الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثامنة: إذا ورد العموم في سياق المدح والذم، لا يوجب تخصيص العام؛ لأن الموجب للعموم موجود، والجمع بين جميع الأنواع فيه ممكن يوجب التعميم
.
وقال بعض فقهاء الشافعية بتخصيصه، كقوله تعالى:{والذين يكنزون الذهب والفضة} .
تمسك به المعممون على وجوب الزكاة في الحلي المتخذ لاستعمال مباح.
وقالت هذه الفرقة من الشافعية: لا يصح التمسك به؛ لأن مقصود الكلام إلحاق الذم بمن يكنز، لا سيما وقد نص أرباب علم البيان على قاعدة، وهي: أن الكلام إذا سيق لمعنى، لا يستدل به في غير ذلك المعنى؛ لأن المتكلم لا يتوجه إليه، كما قلنا لأبي حنيفة- رضوان الله عليه- لما استدل بقوله عليه الصلاة والسلام:(فيما سقت السماء العشر) على وجوب الزكاة في الخضروات: إن هذا الكلام إنما سيق لبيان الجزء الواجب، لا لبيان الواجب فيه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ، سيق لبيان أن المجوس يسوى بينهم وبين أهل الكتاب في أخذ الجزية، فلا يستدل به على جواز نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم، نظرًا لاسم الجنس إذا أضيف وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(سنة أهل الكتاب) ، أضيفت السنة لما بعدها، فيوجب ذلك العموم، كما تقدم بيانه في بيان صيغ العموم.
وبالجملة، فهذه قاعدة مشهورة:(إذا سيق الكلام لمعنى، لا يستدل به في غيره) ، مع أن فيها خلافًا، وحكاها القاضي عبد الوهاب المالكي في الملخص مسألة مستقلة، وفهرسها بوقف العموم على المقصود منه، وحكي عن متقدمي المالكية وبعض الشافعية منهم القفال: أنه توقف على ما سيق الكلام لأجله، ويخص به وإن كان عامًا، وحكي عن متأخري المالكية القول بإجرائه على عمومه.
فالتمسك بالمنع على الآية ظاهر، وإنما في المسألة غور آخر، وهو أن العام إن تقدمه ذكر قوم، نحو: أكلة الربا ظلموا أنفسهم، ثم يقول: إنه لا يفلح الظالمون، فهل يحمل اللفظ على عمومه؟ وتقول: لا يفلح كل ظالم كيف كان من هؤلاء أو من غيرهم، وكذلك إذا قال: أحسنوا لأقاربكم، وصلوا أرحامكم، ثم يقول: إن الله مع المحسنين، هل يحمل على كل محسن، أو يختص بمن تقدم ذكره؟ ونحو هذه السياقات التي يتجه فيها أن المدح والذم لا يوجب تخصيص العام.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله: ويتعين أن يستثنى من
غير هذه القاعدة إذا كان المتقدم شرطًا، كقوله تعالى:{إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} فإنه يتعين أن الوعد بالغفران هاهنا مختص بمن تقدم ذكره، من المخاطبين في قوله تعالى:{إن تكونوا} ، ولا يعم هذا الحكم جميع الخلائق، ولا جميع الأمم الماضية، بسبب أن التعاليق اللغوية أسباب، والجزاءات المترتبة عليها مسببات، والمسبب ناشئ عن سببه، وصلاحنا نحن لا يكون سببًا لمغفرة ذنوب الأمم السالفة في عادة الله تعالى في خلقه، وإن صلاح كل أمة يختص بها، ولا يتعد إصلاح أحد لغيره إلا أن يكون له في ذلك سبب أو معونة، لقوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، فإذا لم يكن شرطا، فالصحيح الحمل على العموم.