الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسماءها عند فقد بعض أعضائها- وهو خلال الظاهر- وإما أن لا تكون المبادرة للفهم دليل الحقيقة- وهو خلاف الظاهر، فينظر في ذلك.
والأظهر عندي: أن لفظ الحقيقة صادق على المعيب من الحيوانات، وأن سبق السلامة للذهن إنما هو لأصل الغلبة؛ لأن الغالب من الحيوانات السلامة، فسبق ذلك للفهم، ومدرك هذا اسبق الغلبة؛ لاختصاص اللفظ في الوضع بالسليم.
وهذا- أيضًا- يصح أن يكون جوابًا للحنفية، فيقولون: إنما شرطنا السلامة من العيوب لدلالة الغالب عليها، لا لأن اللفظ وضع لها، ولأصل حمل المطلق على المقيد، فلم ينتقض أصلنا في ذلك.
قال المازري في شرح البرهان: ورد على الحنفية نقوض:
أحدها: اشتراط السلامة من العيوب في الرقبة.
وثانيها: اشتراط الفقر في ذوي القربى.
وثالثها: أنه يجزي عندهم الأقطع دون الأخرس.
ورابعها: لو حلف لا يشتري رقبة، فاشترى رقبة معيبة، فلم تعتبر السلامة في الحنث، يخالف قاعدة الشيخ- لأن الزيادة عنده نسخ، وهنا نسخ القرآن بغير دليل قاطع.
مسألة: إذا أطلق الحكم في موضع، وقيد في موضعين بقيدين متضادين
.
مثاله: قضاء رمضان الوارد مطلقًا في قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} ، وصوم التمتع الوارد مقيدًا بالتفريق في قوله تعالى:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} ، وصوم كفارة الظهار الوارد مقيدًا بصوم التتابع في قوله عز وجل:{فصيام شهرين متتابعين} .
اختلفوا في هذه المسألة على حسب ما تقدم.
من قال: إن المطلق (يحمل على المقيد من جهة) اللفظ، ترك المطلق- هاهنا- على إطلاقه؛ لأنه ليس تقييده بأحد القيدين أولى من الآخر.
ومن حمل المطلق على المقيد بالقياس، حمله هاهنا- على ما كان القياس عليه أولى.
ومن قال بعدم الحمل مطلقًا، قال به هاهنا.
واتفق لي مع قاضي القضاة صدر الدين الحنفي- حمه الله- حكى لي يومًا: أنه اجتمع في دمشق مع السيد الشريف شمس الدين، قاضي
العسكر، نقيب الأشراف في الدولة الكاملية، قال: فقلت له: إن الشافعية نقضوا أصلهم، بأنهم قالوا:(يحمل المطلق على المقيد)، وقد ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في غسل الإناء في ولوغ الكلب سبعًا (إحداهن بالتراب) ورد مقيدًا، أعني لفظ:(إحداهن)، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:(أولاهن بالتراب)، ومع ذلك فلم يحملوا المطلق على المقيد، بل أبقوا المطلق على إطلاقه، قال: فلم يجد جوابًا، ولا يمكنهم الجواب عنه.
فقلت له: لنا قاعدة وهي: أن المطلق إذا قيد بقيدين متضادين، سقط القيدان، وبقي المطلق على إطلاقه باتفاق الفريقين، وهاهنا كذلك؛ لأنه ورد في الحديث أيضًا:(أخراهن بالتراب)، فسقط القيدان (أولاهن)،
و (أخراهن)، لتضادهما، فليس الحمل على أحدهما أولى من الآخر، وبقي المطلق الذي هو:(إحداهن بالتراب) على إطلاقه.
وهذا أحسن ما مثلث به المسألة، فإن السبب واحد، والحكم واحد، والقيود متضادة.
تنبيه:
كيف يصح تقييد المطلق بالقياس مع اختلاف الأسباب، واختلاف الأسباب يوجب اختلاف المصالح، ومع اختلاف المصالح كيف يصح القياس؟
وجوابه: أن الأسباب قد تختلف وتختلف مصالحها- كما تقدم في القتل والظهار- وقد تتفق مصالحها، فيتجه القياس، كالأسباب النواقض للطهارة الصغرى والكبرى، كانت حكمتها واحدة، وإلا لما كان حكمها واحدًا.
وكشرب الخمر والقذف حدهما واحد، وذلك يقتضي أن تكون حكمتها واحدة، وإلا اختلف الحد، ولذلك قال علي-رضي الله عنه لما أراد أن (يسوي بينهما في الحد، إشارة) إلى تقارب الحكمة بقوله: إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، فأرى عليه حد المفتري.