الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: لا يجوز تخصيص العام بذكر بعضه خلافًا لأبي ثور
.
وهذه المسألة مشروطة بالاتفاق في الحكمين، كقولنا:(اقتلوا المشركين، اقتلوا عبدة الأوثان)، وهم بعض المشركين، والحكم في الكلامين (في) وجوب القتل.
أما لو اختلف الحكم، كان غير التخصيص، كقولنا:(اقتلوا المشركين، ولا تقتلوا النصارى في حالة ما).
ومثل الإمام فخر الدين هذه المسألة بقوله عليه الصلاة والسلام: (أيما إهاب دبغ فقد طهر)، ثم قال في جلد شاة ميمونة:
(دباغه طهوره)، يريد أن التنصيص على جلد شاة
ميمونة) يقتضي اختصاص الحكم الأول بجلود الشياه، وجلود الشياه بعض الأهب.
وهذا فيه تكلف من جهة أنا إن حملنا العام على جلد شاة ميمونة خاصة، كان بعدًا شديدًا عن ظاهر اللفظ العام، وإن حملناه على جلود الشياه كلها، فالحديث لم يتعرض له البتة بلفظه.
والأحسن تمثيله بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يضمن، ونهيه- مع ذلك-عن بيع الطعام قبل قبضه، والطعام بعض المنصوص عليه في الحديث الأول.
فهل يحمل (العموم عليه) خاصة- وهو مذهب مالك رحمه الله؟ وهو مشكل من جهة أن الصحيح والمشهور: أن العام لا يخص بذكر بعضه، والفرع على الضعيف ضعيف.
وتوهم بعضهم: أن هذا من باب حمل المطلق على المقيد، (وليس كذلك، كما سيتضح لك- إن شاء الله- في باب حمل المطلق على المقيد) ، وأن من شرطه أن يكون في كل، لا كلية.
حجة الجمهور: أن المخصص للعام لابد أن يكون بينه وبين العام منافاة، ولا منافاة بين كل الشيء وبعضه؛ لأن كل الشيء محتاج إلى بعضه، والمحتاج إليه لا ينافي المحتاج.
قلت: ويرد عليه أن هذا ليس مدرك الخصم، فإنه لم يجعل الجزء منافيًا لكل الشيء، حتى يلزم من إبطال مدركه إبطال مذهبه.
ويتعين المذهب الآخر، بل مدركه: أن ذكر بعض الشيء، وتخصيصه بالذكر، يقتضي أن حكم الكل مغاير للحكم المذكور في البعض، فلا يفهم العرب من قول القائل: قبضت بعض الدين، أو قبضت دينارًا- وله عنده مائة- إلا أن الباقي لم يقبض، فكذلك هاهنا، ففرق بين كل الشيء وبعضه،
وبين كل الشيء وذكر بعضه على وجه الاختصاص، فهو عنده من باب دلالة المفهوم المنافي للمنطوق؛ (لأن المنطوق ينافي المنطوق) ، فلا جواب لنا عن حجته.
إلا أنا نمنع أن المفهوم حجة، أو نقول: هو حجة، لكن ظاهر العموم أولى تقديمًا للمنطوق على المفهوم، ويؤل الحال في المسألة إلى جواز تخصيص العموم بالمفهوم.
وإن سلم تخصيص العام بالمفهوم، أمكن أن نمنع في هذا المفهوم، لا سيما إذا لم يصرح بلفظ البعض، بل ذكر اسم جنس كالطعام، هو بعض أنواع جنس آخر، كما تقدم في بيع ما لم يضمن.
ويخصص تخصيص العام بالمفهوم بما إذا كان المفهوم مفهوم صفة، نحو قوله صلى الله عليه وسلم (في سائمة الغنم الزكاة)، مع قوله صلى الله عليه وسلم:(في كل أربعين شاة شاة) ، فإن السائمة بعض الغنم، أو مفهوم الشرط، وغير ذلك من المفهومات القوية.
وبهذا يجاب عن النقض إذا ورد على المالكية وغيرهم.