الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة: عطف الخاص على العام هل يقتضي تخصيصه
؟
هذه مسألة وقع فيها البحث بين الفرق مع الحنفية وهي (قتل المسلم بالذمي)، قال به الحنفية، دون بقية الفرق.
احتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم (ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده).
فقال الحنفية: صدر الحديث وإن كان لكم، فآخره عليكم، وتقريره بثلاثة
قواعد:
القاعدة الأولى: أن المعاهد أدنى رتبة من الذمي، ومساو لمعاهد مثله، وإنما الذي هو دونه الحربي خاصة.
القاعدة الثانية: أن الأدنى يقتل بالأعلى إجماعًا.
القاعدة الثالثة: أن العطف يقتضي التسوية.
إذا تقررت هذه القواعد فنقول: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ذو عهد في عهده)، يتعين أن يكون معناه بحربي، ولا يمكن حمله على الذمي ونحوه؛ لأنه يقتل بهما إجماعًا، عملا بالقاعدة الثانية، وهو أدنى، عملا بالقاعدة الأولى.
وإذا تقرر أن الذي لا يقتل به هو الحربي، تعين أن يكون المسلم كذلك؛ لأنه معطوف عليه، والعطف يقتضي التسوية- وهي القاعدة الثالثة- وحينئذ تسقط الدلالة من الحديث؛ لأن المقصود هو الذمي، أما الحربي فمجمع عليه.
أجاب الجمهور بأربعة أجوبة:
أحدها: لا نسلم أن هذه الواو معناها العطف، بل هي للاستئناف، وحينئذ يبطل التشريك بين ذي العهد والمسلم فيما ذكرتموه.
وثانيها: سلمنا أنها للعطف، لكن القاعدة المنقولة عن النحاة: (أن العطف يقتضي التشريك في أصل المعنى الذي سيق الكلام لأجله، دون متعلقاته وظروفه وأحواله، فإذا قلت: اشتريت ثوبًا بدرهم وفرسًا، لا يلزم أنك اشتريت
الفرس بدرهم أيضًا، فلم يحصل التشريك إلا في أصل الشراء، دون متعلقاته الذي هو الثمن، وإذا قلت: مررت بزيد يوم الجمعة أو في الدار أو قائمًا، ثم تقول: وبعمرو، لا يلزم مشاركة زيد لعمرو إلا في أصل المرور، دون الظرفين والحال.
إذا تقررت هذه القاعدة، فنقول: اللفظ يقتضي أن ذا العهد لا يقتل كالمسلم، أما بمن؟ فهذا هو متعلق القتل الذي لا تلزم الشركة فيه، وعلى هذا يندفع السؤال، ويصح الاستدلال.
وثالثها: سلمنا أن العطف يقتضي التسوية في جميع الأمور، غير أنا لا نسلم أن (في) للظرفية، بل للسببية.
وتقريره: أن صاحب الشرع أراد إعلامنا أن المعاهد بسبب (العهد) العصمة، وأن من عاهدناه يحرم دمه، بسبب المعاهدة خاصة، ولم يرد صاحب الشرع أن المعاهد إذا قتل أحدًا يقتل به أو لا يقتل، بل التنصيص على سببية المعاهدة خاصة، ودل على ذلك بلفظ (في)، كما قال صلى الله عليه وسلم:(في النفس المؤمنة مائة من الإبل)؛ لأن الظرفية متعذرة هاهنا، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء:(أنه صلى الله عليه وسلم وجد امرأة حميرية عجل بروحها إلى النار، بسبب أنها حبست هرة حتى ماتت جوعًا وعطشًا، فدخلت النار فيها)، أي بسببها، وهو
كثير في الكتاب والسنة، فكذلك هذا الحديث: أي لا يقتل المعاهد، بسبب عهده، وعلى هذا التقدير يسقط السؤال أيضًا.
ورابعها: سلمنا أن (في) للظرفية، لا للسببية، لكن مقصود هذا الحديث في المعاهد، أن المعاهد لا يقتل في زمن معاهدته خاصة، وقال ذلك صلى الله عليه وسلم نفيًا، لتوهم (ما) يحصل للناس- أن عقد المهادنة يدوم كما يدوم عقد الذمة، فنبه عليه الصلاة والسلام أن عدم قتله/ وعصمته إنما هي في زمن المعاهدة خاصة دون ما بعدها.
فهذه أربعة أجوبة سديدة حاسمة لمادة السؤال، ودافعة للإشكال، ونفي الحديث حينئذ يدل على مذهب الجمهور من غير معارض.
سؤال:
قال النقشواني: هذا المثال هو المذكور في المسألة في جميع كتب الأصوليين، وعليه مناقشة، وذلك أن عطف الخاص على العام له صورتان:
إحداهما: عام معطوف على عام، ونعلم بالدليل أن الثاني دخله التخصيص، فهل يلحق هذا بالأول الذي هو المعطوف عليه كقوله: لا تضرب رجلا ولا امرأة، ثم بين أن (المرأة غير القاذفة) وشاربة الخمر.
والصورة الثانية: تعطف خاصًا بلفظه على عام، فهل يقتضي ذلك تخصيص العام الأول كقوله: لا تضرب رجلا ولا امرأة كهلة، فالمرأة الكهلة أخص من المرأة، فهل يخصص الرجل بالكهل؟
والمثال الذي هو من القسم الأول لم يتعين سؤاله.