المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الهبة) والصدقة والهدية - الغرر البهية في شرح البهجة الوردية - جـ ٣

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ وَبَيَانِ حُكْمِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌(فَرْعٌ)جَعَلَ الْبَائِعَ الْمَبِيعَ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْبَيْع]

- ‌[بَيَانِ تَصَرُّفِ الْعَبِيدِ فِي الْبَيْع وَغَيْره]

- ‌(فَصْلٌ فِي)بَيَانِ (التَّحَالُفِ) الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌(بَابُ الرَّهْنِ)

- ‌(بَابُ التَّفْلِيسِ)

- ‌(بَابُ الْحَجْرِ)

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ)

- ‌(بَابُ الْحَوَالَةِ)

- ‌(بَابُ الضَّمَانِ)

- ‌(بَابُ الشِّرْكَةِ)

- ‌[أَنْوَاعُ الشِّرْكَةِ]

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ)

- ‌(بَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌[فَرْعٌ مُؤَاخَذَةِ الْمُكَلَّفِ بِإِقْرَارِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

- ‌(بَابُ الْعَارِيَّةُ)

- ‌[أَرْكَانُ الْإِعَارَةِ]

- ‌[فَرْعٌ أَعَارَ شَيْئًا بِشَرْطِ ضَمَانِهِ عِنْدَ تَلَفِهِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ]

- ‌(بَابُ الْغَصْبِ)

- ‌(بَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ الْقِرَاضِ)

- ‌[فَرْعٌ دَفْعُ الشُّفْعَةِ بِالْحِيلَةِ]

- ‌(بَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[فَرْعٌ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا قِرَاضًا ثُمَّ أَلْفًا قِرَاضًا وَقَالَ ضُمَّهُ إلَى الْأَوَّلِ]

- ‌ بَيَانِ الْمُزَارَعَةِ

- ‌ بَيَانِ الْمُخَابَرَةِ

- ‌(بَابُ الْإِجَارَةِ)

- ‌(بَابُ الْجِعَالَةِ)

- ‌(بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

- ‌بَابُ الْوَقْفِ)

- ‌[فَرْعٌ وَقَفَ وَقْفًا لِيُحَجَّ عَنْهُ مِنْهُ]

- ‌(بَابُ الْهِبَةِ) وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ

- ‌(بَابُ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ)

- ‌[فَرْعٌ تَرْكُ الْعَدْلِ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَالْوَالِدَيْنِ وَكَيْفِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ]

- ‌[بَيَان اللَّقِيطِ]

- ‌[أَرْكَانُ اللَّقِيط]

- ‌(بَابُ الْفَرَائِضِ)

- ‌[الْحَجْبَ نَوْعَانِ حَجْبُ نُقْصَانٍ وَحَجْبُ حِرْمَانٍ]

- ‌ بَيَانِ مَوَانِعِ الْإِرْثِ

- ‌ بَيَانِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ

- ‌[بَيَانُ الْعَوْلِ]

- ‌ بَيَانِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَتَصْحِيحِهَا فِي الرَّدِّ

- ‌ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ

الفصل: ‌(باب الهبة) والصدقة والهدية

بِالصَّلَاةِ فِي عَرْصَتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّهُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ أَيْ: فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَجْهًا وَحَكَى فِيهَا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَصَالِحِ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَمَصَالِحِهِ لَكَانَ أَقْرَبَ (قُلْت وَحِفْظُ النُّقْضِ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ: نُقْضِ الْمَسْجِدِ (خَوْفًا) أَيْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي الْفَسَادِ (جَيِّدُ) فَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ نُقِضَ وَحُفِظَ نَقْضُهُ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَعْمُرَ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَعْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ وَحَوْضٍ كَالْعَكْسِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَقْضِهِ لَمْ يُنْقَضْ.

(بَابُ الْهِبَةِ) وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَوْ دُعِيتُ إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ» وَالْكُرَاعُ قِيلَ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ جَبَلٌ أَسْوَدُ فِي طَرَفِ الْحَرَّةِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَرَجَّحَا أَنَّهُ كُرَاعُ الْغَنَمِ لِأَجْلِ ذِرَاعِ الشَّاةِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْت وَلَوْ دُعِيت عَلَيْهِ لَأَجَبْت.» وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَهِيَ لُغَةً: إعْطَاءُ شَيْءٍ بِلَا عِوَضٍ، وَشَرْعًا: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (الْهِبَةُ) أَيْ: بِلَا ثَوَابٍ وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضْ) فِي الْحَيَاةِ

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ أُهْدِيَ لِغَنِيٍّ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عَقِيقَةٍ، فَإِنَّهُ هِبَةٌ وَلَا تَمْلِيكَ فِيهِ، وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ بَلْ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَخْ) الَّذِي حَرَّرَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَحُمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْوَالِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى حَالَةٍ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ حُفِظَتْ غَلَّتُهُ وَإِلَّا صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الرَّوْضِ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ وَقَفَهَا أَيْ دَارِهِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَيْ: أَوْ نَحْوِهِ كَالرِّبَاطِ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ أَيْ: مِنْ عِمَارَتِهِ أَوْ دَهَنَ سِرَاجَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا وَكَانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَصَالِحِهِ. اهـ. وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَمَا حَرَّرَهُ شَيْخُنَا فِيهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ أَنْ تُصْرَفَ الْغَلَّةُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَكَيْفَ صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْمَسَاجِدِ لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ تَحْرِيرِ شَيْخِنَا أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ وَلَمْ تُوجَدْ أَقَارِبُ الْوَاقِفِ صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَتَأَمَّلْ سم وَقَوْلُهُ: صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ أَرْبَابَ شَعَائِرِ الْأَوَّلِ إنْ تَمَكَّنُوا مِنْ إقَامَتِهَا فِي الثَّانِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْجَامِكِيَّةِ مِنْ الْغَلَّةِ الْمَنْقُولَةِ بِإِقَامَتِهَا فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إقَامَتِهَا فِي الثَّانِي كَأَنْ مَنَعَ إمَامُهُ إمَامَ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَخَطِيبُهُ خَطِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُطْبَةِ كَانُوا كَالْمُكْرَهِينَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْجَامِكِيَّةِ م ر

. (بَابُ الْهِبَةِ) . (قَوْلُهُ الْهِبَةُ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ الْهِبَةُ بِلَا عِوَضٍ هِيَ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ وَفِيهِ سَمَاجَةٌ فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَانَ أَقْعَدَ وَأَجْزَلَ فَتَأَمَّلْهُ سم وَكَتَبَ أَيْضًا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ أَيْضًا أَوْرَدَ مَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَأَنَّهُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَإِطْلَاقُهُمْ

ــ

[حاشية الشربيني]

لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَلَوْ مُطْلَقًا فِي تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ وَنَحْوِهِمَا بَلْ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ سِرَاجٌ لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَوْ عُمُومًا وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ احْتِرَامًا. (قَوْلُهُ: وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ: إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ وَإِلَّا وَجَبَ حِفْظُ غَلَّتِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ

[بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ]

. (بَابُ الْهِبَةِ) . (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ: بِالْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّوْزِيعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: ظِلْفَهَا) أَيْ الْمَشْوِيَّ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: كُرَاعِ الْغَنَمِ) هُوَ طَرَفُ رِجْلِهَا كَمَا أَنَّ ذِرَاعَهَا طَرَفُ يَدِهَا وَهُوَ أَكْثَرُ لَحْمًا مِنْ الْكُرَاعِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ يُعَبِّرُونَ بِالْكَارِعِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: إعْطَاءُ شَيْءٍ) أَيْ: وَلَوْ نَجِسًا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ وَهِيَ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ لَكِنَّ هَذَا فِي إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَمْنَعُ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الْمُهْدَى مِنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ الْعَقِيقَةِ الْمُمْتَنِعِ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ عَارِضٌ وَلَيْسَ لَازِمًا لِكُلِّ هَدِيَّةٍ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ) لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَكْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ

ص: 387

الْأُضْحِيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكَ الْأَدْنَى (مِنْ الْأَعْلَى) فَإِنَّهُ هِبَةٌ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا عِوَضٌ كَمَا فِي عَارِيَّتِهِ لَهُ إلْحَاقًا لِلْأَعْيَانِ بِالْمَنَافِعِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا هِبَةَ فِي النَّجِسِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ، وَأَمَّا صِحَّتُهَا فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ فَذَاكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ هُنَاكَ فَلَا يَرِدُ عَلَى مَا هُنَا.

(وَ) هِيَ (بَيْعٌ إنْ عَرَضْ فِي صُلْبِهَا لِتَقْيِيدٍ بِالثَّوَابِ) وَهَذَا زَادَهُ هُنَا مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَوَائِلَ الْبَيْعِ

(وَإِنَّمَا تَصِحُّ) الْهِبَةُ (بِالْإِيجَابِ) كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ (كَمِثْلِ أَعْمَرْت) بِزِيَادَةِ مِثْلِ أَيْ كَقَوْلِهِ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ وَهَبْتهَا لَك أَوْ (جَعَلْتهَا لَكَا عُمْرَكَ أَوْ مَا عِشْتَ) أَنْت (أَوْ حَيَاتَكَا) أَوْ نَحْوَهَا (وَلَوْ تَلَا) مِنْ التُّلُوِّ أَوْ التِّلَاوَةِ أَيْ: ذَكَرَ عَقِبَ ذَلِكَ (إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَا) أَيْ: الْمَوْهُوبُ (لِي أَوْ لِمَنْ مِيرَاثِي اسْتَفَادَا إنْ مِتُّ) قَبْلَك فَإِنَّهُ هِبَةٌ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا وَيَلْغُو الشَّرْطُ فِي صُورَتِهِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ كَخَبَرَيْ الصَّحِيحَيْنِ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا وَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا» ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ شَيْئًا إنَّمَا شَرَطَ الْعَوْدَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحِينَئِذٍ قَدْ صَارَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ.

(أَوْ) كَقَوْلِهِ (وَهَبْتُ مِنْكَ عُمْرَكَ هَذَا) الْعَبْدَ مَثَلًا (عَلَى أَنَّكَ مَهْمَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ قَبْلِي عَادَ) الْمَوْهُوبُ (لِي وَإِنْ حَضَرْ قَبْلَكَ مَوْتِي فَعَلَيْكَ) بِمَعْنًى فَلَكَ (ذَا اسْتَقَرْ) أَوْ (جَعَلْت) هَذَا (رُقْبَى لَك أَوْ أَرْقَبْتُ) هَذَا لَك أَيْ: إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَ إلَيَّ وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّ لَك وَيَلْغُو الشَّرْطُ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» وَالنَّهْيُ لِلْإِرْشَادِ أَيْ: لَا تَعْمُرُوا شَيْئًا طَمَعًا فِي عَوْدِهِ إلَيْكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِيرَاثٌ (لَا مِنْكَ عُمْرِي) أَوْ (عُمْرَ ذَا وَهَبْتُ) أَيْ: لَا كَقَوْلِهِ وَهَبْته مِنْك عُمْرِي أَوْ عُمْرَ زَيْدٍ مَثَلًا فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ اللَّفْظِ الْمَعْهُودِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْقِيتِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِ زَيْدٍ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عُمْرَك؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْلِكُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَلَا تَأْقِيتَ وَلَفْظُ عُمْرِي مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ (أَوْ قَالَ بِعْت مِنْكَ ذَا بِلَا ثَمَنْ) فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِتَهَافُتِهِ.

(وَلَا) تَنْعَقِدُ (بِتَعْلِيقٍ) لِلصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَهَبْتُك هَذَا (وَتَأْقِيتٍ) أَيْ: وَلَا بِتَأْقِيتِ (الزَّمَنْ) كَقَوْلِهِ وَهَبْتُكَهُ سَنَةً (أَوْ أَخَّرَ الْقَبُولَ) عَنْ الْإِيجَابِ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَلَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْقَبُولِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَوْ وَهَبَ مِنْ طِفْلٍ لَزِمَ وَلِيَّهُ قَبُولُهَا فِي الْحَالِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ لَفْظِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ كَقَوْلِهِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَفَعَلَ

(فِيمَا صَحَّا بَيْعًا) أَيْ: الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فِيمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَفِيمَا زَادَهُ كَالْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

التَّمْلِيكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْأَعْيَانَ اهـ فَانْظُرْ هَلْ يُشْكِلُ الْجَوَابُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ هِبَةٌ لَا عَارِيَّةٌ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ أَصْلِ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَتَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فِي الْوَقْفِ لَيْسَ فِي الْحَالِ ضَرُورَةً أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ فِي الْحَالِ وَلَا تَمْلِيكَ لِلْمَعْدُومِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا هِبَةُ مَنَافِعِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ: التَّمْلِيكُ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَعْلَى) أَيْ: لِلْأَعْلَى. (قَوْلُهُ: فَلَا يَرِدُ عَلَى مَا هُنَا) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّمْلِيكُ

(قَوْلُهُ: لِتَهَافُتِهِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا قَالَ الْجَوْجَرِيُّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا يَقْتَضِي مُطْلِقُهَا عَدَمَ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مُطْلِقَهُ يَقْتَضِي الْعِوَضَ بِرّ

(قَوْلُهُ: لَزِمَ وَلِيَّهُ قَبُولُهَا) قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ قَالَ فِي شَرْحِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلِلْعَبْدِ أَيْ: وَيُقْبَلُ لِلْعَبْدِ نَفْسِهِ وَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ أَوْ قَبُولُ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ نِصْفَهُ أَيْ: نِصْفَ مَا وُهِبَ لَهُمَا وَجْهَانِ. اهـ.

ــ

[حاشية الشربيني]

يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ وَيُطْلَقُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ سم عَلَى التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ) أَيْ: الْهِبَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْخَالِيَةُ عَنْ الِاحْتِيَاجِ وَقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَعَنْ النَّقْلِ إكْرَامًا وَإِلَّا فَالتَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ مَعَ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ صَحِيحٌ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ كَمِثْلِ أَعَمَرْت بِزِيَادَةِ إلَخْ) أَيْ: مَنْ عَرَفَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَلْغُو الشَّرْطُ) وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَهُ أَوْ صِحَّتَهُ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَلْغُو فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ إلَّا هَذَا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَحَجَرٌ وَغَيْرُهُمَا وَبِهَامِشِ الْمَنْهَجِ أَنَّهُ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ أَيْضًا فِي بَيْعِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ. اهـ. أَيْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِيهِ وَهُوَ خَبَرُ بَرِيرَةَ. (قَوْلُهُ: وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ) أَيْ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى مَوْتِهِ وَبِمَوْتِهِ انْتَقَلَ لِلْوَارِثِ وَلَا يَقْدِرُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حِينَئِذٍ عَلَى إرْجَاعِهِ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ شَرْطٌ وَقَعَ عَلَى الْوَارِثِ لَا عَلَى مَنْ عَقَدَ مَعَهُ الْعَقْدَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَنْهَجِ.

(قَوْلُهُ: رُقْبَى) مِنْ الرَّقُوبِ وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ

(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى إلَخْ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْقَبُولِ الْهِبَةُ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ كَالْوَقْفِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَقْبَلُ الْقَاضِي

ص: 388

(وَ) فِي (نَحْوِ حَبَّتَيْنِ قَمْحَا) وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ هُنَا (قُلْت وَمَا نَبَّهَ جُلُّ الْكُتُبِ لِهَذِهِ) أَيْ: عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَزِيدَةِ بَلْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّهَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهَمٌ فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ بَحْثٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّصْدِيقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ بِشِقِّهَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ فَكَذَا الْهِبَةُ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ: التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ لَا تَمْلِيكِهِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هِبَتِهِ بِمَعْنَى تَمْلِيكِهِ، وَقَدْ مَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ إلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ وَقَوْلُ النَّظْمِ فِيمَا صَحَّ بَيْعًا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْيَانَ الْمَبِيعَةَ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُهَا سَلَمًا لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا كَأَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك أَلْفًا فِي ذِمَّتِي ثُمَّ يُعَيِّنُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَقْبِضُهَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَنَافِعَ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْإِيجَارِ وَهَلْ تَكُونُ هِبَتُهَا هِبَةً أَمْ عَارِيَّةً؟ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُرْجَانِيَّاتِ وَذَكَرَ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُرَجِّحُ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَوْلُهُ: وَهَبْتُك مَنْفَعَةَ دَارِي لِلسُّكْنَى عَارِيَّةً وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا هِبَةٌ (وَدَيْنُهُ إنْ يَهَبْ مِمَّنْ) هُوَ (عَلَيْهِ فَقَدْ أَبْرَا عُنُقَهْ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ أَيْ: فَهُوَ إبْرَاءٌ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَلَوْ قَالَ تَرَكْته لَك فَهُوَ كِنَايَةٌ إبْرَاءً وَقِيلَ صَرِيحَةٌ، أَمَّا إذَا وَهَبَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِهِ.

(و) التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ (لِلثَّوَابِ فِي الْمَعَادِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ الْآخِرَةِ وَلَوْ لِغَنِيٍّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ (صَدَقَهْ) فَلَا يَعْتَبِرُ فِيهَا الْحَاجَةَ كَمَا اعْتَبَرَهَا الْمِنْهَاجُ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلَيْهِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: إنَّ كَوْنَهَا لِمُحْتَاجٍ هُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الصَّدَقَةِ وَالْغَالِبُ مِنْهَا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ: وَلَوْ مَلَكَ شَخْصًا لِحَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً أَيْضًا فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، إمَّا الْحَاجَةُ، أَوْ قَصْدُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ.

(و) التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ مَعَ (النَّقْلِ) لِلْمَوْهُوبِ إلَى مَكَانِ الْمُتَّهِبِ (لِلْإِكْرَامِ) لَهُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ) أَيْ: نَحْوُ حَبَّتَيْنِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ) الْوَجْهُ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالتَّمَوُّلُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْعِوَضِ فَإِنْ قُلْت: لَا فَائِدَةَ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ خَوَاصُّ الْمِلْكِ مِنْ نَحْوِ نَقْلِهِ إلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ قُلْت: بَلْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ أَمْثَالُهُ مِنْ جِهَاتٍ عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ حَتَّى بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قَدْرًا يُتَمَوَّلُ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْعِوَضِ وَلَوْلَا الْحُكْمُ بِالْمِلْكِ مَا ثَبَتَ لِلْمَجْمُوعِ ذَلِكَ سم. (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَكُونُ هِبَتُهَا هِبَةً) أَيْ: لِلْمَنَافِعِ أَمْ عَارِيَّةً أَيْ: لِلذَّاتِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي الْعَيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الثَّانِي فَانْدَفَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ قَبْضِهَا بِاسْتِيفَائِهَا تَصِيرُ تَالِفَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ: أَنَّهَا هِبَةٌ) فَالدَّارُ أَمَانَةٌ وَتُمْلَكُ الْمَنَافِعُ بِقَبْضِهَا أَيْ: بِاسْتِيفَائِهَا دُونَ قَبْضِ الدَّارِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قُلْنَا: بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ خُولِفَ.

(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا عَنْ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ صَدَقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ بِشَرْطِهِمَا وَلَا نَقُلْ لِلْإِكْرَامِ لَيْسَ هِبَةً وَلَا هَدِيَّةً وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: إمَّا الْحَاجَةُ أَوْ قَصْدُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ) وَعَلَيْهِ فَتَمْلِيكُ غَنِيٍّ لِابْنِهِ أَيْ: لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إمَّا هِبَةٌ خَاصَّةٌ إنْ وُجِدَ شَرْطَهَا أَوْ هَدِيَّةٌ إنْ وُجِدَ شَرْطُهَا وَإِلَّا فَهُوَ عَقْدٌ يُشْبِهُ الصَّدَقَةَ وَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ حَقِيقَةً حَجَرٌ

(قَوْلُهُ: وَالنَّقْلُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ مَا يُحْمَلُ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَهُوَ خِلَافُ إلْحَاقِهَا بِالْوَقْفِ لِلْجِهَةِ الْعَامَّةِ سم عَلَى التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ هِبَتُهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمُعَاوَضَةُ يُحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ ح ش: وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ عَدَمُ صِحَّةِ هِبَةِ الْأَعْمَى وَالْهِبَةُ لَهُ

(قَوْلُهُ: الْمُتَّهَبِ) يَجُوزُ كَوْنُهُ اسْمَ فَاعِلٍ وَاسْمَ مَفْعُولٍ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ اعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْهِبَةِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ فِي حَدِّ كُلٍّ مِنْ الصَّدَقَةِ

ص: 389

(وَالتَّلَطُّفِ) بِهِ (هَدِيَّةٌ) لِلْعُرْفِ فَلَا تَجْرِي فِي الْعَقَارِ لِامْتِنَاعِ نَقْلِهِ وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ النَّذْرِ بِمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا لَا يُنْقَلُ صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْهَدِيَّةِ مَعْلُومٌ فَالْهَدْيُ خَاصٌّ بِالْحَرَمِ بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَلِهَذَا أَفْرَدَ الْأَصْحَابُ الْهَدْيَ وَلَمْ يُدْخِلُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَوْ نَذَرَ الْهَدْيَ انْصَرَفَ إلَى الْحَرَمِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْهَدِيَّةِ إلَى فَقِيرٍ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ شَرْطًا، وَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ وَقَوْلُ النَّظْمِ وَالتَّلَطُّفِ تَفْسِيرٌ لِلْإِكْرَامِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَهْدَى لَهُ حَنِثَ وَلَا عَكْسَ وَقَدْ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَيَنْقُلَهُ إلَيْهِ إكْرَامًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ لَفْظُ بَلْ (بِالْبَعْثِ) مِنْ الْمُمَلِّكِ (وَالْقَبْضِ) مِنْ الْمُتَمَلِّكِ (اُكْتُفِيَ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمْ فَعِبَارَةُ النَّظْمِ لِشُمُولِهَا لَهُمَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي وَيَكْفِي فِيهَا أَيْ: الْهَدِيَّةِ الْبَعْثُ وَالْقَبْضُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُمَلِّكِ فِي الثَّلَاثَةِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَفِي التَّمَلُّكِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ.

(وَيَمْلِكُ) الْمُتَّهِبُ (الْمَوْهُوبَ بِالْقَبْضِ) لَا بِالْعَقْدِ وَإِلَّا لَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ فِيمَا نَحَلَهَا فِي صِحَّتِهِ مِنْ عِشْرِينَ وَسْقًا وَدِدْت أَنَّك حُزْته أَوْ قَبَضْته وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَرُوِيَ

ــ

[حاشية العبادي]

غَالِبًا إلَخْ وَفَسَّرَ فِي شَرْحِهِ الْحَمْلَ بِالْبَعْثِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ غَالِبًا مَا يُهْدَى بِلَا بَعْثٍ بِأَنْ نَقَلَهُ الْمُهْدِي. اهـ. وَقَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ النَّقْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِبَعْثٍ أَوْ بِدُونِهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ النَّقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْغَلَبَةِ فَلْيُحَرَّرْ وَقَدْ يُقَالُ لَوْ قَالَ فِي شَيْءٍ بِيَدِهِ خُذْهُ هَدِيَّةً فَقَبِلَهُ كَانَ هَدِيَّةً بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا نَقْلَ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ جَوَابٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) اعْتَرَضَ مَا قَالَهُ بِأَنَّ قَيْدَ الْإِكْرَامِ لِإِخْرَاجِ الرِّشْوَةِ وَمَا يُعْطَى لِلشَّاعِرِ خَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ وَنَحْوِهِمَا قِيلَ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُمَا خَرَجَا بِقَوْلِهِمْ هِيَ تَمْلِيكٌ مَا يُنْقَلُ إذْ كُلُّ هَذَيْنِ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ فَيَصِحُّ أَنَّ قَوْلَهُمْ إكْرَامًا لِلْغَالِبِ إنْ أَرَادُوا قَصْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِبَيَانِ مِنْ شَأْنِ النَّقْلِ الْإِكْرَامُ. اهـ.

وَقَدْ احْتَرَزُوا بِقَيْدِ الْإِكْرَامِ عَنْ الْبَعْثِ إلَى مُحْتَاجٍ لِأَجْلِ احْتِيَاجِهِ أَوْ قَصْدِ الْأُجْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ إلَخْ) يُشْكِلُ هَذَا بِمَا سَلَفَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ مَعَ الْبَعْثِ هِبَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَمَعَ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يُسَمَّى هِبَةً وَصَدَقَةً وَإِنْ تَجَرَّدَ التَّمْلِيكُ عَنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اخْتَصَّ بِاسْمِ الْهِبَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَاشْتِرَاطُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إنَّمَا هُوَ فِي هَذَا النَّوْعِ أَعْنِي التَّمْلِيكَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْأَمْرَيْنِ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اسْمُ الْهِبَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ بِرّ وَأَقُولُ قَدْ يَرِدُ قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ أَهْدَى لَهُ حَنِثَ إذْ مُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْحِنْثِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ بِالْبَعْثِ وَالْقَبْضِ اكْتَفَى) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ فِي الصَّدَقَةِ أَيْضًا فَلَوْ وُجِدَ وَانْتَفَى الِاحْتِيَاجُ وَقُصِدَ الثَّوَابُ وَقُصِدَ الْإِكْرَامُ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْهَدِيَّةِ أَوْ الصَّدَقَةِ وَلَوْ حُكْمًا؟ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ: لِشُمُولِهَا لَهُمَا أَوْلَى) لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَعْثِ. (قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ) قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمِلْكِ وَجَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ إذَا دُفِعَ لِصَغِيرٍ تَصَدُّقًا إذْ الْمِلْكُ هُنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ وَقَبْضُ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ بِالْإِقْبَاضِ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ مِنْ إقْبَاضِهِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَهُوَ الْمُرَادُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

وَالْهَدِيَّةِ وَاشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ: مِنْ دُخُولِ مَعْنَى الْهِبَةِ الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ فِي كُلٍّ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَصِحُّ إلَخْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ التَّمْلِيكِ بِلَا عِوَضٍ الَّذِي هُوَ الْهِبَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا صَحِيحٌ مَعَ الِاحْتِيَاجِ أَوْ قَصْدِ الثَّوَابِ أَوْ النَّقْلِ إكْرَامًا بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَمَا قَرَّرَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ ضَمِيرِ تَصِحُّ هُوَ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ الَّتِي هِيَ قَسِيمُ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَهُوَ مَا خَلَا عَنْ قَصْدِ الثَّوَابِ وَالِاحْتِيَاجِ وَالنَّقْلِ إكْرَامًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عَكْسَ) أَيْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الْحَلِفِ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ حَلَفَ لَا يُهْدِي لَمْ يَحْنَثْ بِصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ أَوْ لَا يَهَبُ حَنِثَ بِهِمَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ

(قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّةُ الْقَبْضِ إلَخْ) نَعَمْ لَا يَكْفِي هُنَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَاعْتُبِرَ تَحَقُّقُهُ شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَمَثَّلَهُ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَسَوَاءٌ

ص: 390

نَحْوُهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْوَاهِبِ فِي الْقَبْضِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ بِنَفْسِهِ وَمِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا كَمَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ وَكَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ إنَّمَا يُمْلَكَانِ بِالْقَبْضِ أَيْضًا.

(وَقَدْ خُيِّرَ وَارِثٌ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ ذَيْنِ) أَيْ: الْوَاهِبِ وَالْمُتَّهِبِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَخَيَّرُ وَارِثُ الْوَاهِبِ فِي الْإِقْبَاضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهِبِ فِي الْقَبْضِ إنْ أَقْبَضَهُ الْوَاهِبُ أَوْ وَارِثُهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ لَكِنْ لَا يَقْبِضُ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَظَاهِرٌ أَنَّ لِوَلِيِّ الْمُتَّهِبِ الْقَبْضَ قَبْلَهَا فِي الْجُنُونِ.

(وَبِالْمُتَّصِلِ وَمِنْ زَائِدٍ يَرْجِعُ أَصْلُ) أَيْ: وَيَرْجِعُ الْأَصْلُ جَوَازًا وَلَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فِيمَا مَلَّكَهُ لِفَرْعِهِ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ هَدِيَّةً مَعَ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ كَسِمَنٍ وَكِبَرِ شَجَرَةٍ لَا مُنْفَصِلَةٍ كَوَلَدٍ وَكَسْبٍ وَتَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ الْحَمْلَ لَهُ حُكْمُ الْمُنْفَصِلِ إنْ حَدَثَ فَيَكُونُ الْحَمْلُ لِلْفَرْعِ إنْ حَدَثَ وَإِلَّا فَلِلْأَصْلِ وَإِنْ انْفَصَلَ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَلَوْ وَهَبَهُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ رَجَعَ وَالْفَرْعُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ رَجَعَ وَلَا شَيْءَ لِلْفَرْعِ وَإِنْ زَادَتْ فَشَرِيكٌ وَخَرَجَ بِالْأَصْلِ غَيْرُهُ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ، وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» فَيُحْمَلُ عَلَى الْأُصُولِ (مَا يَلِي) أَيْ يَرْجِعُ الْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا دَامَ فِي وِلَايَةِ الْفَرْعِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ وِلَايَتِهِ بِتَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ مَعَ الْقَبْضِ فِيهِمَا أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ أَوْ حَجْرٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَلَا رُجُوعَ وَلَا أَثَرَ لِحَجْرِ السَّفَهِ (وَلَوْ بِأَسْقَطْتُ) أَيْ يَرْجِعُ وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ أَسْقَطْت (الرُّجُوعَ) لِتَعَلُّقِ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ وَمِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَكَيْفِيَّةُ الْقَبْضِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ. (فَرْعٌ)

لَيْسَ الْإِتْلَافُ مِنْ الْمُتَّهِبِ قَبْضًا سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ أَمْ لَا إلَّا إنْ أَذِنَ فِي الْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ عَنْهُ فَأَكَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ أَمَرَ الْمُتَّهِبُ الْوَاهِبَ بِإِعْتَاقِهِ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الِازْدِرَادِ وَالْعِتْقِ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ

(قَوْلُهُ: فِيمَا مَلَّكَهُ لِفَرْعِهِ) أَيْ الْحُرِّ خَرَجَ فَرْعُهُ الرَّقِيقُ فَإِنَّ الْهِبَةَ مِنْهُ هِبَةٌ مِنْ سَيِّدِهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ فَرْعَ الْوَاهِبِ ثَبَتَ الرُّجُوعُ. (قَوْلُهُ: هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوَهَدِيَّةً) قَالَ فِي الرَّوْضِ لَا فِي الْإِبْرَاءِ أَيْ لِوَلَدِهِ عَنْ دَيْنِهِ أَيْ: لَا يَرْجِعُ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الْعِرَاقِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّمَا يَرْجِعُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْمُتَصَدَّقُ بِهِ الْوَاجِبُ الْآتِي زَكَاةً أَوْ فِدْيَةً أَوْ كَفَّارَةً فَلَا رُجُوعَ لِلْوَالِدِ فِيهِ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ لَحْمَ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ غَنِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِيَسْتَفِيدَ التَّصَرُّفَ وَالتَّصَرُّفُ فِي مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ.

قَالَ شَيْخُنَا قُلْتُهُ تَخْرِيجًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ فِي التَّصَرُّفِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ فَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْأَكْلِ أَوْ بِإِهْدَائِهِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْعُ شَرِيكٌ) لَعَلَّ مَحَلَّهُ إنْ حَصَلَ بِالصَّبْغِ زِيَادَةٌ وَإِنْ أَوْهَمَ التَّفْصِيلُ فِيمَا بَعْدَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي هَذَا خِلَافَهُ سم. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْفَرْعَ إذَا أَنَابَ أَصْلَهُ عَلَى الْهِبَةِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا فَإِنْ قُلْت: وَمَا الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِ الثَّوَابِ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْمَعْلُومِ الْوَاقِعِ عِوَضًا فَكَيْفَ بَيْعًا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْأُصُولِ وَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ قُلْتُ: لَا مَانِعَ إلَّا اقْتِضَاءُ الْخَبَرِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الثَّوَابُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ حَتَّى لِغَيْرِ الْأُصُولِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخَبَرِ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ عَلَى الْأُصُولِ) أَيْ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعٍ) الْوَجْهُ اسْتِثْنَاءُ بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَعْنِي لِلْفَرْعِ وَحْدَهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْهَدِيَّةُ وَغَيْرُهَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر وَحَجَرٌ خِلَافًا لِمَنْ اكْتَفَى بِهِ فِي الْهَدِيَّةِ لَكِنْ فِي الْعُبَابِ وَتَجْرِيدِ الْمُزَجَّدِ خِلَافُهُ سم عَلَى التُّحْفَةِ وَفِي ع ش أَنَّ الْإِتْلَافَ وَلَوْ بِإِذْنٍ لَا يَكُونُ قَبْضًا إلَّا إنْ كَانَ بِعِتْقٍ أَوْ أَكْلٍ فَإِنَّهُ بِهِمَا مَعَ الْإِذْنِ يَكُونُ قَبْضًا فَيُقَدَّرُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْوَضْعِ فِي الْفَمِ وَالتَّلَفُّظِ بِصِيغَةِ الْعِتْقِ

(قَوْلُهُ: يَرْجِعُ الْأَصْلُ) وَلَوْ بِقَوْلِهِ فَسَخْتُ الْهِبَةَ أَوْ قَالَا تَقَايَلْنَا وَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَالتَّقَايُلَ إنَّمَا يُنَاسِبَانِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الِاسْتِدْرَاكُ، وَالْهِبَةُ إحْسَانٌ سم. (قَوْلُهُ: فِيمَا مَلَكَهُ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ هِبَةُ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا إبْرَاءٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ بَعْدَ هِبَتِهِ لَهُ وَقَالَ م ر: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا هِبَتُهُ تَمْلِيكٌ أَوْ إسْقَاطٌ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَتْ إلَخْ) لَعَلَّهُ بِغَيْرِ ارْتِفَاعِ سِعْرِ الثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ إلَخْ) رَدَّهُ

ص: 391

حَقِّهِ بِالْعَيْنِ فَيَدُومُ بِدَوَامِ بَقَائِهَا فِي وِلَايَةِ الْفَرْعِ (وَرَجَعْ) أَيْضًا (وَلَوْ تَخَلَّلَ الْعَصِيرُ) الْمَوْهُوبُ مَثَلًا بَعْدَ تَخَمُّرِهِ إذْ الْمِلْكُ الثَّابِتُ فِي الْخَلِّ سَبَبُهُ تَمَلُّكُ الْعَصِيرِ فَكَأَنَّهُ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ (أَوْ زَرَعْ) الْفَرْعُ (أَرْضًا) وَهَبَهَا لَهُ أَصْلُهُ (وَ) كَذَا (لَوْ زَوَّجَ) الرَّقِيقُ (أَوْ دَبَّرَ) هـ (أَوْ أَكْرَى) الْعَيْنَ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْفَرْعِ وَيَبْقَى التَّزْوِيجُ وَالْإِكْرَاءُ بِحَالِهِمَا بَعْدَ الرُّجُوعِ (وَلِلْبَائِعِ ذَا الْحُكْمِ رَأَوْا) أَيْ وَرَأَوْا لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ فِي الْبَيْعِ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بِعَيْبٍ وَإِنْ وَجَدَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَذِهِ الْأُمُورَ لِمَا مَرَّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ وَإِنْ أَسْقَطَ الرُّجُوعَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا.

(وَ) لَوْ (انْفَكَّ رَهْنٌ وَكِتَابَةٌ) صَحِيحَةٌ عَنْ الْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الِانْفِكَاكِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَرْهُونَ أَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً فَلَا يَتَوَقَّفُ رُجُوعُهُ عَلَى انْفِكَاكٍ وَلَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَلِلْبَائِعِ ذَا الْحُكْمِ رَأَوْا كَانَ أَوْلَى لِثُبُوتِهِ لَهُ أَيْضًا وَكَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ الْجِنَايَةُ، وَلِلْأَصْلِ أَنْ يَفْدِيَ الْجَانِيَ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ لَا يَفْدِيهِ بِقِيمَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهِبِ وَلَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ بِشَرْطِ رِضَى الْغَرِيمِ (وَمَا) أَيْ: وَلَا (يَرْجِعُ حَيْثُ مِلْكُهُ) أَيْ: الْفَرْعَ (عَادَ) إلَيْهِ بِعُذْرِ زَوَالِهِ وَلِوَالِي وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ حَتَّى يُزِيلَهُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ (كَمَا) لَا يَرْجِعُ (لَوْ فَرَّخَ الْبَيْضُ) الْمَوْهُوبُ (أَوْ الْبَذْرُ) الْمَوْهُوبُ (نَبَتْ) فِي يَدِ الْفَرْعِ لِاسْتِهْلَاكِهِمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا ضَمِنَا الْغَاصِبُ بَدَلَهُمَا وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَيَرْجِعُ. نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الرُّجُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ (وَفِي الْبَنَّا وَالْغَرْسِ مَا مَرَّ ثَبَتْ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَثَبَتَ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْ الْفَرْعِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْهُوبَةِ مَا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ تَبْقِيَةِ ذَلِكَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ أَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ تَمْلِيكِهِ بِالْقِيمَةِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ كَالْعَارِيَّةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا صَحَّحَا فِيهَا التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِمَا كَالْعَارِيَّةِ (بِقَوْلِهِ) أَيْ: يَرْجِعُ بِقَوْلِهِ (رَجَعْت) فِيمَا وَهَبْت مَثَلًا (أَوْ رَدَدْتُ إلَيَّ) أَوْ إلَى مِلْكِي مَا وَهَبْت (أَوْ نَقَضْت مَا وَهَبْتُ) أَوْ أَبْطَلْت الْهِبَةَ أَوْ فَسَخْتهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَكُلُّهَا صَرَائِحُ (لَا الْبَيْعِ) أَيْ: يَرْجِعُ بِمَا ذُكِرَ لَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ (وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِتْلَافِ وَالْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ) لِلْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلْفَرْعِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفَاتِهِ فِيهِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْأَصْلِ (مَعْ خِلَافِ) فِي ذَلِكَ الْأَصَحُّ مِنْهُ مَا تَقَرَّرَ وَقِيلَ يَرْجِعُ بِكُلٍّ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ مِلْكِ الْفَرْعِ لِلْمَوْهُوبِ لِمَا مَرَّ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَبِالْإِتْلَافِ وَالْإِيلَادِ الْقِيمَةُ وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ وَالْوَطْءُ حَرَامٌ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الرُّجُوعَ لِاسْتِحَالَةِ إبَاحَتِهِ

ــ

[حاشية العبادي]

فِي وِلَايَتِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَيْضًا مَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى التَّزْوِيجُ وَالْإِكْرَاءُ بِحَالِهِمَا بَعْدَ الرُّجُوعِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَةَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ لِلْفَرْعِ وَانْظُرْ لِمَنْ يَكُونُ مَنْفَعَةُ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَيُتَّجَهُ أَنَّهَا لِلْأَصْلِ. (قَوْلُهُ قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ بِالِانْفِكَاكِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ لَوْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ لَهَا عَدَمَ الِانْفِكَاكِ فَهَذَا قَرِينَةُ عَدَمِ إرَادَتِهَا وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَدْ يَقْتَضِي بِزِيَادَةِ قَدْ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْفَلَسِ. اهـ. أَقُولُ الْفَرْقُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَبِيعِ أَوْ بَدَلِهِ فَالرُّجُوعُ إلَيْهِ أَوْلَى وَلَا كَذَلِكَ الْأَصْلُ هُنَا قَالَ الْجَوْجَرِيُّ قُلْت قَدْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ مُتَعَدٍّ لَا مِلْكَ لَهُ وَهَذَا التَّغَيُّرُ لَا يُفِيدُهُ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ مَلَكَ مِلْكًا صَحِيحًا وَمَا حَصَلَ مِنْ التَّغَيُّرِ يَمْنَعُ بَقَاءَ الْمَوْهُوبِ عَلَى حَالِهِ فَلَا هـ فَلَا يَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ لِضَعْفِ التَّخْرِيجِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِ قَوْلُهُمَا كَالْعَارِيَّةِ) أَيْ: عَلَى التَّشْبِيهِ فِي مُطْلَقِ التَّخْيِيرِ شَرْحُ الرَّوْضِ وَكَتَبَ أَيْضًا يُمْكِنُ أَنَّهُ يُرِيدُ كَالْعَارِيَّةِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ اعْتَقَدَا هُنَا تَصْحِيحَ ذَلِكَ فِي الْعَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّهَا صَرَائِحُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْكِنَايَةُ كَأَخَذْتُهُ وَقَبَضْته

ــ

[حاشية الشربيني]

الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ خَبَرًا وَإِنَّمَا هُوَ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. اهـ. تُحْفَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَخَلَّلَ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ زَرَعَ الْحَبَّ أَوْ تَفَرَّخَ الْبَيْضُ فَلَا رُجُوعَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: أَوْ دَبَّرَ) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ فَلَا رُجُوعَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الِانْفِكَاكِ) إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ هُوَ الْأَصْلَ. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَقَدَّمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ

بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَحْتَاجُ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ ثَمَّ مَنْعُ مَا صَحَّحَهُ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ وَالْقِيَاسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْغَرْسِ بَيْنَ قَلْعِهِ بِأَرْشٍ أَوْ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَةٍ أَوْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ كَالْعَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِيلَادِ) وَإِنْ انْتَقَلَتْ بِهِ إلَى مِلْكِ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) أَيْ: لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا كَمَا مَرَّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالضَّعْفِ مَا يَشْمَلُ الْعَدَمَ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ زَمَنَ خِيَارِ الْبَائِعِ وَحْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْمِلْكِ هُنَا مَا حَصَلَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ لِضَعْفِهِ وَقَوْلُهُمْ الْمِلْكُ لِمَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ أَيْ: الْمِلْكُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَحْصُلْ عَقْدٌ آخَرُ وَلَيْسَتْ

ص: 392