع الحكم الخاص وصيغة العموم لا من لفظ العموم من حيث هو عموم، فيلزم
من ذلك عدم الإرادة في هذا المركب الخاص، ولا يلزم من ذلك عدم وضع لفظ العموم للعموم.
وعن الثاني: أن البيان إنما حصل بدليل العقل، وإنما يلزم تحصيل الحاصل أن لو حصل البيان قبله، بل به.
وعن الثالث: أن النسخ بيان مدة الحكم، والعقل لا يتصور منه بيان المدة، فإن هذا حكم في أحد طرفي الجائز، بل لا يعلم ذلك إلا بغير العقل والذي يفرق بين جائز وجائز، أما العقل فيسوي بين الجائزات في الجواز، ولا يستقل إلا في ثلاثة مواطن: جواز الجائزات، ووجوب الواجبات، واستحالة المستحيلات.
وقال الإمام فخر الدين رحمه الله: يصح النسخ بالعقل؛ لأن من سقطت رجلاه سقط عنه فرض غسل الرجلين، وذلك إنما عرف بالعقل.
قلت: وهذا باطل لوجهين:
أحدهما: أن (ثبوت الأحكام) في الشريعة يتوقف على حصول محالها وشروطها، فانتفاء الأحكام عند انتفاء المحل والشروط، لا يكون نسخًا، وإلا كان يلزم أن من افتقر وذهب النصاب منه أنه يقال: إنه نسخ وجوب الزكاة في حقه، فيلزم انسخ بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (في حق كل واحد)، وكذلك إذا تعذر المحل الذي (يلزم) فيه الطلاق أو العتق أو غيرهما، يلزم أن يكون ذلك كله نسخًا، ولا قائل به، بل لا نسخ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.