الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَنَّ مِثْلَهُ يُفْسِدُ الرَّهْنَ كَمَا سَيَأْتِي وَيُجَابُ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، (وَ) أَمَّا (شَرْطُهُ) عَلَى الْمُقْتَرِضِ (الْإِقْرَارَ عِنْدَ الْقَاضِي وَكَافِلًا وَالرَّهْنَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ) أَيْ: بِالْمُقْرَضِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (فَالِاثْنَانِ) أَيْ: الشَّرْطُ وَالْقَرْضُ (جَمِيعًا جَادَا) أَيْ: جَيِّدَانِ صَحِيحَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَوْثِيقَاتٌ لَا مَنَافِعُ زَائِدَةٌ، فَلَهُ إذَا لَمْ يُوفِ الْمُقْتَرِضُ بِهَا الْفَسْخُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ كَمَا مَرَّ، عَلَى أَنَّ فِي التَّوَثُّقِ بِذَلِكَ مَعَ إفَادَتِهِ أَمْنَ الْجَحْدِ فِي بَعْضٍ وَسُهُولَةَ الِاسْتِيفَاءِ فِي آخَرَ صَوْنَ الْعِرْضِ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الرُّجُوعِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ سَبَبٌ، فَإِنَّ الْمُقْتَرِضَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْمُقْرِضُ مَعْذُورًا فِي الرُّجُوعِ غَيْرَ مَلُومٍ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ انْقِسَامُ الشَّرْطِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ مُفْسِدٍ، وَفَاسِدٍ غَيْرِ مُفْسِدٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِهِ عَنْ شَرْطِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِشْهَادِ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ: أَقْرِضْ هَذَا مِائَةً وَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا فَأَقْرَضَهُ الْمِائَةَ أَوْ بَعْضَهَا، لَزِمَهُ الضَّمَانُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا أَرَادُوهُ بِقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ لَكِنَّ ذَاكَ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي بَابِ الضَّمَانِ: بِعَدَمِ صِحَّتِهِ، وَهُوَ الْجَدِيدُ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ كَالشَّيْخَيْنِ ثَمَّ
(بَابُ الرَّهْنِ)
هُوَ لُغَةً: الثُّبُوتُ وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ أَيْ: الثَّابِتَةُ وَقَالَ الْإِمَامُ الِاحْتِبَاسُ وَمِنْهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَشَرْعًا: جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ» ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى» وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ: «تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَكَافِلًا وَالرَّهْنَ) هَلْ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَوْنُهُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُقْتَرِضِ لِيَتَحَقَّقَ الدَّيْنُ؟
(بَابُ الرَّهْنِ)(قَوْلُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ) وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يُسْتَوْفَى مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ الْوَفَاءِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُهُ (قَوْلُهُ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فَارْهَنُوا وَاقْبِضُوا؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ جُعِلَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ بِالْفَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: " فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ "" فَضَرْبَ الرِّقَابِ " كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَدْ يُنْظَرُ فِي كَوْنِهِ مَصْدَرًا، بَلْ الْوَصْفُ بِمَقْبُوضَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ، ثُمَّ إنْ أَرَادَ تَوَقُّفَ الِاحْتِجَاجِ عَلَى جَرَيَانِهِ مَجْرَى الْأَمْرِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ الِاحْتِجَاجُ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِ إخْبَارًا فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الشَّحْمِ) فَإِنْ قِيلَ: مَا حِكْمَةُ اسْتِقْرَاضِهِ مِنْ الْيَهُودِيِّ دُونَ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِهِ؟ قُلْت يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنْ الْحِكْمَةِ مِنْهَا تَأَلُّفُهُ بِمُعَامَلَتِهِ لَعَلَّهُ يَسْلَمُ، وَمِنْهَا بَيَانُ جَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْهَا بَيَانُ حِلِّ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَعَلَّ مَيَاسِيرَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَتَيَسَّرْ الْأَخْذُ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِنَحْوِ غَيْبَتِهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ لَا يَقْبَلُوا مِنْهُ الْبَدَلَ أَوْ أَنْ
ــ
[حاشية الشربيني]
غَرَضٌ فِي صُورَةِ الرَّدِّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَالْمُقْتَرِضُ مُعْسِرٌ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ بِأَنَّ مِثْلَهُ فِي الرَّهْنِ) أَيْ: لَوْ شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً لِلْمُرْتَهِنِ فَسَدَ. (قَوْلُهُ جَيِّدَانِ صَحِيحَانِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيمَا اقْتَرَضَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِمَا شَرَطَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ، إذَا شَرَطَ كَفِيلًا أَوْ ضَامِنًا أَوْ رَهْنًا بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يُوفِ بِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ اهـ. ق ل مَعَ إيضَاحٍ. (قَوْلُهُ فَلَهُ إذَا لَمْ يُوفِ إلَخْ) أَيْ قَطْعًا بِخِلَافِهِ بِلَا شَرْطٍ فَعَلَى الْأَصَحِّ اهـ. شَرْحُ إرْشَادٍ
(قَوْلُهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ) اسْتَوْجَهَهُ حَجَرٌ أَيْضًا. (قَوْلُهُ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ إلَخْ) اسْتَوْجَهَهُ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: كَانَ ضَامِنًا لَهَا عَلَى الْأَوْجَهِ
[بَابُ الرَّهْنِ]
(بَابُ الرَّهْنِ)(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَقْبُوضَةٌ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ قِيَاسُ فِعْلِهِ قَبَضَ كَمَا قَالَ، وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلَاثِيِّ إلَخْ، وَقَدْ فَسَّرَ الْقَاضِي مَقْبُوضَةٌ بِاقْبَضُوا، فَإِنْ قُطِعَتْ هَمْزَتُهُ خَالَفَ مَا فِي الْآيَةِ، إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْمَفْعُولِ حِينَئِذٍ مُقْبَضَةٌ، وَإِنْ وُصِلَتْ لَزِمَ اخْتِلَافُ مَعْنَى الضَّمِيرَيْنِ فِي ارْهَنُوا وَاقْبِضُوا، إذْ الْمُخَاطَبُ بِالرَّهْنِ حِينَئِذٍ مَنْ عَلَيْهِمْ الدَّيْنُ، وَبِالْقَبْضِ مَنْ لَهُمْ الدَّيْنُ، وَكَانَ فِيهِ مُوَافَقَةُ مَا فِي الْآيَةِ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَيَكُونَ مَا فِي الْآيَةِ بِاعْتِبَارٍ لَازِمٍ مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَادَةً قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْقُوَيْسِنِيُّ فَافْهَمْ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ اهـ. مَرْصَفِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا) أَيْ عَلَى ثَمَنِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَوْلُهُ: لِأَهْلِهِ أَيْ اشْتَرَاهَا لَهُمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ إلَخْ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ) يُمْكِنُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَهُ
مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَقِيلَ: عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً قَالَ السُّبْكِيُّ مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَارِجٌ مِنْ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِاَللَّهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ، وَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَلَيْهِمْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ، بَلْ بِهِمْ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَإِنْ ثَبَتَ دَيْنٌ فَهُوَ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا اسْتَدَانَ الْإِمَامُ لِمَصَالِحِهِمْ كَانَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِيمَا اسْتَدَانَهُ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ دُونَ مَا اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ، وَالْوَكِيلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ.
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْوِلَايَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَرْكَانُ الرَّهْنِ أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَقَالَ:(صِحَّةُ رَهْنِ الْعَيْنِ) تَحْصُلُ (بِالْإِيجَابِ مِنْ مَالِكِ بَيْعٍ) أَيْ: أَهْلٍ لَهُ، بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا مُخْتَارًا (وَقَبُولِ الْمُرْتَهِنْ) الْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ كَأَصْلِهِ خِلَافَهُ، (أَوْ الْتِمَاسٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ جَوَابِ الْآخَرِ فَقَوْلُ الرَّاهِنِ: ارْتَهِنْ هَذَا مِنِّي بِكَذَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، وَقَوْلُ الْمُرْتَهِنِ: ارْهَنْ هَذَا عِنْدِي بِكَذَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ قِيَاسًا لِذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ، هَذَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ الرَّهْنُ فِي بَيْعٍ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ كَبِعْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ دَارَك مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت وَرَهَنْت فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا جَرَى، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا فِيهَا أَيْضًا عَدَمُهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ: ارْتَهَنْت أَوْ قَبِلْت، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ أَيْضًا ثُمَّ الرَّهْنُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالِاحْتِيَاطِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ.
(وَالْوَلِيُّ رَهَنَا، كَذَا مُكَاتَبٌ وَعَبْدٌ أُذِنَا) أَيْ: وَرَهَنَ جَوَازًا كُلٌّ مِنْ الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَاضِيًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، مَالَ مَحْجُورِهِ وَالْمُكَاتَبُ مَالَ نَفْسِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَالَ سَيِّدِهِ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ، كَصَاحِبِ الْمَالِ، (حَيْثُ يُسَاوِي مُشْتَرَاهُ الثَّمَنَا وَالرَّهْنَ) ، كَأَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَيَرْهَنَ بِهَا مَا يُسَاوِي مِائَةً، إذْ الْغِبْطَةُ ظَاهِرَةٌ بِتَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْمَرْهُونِ، وَإِنْ تَلِفَ كَانَ فِيمَا اشْتَرَاهُ جَابِرٌ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ إلَّا بِرَهْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ امْتَنَعَ الشِّرَاءُ، إذْ قَدْ يَتْلَفُ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْعُدُ تَلَفُهُ عَادَةً كَالْعَقَارِ فَالْمَذْهَبُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَيْفَ كَانَ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْعُجَابِ بِالْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ مُنْقَاسٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، (أَوْ) رَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ (نَهْبٌ أَوْ إِنْفَاقٌ عَنَا) أَيْ: عَنَّ بِمَعْنَى عَرَضَ فَأَبْدَلَ مِنْ النُّونِ أَلِفًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إذَا عَرَضَ خَوْفُ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَحَرِيقٍ أَنْ يَشْتَرِيَ عَقَارًا نَسِيئَةً، وَيَرْهَنَ
ــ
[حاشية العبادي]
يَتَوَقَّفُوا فِي قَبُولِهِ مَعَ تَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُمْ مَجَّانًا سم
(قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) وَقِيلَ: عَلَى مَنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ) أَيْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ لَهُمْ شَرْعًا فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ أَخَذَ لِنَفَقَتِهِمْ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) لَعَلَّ مِنْهُ أَنَّ نَفَقَةَ عِيَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَقَدْ اُفْتُرِضَ لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؟ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ كَأَصْلِهِ) حَيْثُ قَدَّمَا الْقَيْدَ أَعْنِي مِنْ مَالِكِ بَيْعٍ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبِ مَالَ نَفْسِهِ) ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَمَعَ الْإِذْنِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَتَّجِهُ اشْتِرَاطُ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ إذْ الْغِبْطَةُ ظَاهِرَةٌ إلَخْ) هَلْ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّهْنِ وَيَمْتَنِعُ بِدُونِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، كَمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ نَسِيئَةً فِي مَسَائِلِ الِارْتِهَانِ الْآتِيَةِ؟ الْمُتَّجِهُ الْوُجُوبُ م ر. لَكِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ فِي شَرْحِ مِمَّنْ عَلَى الْإِيدَاعِ لَا يُسْتَأْمَنُ أَوْ يَجْحَدُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ فَالْمَذْهَبُ كَذَلِكَ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَخْ) الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَشُرُوحِهِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ وَالْمُكَاتَبِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِصْلَاحِ الضِّيَاعِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعِرَاقِيِّ رحمه الله بِرّ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ صِحَّةُ رَهْنٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ اسْتِيجَابٍ مِنْ أَهْلِ بَيْعٍ لَا وَلِيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ، إلَّا مِنْ أَمِينٍ آمِنٍ إنْ اشْتَرَى مُسَاوِيَ ثَمَنٍ وَرَهْنٍ أَوْ بِشَرْطِهِ فِي اشْتِرَاءِ عَقَارٍ لِنَهْبٍ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لِنَفَقَةٍ وَإِصْلَاحِ ضَيْعَةٍ وَإِيفَاءِ حَقٍّ إنْ اُرْتُقِبَ أَوْ غَلَاءٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ اهـ
وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ الثَّالِثَةُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الِاقْتِرَاضِ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ لِوَفَاءِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ لِإِصْلَاحِ ضِيَاعِهِ، ارْتِقَابًا لِارْتِفَاعِ غَلَّاتِهِ أَوْ لِحُلُولِ دَيْنِهِ أَوْ لِنَفَاقِ أَعْيَانِ مَالِهِ فَيَقْتَرِضُ، وَقَوْلُهُ عَنَّا أَيْ عَرَضَ وَأَحْوَجَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نَهْبٌ) عَطَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى جُمْلَةِ يُسَاوِي (قَوْلُهُ عَقَارًا نَسِيئَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّسِيئَةِ لَيْسَ لِلِاشْتِرَاطِ، بَلْ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ، بِأَنَّهُ بَاعَ وَصَبَرَ وَطَلَبَ رَهْنًا
ــ
[حاشية الشربيني]
بَعْدَ افْتِكَاكِ الرَّهْنِ ق ل. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً) أَيْ وَقَصَّرَ بِأَنْ أَيْسَرَ وَلَمْ يُوفِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْبَسُ رُوحُهُ اهـ. م ر.
(قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ نَفَقَةِ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. مَرْصَفِيٌّ. وَقَدْ دَفَعَهُ الْمُحَشِّي بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا جَرَى) لِتَضَمُّنِ الشَّرْطِ الِاسْتِيجَابَ اهـ. ق ل
(قَوْلُهُ أَوْ قَاضِيًا إلَخْ) ، كَذَا فِي شَرْحِ م ر. لَكِنْ اعْتَمَدَ زي جَوَازَ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ لِلْحَاكِمِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا غِبْطَةٍ، كَمَا فِي الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ أَوْ إنْفَاقٌ عَنَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ إنْفَاقِ عَيْنِهِ)
بِثَمَنِهِ شَيْئًا عِنْدَ مَنْ لَا يَمْتَدُّ النَّهْبُ أَوْ نَحْوُهُ إلَيْهِ، إنْ تَعَذَّرَ أَدَاءُ الثَّمَنِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَبِعْ الْعَقَارَ صَاحِبُهُ إلَّا بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ لَا يَمْتَدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ جَائِزٌ، فَهَذَا أَوْلَى.
وَأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إذَا عَرَضَ احْتِيَاجٌ إلَى اقْتِرَاضٍ أَنْ يَقْتَرِضَ وَيَرْهَنَ بِمَا أَقْرَضَهُ لِلْإِنْفَاقِ فِي مَأْكَلٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، (أَوْ لِوَفَا لَازَمِهِ) مِنْ دَيْنٍ (أَوْ مُصْلِحًا ضِيَاعَهُ) بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ: أَوْ لِإِصْلَاحِ ضِيَاعِهِ (مُرْتَقِبًا أَنْ تَرْبَحَا غَلَّاتُهُ) أَيْ: يَرْهَنُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا اقْتَرَضَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ارْتِقَابًا لِرِبْحِ غَلَّاتِ الْمُقْتَرَضِ لَهُ، (أَوْ لِحُلُولِ دَيْنِهِ) الْمُؤَجَّلِ (عَلَى سِوَاهُ أَوْ نَفَاقِ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: أَوْ لِرَوَاجِ (عَيْنِهِ) أَيْ: مَالِهِ الْكَاسِدِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ النَّهْبَ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ خَافَهُ وَفُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا مَرَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِنْفَاقِ أَوْ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الضِّيَاعِ، أَوْ احْتَاجَ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَمْ يَرْتَقِبْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَرْهَنْ، وَيَبِيعُ فِي الْأَخِيرَةِ مَا يُرِيدُ رَهْنَهُ لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ الِاقْتِرَاضِ (قُلْت) كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا:(وَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَرْهَنُوا مِمَّنْ عَلَى الْإِيدَاعِ لَا يُسْتَأْمَنُ) ، فَلَا يَرْهَنُوا إلَّا مِنْ أَمِينٍ يَجُوزُ الْإِيدَاعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُتْلِفَ الْمَرْهُونَ أَوْ يَجْحَدَهُ، (وَارْتَهَنُوا) وُجُوبًا (إنْ أَقْرَضُوا) الْمَالَ (لِلْخَوْفِ) عَلَيْهِ مِنْ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، إلَّا الْقَاضِي فَلَهُ إقْرَاضُهُ بِدُونِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ مُقَابِلَهُ، (أَوْ بَاعُوا نَسِيئَةً لِنَهْبٍ اتَّقَوْا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ ارْتِقَابًا لِرِبْحِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ لِحُلُولِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْبَحَا؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الْجَرِّ. (قَوْلُهُ وَارْتَهَنُوا وُجُوبًا إنْ أَقْرَضُوا الْمَالَ لِلْخَوْفِ إلَخْ) الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ الْجَزْمُ بِأَنَّ الِارْتِهَانَ عِنْدَ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ لِلنَّهْبِ جَائِزٌ، وَعِنْدَ الْغِبْطَةِ وَاجِبٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ: وَارْتَهَنَ وَلِيُّ طِفْلٍ بِمَا وَرِثَ وَكُلٌّ بِدَيْنٍ تَعَذَّرَ وَبِمَا أَقْرَضَ أَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا لِنَهْبٍ وَوَجَبَ أَيْ الِارْتِهَانُ لِبَيْعِ غِبْطَةٍ اهـ. قِيلَ: وَارْتِهَانُ الْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ جَائِزٌ إنْ كَانَ قَاضِيًا، وَإِلَّا فَوَاجِبٌ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْحَاوِي، فَهِيَ أَحْسَنُ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ جَائِزٌ أَيْ فِي غَيْرِ الْغِبْطَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ هُنَا فِي شَرْحِهِ وَرَوْضِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحَانِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْحَجْرِ يَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَآهُ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا هُنَا وَيَرْتَهِنُ اهـ. وَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ اتِّجَاهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَعْمِيمِ الْوُجُوبِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ وُجُوبُ الِارْتِهَانِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، بِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرْهَنَ، وَقَدْ لَا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الِارْتِهَانُ مَقْدُورًا. فَكَيْفَ يَجِبُ؟ وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الِارْتِهَانُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الِارْتِهَانِ وُجُوبُ اشْتِرَاطِهِ وَأَخْذِهِ. فَلْيُتَأَمَّلْ فَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَوْجَهُ
(قَوْلُهُ أَوْ بَاعُوا نَسِيئَةً إلَخْ) نَعَمْ إنْ بَاعَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ لِنَفْسِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ الِارْتِهَانُ، وَشَرْطُ جَوَازِ بَيْعِهِ نَسِيئَةً غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغِبْطَةِ وَالِارْتِهَانُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَمِينًا غَنِيًّا، وَالرَّهْنُ وَافِيًا بِالثَّمَنِ، وَالْأَجَلُ قَصِيرًا عُرْفًا، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَنَةٍ، وَأَنْ يُشْهِدَ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَضَمِنَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِالْإِقْبَاضِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ. نَعَمْ فِي الْبُطْلَانِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَأَقَرَّهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ جَرْيُ الْإِمَامِ فَقَالَ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ: لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ الْبُطْلَانُ. قَالَ فِي الْإِسْعَادِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمُتَّجِهُ اهـ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ كَمَا قَالَ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكِ، وَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ الْإِمَامِ بِمَلَاءَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ حَجَرٌ الْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ وَالْبُطْلَانُ بِتَرْكِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَلِيِّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَالَ النَّاشِرِيُّ نُبِّهَ فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ أَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ إلَى قَوْلِهِ: مُؤَجَّلًا بِرَهْنِ الْوَلِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُكَاتَبُ كَالْوَلِيِّ ثُمَّ فَصَّلَ فِي الْمَأْذُونِ كَانَ أَوْلَى اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ تَتَأَتَّ فِي الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تِجَارَةً، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْإِذْنُ بِخِلَافِ شِرَاءِ مَا يُسَاوِي الثَّمَنَ وَالرَّهْنَ، وَشِرَاءِ الْعَقَارِ زَمَنَ النَّهْبِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ أَمِينٍ إلَخْ) فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا وَآمِنًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَكَوْنِ الْأَجَلِ قَصِيرًا، فَشُرُوطُ الرَّهْنِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي الشَّرْحِ أَرْبَعَةٌ. (قَوْلُهُ مِنْ أَمِينٍ يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ) بِأَنْ يَكُونَ عَدْلَ رِوَايَةٍ آمِنًا أَيْ: لَا يَمْتَدُّ إلَيْهِ الْخَوْفُ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ اهـ. م ر ع ش.
(قَوْلُهُ وَارْتَهَنُوا) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ وَافِيًا وَالْإِشْهَادُ وَكَوْنُ الْأَجَلِ قَصِيرًا، فَشُرُوطُ الِارْتِهَانِ ثَلَاثَةٌ اهـ. بج. (قَوْلُهُ فَلَهُ إقْرَاضُهُ بِدُونِ ذَلِكَ) أَمَّا بِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ م ر. (قَوْلُهُ بِدُونِ ذَلِكَ) لَكِنْ لَا بُدَّ فِي إقْرَاضِهِ مَالِهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ اهـ.
أَوْ غِبْطَةً) أَيْ: أَوْ بَاعُوهُ نَسِيئَةً لِخَوْفِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ لِغِبْطَةٍ. (أَوْ دَيْنُهُ تَعَذَّرَا) عَطْفٌ عَلَى أَقْرَضُوا أَيْ: ارْتَهَنُوا إنْ أَقْرَضُوا مَالَ الْمُرْتَهِنِ لَهُ أَوْ تَعَذَّرَ دَيْنُهُ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَيْنًا وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الْحَالِ (كَالْأَرْشِ) ، فَإِنَّهُمْ يَرْتَهِنُونَ بِهِ إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، (أَوْ وُرِّثَ) مَحْجُورُ الْوَلِيِّ (دَيْنًا أُخِّرَا) أَيْ: أُجِّلَ فَيَرْتَهِنُ الْوَلِيُّ بِهِ إلَى حُلُولِهِ.
قَالَ الشَّيْخَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ إذَا خِيفَ تَلَفُ الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْعَبْدِ مَحَلُّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ سَيِّدُهُ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا، بَلْ قَالَ لَهُ: اتَّجِرْ بِجَاهِك فَلَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مُطْلَقًا، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، فَإِنْ فَضَلَ بِيَدِهِ مَالٌ كَانَ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا
. ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ عَيْنًا، وَأَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ الْمَشَاعِ بِقَوْلِهِ:(وَرَهْنُ بَعْضِ الْعَيْنِ) مَشَاعًا (مِثْلُ) رَهْنِ (الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّهَا كَبَيْعِهِ وَقَبْضِهِ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ، فَلَوْ رَهَنَ نَصِيبَهُ مِنْ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ صَحَّ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ كَبَيْعِهِ، فَلَوْ قُسِمَتْ الدَّارُ فَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَلَيْسَ كَتَلَفِ الْمَرْهُونِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، بَلْ يَغْرَمُ الرَّاهِنُ قِيمَةَ مَا رَهَنَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بَدَلُهُ.
وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الدَّيْنُ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمَنْفَعَةُ كَسُكْنَى دَارٍ سَنَةً، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا، فَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَوَثُّقٌ وَالْكَلَامُ فِي إنْشَاءِ الرَّهْنِ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا بِلَا إنْشَاءٍ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَإِنَّ بَدَلَهُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ رَهْنٌ فِي الْأَصَحِّ لِامْتِنَاعِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَيْنِ أَوْ بَعْضِهَا (إنْ قُبِلَتْ بَيْعًا لَدَى الْمَحَلِّ) أَيْ: عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهَا فَاسْتِيفَاؤُهُ مَقْصُودُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ أَوْ غِبْطَةٍ) عَطْفٌ عَلَى نَهْبٍ (قَوْلُهُ فَيَرْتَهِنُ الْوَلِيُّ) أَيْ وُجُوبًا حَجَرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ صُوَرِ الِارْتِهَانِ وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ وُجُوبُهُ حَيْثُ قِيلَ بِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَخَفْ تَلَفَهُ، وَإِلَّا تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرِ مِنْ دِينَارٍ إلَى مِائَةٍ شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَتَجْرِي الْمُهَايَأَةُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ كَالشَّرِيكَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ أَيْ فِي الْقَبْضِ، إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَتَنَازَعَا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ وَيُؤَجِّرُهُ اهـ. وَقَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ إلَخْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَلَوْ قُسِمَتْ الدَّارُ) لِعِلَّةٍ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي مَنْفَعَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ إلَخْ) أَيْ وَلَا يُنَافِي أَيْضًا كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ رَهْنًا بِلَا إنْشَاءٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ مَدْيُونٌ مُسْتَحِقًّا الْمَنْفَعَةَ فَهِيَ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ بِرّ
(قَوْلُهُ إنْ قُبِلَتْ بَيْعًا لَدَى الْمَحَلِّ) يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ رَهْنِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً، بَلْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ رَهْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا أَيْضًا لِصِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ، وَكَذَا لِغَيْرِهِ إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ
ــ
[حاشية الشربيني]
تَقْرِيرٌ.
(قَوْلُهُ سُقُوطَ الدَّيْنِ) أَيْ حَيْثُ سَاوَى قِيمَةَ الْمَرْهُونِ، وَيُطَالَبُ الرَّاهِنُ بِمَا زَادَ إنْ نَقَصَ، كَذَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ اهـ. مَرْصَفِيٌّ
(قَوْلُهُ عَيْنًا) أَيْ: وَلَوْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ اهـ. ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ، وَقَطَعَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِجَوَازِ رَهْنِ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى الْوَسِيطِ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ مَحْسُوسٍ، فَلَا يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ اهـ. نَاشِرِيٌّ وَقَوْلُ ح ل خِلَافًا لِلْإِمَامِ اعْتَمَدَ حَجَرٌ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَقَالَةَ الْإِمَامِ إلَّا إذَا وَقَعَ الرَّهْنُ تَابِعًا لِبَيْعٍ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَصْفِ لِلتَّبَعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ) وَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ كَالْبَيْعِ اهـ. بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مِمَّنْ عَلَيْهِ) وَلَا يُشْكِلُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ هُنَا لَا يَتَنَاوَلُ مَا تَنَاوَلَ الْعَقْدَ وَلَا مُسْتَحِقًّا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ مُسْتَحِقًّا بِالْعَقْدِ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الدَّيْنِ، وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ عَلَى قَوْلِ الْمَحَلِّيِّ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ إيضَاحُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَقَبْضُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ هُنَا لَا يُصَادِفُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ أَخْذِ الْمَالِكِ لَهُ وَإِذَا أَخَذَهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا يُصَادِفُ أَيْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ دَيْنٌ لَا عَيْنٌ. (قَوْلُهُ فِي إنْشَاءِ الرَّهْنِ) فَالْمَذْكُورُ خَرَجَ بِالرَّهْنِ الْجَعْلِيَّ اهـ. ع ش (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ) وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ تَرِكَةٌ دَيْنٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاَلَّذِي لَهُ يَكُونُ مَرْهُونًا بِمَا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ لَدَى الْمَحَلِّ) ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ قَبُولُهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ دُونَ الرَّهْنِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي
الرَّهْنِ أَوْ مِنْ مَقَاصِدِهِ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ كَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ قِصَاصٌ لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ.
لَكِنْ لَوْ شُرِطَ رَهْنُهُمَا فِي بَيْعٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِحَالِهِمَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، إذَا عَلِمَ بِحَالِهِمَا (غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِوَصْفِ عِتْقُهُ إنْ يَحْتَمِلْ عَلَى الْحُلُولِ سَبْقُهُ) أَيْ: صِحَّةُ الرَّهْنِ بِمَا ذُكِرَ حَالَةَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ غَيْرَ مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُحْتَمَلُ سَبْقُهُ حُلُولَ الدَّيْنِ، كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ لِلْغَرَرِ، وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُعْلَمُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ لِفَوَاتِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْحُلُولِ، أَمَّا رَهْنُهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ فَصَحِيحٌ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ حَتَّى وَجَدَ الْوَصْفَ، فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا بِحَالِ التَّعْلِيقِ، وَكَلَامُهُ كَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الرَّهْنِ إذَا عُلِمَ مُقَارَنَةُ الْوَصْفِ الْحُلُولَ أَوْ احْتَمَلَ الْمُقَارَنَةَ وَالتَّأَخُّرَ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِيهِمَا لَا يُحْتَمَلُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْبُطْلَانُ.
وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: يُحْتَمَلُ مُقَارَنَتُهُ لِيَبْطُلَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهَا أَوْ بِالسَّبْقِ أَوْ بِإِمْكَانِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، (وَلَا مُكَاتَبٍ وَ) لَا (مَا لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ وَ) لَا (الْمَوْقُوفِ) ، فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، (وَ) لَا (الْمُدَبَّرِ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ لِلْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، إذْ قَدْ يَمُوتُ السَّيِّدُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِهِ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ فَجْأَةً قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ بَيْعِهِ، وَقَوَّى فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُ فِي الدَّلِيلِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ مُشْكِلٌ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْأَصْحَابُ نَظَرُوا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ إلَى مَعْنًى أَوْجَبَ لَهُمْ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ خُرُوجُ الْوَثِيقَةِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَ الْحَمْلِ، فَاسْتَثْنَوْا الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ بِأَجَلٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَعَلَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ، بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُدَبَّرِ آكَدُ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ.
وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ: بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَالشَّافِعِيُّ نَظَرَ فِيهِمَا إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُمَا الْعِتْقَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمَا عَنْ مِلْكِهِ
، (وَإِنْ لَهُ) أَيْ: لِلرَّهْنِ (اسْتَعَارَ) ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثُّقٌ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لَا يُمْلَكُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ.
(وَاشْرُطْ ذِكْرَهُ صِفَاتِ دَيْنٍ جِنْسَ دَيْنٍ قَدْرَهُ) أَيْ: وَاشْرُطْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فِي الْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ أَنْ يَذْكُرَ لِلْمُعِيرِ صِفَاتِ الدَّيْنِ الَّذِي يَرْهَنُ بِهِ، كَكَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ مُكَسَّرًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا، وَجِنْسَهُ كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقَدْرَهُ كَعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةٍ. (وَذَا ارْتِهَانٍ) أَيْ: وَالْمُرْتَهِنَ كَكَوْنِهِ زَيْدًا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (إنْ يُخَالِفْ) أَيْ: الْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (بَطَلَا)
ــ
[حاشية العبادي]
وَالْمُوصَى لَهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ لِلْغَرَرِ) بِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ هَلَّا تَبَيَّنَ صِحَّتَهُ إذَا تَبَيَّنَ التَّأْخِيرَ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُعُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ غَرَرٌ
(قَوْلُهُ وَفُهِمَ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِوَصْفٍ يُعْلَمُ سَبْقُهُ الْحُلُولَ) لَوْ شُرِطَ بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الْمُرْشِدِ: بِصِحَّةِ الرَّهْنِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي رَهْنِ مَا يَفْسُدُ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَلَا يُجَفَّفُ بِرّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ) قَيَّدَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُلُولِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَهُوَ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ) الْمُعْتَمَدُ الْعِتْقُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الرَّوْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ التَّعْلِيقِ م ر. (قَوْلُهُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْبُطْلَانُ) اعْتَمَدَهُ م ر
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَهُ اسْتَعَارَ) شَامِلٌ لِاسْتِعَارَةِ النَّقْدِ فَيَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ لِرَهْنِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لَا يُقَالُ: شَرْطُ الْعَارِيَّةِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَهَذَا يُوفَى مِنْهُ الدَّيْنُ فَيَتْلَفُ فَلَمْ يَكُنْ الِانْتِفَاعُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُنْتَفَعُ هُنَا بِالْعَارِيَّةِ بِالتَّوَثُّقِ، وَهُوَ يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا تَلَفُهَا بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ اسْتِعَارَةُ غَيْرِ النَّقْدِ لِلرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتْلَفُ بِبَيْعِهِ وَالتَّوْفِيَةِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْوَفَاءِ وَكَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ الْمَرْهُونِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوفَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِبَيْعِهِ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِ الْغَيْرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
مَسْأَلَةٍ خِلَافِيَّةٍ، وَهِيَ رَهْنُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا جَوَّزْنَاهُ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي رَهْنِ الْجَارِيَةِ دُونَ وَلَدِهَا إذَا قُلْنَا: تُبَاعُ وَحْدَهَا وَيُقَالُ: هَذِهِ التَّفْرِقَةُ ضَرُورِيَّةٌ اهـ. نَاشِرِيٌّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ) أَيْ: وَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصْفِ أَوْ كَانَ حَالًّا. (قَوْلُهُ كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ) فَيَنْفُذُ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ. اهـ. م ر
(قَوْلُهُ وَقَوَّى فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ قَالَ: إنَّهُ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ هُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَازَ رَهْنُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الضَّرَرِ كُلَّ لَحْظَةٍ بِمَوْتِ السَّيِّدِ فَجْأَةً قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فَيَكُونُ الْغَرَرُ فِيهِ أَقْوَى اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ.
(قَوْلُهُ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَقَدْرِ الْأَجَلِ عَلَى مَا لسم بِالْهَامِشِ. (قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ)
أَيْ: الرَّهْنُ لِلْمُخَالَفَةِ (إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ) الْمُعَيَّنِ مِنْ الدَّيْنِ، فَلَا يَبْطُلُ بِهِ لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ فِي ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ، (لَا لِيَجْعَلَا رَهْنًا لِوَاحِدٍ فَمِنْ شَخْصَيْنِ) أَيْ: لَا إنْ اسْتَعَارَهُ لِيَجْعَلَهُ رَهْنًا مِنْ وَاحِدٍ فَجَعَلَهُ رَهْنًا مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ.
(وَ) كَذَا (عَكْسُهُ) بِأَنْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَرَهَنَهُ مِنْ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخِرِ فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ، وَقَوْلُهُ: لَا لِيَجْعَلَا إلَى آخِرِهِ تَبِعَ فِي ذِكْرِهِ الْحَاوِيَ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي نَقْصِ الْقَدْرِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهِ؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُمَا بِالْقَدْرِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ الْعَهْدِيَّةِ يُفِيدُ: أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ قَدْرِ الدَّيْنِ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ دَاخِلٌ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ سَلِمَ دُخُولُهُ فِيهِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَا: لَا لِيَرْهَنَ مِنْ اثْنَيْنِ فَرَهَنَ مِنْ وَاحِدٍ لِيَكُونَ نُقْصَانُ قَدْرٍ أُخْرِجَ مِنْ نُقْصَانِ قَدْرٍ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ عَكْسِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْمُخَالَفَةِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْإِعَارَةُ لِلرَّهْنِ (ضَمَانُ الدَّيْنِ) أَيْ: ضَمَانُ الْمُعِيرِ لِدَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، بَلْ (فِي رَقْبَةِ الْمَرْهُونِ) بِإِسْكَانِ الْقَافِ لِلْوَزْنِ، فَإِنَّهُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ، (وَالرُّجُوعُ) لِلْمُعِيرِ عَنْ الْعَارِيَّةِ وَلِلْمُسْتَعِيرِ عَنْ الرَّهْنِ (إنْ يَقْبِضَنْ مُرْتَهِنٌ) الْمُعَارَ (مَمْنُوعُ) ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى، إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ لِعَدَمِ تَمَامِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ
(وَإِنْ جَنَى) الْمُعَارُ الْمَرْهُونُ (فِي يَدِهِ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فَبِيعَ فِي جِنَايَةٍ) أَيْ: جِنَايَتِهِ (فَمُهْدَرٌ) فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ، وَلَا الرَّاهِنُ إذْ لَمْ يَسْقُطْ الْحَقُّ عَنْ ذِمَّتِهِ (كَالتَّلَفِ) أَيْ: كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ أَدَاءِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَا الرَّاهِنُ لِذَلِكَ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الضَّمَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ فِي الرَّهْنِ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ.
(وَيَأْمُرُ الْمُعِيرُ، وَهُوَ مَنْ ضَمِنْ) أَيْ: الدَّيْنَ (رَاهِنَهُ) أَيْ: رَاهِنَ الْمُعَارِ (بِفَكِّهِ)، وَيُجْبِرُهُ عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ (وَ) يَأْمُرُ أَيْضًا (الْمُرْتَهِنْ بِرَدِّ رَهْنٍ أَوْ طُلَّابِ الدَّيْنِ) أَيْ: بِرَدِّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ أَوْ بِطَلَبِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّاهِنِ لِيُوفِيَ فَيَنْفَكَّ الرَّهْنُ، كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَمَاتَ الْأَصِيلُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إمَّا أَنْ تُطَالِبَ بِحَقِّك مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ تُبْرِئَنِي.
وَقَوْلُهُ: (مَعْ حُلُولِهِ) أَيْ: الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا ثُمَّ حَلَّ. قَيْدٌ فِي مَسْأَلَتَيْ أَمْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِذَلِكَ كَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا لَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِتَعْجِيلِ أَدَائِهِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، وَلَا صَاحِبَ الدَّيْنِ بِإِبْرَائِهِ أَوْ بِطَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ
ــ
[حاشية العبادي]
لِنَفْسِهِ اهـ. وَهُوَ مُرَادُ الشَّيْخِ، وَذَلِكَ الْمُثَمَّنُ لِلْمُعِيرِ وَالثَّمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ بِرّ. (قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ) اقْتَضَى هَذَا الْكَلَامُ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ لِيَرْهَنَ عَلَى عَشَرَةٍ صَحِيحَةٍ فَرَهَنَ عَلَى عَشَرَةٍ مُكَسَّرَةٍ يَبْطُلُ، وَقَدْ يُلْتَزَمُ ذَلِكَ بِرّ
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ) ، وَلَوْ أُتْلِفَ أُقِيمَ بَدَلُهُ مَقَامَهُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا كَإِعْتَاقِ الْمَرْهُونِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ) شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلِمَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ اهـ. لَكِنْ لَوْ كَانَ تَلَفُهُ فِي يَدِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، بِأَنْ أَنَابَهُ فِي وَضْعِ الْيَدِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَتْ يَدَ عَارِيَّةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ فِيهَا بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ فَيَنْبَغِي الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ يَدِهِ حِينَئِذٍ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ حُكْمُ الضَّمَانِ) أَيْ ضَمَانِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَالَ م ر: وَالضَّابِطُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ أَحَقَّ جَازَ إنْ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمَا لَوْ اسْتَعَارَ لِيَرْهَنَ مِنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَرَهَنَ مِنْ ثِقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ كَسُهُولَةِ مُعَامَلَةِ غَيْرِ الثِّقَةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا بِنَقْصِ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الدَّيْنِ) قَالَ ز ي: أَوْ مِنْ الْأَجَلِ وَعَزَاهُ لِلرَّمْلِيِّ وَخَالَفَهُ سم؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي تَطْوِيلِ الْأَجَلِ لِيَحْضُرَ لَهُ مَالٌ فَيَفْتَكَّ مِلْكَهُ اهـ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت سم كَتَبَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ ق ل بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ م ر، وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ دَاخِلٌ فِي الْمُخَالَفَةِ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ ذِي الِارْتِهَانِ مِنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَكَوْنِهِ زَيْدًا مِثَالٌ. (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ لِلرَّهْنِ ضَمَانُ الدَّيْنِ أَيْ مَعَهَا ضَمَانُ الدَّيْنِ أَيْ: الْمُغَلَّبُ فِيهَا ضَمَانُهُ فِي رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ لَا فِي ذِمَّةِ الْمُعِيرِ، فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاءٌ، لَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ إلَخْ أَيْ: الْإِعَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ الْمَرْهُونِ وَقِيلَ: بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا عَارِيَّةً قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ الْقَوْلَانِ فِي التَّمَحُّضِ عَارِيَّةً أَوْ ضَمَانًا، بَلْ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ إذَا تَلِفَ ضَمَانَ الْعَوَارِيِّ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَارِيَّةٌ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الصِّفَاتِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَعْدَهُ ضَمَانٌ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِهِ: وَهِيَ ضَمَانُ الدَّيْنِ عَلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ قَبْضِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا عَارِيَّةً اهـ. مِنْ الْمَحَلِّيِّ وَقِ ل وَالشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِنَا فَكَانَ الْأَوْلَى إلَخْ
(قَوْلُهُ لِذَلِكَ) أَيْ: لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالرَّاهِنُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَقَّ عَنْ ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ مِنْ الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ
(ثُمَّ لْيُرَاجَعْ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ: الْمُعِيرُ لِيَبِيعَ الْمُعَارَ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ، (وَلْيُبَعْ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الْمُعِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِيعَ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يُؤَدِّ رَاهِنٌ) الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا لَوْ ضَمِنَ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يُطَالَبُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ مُوسِرًا (وَبِالثَّمَنْ) أَيْ: الَّذِي بِيعَ بِهِ الْمَرْهُونُ لَا بِقِيمَتِهِ.
(يَرْجِعُ مَالِكٌ) لِلْمَرْهُونِ (عَلَى مَنْ قَدْ رَهَنْ) كَمَا أَنَّ الضَّامِنَ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ لَا بِقِيمَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ ثَمَنُ مِلْكِهِ، وَقَدْ صَرَفَهُ إلَى دَيْنِ الرَّاهِنِ سَوَاءٌ بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِأَكْثَرَ أَمْ بِأَقَلَّ، بِقَدْرٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ بِدَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِيعَ فِيهِ لَمْ يَرْجِعْ الرَّاهِنُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الضَّمَانِ بِغَيْرِ إذْنٍ. (وَ) قَوْلُ الْمَدْيُونِ لِغَيْرِهِ:(ارْهَنْ بِدَيْنِي مِنْ فُلَانٍ) عَبْدَك (ذَا) مَثَلًا، (جُعِلْ) ذَلِكَ (كَقَبْضِهِ وَرَهْنِهِ إنْ امْتُثِلْ) ذَلِكَ الْقَوْلَ فَيَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا، لَكِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ.
(وَإِنَّمَا يُجَوِّزُونَ رَهْنَ مَا يَأْبَى) أَيْ: مَا لَا يَقْبَلُ (الْجَفَافَ) كَالْمَرَقَةِ، (وَالْفَسَادُ عُلِمَا) أَيْ: وَالْحَالَةُ أَنَّهُ يُعْلَمُ فَسَادُهُ (قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ) أَوْ مَعَهُ، (مَعَ شَرْطِ أَنْ يُبَاعَ إذْ ذَاكَ) يَعْنِي: وَقْتَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ (وَ) أَنْ (يُرْهَنَ الثَّمَنْ) أَيْ: الَّذِي بِيعَ بِهِ (مَكَانَهُ) .
وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ كَيْ لَا تَفُوتَ الْوَثِيقَةُ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا بِغَيْرِ عَقْدٍ، فَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا يُبَاعَ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ مَقْصُودَ التَّوَثُّقِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُشْرَطْ هَذَا وَلَا ذَاكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ عِنْدَ الْحُلُولِ، وَالْبَيْعُ قَبْلَهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الرَّهْنِ وَقِيلَ: يَصِحُّ وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ
ــ
[حاشية العبادي]
الْمُعِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ بِدَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ) اعْتَمَدَهُ م ر.
ــ
[حاشية الشربيني]
وَصَارَ الْحُكْمُ حُكْمَ الضَّمَانِ، فَلَا يَضْمَنُ الرَّاهِنُ، إلَّا إنْ سَقَطَ الْحَقُّ عَنْهُ كَالْمَضْمُونِ اهـ. شَرْحُ إرْشَادٍ مَعْنًى. (قَوْلُهُ ثُمَّ لِيُرَاجَعْ) أَيْ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ الرَّاهِنِ وَامْتِنَاعِهِ اهـ. ق ل وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ هُنَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَخْ. (قَوْلُهُ وَبِالثَّمَنِ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قَدْرَهَا أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ بِهِ، وَمُرَادُهُ بِالثَّمَنِ قَدْرُ بَدَلِهِ، وَإِلَّا فَالثَّمَنُ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ وَيُرْجَعُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مِثْلِيًّا اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ بِقَدْرٍ إلَخْ) إنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَالِكُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِلَّا جَازَ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْجَوَازِ إنْ لَمْ يَفِ مَا أُذِنَ فِيهِ بِالدَّيْنِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُتَغَابَنَ بِهِ إنَّمَا يُغْتَفَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْإِتْلَافَاتِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَهُ إلَخْ) مِثْلُهُ مَا إذَا أُدِّيَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ الْمَرْهُونِ، بِلَا إذْنِ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ أَدَائِهِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّارِحِ وَنَصَّ عَلَيْهِ م ر
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا يَأْبَى إلَخْ) حَاصِلُ مَا تَضْمَنَّهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ أَنَّ مَا أَسْرَعَ فَسَادُهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ كَالْمَرَقَةِ، وَتَحْتَهُ صُوَرٌ، أَنْ يُرْهَنَ بِحَالٍّ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ، وَيُعْلَمُ عَدَمُ فَسَادِهِ أَوْ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بَعْدَ الْحُلُولِ، أَوْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَفْسُدُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَصِحُّ مُطْلَقًا أَوْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَحِلُّ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يُبَاعَ عِنْدَ إشْرَافِهِ عَلَى الْفَسَادِ، وَيَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ صَحَّ رَهْنُهُ مُطْلَقًا، لَكِنْ فِيمَا إذَا رُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ لَا يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ، بِأَنْ كَانَ يَحِلُّ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ الْبَيْعَ، وَجَبَ تَجْفِيفُهُ عَلَى مَالِكِهِ الْمُجَفِّفِ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ مُعِيرًا لِلرَّهْنِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا عَدَا هَذِهِ يُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، فَإِنْ طَرَأَ فَسَادٌ مَا وَجَبَ بَيْعُهُ أَيْضًا، وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا اهـ. وَقَوْلُنَا: أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَحِلُّ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَفْهُومُهُ مِمَّا فِي الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَحَدُ شِقَّيْهَا، وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الشَّرْطُ فَلْيَجِبْ إذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَمَّا وَجَبَ الشَّرْطُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ حَجَرٌ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
(قَوْلُهُ قَبْلَ حُلُولِ دَيْنِهِ) أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَحِلُّ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَعَهُ) يَنْبَغِي أَوْ بَعْدَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ بَيْعَهُ (قَوْلُهُ وَقْتَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ) فَلَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّتِهِ مِنْ الْبَيْعِ وَقْتَ الْحُلُولِ أَصَالَةً اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَبَحَثَ سم خِلَافَهُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَأَنْ يُرْهَنَ إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَكَوْنُ الثَّمَنِ رَهْنًا لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَيَلْزَمَ الْوَفَاءُ إلَخْ) وَلِلْمُرْتَهِنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَيْعُهُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ اكْتِفَاءً بِالشَّرْطِ السَّابِقِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى فَسَدَ ضَمِنَهُ اهـ. شَيْخُنَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ: يَصِحُّ وَيُبَاعُ إلَخْ) وَيَكُونُ ثَمَنُهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا رَهْنًا بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ خَوْفَ الْفَسَادِ لَمَّا اُضْطُرِرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الْبَيْعُ كَأَنَّهُ لَمْ
إفْسَادَ مَالِهِ، وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ.
وَمَيْلُ غَيْرِهِمْ إلَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِنَقْلِ الرَّافِعِيِّ لَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْ رَهْنَ ثَمَنِ مَا ذُكِرَ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا رَهْنُ مَا يُجَفَّفُ كَرُطَبٍ أَوْ مَا لَا يُجَفَّفُ وَرُهِنَ بِحَالٍّ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ، وَعُلِمَ فَسَادُهُ بَعْدَ الْحُلُولِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَفْسُدُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ فَصَحِيحٌ مُطْلَقًا، وَوَجْهُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَى ذَاكَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا، فَإِنْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ أَوْ وُفِّيَ مِنْ غَيْرِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:(وَهَكَذَا يُفْعَلُ) بِغَيْرِ مَا مَرَّ بَعْدَ رَهْنِهِ أَيْ: يُبَاعُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، (إنْ طَرَا فَسَادُ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَا لَا يُجَفَّفُ وَعُلِمَ فَسَادُهُ قَبْلَ الْحُلُولِ، بِأَنْ كَانَ يُجَفَّفُ أَوْ لَا يُجَفَّفُ، وَعُلِمَ عَدَمُ فَسَادِهِ أَوْ عُلِمَ فَسَادُهُ بَعْدَ الْحُلُولِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ.
وَلَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِذَلِكَ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْآبِقَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ (مِمَّا رُهِنْ) بَيَانٌ لِغَيْرِهِ. (بِثَابِتٍ) لَفْظُ ثَابِتٍ سَاقِطٌ مِنْ أَكْثَرِ نُسَخِ الْحَاوِي قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يُغْنِي عَنْهُ ذِكْرُ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مَعْنَاهُ الْوُجُودُ فِي الْحَالِ، وَاللُّزُومُ وَعَدَمُهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَى وُجُودِ الدَّيْنِ كَمَا يُقَالُ:
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ أَمَّا رَهْنُ مَا يُجَفَّفُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْغَيْرُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: إنْ طَرَأَ فَسَادُ غَيْرِهِ لَكِنَّ غَرَضَ الشَّارِحِ هُنَا بَيَانُ صِحَّةِ الرَّهْنِ مُطْلَقًا، وَغَرَضَ الْمَتْنِ فِيمَا يَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ الْفَسَادُ فَهُمَا مَقَامَانِ مُخْتَلِفَانِ. (قَوْلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ) وَفَارَقَتْ هَذِهِ نَظِيرَتَهَا السَّابِقَةَ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُحْتَمَلُ سَبْقُهَا الْحُلُولَ وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ إنْ طَرَأَ فَسَادٌ) أَيْ أَشْرَفَ عَلَى الْفَسَادِ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ يُجَفَّفُ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يُجَفَّفُ يَصِحُّ رَهْنُهُ وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يُجَفَّفُ فَقَالَ: لَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فُعِلَ اهـ. (قَوْلُهُ حَيْثُ قُلْنَا: مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ) بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، وَإِنْ حَصَلَتْ الْإِجَازَةُ وَلَا تَتَبَيَّنُ الصِّحَّةُ مَعَ تَبَيُّنِ مِلْكِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ) مَفْهُومُهُ صِحَّةُ الرَّهْنِ بِالزَّكَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَهُوَ مَا جُزِمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّهُ إنْ تَلِفَ الْمَالُ لِيَكُونَ دَيْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ دَيْنٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ جَزْمُ الرَّوْضِ بِعَدَمِ
ــ
[حاشية الشربيني]
يُوجَدْ، وَصَارَ دَوَامُ الرَّهْنِ مُسْتَصْحَبًا وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ دَوَامُهُ عَلَى الثَّمَنِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِإِنْشَاءٍ اهـ. حَاشِيَةُ حَجَرٍ عَلَى شَرْحِ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ) نَقَلَهُ ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ رُهِنَ مَا يُجَفَّفُ) وَإِذَا رُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ لَا يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ وَجَبَ تَجْفِيفُهُ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَكُونُ رَهْنًا بِدُونِ شَرْطٍ، فَإِنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِسْنَوِيِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَفْسُدُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ) هَذَا صَادِقٌ بِأَنْ اُحْتُمِلَ حُلُولُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسَادِ وَمَعَهُ أَوْ وَبَعْدَهُ، أَوْ وَهُمَا مَعًا أَوْ مَعَهُ وَبَعْدَهُ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: شُرِطَ بَيْعُهُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ، وَأَمَّا إذَا شُرِطَ مَنْعُ بَيْعِهِ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْفَسَادِ هُنَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّتِهِ، إذْ لَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ لَهُ بَعْدَ حُلُولِ دَيْنِهِ. (قَوْلُهُ أَيْ يُبَاعُ) أَيْ وُجُوبًا حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ، شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ، وَقَدْ قَالَ م ر وَقِ ل عَلَى الْجَلَالِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ إذَا رُهِنَ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، وَبِيعَ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ: أَنَّهُ يُجْعَلُ رَهْنًا فِيهِمَا بِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ أَيْ: لِعَدَمِ الشَّرْطِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْجَعْلِ وَحِينَئِذٍ فَبَاقِي صُوَرِ عَدَمِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْجَعْلُ وَاجِبٌ كَمَا فِي ع ش.
قَالَ لَكِنْ لَوْ بَادَرَ قَبْلَ الْجَعْلِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَنْفُذْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِرَهْنِهِ لَهُ الْتَزَمَ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَبَيْعُهُ يُفَوِّتُ مَا الْتَزَمَهُ فَكَانَ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ، لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ مَعَ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ وَعِبَارَةُ ق ل: وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ إنْشَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا لِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ هُنَا يَحْتَاجُ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ إلَى إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ اهـ. وَإِنَّمَا احْتَاجَ هُنَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْإِذْنِ.
(قَوْلُهُ أَوْ لَا يُجَفَّفُ وَعُلِمَ عَدَمُ فَسَادِهِ) تَرَكَ مَا إذَا رُهِنَ بِحَالٍّ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ وَيُوفَى مِنْهُ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا. (قَوْلُهُ وَعُلِمَ فَسَادُهُ بَعْدَ الْحُلُولِ) أَيْ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ عَادَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِذَلِكَ) ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ سَابِقًا وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) وَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَنْفَسِخُ حُكْمُ الرَّهْنِ أَيْ: لَا يَبْطُلُ، وَهُوَ بَعِيدٌ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مَعْنَاهُ الْوُجُودُ إلَخْ) قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ حَاصِلُهُ أَنَّ الدُّيُونَ
دَيْنُ الْقَرْضِ لَازِمٌ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى الدَّيْنِ اللَّازِمِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا سَيَقْتَرِضُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ وَهُمَا وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ يُحْتَرَزُ بِهِمَا عَنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِثَابِتٍ (مِنْ كُلِّ دَيْنٍ يَلْزَمَنْ) أَيْ: لَازِمٍ كَالثَّمَنِ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ (أَوْ أَصْلُهُ لُزُومُهُ) أَيْ: أَوْ الْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ (نَحْوَ الثَّمَنْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِرًّا أَمْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قُلْنَا: مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الثَّمَنِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ.
وَدَخَلَ فِي الدَّيْنِ الْمَنَافِعُ فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا وَيُبَاعُ الْمَرْهُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَتَحْصُلُ الْمَنَافِعُ بِثَمَنِهِ، وَخَرَجَ بِهِ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً كَانَتْ أَوْ أَمَانَةً، وَمَنَافِعُهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ، فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ.
وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ، بِأَنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجُرُّ إلَى ضَرَرٍ إذَا لَمْ تُتْلَفْ بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِهَا، فَإِنَّهُ يَجُرُّ إلَى ضَرَرِ دَوَامِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ، وَبِأَنَّ الضَّامِنَ لِلْعَيْنِ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا، فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالضَّمَانِ، وَحُصُولُهَا مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ لَا يُتَصَوَّرُ وَبِالثَّابِتِ غَيْرُهُ كَثَمَنِ مَا سَيَشْتَرِيهِ، وَالزَّكَاةُ وَالدِّيَةُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ، وَبِاللَّازِمِ أَوْ أَصْلِهِ اللُّزُومُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَجُعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْعَمَلِ كَمَا صُرِّحَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ:(لَا نَجْمٍ) بِالْجَرِّ أَيْ: يَصِحُّ الرَّهْنُ بِثَابِتٍ لَازِمٍ أَوْ أَصْلُهُ اللُّزُومُ لَا بِنَجْمٍ (عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
الصِّحَّةِ م ر وَحَيْثُ قُلْنَا: بِالصِّحَّةِ فَهَلْ الْمُرَادُ الرَّهْنُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ إنْ انْحَصَرَ؟ أَوْ مِنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ؟ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ
ــ
[حاشية الشربيني]
تُوصَفُ فِي ذَاتِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِدَيْنٍ مُعَيَّنٍ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ، فَيُقَالُ: دَيْنُ الْقَرْضِ ثَابِتٌ لَازِمٌ، وَثَمَنُ الْمَبِيعِ كَذَلِكَ وَتُوصَفُ بِالنَّظَرِ لِدَيْنٍ مُعَيَّنٍ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَمَا يُرِيدُ أَنْ يُقْرِضَهُ زَيْدٌ لِعَمْرٍو لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِ عَقْدِ الْقَرْضِ حَقِيقَةً، وَيُوصَفُ بِالثُّبُوتِ بِحَسْبِ الْمَآلِ مَجَازًا، وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ أَيْ الْوُجُودِ حَقِيقَةً، وَبِاللُّزُومِ فِي الْمَآلِ مَجَازًا، وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً، وَكَذَا ثَمَنُ مَا يَبِيعُهُ زَيْدٌ لِعَمْرٍو فَقَبْلَ وُقُوعِ الْعَقْدِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ، وَبَعْدَهُ مَعَ الْخِيَارِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ حَقِيقَةً وَبِاللُّزُومِ بِحَسْبِ الْمَآلِ مَجَازًا، وَبِلَا خِيَارٍ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَبَعْدَ الْقَبْضِ يُوصَفُ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ حَقِيقَةً. الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ هُنَا لُزُومُ الْقَرْضِ ذِمَّةَ الْمُقْتَرِضِ فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لَا مَا قَابَلَ الْجَوَازَ، وَإِلَّا فَالْقَرْضُ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ، وَالثَّمَنُ مُدَّةَ الْخِيَارِ لَا لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ يُقَالُ لَهُ: غَيْرُ لَازِمٍ بِالْمَعْنَيَيْنِ، فَلَا يُطَالَبُ بِهِ الْبَائِعُ وَهُوَ جَائِزٌ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ آيِلٌ لِلُزُومِ مُقَابِلِ الْجَوَازِ وَلَازِمٌ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ، فَلِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَالِارْتِهَانُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. بَقِيَ أَنَّهُ أَوْرَدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَفْرَادِ الدَّيْنِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، إلَّا مَا تَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ وَلَا لِلُزُومِهِ، إلَّا وُجُوبُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ بِشَرْطِهِ، فَلَا يَصْدُقُ الدَّيْنُ وَاللَّازِمُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْجُودِ، وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مَا يَسْتَقْرِضُهُ يُسَمَّى دَيْنًا مَجَازًا، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ كَمَا يُقَالُ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُسْلِمٌ بِحَسْبِ الْمَفْهُومِ دُونَ الْأَفْرَادِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا، إذْ لَا مَعْنَى لِلدَّيْنِ، إلَّا مَا تَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ وَلَا لِلُزُومِهِ إلَّا وُجُوبُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ بِشَرْطِهِ، فَلَا يَصْدُقُ الدَّيْنُ وَلَا اللُّزُومُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْجُودِ سم. وَيُدْفَعُ، بِأَنَّ الدَّيْنَ وَاللَّازِمَ يُحْتَمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَجَازًا لِأَوَّلٍ فَاحْتُرِزَ عَنْهُ بِالثَّابِتِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمَوْجُودُ حَالًا. (قَوْلُهُ بِعُذْرٍ مِنْ الْخِيَارِ) هَذَا مَا لَمْ يَمْزُجْ الرَّهْنَ بِالْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي بِكَذَا وَارْتَهَنْت الثَّوْبَ بِهِ فَيَقُولُ: اشْتَرَيْت وَأَرْهَنْت، فَإِنَّهُ يَصِحُّ سَوَاءٌ اُشْتُرِطَ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ خِيَارٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَعَلَّهُمْ اسْتَثْنَوْا هَذَا مِنْ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَالْأُجْرَةِ) أَيْ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ يَلْزَمُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ) أَيْ لِيَظْهَرَ مِلْكُهُ لَهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى اللُّزُومِ. (قَوْلُهُ وَمَنَافِعُهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهَا إنَّمَا تُسْتَوْفَى مِنْ الْعَيْنِ لَا مِنْ غَيْرِهَا، فَإِذَا تَلِفَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي الرَّهْنِ اهـ. م ر بِزِيَادَةٍ. (قَوْلُهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ بَاقِيَةً، وَجَبَ رَدُّهَا وَإِنْ رُهِنَ عَلَى بَدَلِهَا إنْ تَلِفَتْ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى مَا لَمْ يَجِبْ اهـ. قُوَيْسَنِيٌّ اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ) ، أَمَّا بَعْدَهُ فَإِنْ
مُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِلتَّوَثُّقِ وَالْمُكَاتَبُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ النَّجْمِ مَتَى شَاءَ فَلَا مَعْنَى لِتَوْثِيقِهِ.
(وَالْجُعْلُ) أَيْ: وَلَا يَجْعَلُ الْجَعَالَةَ (مَا لَمْ يَكْمُلَا) أَيْ: الْعَمَلُ، وَإِنْ شُرِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِعَاقِدَيْهَا فَسْخَهَا فَيَسْقُطُ بِهِ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَزِمَ الْجَاعِلَ بِفَسْخِهِ وَحْدَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَمَلِ، وَفَارَقَ الرَّهْنَ بِالثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِأَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ، وَقَدْ تَمَّ بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعْلِ، وَهُوَ الْعَمَلُ، وَبِأَنَّ الثَّمَنَ وَضْعُهُ عَلَى اللُّزُومِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْجُعْلِ، بَلْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ. وَخَرَجَ بِمَا لَمْ يَكْمُلْ مَا إذَا كَمُلَ الْعَمَلُ لِلُزُومِ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمَا، فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الضَّمَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ.
(وَالرَّهْنَ فَوْقَ الرَّهْنِ زِدْ) أَيْ: وَزِدْ جَوَازًا رَهْنًا عَلَى رَهْنٍ (بِدَيْنِ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ تَوَثُّقِهِ ثُمَّ هُوَ كَمَا رَهَنَهُمَا بِهِ مَعًا (لَا الدَّيْنَ فَوْقَ الدَّيْنِ بِالرُّهَيْنِ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْ: لَا تُزِدْ دَيْنًا عَلَى دَيْنٍ بِرَهْنٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ وَفَّى بِهِمَا كَمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ هَذَا شَغْلُ مَشْغُولٍ، وَذَاكَ شَغْلُ فَارِغٍ، نَعَمْ لَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ، فَأَصْلَحُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ لِتَضَمُّنِهِ اسْتِبْقَاءَهُ، وَيَجْرِي الطَّرِيقَانِ فِيمَا لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْبَتِهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الرَّاهِنَ فِي صُورَةِ عَجْزِهِ كَالْحَاكِمِ فَيَكْفِي إذْنُهُ.
(وَيَمْزُجُ الرَّهْنَ بِبَيْعٍ) بِبِنَاءِ يَمْزُجُ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ (مَنْ يَرَى) أَيْ: الْمَزْجَ أَيْ: يُرِيدُهُ زَادَهُ عَلَى الْحَاوِي تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَزْجَ جَائِزٌ لَا مَطْلُوبٌ، (وَالْقَرْضِ) عَطْفٌ عَلَى بَيْعٍ أَيْ وَيَمْزُجُ الرَّهْنَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ (لَكِنْ طَرَفَاهُ) أَيْ: الرَّهْنِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (أُخِّرَا) وُجُوبًا عَنْ طَرَفَيْ الْبَيْعِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ الْمَقْصُودُ شَيْئًا فَشَيْئًا كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ يَثْبُتُ فِيهِ بَعْضُ الْجُعْلِ بِفِعْلِ بَعْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا بِالْفَرَاغِ، وَمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ إلَّا دَفْعَةً كَرَدِّ الْآبِقِ وَالضَّالِّ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ مُطْلَقًا، إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ إلَخْ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صُورَتَيْ الْفِدَاءِ وَالْإِنْفَاقِ كَوْنُ الْفِدَاءِ وَالنَّفَقَةِ مَعْلُومَيْنِ كَأَنْ يَقُولَ: أَذِنْت فِي فِدَائِهِ بِكَذَا أَوْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ. كُلُّ يَوْمٍ دِرْهَمَانِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَبِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ بِهِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ هُنَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُنَا تَابِعٌ فِيهِ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ لَكِنْ طَرَفَاهُ أُخِّرَا) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ، فَإِنَّ طَرَفَيْهِ لَمْ يُؤَخَّرَا عَنْ طَرَفَيْ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَكَيْفَ وَأَحَدُ طَرَفَيْهِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ طَرَفَيْ مَا ذُكِرَ؟ ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَجْمُوعَ طَرَفَيْهِ أُخِّرَا عَنْ مَجْمُوعِ طَرَفَيْ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَسَّرَ قَوْلَ الرَّوْضِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ طَرَفَيْ الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ: يَعْنِي تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا عَنْ طَرَفَيْ الْآخَرِ وَالْآخَرِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى مَا قَرَّرْته هُنَا فِي قَوْلِهِ بِشَرْطِ تَأَخُّرِ الطَّرَفَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامِي فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى تَأَخُّرُ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الرَّهْنِ عَنْ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْ الْآخَرِ اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ بِهَا، أَوْ بِالذِّمَّةِ كَأَنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالتَّمَكُّنِ جَازَ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَزِمَ الْجَاعِلَ إلَخْ) أَيْ إنْ ظَهَرَ أَثَرُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ كَأَنْ جَاعَلَهُ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ، فَبَنَى بَعْضَهَا، وَإِلَّا كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَشَرَعَ فِي رَدِّهِ شَخْصٌ وَفَسَخَ قَبْلَ رَدِّهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ اهـ. بُجَيْرِمِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (قَوْلُهُ وَالثَّمَنَ وَضَعَهُ عَلَى اللُّزُومِ) لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، فَلَوْ رَهَنَ بِأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ لَمْ يَصِحَّ.
(قَوْلُهُ لَا الدَّيْنُ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) تَفْصِيلُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا تَحَرَّرَ بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ: أَنَّهُ إنْ صُرِّحَ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ رَهْنُهُ ثَانِيًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِذَا فُسِخَ الْأَوَّلُ جَازَ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِإِشْرَاكِ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مَعَ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُصَرَّحْ بِشَيْءٍ مِنْ فَسْخٍ وَبَقَاءٍ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ بِإِشْرَاكِهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَمَعَ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ عَقْدُهُ مَعَهُ فَسْخًا وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الْإِذْنُ بِرَهْنِهِ مَعَ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَصِحَّ وَيَجُوزُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ بِهِمَا أَيْ الدَّيْنَيْنِ.
وَيَكُونُ فَسْخًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْفَسْخِ فَمَحَلُّ قَوْلِهِ: لَا الدَّيْنُ فَوْقَ الدَّيْنِ إلَخْ حَيْثُ صُرِّحَ بِبَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يُصَرَّحْ، وَكَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ مَعَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ مَعَهُ بِلَا تَصْرِيحٍ بِالْفَسْخِ عَلَى مَا قَالَهُ م ر اهـ. مَرْصَفِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَبَعْضُهُ فِي ع ش عَلَى م ر. لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْحَاشِيَةِ اعْتِمَادُ مَا نُقِلَ عَنْ م ر. (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ، وَإِذَا أَقْبَضَهُ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ لَزِمَ رَهْنُهُ عِنْدَهُ، وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي رَهْنِهِ بِدَيْنٍ آخَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ اهـ. عَمِيرَةُ.
(قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ أَنْفَقَ إلَخْ) وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ النَّفَقَةِ وَعِلْمُ الْأَيَّامِ الَّتِي يُنْفَقُ فِيهَا أَيْضًا لِيَكُونَ الْمَرْهُونُ بِهِ مَعْلُومًا اهـ. مِنْ حَوَاشِي الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ أَوْ غَيْبَتِهِ) أَوْ امْتِنَاعِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الرَّهْنَ إلَخْ) فَلَوْ فُقِدَ الرَّاهِنُ وَالْحَاكِمُ
أَوْ الْقَرْضِ فَيَقُولُ: بِعْت أَوْ أَقْرَضْت وَارْتَهَنْت فَيَقُولُ الْآخَرُ ابْتَعْت أَوْ اقْتَرَضْت وَرَهَنْت؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ فِيهِمَا جَائِزٌ فَمَزْجُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ فِيهِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَفِي بِالشَّرْطِ.
وَاغْتُفِرَ تَقَدُّمُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِحَاجَةِ التَّوَثُّقِ قَالَ الْقَاضِي وَيُقَدَّرُ وُجُوبُ الثَّمَنِ وَانْعِقَادُ الرَّهْنِ عَقِبَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ الْعِتْقِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَمَعَ مَا قَالَهُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ وَجْهٌ فِي الْمَسْأَلَةِ خُصُوصًا فِي صُورَةِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُقْرَضَ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ جَوَازِ الْمَزْجِ هُنَا وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ الْبَيْعِ كَأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَبِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: قَبِلْت الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ، بِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْ مَصَالِحِ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، وَلِهَذَا جَازَ شَرْطُهُ فِيهِمَا مَعَ امْتِنَاعِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ مِنْ مَصَالِحِ الْكِتَابَةِ، وَبِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصِيرُ أَهْلًا لِمُعَامَلَةِ سَيِّدِهِ حَتَّى تَتِمَّ الْكِتَابَةُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ تَأْخِيرُ طَرَفَيْ الرَّهْنِ عَنْ طَرَفَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ لِيَتَحَقَّقَ سَبَبُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ قُدِّمَ طَرَفَاهُ عَلَى طَرَفَيْهِمَا أَوْ وُسِّطَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ.
(وَأُلْغِيَ الْأَدَاءُ وَالرَّهْنُ بِأَنْ) أَيْ: فِيمَا إذَا (ظَنَّ) أَنَّ (عَلَيْهِ الدَّيْنَ) فَأَدَّاهُ أَوْ رَهَنَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا أَدَّاهُ أَوْ رَهَنَهُ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ (وَ) أُلْغِيَ (الرَّهْنُ بِظَنْ صِحَّةِ شَرْطِهِ بِبَيْعِ) أَيْ: فِي بَيْعٍ (ذِي خَلَلْ) فِي الْوَاقِعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ، فَبَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنِهِ الْقَدِيمِ أَوْ بِهِ وَبِالْجَدِيدِ رَهْنًا، فَوَفَّى بِهِ بِظَنِّ صِحَّةِ شَرْطِهِ لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ لِبِنَائِهِ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ.
أَمَّا لَوْ رَهَنَ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ الْقَدِيمِ، وَإِنْ رَهَنَ بِهِ وَبِالْجَدِيدِ، وَلَا يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الرَّهْنِ عَلَى تَوَثُّقِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِجَمِيعِ الْمَرْهُونِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْغَاءِ مَعَ ظَنِّ صِحَّةِ الشَّرْطِ هُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْقَاضِي وَقَاسَهُ بِأَدَاءِ دَيْنٍ ظَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ ثُبُوتِهِ، وَصِحَّةُ الرَّهْنِ لَا تَسْتَدْعِي سَبْقَ الشَّرْطِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ.
وَزَيَّفَ الْإِمَامُ قَوْلَ الْقَاضِي اهـ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَلْ قَوْلُ الْقَاضِي أَصَحُّ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ اهـ. وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْبَيْعِ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ، فِيمَا إذَا بَاعَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي وَيُقَدَّرُ وُجُودُ الثَّمَنِ) لَمْ يَقُلْ مَلَكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ الثَّابِتِ لَهُمَا لَازِمٌ لِلْعَقْدِ، وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ مُقْتَضٍ لِلْوَقْفِ، فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ لِلْحَاجَةِ، إذْ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَقْدِ رُبَّمَا لَا يُجِيبُ الْمُشْتَرِي إلَى الرَّهْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى شَرْطِهِ فِي الْعَقْدِ فَرُبَّمَا لَا يُوفِي بِالشَّرْطِ. (قَوْلُهُ خُصُوصًا فِي صُورَةِ الْقَرْضِ) هَذَا يُشْعِرُ بِجَرَيَانِ التَّقْدِيرِ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ: أَنْ لَا يَصِيرَ دَيْنًا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الدَّيْنِيَّةِ وَانْعِقَادِ الرَّهْنِ عَقِبَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ هُنَا قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَبْضِ، إذْ كَيْفَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ قَبْلَ مِلْكِهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ صِحَّةُ الرَّهْنِ قَبْلَ وُجُودِ الدَّيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ) فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ ظَنَّ صِحَّةِ الشَّرْطِ ثَمَّ يَقْتَضِي مُقَابَلَتَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِجَرِّهِ نَفْعًا لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ الْجُزْءُ مَجْهُولٌ فَصَيَّرَ الثَّمَنَ مَجْهُولًا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِ الشَّرْطِ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَأُنْفِقَ بِإِشْهَادٍ لِيَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ صَحَّ أَيْضًا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ وَاغْتُفِرَ تَقَدُّمُ إلَخْ) وَثُبُوتُ الدَّيْنِ بِتَمَامِ عَقْدِ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، كَمَا مَرَّ آنِفًا فَسَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ أَيْ حَيْثُ قِيلَ: إنَّ الْمُقْرَضَ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، فَحِينَئِذٍ قَدْ تَقَدَّمَ شِقَّا الرَّهْنِ مَعًا عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَيُقَالُ: مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مَوْقُوفٌ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الثُّبُوتَ يَكُونُ بِتَمَامِ الْعَقْدِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَحَدُ شِقَّيْ الرَّهْنِ عَلَى الثُّبُوتِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمَزْجِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْمُقْرَضِ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ وَكَوْنُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فِي دَيْنِ الشِّرَاءِ كَمَا فِي ق ل وسم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ تَقَدُّمُ أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ) وَاغْتُفِرَ أَيْضًا تَقَدُّمُ طَرَفَيْهِ جَمِيعًا عَلَى لُزُومِهِ لِثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فِي الثَّانِي مَعَ صِحَّتِهِ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي إلَخْ) غَرَضُهُ حِكَايَةُ قَوْلٍ آخَرَ لِتَوْجِيهِ الصِّحَّةِ مُقَابِلٍ لِقَوْلِهِ: وَاغْتُفِرَ إلَخْ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجُمْهُورَ اغْتَفَرُوا مِثْلَ هَذَا وَاكْتَفَوْا بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَمَامُ الصِّيغَةِ مُقَدَّرٌ قَبْلَ طَرْفَيْ الرَّهْنِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ مَعَ اغْتِفَارِ التَّقَدُّمِ لِلْحَاجَةِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَقَالَ الْقَاضِي إلَخْ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ الْبَيْعِ إلَخْ) أَيْ فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ دُونَ الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرَهُ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ بِظَنِّ صِحَّةِ شَرْطِهِ) فَفِي الْعِلْمِ بِفَسَادِ الشَّرْطِ بِالْأَوْلَى اهـ. سم عَلَى حَجَرٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ) مُعْتَمَدُ م ر وَمَحَلُّ قَوْلِهِمْ: إذَا أَتَى بِالْعَقْدِ الثَّانِي عَلَى ظَنِّ صِحَّةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ
بِشَرْطِ بَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ أَنْشَأَهُ ظَانًّا صِحَّةَ الشَّرْطِ وَحَكَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَا: وَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْإِمَامُ
(وَالْحَمْلُ) الْمَوْجُودُ عِنْدَ الرَّهْنِ دُونَ الْحَادِثِ بَعْدَهُ (فِي رَهْنِيَّةِ الْأُمِّ دَخَلْ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا سَوَاءٌ الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَدْخُلُ لَبَنُهَا، وَلَا صُوفُهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ أَنَّ الْجُزْءَ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، (لَا غَيْرُ مَعْنَى اللَّفْظِ) الْمَوْضُوعِ لِلْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ وَمَثَّلَ لَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ:(كَالْمَبَانِي) أَيْ: الْأَبْنِيَةِ لَا تَدْخُلُ (فِي) رَهْنِ (عَرْصَةٍ)، وَكَالْأَبْنِيَةِ الشَّجَرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (وَلَا كَغُصْنِ الْبَانِ) أَيْ: الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْحَاوِي، فَلَا يَدْخُلُ (فِي رَهْنِهِ) أَيْ: الْبَانُ، وَإِنْ دَخَلَ فِي مُسَمَّى شَجَرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَرَةِ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِي رَهْنِ الشَّجَرِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَعْدَ الرَّهْنِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. فَالْمَوْجُودُ عِنْدَهُ أَوْلَى وَكَغُصْنِ الْبَانِ وَرَقُ الْفِرْصَادِ وَالْحِنَّاءِ وَالسِّدْرِ وَالْآسِ.
(أَمَّا تَصَرُّفٌ مَنَعْ رَهْنًا) أَيْ: يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالْإِيلَادِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ وَالتَّدْبِيرِ، (فَقَبْلَ) أَيْ: فَهُوَ قَبْلَ (الْقَبْضِ) لِلْمَرْهُونِ (فَسْخٌ) لِلرَّهْنِ، (لَوْ وَقَعْ) أَيْ: التَّصَرُّفُ لِمُنَافَاتِهِ الرَّهْنَ، بِخِلَافِ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الرَّهْنِ كَالتَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَطْءِ بِلَا إحْبَالٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فَسْخًا (لَا مَوْتُ عَاقِدٍ) مِنْ رَاهِنٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ الرَّهْنُ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِجُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ.
وَيَقُومُ وَارِثُ الْمَيِّتِ مَقَامَهُ فِي الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ وَيَعْمَلُ قَيِّمُ الْمَجْنُونِ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا الْإِبَاقُ مِنْ عَبْدٍ) مَرْهُونٍ (وَلَا جِنَايَةٌ مِمَّنْ رُهِنْ) أَيْ: مِنْ الْمَرْهُونِ، وَإِنْ عَلِقَتْ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ (وَلَا تَخَمُّرُ الْعَصِيرِ)
ــ
[حاشية العبادي]
صَحَّ، إذْ لَا مُقَابَلَةَ، وَهُنَا ظَنُّ الصِّحَّةِ لَا يَجُرُّ الْجَهَالَةَ فِي الرَّهْنِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ
(قَوْلُهُ وَلَا كَغُصْنِ الْبَانِ) يَنْبَغِي جَعْلُ الْكَافِ اسْمًا وَعَطْفُهَا عَلَى غَيْرِ فِي قَوْلِهِ لَا غَيْرِ. (قَوْلُهُ وَكَغُصْنِ الْبَانِ وَرَقُ الْفِرْصَادِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ الْوَرَقُ فِي الْبَيْعِ لِقُوَّتِهِ، وَلِهَذَا دَخَلَ الْحَادِثُ فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ
(قَوْلُهُ وَالْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمَا الرَّهْنَ بِالْإِقْبَاضِ وَتَقْيِيدِ الْأَصْلِ الْهِبَةَ بِهِ أَنَّهُمَا بِدُونِهِ لَيْسَا رُجُوعًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَنَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ أَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ اهـ، وَالْوَجْهُ حَمْلُ التَّقْيِيدِ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى التَّمْثِيلِ دُونَ الِاشْتِرَاطِ م ر
(قَوْلُهُ قَيِّمُ مَجْنُونٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالسَّفِيهِ اهـ. وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَهَلْ لَهُ الْإِمْضَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ سَبَقَ عَلَى الْفَلَسِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْغُرَمَاءِ لِعَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَيْسَ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِي غَيْرِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّوَثُّقِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ظَنُّ الصِّحَّةِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ دُونَ الْحَادِثِ) فَلَا يَدْخُلُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا قَبْلَ وَضْعِهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَائِهِ وَبَيْعِهِ مَعَهَا مَعَ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ، إذْ لَا يُعْرَفُ لَهُ قِيمَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْحَقُّ بِثَالِثٍ بِنَحْوِ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ، وَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنَّهَا تُبَاعُ وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) وَهُوَ ضَعْفُ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَلَا كَغُصْنِ الْبَانِ) أَيْ مِمَّا يُقْصَدُ غَالِبًا اهـ. شَرْحٌ رَوْضٌ. (قَوْلُهُ الْفِرْصَادِ) هُوَ التُّوتُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ يُفْهَمُ بِالْأَوْلَى اهـ. شَرْحٌ رَوْضٌ. (قَوْلُهُ الْآسِ) هُوَ الْمَرْسِينُ كَمَا مَرَّ اهـ. شَرْحٌ رَوْضٌ.
(قَوْلُهُ أَمَّا تَصَرُّفٌ) ضَابِطُهُ: أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ لَوْ طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَخَهُ، وَمَا لَا فَلَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ هَرَبُ الْمَرْهُونِ وَجِنَايَتُهُ وَتَخْمِيرُ الْعَصِيرِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ لَكِنْ لَوْ طَرَأَ، وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَفْسَخُهُ اغْتِفَارًا لِمَا يَقَعُ فِي الدَّوَامِ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ كَمَا فِي م ر وع ش. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ إلَخْ) إلَّا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ، وَإِذَا طَرَآ أَبْطَلَا عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي م ر، وَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ: عَقْدُهُ وَكَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ وَالْجِنَايَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَمَا فِي ع ش. لَكِنْ فِي الْجِنَايَةِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُصَنِّفَ هُنَا وَشَرْحَ م ر أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ. (قَوْلُهُ لَا مَوْتُ عَاقِدٍ) عَطْفٌ عَلَى تَصَرُّفٍ لَا مُخْرَجٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ يَئُولُ نَفْسُهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّظَرُ لِلْغَالِبِ، وَهُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا رَهَنَ أَقْبَضَ ع ش. (قَوْلُهُ وَيَعْمَلُ قَيِّمُ الْمَجْنُونِ إلَخْ) وَلَوْ جُنَّ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَرَأَى وَلِيُّ أَحَدِهِمَا الْفَسْخَ وَالْآخَرُ الْإِجَازَةَ، قُدِّمَ الْفَسْخُ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ. (قَوْلُهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ رَهْنُ تَبَرُّعٍ كَأَنْ خَشِيَ وَلِيَّ الرَّاهِنِ - إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ - فَسْخَ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الرَّهْنُ وَفِي إمْضَائِهِ حَظٌّ، فَإِنْ كَانَ رَهْنُ تَبَرُّعٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الضَّرُورَةِ أَوْ الْغِبْطَةِ، كَذَا فِي م ر وَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ شَيْءٍ اهـ. شَيْخُنَا ذ.
وَلَعَلَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَرْهَنُ إلَّا بِالْغِبْطَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ، فَلِمَاذَا جَازَ تَسْلِيمُهُ هُنَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ لِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ؟ ، لَكِنَّ مَا فِي م ر فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَدْ يُعْتَذَرُ بِمُرَاعَاةِ بَقَاءِ الْعَقْدِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا الْإِبَاقُ) وَإِنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْآبِقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَدُّ كَالتَّالِفِ اهـ.
الْمَرْهُونِ إذَا وُجِدَتْ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَا الرَّهْنُ كَمَا بَعْدَ الْقَبْضِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْبَيْعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَمُّرِ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ بَطَلَ لَكِنْ لَا بِمَعْنَى إبْطَالِهِ الْكُلِّيِّ، بَلْ بِمَعْنَى إبْطَالِ حُكْمِهِ مَا دَامَ الْعَصِيرُ خَمْرًا كَمَا يَلُوحُ بِهِ قَوْلُهُ:(إنَّمَا لَا يُقْبَضُ الْخَمْرُ إذَنْ) أَيْ: لَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ بِتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ كَمَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ حِينَ تَخَمُّرِهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ.
(وَلَزِمَا) أَيْ: الرَّهْنُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ (بِقَبْضِ ذِي التَّكْلِيفِ) الَّذِي يَصِحُّ ارْتِهَانُهُ، أَمَّا قَبْضُهُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ، فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ يَصِحُّ ارْتِهَانُهُ؛ فَلِأَنَّهُ الَّذِي يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ كَمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْضُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ (كَالتَّعَيُّنِ لِلدَّيْنِ)، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ الْمُكَلَّفِ أَيْ: الَّذِي يَصِحُّ قَبْضُهُ، فَلَوْ قَبَضَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ لَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ، وَلَوْ تَلِفَ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يَضْمَنُوهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ ضَيَّعَهُ بِتَسْلِيمِهِ لَهُمْ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فَالْحَقُّ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: أَلْقِ حَقِّي فِي الْبَحْرِ، فَأَلْقَى قَدْرَ حَقِّهِ لَمْ يَبْرَأْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمُودِعِهِ: سَلِّمْ وَدِيعَتِي لِهَذَا الصَّبِيِّ فَسَلَّمَهَا، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُعَيَّنِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ، إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ.
(وَالتَّوْكِيلُ) جَائِزٌ (لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْقَبْضِ كَمَا فِي الْعَقْدِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ (لِغَيْرِ رَاهِنٍ) بِخِلَافِ الرَّاهِنِ، إذْ الْوَاحِدُ غَيْرُ مَنْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الرَّهْنِ فَقَطْ جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمَالِكِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، (وَ) لِغَيْرِ (عَبْدِهِ) أَيْ: الرَّاهِنِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ سَوَاءٌ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ وَغَيْرُهُمْ، (سِوَى مُكَاتَبٍ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَتِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمَةَ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَالْعَبْدِ، وَقَبْضُ الْمَرْهُونِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إقْبَاضِ الرَّاهِنِ أَوْ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرَهُ مَعَ كَيْفِيَّةِ قَبْضِهِ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ) أَيْ: وَالْمُرْتَهِنِ الَّذِي (فِي يَدِهِ) الْمَرْهُونُ بِإِيدَاعٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَبِمُضِيِّ) أَيْ: فَقَبْضُهُ إذَا كَانَ غَائِبًا بِمُضِيِّ (مُدَّةِ) إمْكَانِ (الذَّهَابِ إلَيْهِ) ، وَقَبْضُهُ (كَالْبَيْعِ وَالِاتِّهَابِ) مِنْ إنْسَانٍ لِمَا فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي قَبْضِهِ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الذَّهَابِ إلَيْهِ وَقَبْضِهِ.
(وَشَرْطُهُ) أَيْ: قَبْضِ الْمَرْهُونِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ (إذْنٌ جَدِيدٌ) لَهُ فِيهِ مِنْ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ عَنْ
ــ
[حاشية العبادي]
هُنَاكَ تَعْلِيلٌ سَابِقٌ عَلَى الْفَلَسِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّبَّاغِ قَالَ: لَوْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ غُرَمَاءُ غَيْرَ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّ الْحَجْرِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدَ الرَّهْنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَكَذَا تَسْلِيمُ الرَّهْنِ اهـ. وَقِيَاسُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَارِثِ التَّسْلِيمُ حَيْثُ كَانَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ لِتَعَلُّقِ أَرْبَابِهِ بِسَائِرِ التَّرِكَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لَكِنْ رَدَّهُ كَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَجَوَّزُوا لِلْوَارِثِ مَا ذُكِرَ لِسَبْقِ التَّعَلُّقِ بِالرَّهْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَحْتَاجُونَ لِلْفَرْقِ، إلَّا أَنْ يُخَالِفُوا ابْنَ الصَّبَّاغِ هُنَا أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ
وَقَدْ يُفَرِّقُونَ، بِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْجَعْلِيَّ بِالْحَجْرِ بِالْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ الْحَاصِلِ بِالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ حِينَ تَخَمُّرِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: فَلَوْ قَبَضَهُ خَمْرًا وَتَخَلَّلَ اسْتَأْنَفَ الْقَبْضَ لَا الْعَقْدَ، وَلَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ أَيْ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْ أَوْ الرَّاهِنِ فَدَبَغَ الْمَالِكُ جِلْدَهَا لَمْ يُعَدَّ رَهْنًا اهـ. وَقَوْلُهُ: فَدَبَغَ الْمَالِكُ مِثْلَهُ غَيْرَهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي شَرْحِهِ
(قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ) فِي بَعْضِ هَوَامِشِ الشَّرْحِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، إذَا وَكَّلَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي أَنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا عَنْ نَفْسِهِ لِيَقْبِضَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ: وَكِّلْ عَنِّي أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ وَكِيلًا عَنْ الْمُرْتَهِنِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي الرَّهْنِ) مِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ كَانَ وَلِيًّا حَيْثُ جَازَ لَهُ الرَّهْنُ فَكَمَّلَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، جَازَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُوَكِّلَ ذَلِكَ الْوَلِيَّ فِي الْقَبْضِ لِانْعِزَالِهِ بِكَمَالِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ وَقْتِ الْإِذْنِ لَا الْعَقْدِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
ــ
[حاشية الشربيني]
ع ش (قَوْلُهُ مَا دَامَ الْعَصِيرُ خَمْرًا) فَإِنْ عَادَ خَلًّا عَادَ الرَّهْنُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ زَالَ تَبَعًا لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَمَّا عَادَ عَادَ
(قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ) أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ) وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ لَكِنْ تَبَعًا، كَأَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ فَيَنْفَسِخَ الرَّهْنُ تَبَعًا. (قَوْلُهُ لِغَيْرِ رَاهِنٍ) أَمَّا تَوْكِيلُ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْإِقْبَاضِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ، وَهُوَ كَافٍ اهـ. ق ل وَمِّ ر. (قَوْلُهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي الْقَبْضِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَنْعَزِلْ الرَّاهِنُ مِنْ الْوَكَالَةِ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ
(قَوْلُهُ وَوَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَتِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَوَقَعَ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يُشْرَطْ فِيهِ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ اهـ. وَانْظُرْ هَلْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يُشْرَطْ مِنْ تَمَامِ الْغَايَةِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ فِيهَا عَائِدًا لِنَوْبَةِ الْمُبَعَّضِ؟ أَوْ تَقْيِيدًا فَيَكُونُ عَائِدًا لِنَوْبَةِ سَيِّدِهِ؟ ، رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ إذْنٌ جَدِيدٌ) وَلَا بُدَّ
غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَقَعْ تَعَرُّضٌ لِلْقَبْضِ عَنْهُ (كَالْهِبَهْ) يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا أُجِّلَ فِيهِ الثَّمَنُ أَوْ وُفِّرَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ فَدَوَامُ الْقَبْضِ يَقَعُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ وَالْمَوْهُوبِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقَبْضِ.
(وَالْمُسْتَعِيرُ) لِشَيْءٍ (وَاَلَّذِي قَدْ غَصَبَهْ) أَيْ: وَالْغَاصِبُ لَهُ (يَبْرَأُ) كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ ضَمَانِهِ (بِالْإِيدَاعِ) أَيْ: بِإِيدَاعِ الْمَالِكِ لَهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ ائْتِمَانٌ، وَهُوَ يُنَافِي الضَّمَانَ (لَا الْقِرَاضِ) أَيْ: لَا بِقِرَاضِ الْمَالِكِ لَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَآنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدَ أَمَانَةٍ الْغَرَضُ مِنْهُ الرِّبْحُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ، فَإِنَّهُ لَوْ تَعَدَّى فِي مَالِ الْقِرَاضِ صَارَ ضَامِنًا مَعَ بَقَاءِ الْقِرَاضِ بِحَالِهِ، بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ، فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِتَعَدِّي الْمُودِعِ فِي الْوَدِيعَةِ.
(قُلْت هُنَا) أَيْ: فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ مَعَ الْمُسْتَعِيرِ (يُجَاءُ بِاعْتِرَاضِ، إذْ لَا يُعَارُ النَّقْدُ) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ (وَالْمُقَارَضَهْ مِنْ شَرْطِهَا النَّقْدُ فَذِي مُنَاقَضَهْ) بَيْنَ حُكْمَيْ الْإِعَارَةِ وَالْمُقَارَضَةِ، (وَاعْتَذَرُوا عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَهْ) الْمُشْعِرَةِ بِالْمُنَاقَضَةِ (أَنَّ) أَيْ: بِأَنَّ (الْمُرَادَ فَاسِدُ الْإِعَارَهْ) بِأَنْ يُعِيرَهُ نَقْدًا إعَارَةً فَاسِدَةً ثُمَّ يُقَارِضَهُ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
(وَالْعُذْرُ عِنْدِي) عَنْهَا (أَنَّهُ لَوْ صُرِّحَا) فِي إعَارَةِ النَّقْدِ (بِزِينَةِ النَّقْدِ الْمُعَارِ) أَيْ: بِالزِّينَةِ بِهِ (صُحِّحَا) أَيْ: عَقْدُ الْإِعَارَةِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَسَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا الِاعْتِذَارُ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، (وَلَا) يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْغَاصِبُ (بِرَهْنٍ وَ) لَا (تَزَوُّجٍ، وَلَا إجَارَةٍ) مِنْهُمَا لِمَا فِي يَدِهِمَا، (وَلَا بِأَنْ تَوَكَّلَا) عَنْ الْمَالِكِ بِأَنْ وَكَّلَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ عُقُودَ أَمَانَةٍ الْغَرَضُ مِنْهَا شَيْءٌ آخَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرَّهْنِ التَّوَثُّقُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ. (وَلَا بِالِابْرَا) بِدَرْجِ الْهَمْزَةِ وَبِالْقَصْرِ لِلْوَزْنِ أَيْ: وَلَا يَبْرَآنِ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ لَهُمَا مِنْ ضَمَانِ مَا فِي يَدِهِمَا.
(وَهُوَ بَاقٍ) فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا يُبْرَأُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَبْرَأَ عَنْ ضَمَانِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ تَلَفِهِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَ عَمَّا لَمْ يَثْبُتْ، أَمَّا إذَا تَلِفَ فَأَبْرَأَهُمَا عَنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَيَبْرَآنِ، وَمَثَّلَ بِالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ لِيُقَاسَ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَامُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا وَنَحْوُهُمَا، وَبِالثَّانِي السَّارِقُ وَالْمُخْتَلِسُ وَنَحْوُهُمَا وَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ (مَا نَزَعْ) تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ مَنْ نَزَعَ إلَى أَبِيهِ فِي الشَّبَهِ أَيْ: ذَهَبَ وَالْمَعْنَى وَهُوَ بَاقٍ مَا ذَهَبَ أَيْ: مَا تَلِفَ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ، وَهُوَ فِي يَدِهِ ثُمَّ إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ بِالْقَبْضِ (فَالْبَيْعُ) لِلْمَرْهُونِ (وَالتَّزْوِيجُ) لَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً.
(وَالرَّهْنُ) لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فِي الثَّلَاثِ (امْتَنَعْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْهَا عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُفَوِّتُ التَّوَثُّقَ، وَالتَّزْوِيجَ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ، وَالرَّهْنَ يَزْحَمُ الْمُرْتَهِنَ فِي مَقْصُودِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ وَالتَّزْوِيجُ وَالرَّهْنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَجَائِزَةٌ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ امْتِنَاعِ الرَّهْنِ مِنْهُ بِدَيْنٍ آخَرَ صُورَتُهُ أَنْ يُرْهَنَ بِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ لَا الْقِرَاضِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ بَرِئَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِمَا؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكٍ وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ. (قَوْلُهُ أَيْ بِالزِّينَةِ بِهِ) أَيْ تَزْيِينِ نَحْوِ الْحَانُوتِ وَالْبَيْتِ بِهِ بِوَضْعِهِ عَلَى نَحْوِ رُفُوفِهِ فِي غَيْرِ ظَرْفٍ أَيْ فِي نَحْوِ زُجَاجٍ يَحْكِي لَوْنَهُ، وَلَيْسَ هَذَا اسْتِعْمَالًا مُحَرَّمًا لَا فِي الْبَدَنِ وَلَا فِي الْجِدَارِ حَتَّى يُقَالَ: يَحْرُمُ كَسَتْرِ الْجِدَارِ بِنَحْوِ الْحَرِيرِ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْغَاصِبُ إلَخْ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: بَقَاءُ ضَمَانِ نَحْوِ الْغَاصِبِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي إمْسَاكِهِ رَهْنًا وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ قَبْضِهِ، لَكِنْ رَجَّحَ الرُّويَانِيُّ قَوْلَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَزُولُ الضَّمَانُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ ثُمَّ رَهَنَهُ أَوْ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَ رَهْنِهِ ثُمَّ أَقْبَضَهُ، وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ أَوْ الِاسْتِرْدَادِ دَيْنًا فِي الضَّمَانِ، وَالْإِذْنَ فِي إمْسَاكِهِ رَهْنًا
ــ
[حاشية الشربيني]
أَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْإِذْنَ أَوْ الْإِقْبَاضَ عَنْ الرَّهْنِ كَذَا بِهَامِشٍ، فَلَوْ كَانَ مُؤَجَّرًا مَرْهُونًا وَأُذِنَ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْإِجَارَةِ فَقَطْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ عَنْ الرَّهْنِ أَوْ عَنْ الرَّهْنِ أَوْ عَنْهُمَا حَصَلَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْإِجَارَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ إذْنٌ جَدِيدٌ) وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَعَ الْأَبِ لِطِفْلِهِ فَيَقُومُ قَصْدُ الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ كَالْإِذْنِ فِيهِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ كَأَنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ جَازَ الِاسْتِقْلَالُ بِقَبْضِهِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قِيَاسًا عَلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَبْضَ هُنَا مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ بِالشَّرْطِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ اهـ. حَاشِيَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ
(قَوْلُهُ وَالْغَاصِبِ) وَيَسْتَمِرُّ ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ عَلَيْهِ بِأَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَقَالَ الطَّبَلَاوِيُّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) حَاصِلُ الْمَقَامِ أَنَّ الرَّاهِنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا بِذَلِكَ فَسْخَ الْأَوَّلِ أَوْ مَعَ بَقَائِهِ أَوْ مُطْلَقًا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ الثَّانِي مَعَ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ أَوْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ. فَهَذِهِ وَحُكْمُهُمَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّانِي مَعَ الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ وَقَصَدَ بِذَلِكَ بَقَاءَ الْأَوَّلِ بَطَلَ الثَّانِي مَالِكًا كَانَ أَوْ مُسْتَعِيرًا، قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ شَغْلُ مَشْغُولٍ وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ فَسْخَ الْأَوَّلِ انْفَسَخَ مَالِكًا وَمُسْتَعِيرًا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ،؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَلْزَمْ وَبَعْدَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ.
الْمَرْهُونُ مَعَ بَقَاءِ رَهْنِيَّتِهِ بِالْأَوَّلِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي رَهْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ بَقَاءِ رَهْنِيَّتِهِ بِدَيْنِهِ.
(وَ) امْتَنَعَ عَلَيْهِ (الْوَطْءُ) لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ فِي الْبِكْرِ وَخَوْفِ الْحَبَلِ فِيمَنْ تَحْبَلُ وَحَسْمًا لِلْبَابِ فِي غَيْرِهِمَا كَإِيجَابِ الْعِدَّةِ وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ بَقِيَّةُ التَّمَتُّعَاتِ، فَلَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: بِامْتِنَاعِهَا أَيْضًا خَوْفَ الْوَطْءِ، وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا أَمِنَهُ.
(وَ) امْتَنَعَ عَلَيْهِ (الْإِجَارَةُ الْمُسْتَصْحَبَهْ) أَيْ: الَّتِي تَبْقَى (بَعْدَ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ: بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ (مِنْ سِوَاهُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهَا تُنْقِصُ الْقِيمَةَ كَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَجَلِ وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ نَظِيرُهُ فِي الْهُدْنَةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا تَنْقَضِي قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ مَعَهُ، فَلَا امْتِنَاعَ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَدْلًا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ حَالَةَ الْبَيْعِ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمِنْهَاجِ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ أَيْضًا إذَا اُحْتُمِلَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَالْمُقَارَنَةُ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَبِنَاءِ حَائِطٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ فَرَاغِهَا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ وَيُضَارِبُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأُجْرَةِ الْمَدْفُوعَةِ وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ يَصْبِرُ الْمُرْتَهِنُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، كَمَا يَصْبِرُ الْغُرَمَاءُ إلَى انْقِضَاءِ سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَعَلَى هَذَا يُضَارِبُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ فِي الْحَالِّ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَبِيعَ الْمَرْهُونُ قُضِيَ بَاقِي دَيْنِهِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْغُرَمَاءِ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا.
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ يُجَابُ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَخَرَجَ بِمَنْ سِوَاهُ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي الْمُرْتَهِنِ، فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ مِنْهُ مُطْلَقًا كَالْإِعَارَةِ مِنْهُ، وَإِذَا أَجَّرَهُ مِنْهُ وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ ثُمَّ سَلَّمَهُ عَنْهُمَا كَفَى، وَكَذَا إنْ سَلَّمَهُ عَنْ الرَّهْنِ وَأَوْجَبْنَا الْبُدَاءَةَ فِي التَّسْلِيمِ بِالْمُؤَجَّرِ أَوْ لَمْ نُوجِبْهَا، وَوَفَّرَ الْمُكْتَرِي الْأُجْرَةَ أَوْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ عَنْ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا مُسْتَحَقٌّ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَوْ سَلَّمَهُ عَنْ الْإِجَارَةِ لَمْ يَحْصُلْ قَبْضُ الرَّهْنِ.
(وَ) امْتَنَعَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية العبادي]
لَا يُنَافِي أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُ الْإِسْعَادِ. حَجَرٌ وَظَاهِرٌ بَقَاءُ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ ضَمِنَهُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ
(قَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ رَهْنِيَّتِهِ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِأَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ فَمَحَلُّ الصِّحَّةِ وَكَوْنِهِ فَسْخًا، إذَا أَطْلَقَ أَوْ صَرَّحَ بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ أَوْ مَا يَتَضَمَّنُهُ هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِفَسْخِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الثَّانِي، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ قُبَيْلَ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ رَهَنَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولَا وَفَسَخَا اهـ. فَتَأَمَّلْهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ الْوَطْءُ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَخَرَجَ بِالرَّاهِنِ الزَّوْجُ بِأَنْ رَهَنَ زَوْجَتَهُ، وَلَوْ بِأَنْ يَكُونَ اسْتَعَارَهَا هُوَ لِلرَّهْنِ لَكِنْ قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخِيرَةَ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْهُ قَالَ: فَلَهُ وَطْؤُهَا مَا دَامَتْ حَامِلًا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ فِيمَا لَوْ اسْتَعَارَ زَوْجَتَهُ وَرَهَنَهَا امْتِنَاعُ وَطْئِهِ لَهَا مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَأْتِي عَلَى مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ امْتِنَاعِ وَطْءِ الرَّاهِنِ، وَلَوْ مَعَ أَمْنِ الْحَبَلِ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ رحمه الله (قَوْلُهُ لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ فِي الْبِكْرِ) أَيْ وَلِخَوْفِ الْحَبَلِ أَيْضًا فِيمَنْ تَحْبَلُ. (قَوْلُهُ كَإِيجَابِ الْعِدَّةِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ عَلَى مَنْ لَا تَحْبَلُ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ أَيْضًا) اعْتَمَدَهُ بِرّ. (قَوْلُهُ إذَا اُحْتُمِلَ التَّقَدُّمُ إلَخْ) فَلَوْ اتَّفَقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْحُلُولُ قَبْلَ الِانْقِضَاءِ. فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ الْوَجْهَانِ الْآتِيَانِ آنِفًا؟ أَوْ يُفَرَّقُ؟ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ الرَّوْضُ (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ) يُفِيدُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَهُ عَنْ الْإِجَارَةِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَوْ أَطْلَقَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَنْزِيلُهُ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
مَعَ الْمُرْتَهِنِ وَالتَّصَرُّفُ مَعَهُ رَفْعٌ لِلْأَوَّلِ وَصَحَّ الثَّانِي، إنْ كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَعِيرًا وَأَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ، وَفِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ حُكْمُهُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّانِي قَبْلَ قَبْضِ الْأَوَّلِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ مَالِكًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، وَصَحَّ الثَّانِي بِشَرْطِهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِ الْأَوَّلِ فَسَدَ الثَّانِي وَدَامَ الْأَوَّلُ عَلَى الصِّحَّةِ لِلُزُومِهِ بِالْقَبْضِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ نِيَّةُ فَسْخِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ سَوَاءٌ فِي الْمَالِكِ وَالْمُسْتَعِيرِ، فَهَذِهِ صُورَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّانِي مَعَ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ قَصَدَ بَقَاءَ الْأَوَّلِ بَطَلَ الثَّانِي مُطْلَقًا مَالِكًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا إنْ قَصَدَ فَسْخَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ وَكَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِلُزُومِ الرَّهْنِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْأَوَّلُ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّ فِي الثَّانِي بِشَرْطِهِ، هَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ سم مَعَ شَيْخِهِ طب، كَذَا بِهَامِشِ عَالِمٍ لَكِنْ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ عَنْ م ر، وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا.
(قَوْلُهُ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ) وَلَوْ كَانَ زَوْجًا اسْتَعَارَهَا مِنْ مَالِكِهَا لِيَرْهَنَهَا وَرَهَنَهَا، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى مَنْ لَمْ تَحْبَلْ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ وَطْؤُهَا حَسْمًا لِلْبَابِ، وَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَمْنُوعٌ اهـ. م ر سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ وَحَسْمًا لِلْبَابِ) أَيْ: وَلَوْ قُطِعَ بِعَدَمِ الْحَبَلِ كَبِنْتِ ثَمَانِ سِنِينَ ع ش. (قَوْلُهُ وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا إلَخْ) قَالَ حَجَرٌ لَا يَأْتِيَانِ هُنَا لِمَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الصَّفْقَةِ اهـ. فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَدْلًا) وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ إلَخْ) أَقَرَّهُ م ر. (قَوْلُهُ كَالْإِعَارَةِ مِنْهُ) اسْتَوْجَهَ ع ش جَوَازَ الْإِعَارَةِ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ مُطْلَقًا، لِإِمْكَانِ الرُّجُوعِ فِيهَا مَتَى شَاءَ مَعَ عَدَمِ نَقْصِهَا لِلْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ وَأَوْجَبْنَا الْبُدَاءَةَ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ نُوجِبْهَا إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا مُسْتَحَقٌّ) أَيْ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى، إذْنٍ بِخِلَافِ الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ
(الْهِبَهْ) لِلْمَرْهُونِ لِفَوْتِ التَّوَثُّقِ، (وَسَفَرٌ بِهِ) ، وَإِنْ قَصُرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَظَاهِرٌ: أَنَّهُ لَوْ جُلِّيَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ كَانَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ. (كَبِالْمَنْكُوحَةِ) أَيْ: لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الزَّوْجِ سَفَرُهُ بِمَنْكُوحَتِهِ إذَا كَانَتْ (فِي الرِّقِّ) لِفَوْتِ حَقِّ السَّيِّدِ، بِخِلَافِ السَّيِّدِ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالرَّقَبَةِ، وَلِئَلَّا يَتَقَاعَدَ عَنْ تَزْوِيجِهَا، وَبِخِلَافِ الْحُرَّةِ لِزَوْجِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، إذْ لَا يَفُوتُ بِالسَّفَرِ حَقُّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
(وَ) امْتَنَعَ عَلَيْهِ (الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ) لِلْمَرْهُونِ كَبَيْعِهِ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْمَزِيدَةِ عَلَى الْحَاوِي الْفَاسِدَةُ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ اُعْتُدَّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، لَا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَاطِيهَا؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ. هَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالصَّحِيحَةِ، بَلْ هُوَ مُضِرٌّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا الرَّاهِنُ لَا تَكُونُ إلَّا فَاسِدَةً.
(كَذَا) يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ (انْتِفَاعٌ) بِالْمَرْهُونِ، إنْ (ضَرَّ) كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَلْتَزِمْ قَلْعَ ذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الْحُلُولِ وَبَعْدَهُ يَقْلَعُ، إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِالْقَلْعِ، وَلَمْ يَأْذَنْ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ مَا فَعَلَهُ، فَإِنْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ بِيعَا وَوُزِّعَ الثَّمَنُ كَمَا فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا، أَمَّا انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّ كَرُكُوبٍ وَاسْتِخْدَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَا يَنْقُصُ بِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:«الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا» وَلِخَبَرِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ، (وَ) امْتَنَعَ عَلَيْهِ (الْقَطْعُ الْخَطِرْ) لِسِلْعَةٍ أَوْ عُضْوٍ مُتَآكِلٍ مِنْ الْمَرْهُونِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرْكِ خَطَرٌ وَلَمْ يَغْلِبْ فِي الْقَطْعِ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ مِنْهُ فَكَانَ كَجُرْحِهِ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنْ كَانَ فِي التَّرْكِ خَطَرٌ أَيْضًا أَوْ غَلَبَ فِي الْقَطْعِ السَّلَامَةُ، أَوْ كَانَ الْخَطَرُ فِي التَّرْكِ دُونَ الْقَطْعِ أَوْ لَا خَطَرَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا امْتِنَاعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ بَعْضُهُ صَرِيحًا وَبَعْضُهُ اقْتِضَاءً، وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ: يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ إنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خَطَرٌ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ فِي الْقَطْعِ السَّلَامَةُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ خَطَرُ الْقَطْعِ أَكْثَرَ امْتَنَعَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا أَوْ اسْتَوَيَا، فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَإِلَّا امْتَنَعَ.
قَالَ
ــ
[حاشية العبادي]
وَاجِبٌ اهـ. كَلَامُ شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةِ) اُنْظُرْ شَرْطَ الْيَسَارِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي يُرْجَعُ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ وَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ قَلْعَ ذَلِكَ) فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا، وَقَالَ افْعَلْ وَاقْلَعْ عِنْدَ الْحُلُولِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ وَلَا طَالَتْ مُدَّتُهُ أَيْ زَمَنًا لَهُ أُجْرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِهِ قُلِعَ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ وَعْدٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا لَا يَشْفِي حَجَرٌ ح
(قَوْلُهُ أَمَّا انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّ إلَخْ) وَحَيْثُ أَخَذَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ لِلِانْتِفَاعِ الْجَائِزِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ. شَرْحُ. رَوْضٍ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي التَّرْكِ خَطَرٌ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ خَطَرُ الْقَطْعِ أَكْثَرَ وَلَمْ تَغْلِبْ السَّلَامَةُ، وَلَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ حِينَئِذٍ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا اسْتَوَى الْخَطَرَانِ، وَشَرْطُهُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الْقَطْعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسَخٍ وَغَلَبَتْ بِالْوَاوِ بِدُونِ أَلِفٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ قُلْت وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ فِي جَوَازِ الْقَطْعِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي: مَا إذَا كَانَ خَطَرُ الْقَطْعِ أَكْثَرَ، وَمَا إذَا اسْتَوَيَا فَهُوَ مُنَافٍ لِنُسَخٍ أَوْ غَلَبَ بِالْأَلِفِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ) فِي الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ م ر، وَلَوْ عُلِّقَ عِتْقُ الْمَرْهُونِ بِصِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ فَوُجِدَتْ، وَقَدْ انْفَكَّ الرَّهْنُ بِأَنْ انْفَكَّ مَعَ وُجُودِهَا أَوْ قَبْلَهُ، عَتَقَ إذْ لَمْ يُوجَدْ حَالَ الرَّهْنِ إلَّا التَّعْلِيقُ وَلَا يَضُرُّ، أَوْ وُجِدَتْ، وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَالتَّنْجِيزِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ م ر عَلَى مَا نَقَلَهُ سم وَكَلَامُ حَجَرٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِوَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا وُجُودِ الصِّفَةِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ بَقَاءِ الْيَسَارِ إلَى وُجُودِ الصِّفَةِ فَحَرِّرْهُ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ قَلْعَ ذَلِكَ) فَإِنْ الْتَزَمَ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُورِثَ قَلْعُهُمَا نَقْصًا، وَأَنْ لَا تَطُولَ مُدَّتُهُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَالَ ع ش: وَيَقْرُبُ أَنَّ الْمُضِرَّ نَقْصٌ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ. (قَوْلُهُ لَمْ يُقْلَعْ قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ لِاحْتِمَالِ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ اهـ. م ر. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الرَّاهِنُ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ (قَوْلُهُ وَوُزِّعَ الثَّمَنُ) قَالَ م ر: وَحُسِبَ النَّقْصُ عَلَيْهِمَا ت هـ أَيْ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ فَارِغَةً مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهَا مَعَهُمَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قِيمَتِهِمَا عَشَرَةً، وَمَجْمُوعُ الْقِيمَتَيْنِ ثَلَاثُونَ، فَالنِّسْبَةُ بِالثَّلَاثِينَ وَالثُّلُثِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ اهـ. مِنْ هَامِشٍ، وَعِبَارَةُ الْجَمَلِ عَلَى الْمَنْهَجِ: فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَالِيَةً عِشْرِينَ وَمَعَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قِيمَتِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بِيعَا مَعًا بِثَلَاثِينَ فَاَلَّذِي يَخُصُّ الْأَرْضَ: الثُّلُثَانِ، وَالْبِنَاءَ مَعَ الْغِرَاسِ: الثُّلُثُ لِحُسْبَانِ النَّقْصِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ دُونَ الْأَرْضِ، فَلَوْ حُسِبَ عَلَيْهِمَا لَخَصَّ الْأَرْضَ النِّصْفُ وَهُمَا النِّصْفُ اهـ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ قِيمَةُ الْأَرْضِ بَيْضَاءَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَإِلَّا كُلِّفَ الْقَلْعَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ كَمَا فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا)، فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ وَحْدَهَا حَاضِنَةً لَهُ؛ لِأَنَّهَا رُهِنَتْ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: قِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تُقَوَّمُ مَعَ الْوَلَدِ فَيُقَالُ: قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ سُدُسٌ فَقِسْطُ الْجَارِيَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ أَوْ غَلَبَ فِي الْقَطْعِ السَّلَامَةُ) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرْكِ خَطَرٌ، بَلْ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ لَكِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَيَجُوزُ
السُّبْكِيُّ وَفِي جَوَازِ الْقَطْعِ لِزِيَادَةِ ثَمَنِهِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِ الرُّوحِ، لِهَذَا الْغَرَضِ الْيَسِيرِ قَالَ: وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ مَتَى خَشِيَ مِنْ قَطْعِهِ التَّلَفَ امْتَنَعَ الْقَطْعُ، إلَّا أَنْ تَغْلِبَ السَّلَامَةُ وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عَلَى ذَلِكَ، (لَا الْفَصْدُ وَالْحَجْمُ) لِلْمَرْهُونِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِمَا، فَلَا يَمْتَنِعَانِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ (وَ) لَا (خَتْنٌ لَمْ يَضِرْ) بِأَنْ يَخْتِنَهُ فِي وَقْتِ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَا يَخَافُ مِنْ الْخِتَانِ مَعَهُ، وَكَأَنْ يَنْدَمِلَ قَبْلَ الْحُلُولِ أَوْ لَا تَنْقُصُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَالْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَمِلْ وَكَانَ فِيهِ نَقْصٌ امْتَنَعَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ.
(وَجَازَ) يَعْنِي نَفَذَ (إعْتَاقُ) الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ بِالْقِيمَةِ لِلرَّقِيقِ الْمَرْهُونِ، (وَإِيلَادُ) الرَّاهِنِ (الَّذِي أَيْسَرَ بِالْقِيمَةِ) لِلْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ كَمَا يَسْرِي ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ بَقَاءِ الْوَثِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَتَصِيرُ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ الْقِيمَةِ نَفَذَ ذَلِكَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي وَمَحَلُّ نُفُوذِ الْعِتْقِ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَيْ: إنْ وَقَعَ بِعِوَضٍ، وَإِلَّا فَهِبَةٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ مَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَانْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَى وَارِثِهِ فَأَعْتَقَهَا عَنْ مُورِثِهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَرْهَنْهُ وَلَكِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مَرْهُونًا وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ مُورِثِهِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ.
وَعَلَّلَهُ، بِأَنَّ إعْتَاقَهُ كَإِعْتَاقِهِ انْتَهَى. وَفِي وُرُودِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الرَّهْنِ الْجَعْلِيَّ لَا الشَّرْعِيِّ، وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ لِعَجْزِهِ، وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ فِي صُورَةِ الْإِيلَادِ وَالْأَمَةُ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ، وَإِذَا وَلَدَتْ فَحَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ وَتُوجَدَ مُرْضِعَةٌ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَيَهْلِكَ الْوَلَدُ ثُمَّ لَا يُبَالِي بِالتَّفْرِيقِ حِينَئِذٍ لِلضَّرُورَةِ، إذْ الْوَلَدُ حُرٌّ وَبَيْعُهُ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ إنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ بِيعَتْ كُلُّهَا، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ بِيعَ الْكُلُّ لِلضَّرُورَةِ وَإِذَا بِيعَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ يَنْدَمِلَ قَبْلَ الْحُلُولِ) أَوْ مَعَهُ
(قَوْلُهُ وَجَازَ إعْتَاقُ إلَخْ)
(فَرْعٌ) بَاعَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدَ عَتَاقَةٍ لَكِنَّهُ بَيْعٌ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ الرَّاهِنِ م ر. (قَوْلُهُ يَعْنِي نَفَذَ) أَيْ وَلَمْ يَحْرُمْ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي النَّذْرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي هَذَا الْبَابِ بِحُرْمَتِهِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْقَفَّالِ (قَوْلُهُ الْمُوسِرِ بِالْقِيمَةِ) قَالَ النَّاشِرِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ فَقَدْ بَحَثْت أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِيَسَارٍ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ وَيُوفَى حَالًّا قَالَ: فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدِي أَيْ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَالدَّيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَتَصِيرُ) فِي عَطْفِهِ بِالْفَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ رَهْنًا قَبْلَ الْغُرْمِ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ تَعْبِيرُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ: وَتَصِيرُ مِنْ حِينِ عَدَمِهَا رَهْنًا، بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِ الرَّوْضِ: بَعْدَ فَصْلِ أَرْشِ الْمَرْهُونِ: وَقِيمَتِهِ إنْ ضُمِنَ رَهْنٌ، وَلَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي مَا نَصُّهُ: ثُمَّ مَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ رَهْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِرَهْنِيَّتِهَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْأَرْشِ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي ثُمَّ رَأَيْت نَقْلَ ذَلِكَ عَنْ السُّبْكِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَرَأَيْت الشَّارِحَ مَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَقَالَ: وَقَبْلَ الْغُرْمِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ، بِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ كَالْأَرْشِ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي اهـ.
وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ جَعَلَ فَائِدَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ قَامَ مَا خَلَّفَهُ مَقَامَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيُقَدَّمُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ اهـ. وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ، بِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ مَا خَلْفَهُ فَيَلْزَمُ انْتِقَالُ الرَّهْنِيَّةِ مِنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا نَظِيرَ لِذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَحَصَلَ الِانْتِقَالُ فِي الْحَيَاةِ وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا قَدْرَ الْقِيمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ) بِسُؤَالِهِ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بِسُؤَالِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: سُؤَالُهُ أَوْ غَيْرُهُ حَجَرٌ ش ع.
(قَوْلُهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ) أَيْ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِرّ (قَوْلُهُ وَفِي وُرُودِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُورِثِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ نَفْسَهُ وَفِي الرَّهْنِ الْجَعْلِيَّ لَا غَيْرِهِمَا، ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ مِنْهُ اهـ. قُلْت وَكَذَا الْأُولَى، إذْ لَا يَصْدُقُ فِيهَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ غَيْرِ الرَّاهِنِ حَتَّى يُرَدَّ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ فِي صُورَةِ الْإِيلَادِ) أَيْ مِنْ الْمُعْسِرِ (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) قَدْ يُقَالُ: أَيُّ حَاجَةٍ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَحَلَّ امْتِنَاعِ التَّفْرِيقِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْوَلَدُ هُنَا حُرٌّ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ) فِي الرَّوْضِ، وَإِنْ نَقَصَهَا التَّشْقِيصُ أَيْ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ قَالَ: بِخِلَافِ غَيْرِهَا قَالَ: فِي شَرْحِهِ أَيْ مِنْ نَحْوِ رَقِيقٍ رُهِنَ بِخَمْسِينَ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَكَانَ لَا يُشْتَرَى نِصْفُهُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ وَيُشْتَرَى الْكُلُّ بِمِائَةٍ، فَلَا يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
الْقَطْعُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) إلَّا إذَا كَانَ الْغَيْرُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ كَالْبَيْعِ مِنْهُ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ إلَخْ) وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُورِثِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ الْمُعْسِرُ) أَيْ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ
مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَوَفَّى، انْفَكَّ الرَّهْنُ عَنْ الْبَاقِي وَاسْتَقَرَّ الْإِيلَادُ فِيهِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمُولِدِ بِحَسْبِ نَصِيبِهِمَا، وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ، وَمَتَى انْفَكَّ رَهْنُهَا وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا أَوْ زَالَ ثُمَّ عَادَ نَفَذَ الْإِيلَادُ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي الْعِتْقَ حَالًّا، فَإِذَا رُدَّ لُغِيَ وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ حُكْمُهُ حَالًّا لِحَقِّ الْغَيْرِ، فَإِذَا زَالَ الْحَقُّ ثَبَتَ حُكْمُهُ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَ هَذِهِ الْأَمَةَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَا لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَالْيَسَارُ بِهَا (فِي يَوْمَئِذٍ) أَيْ: يَوْمِ إذْ أَعْتَقَ أَوْ أَوْلَدَ أَيْ: أَحْبَلَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْإِتْلَافِ أَوْ سَبَبُهُ.
وَالنَّاظِمُ فَهِمَ مِنْ يَوْمِ الْإِيلَادِ أَنَّ مُخْتَارَ الْحَاوِي يَوْمُ الْوِلَادَةِ فَاعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ: (قُلْت اخْتِيَارُ غَيْرِهِ) أَيْ: الْحَاوِي (أَنَّ الْأَمَهْ) الْمُسْتَوْلَدَةَ (هُنَا بِيَوْمِ حَبِلَتْ مُقَوَّمَهْ) أَيْ: تُقَوَّمُ فِي يَوْمِ الْإِحْبَالِ.
(وَ) جَازَ بِمَعْنَى نَفَذَ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ (مِنْ) رَاهِنٍ (مُقِلٍّ) أَيْ: مُعْسِرٍ (حَيْثُ وَصْفُ تِلْكَا) أَيْ: تِلْكَ الْعَيْنَ الَّتِي عُلِّقَ عِتْقُهَا بِهِ (لَمْ يَكُ) أَيْ: لَمْ يُوجَدْ، (إلَّا بَعْدَ أَنْ يُفَكَّا) أَيْ: الرَّهْنَ أَوْ مَعَ انْفِكَاكِهِ، أَوْ كَانَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْفَكُّ، إذْ لَمْ يُوجَدْ حَالَ الرَّهْنِ إلَّا التَّعْلِيقُ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْوَصْفُ قَبْلَ الْفَكِّ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى.
(وَيَغْرَمُ الْمُعْسِرُ) قِيمَةَ أَمَتِهِ الْمَرْهُونَةِ الَّتِي أَوْلَدَهَا لِتَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهَا، (إذْ تَمُوتُ بِهْ) أَيْ: إذَا مَاتَتْ بِالْإِيلَادِ وَقَدَرَ عَلَى قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى هَلَاكِهَا بِالْإِحْبَالِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَالْعِبْرَةُ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ (كَوَطْءِ مَمْلُوكَةِ غَيْرٍ تَشْتَبِهْ) عَلَى الْوَاطِئِ وَمَاتَتْ بِالْإِيلَادِ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْإِحْبَالِ لِمَالِكِهَا، وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكَةِ الْحُرَّةُ فَلَا يَغْرَمُ دِيَتَهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ ضَعِيفٌ، وَالْحُرَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَبِالشُّبْهَةِ الْمَوْطُوءَةُ بِحِلٍّ أَوْ زِنًا كَمَا ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ:(خِلَافَ حِلٍّ وَزِنًا) أَيْ: خِلَافَ وَطْئِهِ امْرَأَةً وَلَوْ مَمْلُوكَةً بِحِلِّ نِكَاحٍ أَوْ بِزِنًا بِإِكْرَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَاتَتْ بِالْإِيلَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِتَوَلُّدِ مَوْتِهَا فِي الْأُولَى مِنْ مُسْتَحِقٍّ، وَوِلَادَتُهَا فِي الثَّانِيَةِ لَا تُضَافُ إلَى وَطْئِهِ لِقَطْعِ الشَّرْعِ نَسَبَ الْوَلَدِ عَنْهُ.
(وَنَفَذَا كُلٌّ) مِمَّا امْتَنَعَ عَلَى الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعٍ وَتَزْوِيجٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهَا، (بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ كَانَ لِحَقِّهِ، وَقَدْ زَالَ بِإِذْنِهِ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَلَوْ وَطِئَ بِالْإِذْنِ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَيْهِ مُنِعَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، إلَّا أَنْ تَحْبَلَ مِنْ تِلْكَ الْوَطْأَةِ، فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ، وَمَحَلُّ نُفُوذِ الْبَيْعِ (إذَا لَمْ يَشْرِطْ التَّعْجِيلَ) لِدَيْنِهِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ ثَمَنِ مَا أَذِنَ فِي بَيْعِهِ، (أَوْ) لَمْ يُشْرَطْ (رَهْنَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ هُنَا بِيَوْمِ) أَيْ فِي يَوْمِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَيْهِ مُنِعَ) وَالْكَلَامُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ، وَإِلَّا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: نَعَمْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَا وَجْهَ لِلْبُطْلَانِ فِي الْحَالِّ أَيْ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ فِيمَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الثَّمَنِ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ رَهْنَهُ أَوْ جَعْلَهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ مِنْ بَيْعٍ) وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ حَالًّا قُضِيَ مِنْ ثَمَنِهِ وَحُمِلَ إذْنُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ فِي غَرَضِهِ لِمَجِيءِ وَقْتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فَيَكُونُ الرَّاهِنُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُطْلِقْ الْإِذْنَ، بَلْ قَالَ: بِعْهُ وَلَا آخُذُ حَقِّي مِنْهُ بَطَلَ الرَّهْنُ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّيْنِ) وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ لَكِنْ فِي ق ل أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ، لَا بِالْحَمْلِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ تَوَقَّفَ الْبُطْلَانُ فِيهِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ يَغْرَمُ فِيهِ الْقِيمَةَ رَهْنًا، وَهُنَا لَا غُرْمَ فَرُوعِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ قَدْ بَطَلَ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْبَالِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَاعْتَمَدَ زي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ ق ل. (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَشْرِطْ التَّعْجِيلَ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ، وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ وَلَمْ يَشْرِطْ شَيْئًا، فَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ لِبُطْلَانِ الرَّهْنِ، فَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ: بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ بَطَلَ الْإِذْنُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ بِإِسْقَاطِ فَائِدَةِ الْأَجَلِ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ: أَذِنْت لَك فِي بَيْعِهِ لِتَعْجَلَ، وَنَوَى بِهِ الشَّرْطَ لَا الْعِلَّةَ الْغَائِبَةَ، فَكَذَلِكَ فَإِنْ أَطْلَقَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ، بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاشْتِرَاطَ وَلَا الْعِلَّةَ الْغَائِبَةَ صَحَّ الْإِذْنُ وَالْبَيْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، أَمَّا فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ جَعْلُ الثَّمَنِ رَهْنًا بَطَلَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّيْنَ حَالٌّ فَثَمَنُهُ رَهْنٌ، فَيَكُونُ الرَّاهِنُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ إلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، فَإِذَا شُرِطَ جَعْلُهُ رَهْنًا كَانَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ وَشَغْلًا لِلْمَشْغُولِ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَيَبْطُلُ هَذَا الْإِذْنُ، فَإِنْ شُرِطَ كَوْنُهُ رَهْنًا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ فَعِنْدَ الْإِسْنَوِيِّ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، وَعِنْدَ م ر يَبْطُلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ رَهْنِ الْمَجْهُولِ أَيْ: مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ شَيْءٌ صَحَّ الْإِذْنُ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الرَّاهِنِ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ إلَى الْوَفَاءِ
الثَّمَنْ) مَكَانَ مَا أَذِنَ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا مِنْهُمَا لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الْإِذْنِ بِفَسَادِ شَرْطِهِ، لِعَدَمِ لُزُومِ تَعْجِيلِ الْمُؤَجَّلِ بِالشَّرْطِ فِي الْأُولَى وَجَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي الثَّانِيَةِ.
وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ نُفُوذُ الْبَيْعِ إذَا عُلِمَ الثَّمَنُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْإِذْنُ فِي الْإِعْتَاقِ وَالْوَطْءِ إذَا أَحْبَلَ، بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فَيَبْطُلَ الْإِذْنُ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِذْنِ وَالْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ بِصِحَّتِهِمَا فِيمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ عَلَى أَنَّ لَهُ عُشْرَ ثَمَنِهِ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ بِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابَلَةِ إذْنِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ جُعْلًا مَجْهُولًا، فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْوَكِيلِ، وَهُنَا الْمُرْتَهِنُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابَلَةِ إذْنِهِ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ أَوْ رَهَنَ الثَّمَنَ فَبِفَسَادِهِ يَفْسُدُ مُقَابِلُهُ، لَكِنْ قَالُوا فِيمَا لَوْ صَالَحَ الرَّاهِنُ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ: صَحَّ وَكَانَ الْمَأْخُوذُ رَهْنًا وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّهُ إذَا شُرِطَ فِي الصُّلْحِ رَهْنُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ، فَإِنَّ الصُّلْحَ بَيْعٌ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوَثِيقَةِ هُنَاكَ الْبَدَلُ، فَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَإِنَّ فِيهِ نَقْلَ وَثِيقَةٍ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَكَيْفَ لَا، وَالْمَرَاوِزَةُ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَرْشَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مَرْهُونًا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: أَذِنْت بِشَرْطِ رَهْنِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ مُطْلَقًا صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ.
(وَيَرْجِعُ) جَوَازًا (الْآذِنُ) أَيْ: الْمُرْتَهِنُ عَنْ إذْنِهِ لِلرَّاهِنِ فِي التَّصَرُّفِ (قَبْلَهُ) لِبَقَاءِ حَقِّهِ، كَمَا أَنَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعَ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ رَجَعَ فَالتَّصَرُّفُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الرَّاهِنُ بِالرُّجُوعِ حَتَّى تَصَرَّفَ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْإِذْنِ، (كَأَنْ يَأْذَنَ ذَا) أَيْ: الْمُرْتَهِنِ (فِي هِبَةٍ وَرَهْنِهِ) أَيْ: فِي هِبَةِ الْمَرْهُونِ أَوْ رَهْنِهِ وَقَبْضِهِ فِيهِمَا، (وَعَادَ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْ إذْنِهِ) ، فَإِنَّ عَوْدَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ عَوْدِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، إذْ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ وَالْخِيَارُ دَخِيلٌ فِيهِ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَطْءُ بِلَا إحْبَالٍ. (وَحَلَّفُوا مَنْ جَحَدَ الرُّجُوعَا) ، وَهُوَ الرَّاهِنُ (فِي الْإِذْنِ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ، مَثَلًا كَأَنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَبَاعَ وَادَّعَى الرُّجُوعَ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَهُ فَجَحَدَ الرَّاهِنُ أَصْلَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (قُلْتُ) : مَحَلُّهُ إذَا ادَّعَى الرُّجُوعَ (بَعْدَ أَنْ يَبِيعَا) أَيْ: الرَّاهِنُ مَا أُذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ قَبْلَهُ، وَمِثْلُهُ دَعْوَاهُ الرُّجُوعُ مَعَ الْبَيْعِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّاظِمِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي إذْنِ الْمُرْتَهِنِ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ، فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الرَّاهِنُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِهِ أَوْ نَكَلَ، وَكَانَ التَّصَرُّفُ إعْتَاقًا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الرَّقِيقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَلَ الْمُفْلِسُ أَوْ وَارِثُهُ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، حَيْثُ لَا يَحْلِفُ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَالْغَرِيمُ يُثْبِتُهُ لِلْمُفْلِسِ أَوَّلًا، وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَوَرَثَةِ الْمُرْتَهِنِ حَلَفُوا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، أَوْ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَوَرَثَةِ الرَّاهِنِ حَلَفُوا يَمِينَ الرَّدِّ عَلَى الْبَتِّ.
(وَ) حَلَّفُوا (جَاحِدًا لِلْبَيْعِ قَبْلَ الْعَوْدِ عَنْ إذْنٍ وَ) الْجَاحِدُ (هَاهُنَا: هُوَ الَّذِي ارْتَهَنْ) كَأَنْ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: بِعْت قَبْلَ رُجُوعِك وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ بَعْدَهُ فَيَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ قَبْلَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ، وَالرُّجُوعُ فِي
ــ
[حاشية العبادي]
رَهْنًا؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْمَرْهُونِ مُحَالٌ اهـ. قُلْت وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّ رَهْنَ الْمَرْهُونِ مُحَالٌ شَامِلٌ لِحَالَةِ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ، وَلْيُتَأَمَّلْ التَّقْيِيدُ بِالْحَالِّ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ قَبْضُ الْحَالِّ كَانَ الثَّمَنُ رَهْنًا
(قَوْلُهُ وَجَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ وَعَدَمِهِ إنْ قَدَّرَهُ فَانْدَفَعَ وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ م ر. (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ الْإِذْنُ) قَضِيَّةُ الْبُطْلَانِ أَنْ لَا يَنْفُذَ الْإِعْتَاقُ وَلَا الْإِيلَادُ مِنْ الْمُعْسِرِ، وَبِذَلِكَ صُرِّحَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ إذَا شُرِطَ فِي الصُّلْحِ) هَلَّا قَالَ: فِي الْإِذْنِ فِي الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ النَّظِيرُ لِمَا يَجِيءُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ. (قَوْلُهُ مَرْهُونًا قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَلَى هَذَا نَقْلٌ مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ التَّصَرُّفِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ) أَيْ وَفِيهِمَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ. (قَوْلُهُ الْوَطْءُ بِلَا إحْبَالٍ) وَهَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فِي الْوَطْءِ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَبِيعَا) مُتَعَلِّقُ ادَّعَى
ــ
[حاشية الشربيني]
وَإِنْ قَالَ بَعْدُ: وَلَا آخُذُ حَقِّي مِنْهُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ اهـ. أَفَادَهُ م ر.
وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبِيلِ رَهْنِ الْمَجْهُولِ أَيْ: لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِذْنِ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْدُومٌ أَيْضًا وَقَالَ حَجَرٌ إنْ قَصَدَ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ رَهْنًا فِي الْحَالِ الْإِنْشَاءَ بَطَلَ، وَإِنْ قَصَدَ اسْتِصْحَابَ الرَّهْنِ عَلَى الثَّمَنِ فَيَصِحُّ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِالْوَاقِعِ اهـ. وَأَقَرَّهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وسم عَلَى الْمَنْهَجِ
. (قَوْلُهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) قَالَ م ر: إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِلَّا كَانَتْ سَلْطَنَةُ الرُّجُوعِ لَهُ بِلَا خِلَافٍ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الرَّاهِنُ) فَلَوْ وَافَقَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى الرُّجُوعِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْمَرْهُونُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ، وَعَلَى الرَّاهِنِ بَدَلُهُ، كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ إعْتَاقًا) أَيْ أَوْ إيلَادًا كَمَا فِي م ر. (قَوْلُهُ عَلَى الرَّقِيقِ) فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ، فَيَتَعَارَضَانِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ (وَالرَّهْنِ وَالْقَبْضِ) أَيْ: وَحَلَّفُوا جَاحِدًا الرَّهْنَ أَوْ قَبْضَ الْمَرْهُونِ، وَهُوَ الرَّاهِنُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا، نَعَمْ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي قَبْضِهِ وَجَحَدَ الرَّاهِنُ قَبْضَهُ عَنْ الرَّهْنِ، فَالْقَوْلُ: قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ قَرِينَةُ الصِّدْقِ، (وَلَوْ أَقَرَّا) أَيْ: الرَّاهِنُ بِالْقَبْضِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ إذَا جَحَدَهُ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةِ كَذَا فِي النَّظْمِ وَأَصْلِهِ هُنَا.
وَاَلَّذِي فِيهِمَا فِي الْقَضَاءِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا هُنَا: تَحْلِيفُ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَرْهُونَ، سَوَاءٌ ذَكَرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ: أَشْهَدْت عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ، أَوْ دُفِعَ إلَيَّ كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي فَتَبَيَّنَ تَزْوِيرَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَثَائِقَ فِي الْغَالِبِ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحْقِيقِ مَا فِيهَا، وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الدَّعْوَى فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ الْقَفَّالُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ ذَكَرَ تَأْوِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا فَرْقَ لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ قَامَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ فَقَالَ: مَا أَقْرَرْت فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدْت عَازِمًا عَلَيْهِ، إذْ لَا يُعْتَادُ ذَلِكَ.
(وَ) حَلَّفُوا جَاحِدًا (الْقَبْضِ عَنْ رَهْنٍ) ، وَهُوَ الرَّاهِنُ بِأَنْ جَحَدَ قَبْضَ الْمَرْهُونِ عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ، وَهُوَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ (وَ) ادَّعَى (دَعْوَى أُخْرَى) أَيْ: قَبْضَهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَغَصْبٍ وَإِيدَاعٍ وَإِعَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ الْإِذْنِ فِي قَبْضِهِ عَنْ الرَّهْنِ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: وَالْقَبْضِ (وَ) حَلَّفُوا جَاحِدًا (عَوْدِهِ عَنْ إذْنِ قَبْضٍ قَبْلَهُ) ، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ، بِأَنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ قَبْلَهُ وَجَحَدَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ عَنْ الرَّهْنِ) أَسْقَطَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْجَوْجَرِيُّ وَعِبَارَتُهُ: لَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَاعْتَرَفَ لَهُ الرَّاهِنُ بِالرَّهْنِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ لَكِنْ قَالَ: إنَّك لَمْ تَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ فَالْمُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ الدَّعْوَى) اعْلَمْ أَنَّهُمْ فِي بَابِ الْقَضَاءِ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ الْبَرَاءَةِ أَوْ الْحَوَالَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِفِسْقِ الشُّهُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، تَوَجَّهَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ فَلَا تَحْلِيفَ فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَأْخَذَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ وَيَبْقَى شَيْءٌ آخَرُ يُعْلَمُ مِنْ الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إلَخْ) لَوْ كَانَ إقْرَارُهُ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالْقَبْضِ، فَأَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ، بِأَنَّ لَهُ تَحْلِيفَ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا كَمَا أَطْلَقُوهُ هُنَا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ صَرَّحَ فِي بَابِ الدَّعْوَى بِعَدَمِ الْقَبُولِ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ، وَإِلَّا فَلَهُ التَّحْلِيفُ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَبُولِ، بِأَنَّ فِي الْقَبُولِ قَدْحًا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَإِفْتَاءُ شَيْخِنَا عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ مَا ذُكِرَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي التَّحْلِيفِ قَدْحًا مُطْلَقًا، إذْ مُقْتَضَى الْحُكْمِ حُصُولُ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَامَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَبْضِ) قَيَّدَهُ الْجَوْجَرِيُّ بَحْثًا بِأَنْ يُعَيِّنُوا الْقَبْضَ عَنْ الْجِهَةِ الْفُلَانِيَّةِ كَالرَّهْنِ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّ الْقَبْضَ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ) مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ الْإِذْنِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْ هَذَا عَدَمُ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِذْنِ، فَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ: نَعَمْ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْقَبْضِ) لَك أَنْ تَقُولَ: هَذِهِ مَفْرُوضَةٌ فِي رَهْنٍ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْقَبْضِ السَّالِفِ قُلْت إنْكَارُ الْقَبْضِ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ هَذِهِ كَمَا يَشْمَلُ اعْتِرَافَ الرَّاهِنِ بِالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ لَا عَنْ جِهَةِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ هُنَا نَوْعَانِ قَدْ يَلْتَبِسَانِ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْتَرِفَ الرَّاهِنُ بِالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ فَيَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ يَقُولَ لَهُ الرَّاهِنُ: إنَّمَا قَبَضْته عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَلَفَ. نَعَمْ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَيَقُولُ: قَبَضْته عَنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ وَيَقُولُ: الرَّاهِنُ إنَّمَا أَذِنْت لَهُ عَنْ قَبْضِهِ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ الْمَتْنِ هُنَا بِرّ.
(قَوْلُهُ وَجَحَدَهُ الْمُرْتَهِنُ) لَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَلَكِنْ زَعَمَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ بِرّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِيَدِ الرَّاهِنِ، وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَهُ فَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ اهـ. حَاشِيَةٌ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ أَدْرَى بِصِفَةِ قَبْضِهِ، كَمَا أَنَّ الرَّاهِنَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْإِقْبَاضَ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَدْرَى بِصِفَةِ إقْبَاضِهِ اهـ. حَاشِيَةٌ
عَدَمُ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(وَقَدْرِ مَرْهُونٍ وَمَرْهُونٍ لَهُ) أَيْ: لِأَجْلِهِ أَوْ لَهُ بِمَعْنَى: بِهِ، كَمَا عُبِّرَ بِهِ فِي الْقَضَاءِ كَالْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَيْ: وَحَلَّفُوا جَاحِدًا قَدْرَ مَرْهُونٍ أَوْ قَدْرَ مَرْهُونٍ بِهِ، وَهُوَ الرَّاهِنُ فِيهِمَا كَأَنْ يَقُولَ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأُولَى: رَهَنْتنِي الْأَرْضَ بِشَجَرِهَا فَيَقُولَ الرَّاهِنُ: بَلْ بِدُونِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: رَهَنْته بِأَلْفَيْنِ فَيَقُولَ الرَّاهِنُ: بَلْ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ فِي الْأُولَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ رَدِّهِ الْمَرْهُونَ لِلرَّاهِنِ: رَهَنْتنِي عَبْدًا وَاحِدًا وَيَقُولَ الرَّاهِنُ: بَلْ عَبْدَيْنِ.
(قُلْت: وَهَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِ الْحَاوِي: وَحَلَفُوا إلَى هُنَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِهِ (فِي الْقَضَاءِ ذَكَرَهْ فَهُوَ مِنْ الْمَعْدُودِ فِيمَا كَرَّرَهْ)، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ النَّظْمِ: وَالرَّهْنِ وَالْمَعْطُوفَاتِ بَعْدَهُ، النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْبَيْعِ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْجَرُّ عَطْفًا عَلَى لَفْظِهِ
(وَالْيَدُ) عَلَى الْمَرْهُونِ بَعْدَ اللُّزُومِ (مَعْ) كَوْنِهَا يَدَ (أَمَانَةٍ) ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ (لِلْمُرْتَهِنْ) ، أَمَّا كَوْنُهَا لَهُ؛ فَلِأَنَّ قِوَامَ التَّوَثُّقِ بِهَا، وَلَوْ شَرْطًا وَضْعُهُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا جَازَ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، إذْ رُبَّمَا لَا يَثِقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَيَثِقَانِ بِثَالِثٍ، وَلَوْ ارْتَهَنَ أَمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ طِفْلَةً، أَوْ كَانَ هُوَ امْرَأَةً أَوْ أَجْنَبِيًّا ثِقَةً وَعِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ وُضِعَتْ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَعِنْدَ مَحْرَمٍ لَهَا أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ أَوْ عَدْلٍ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْخُنْثَى كَالْأَمَةِ لَكِنْ لَا يُوضَعُ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلَوْ ارْتَهَنَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا أَوْ الْحَرْبِيُّ سِلَاحًا، وُضِعَ عِنْدَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا أَمَانَةً فَلِخَبَرِ:«الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ أَيْ: مِنْ ضَمَانِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، إلَّا إذَا تَعَدَّى فِيهِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ كَمَوْتِ الْكَفِيلِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ.
(وَشَرْطُهُ عَارِيَّةُ الْمَرْهُونِ إنْ شَهْرٌ مَضَى أَوْ بَيْعُهُ) أَيْ: وَشَرْطُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ عَارِيَّةَ الْمَرْهُونِ أَوْ بَيْعُهُ مِنْهُ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مَثَلًا فِيهِمَا وَقَبْضِهِ لَهُ، (نَضْمَنُهْ) لَهُ بِذَلِكَ (مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ: الشَّهْرِ (وَقَبْلَهُ نَسْتَأْمِنُهْ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الشَّهْرِ بِحُكْمِ فَاسِدِ الرَّهْنِ لِتَأْقِيتِهِ، وَبَعْدَهُ بِحُكْمِ فَاسِدِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْبَيْعِ لِتَعْلِيقِهِمَا، وَالْأَصْلُ: أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ: (وَكَالصَّحِيحِ كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَا ضَمَانًا أَوْ فَقْدَ ضَمَانٍ أَبَدَا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ اقْتَضَى صَحِيحُهُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ أَوْلَى أَوْ عَدَمَهُ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَثْبَتَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِالْعَقْدِ ضَمَانًا، فَالْمَقْبُوضُ بِفَاسِدِ بَيْعٍ أَوْ إعَارَةٍ مَضْمُونٌ وَبِفَاسِدِ رَهْنٍ أَوْ هِبَةٍ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ كَغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ الْحَاوِي: وَفَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فَهُوَ مِنْ الْمَعْدُودِ إلَخْ) أُجِيبَ بِمَنْعِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَذْكُورَةٌ هُنَا لِبَيَانِ مَنْ يُصَدَّقُ، وَفِي الْقَضَاءِ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ، وَأَنَّهَا عَلَى الْبَتِّ أَوْ نَفْيِ الْعِلْمِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُوضَعُ عِنْدَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ يُوضَعُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ غَيْرِهِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فِي الْجَارِيَةِ، وَفِي الْبَيَانِ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَوَاضِحٌ أَوْ كَبِيرًا وُضِعَ عِنْدَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لَا عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ شَرْحٌ. رَوْضٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَهَنَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا) وَيَسْتَنِيبُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا فِي الْقَبْضِ.
(قَوْلُهُ أَوْ بَيْعُهُ مِنْهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ كَانَ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ أَوْ طِفْلَةً) أَيْ لَا تُشْتَهَى م ر. (قَوْلُهُ ثِقَةٍ) رَاجِعٌ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ ثِقَةً ع ش وَقِ ل. (قَوْلُهُ أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ) وَكَذَا وَاحِدَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ مَحْرَمٍ لَهَا إلَخْ) أَيْ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهَا قَبْلُ. (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يُوضَعُ إلَخْ) وَقَالَ زي: لَا يُوضَعُ إلَّا عِنْدَ مَحْرَمٍ أَوْ مَمْسُوحٍ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُوضَعُ عِنْدَ رَجُلٍ وَلَا أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ عِنْدَهُ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ مَعَ جَوَازِ الْخَلْوَةِ حِينَئِذٍ، لَوْ كَانَ رَجُلًا. (قَوْلُهُ أَوْ مُصْحَفًا) أَيْ مَا فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَوْ حَرْفًا بِقَصْدِهِ (قَوْلُهُ وُضِعَ عِنْدَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ) وَيَجِبُ تَوْكِيلُهُ أَيْضًا فِي قَبْضِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَهُ شَيْخُنَا ق ل. وَقِيلَ: يَجِبُ فِي الْمُصْحَفِ فَقَطْ فَيَقْبِضُ الْكَافِرُ الْعَبْدَ وَالْحَرْبِيُّ السِّلَاحَ، ثُمَّ يُنْزَعُ مِنْهُ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ وَكَالصَّحِيحِ إلَخْ) قَالَ م ر: الْمُرَادُ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَيْنِ نَفْسِهَا، فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَعَدَمَهُ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَيْنِ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا كَأُجْرَةِ عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالشَّرِيكِ، فَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مِنْ نَحْوِ الْغَاصِبِ يَكُونُ مَا ارْتَهَنَهُ مَضْمُونًا مَعَ أَنَّ الرَّهْنَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَخَالَفَ الْفَاسِدُ الصَّحِيحَ فِي هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِ الْعَيْنِ وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَاسِدَ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ ذَلِكَ الْعَقْدُ كَصَحِيحِهِ، وَالضَّمَانُ هُنَا لَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ رَهْنًا، وَإِلَّا لَزِمَ الضَّمَانُ فِي كُلِّ رَهْنٍ فَاسِدٍ، بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ غَصْبًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ هُنَا كَيَدِ الْغَاصِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ) لَمْ يَقُلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَيْسَ أَوْلَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ، بَلْ بِالضَّمَانِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ ضَمَانًا إلَخْ) الْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ فِي مُطْلَقِ الضَّمَانِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِهِ كَصَحِيحِ الْبَيْعِ يُضْمَنُ بِالثَّمَنِ وَفَاسِدِهِ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ، وَقَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الضَّامِنِ أَيْضًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَلِيُّ لِلطِّفْلِ عَلَى عَمَلٍ إجَارَةٍ فَاسِدَةً
كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ مَسَائِلُ. إحْدَاهَا: إذَا قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً. الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِي فَهُوَ كَالْقِرَاضِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فَيَكُونُ فَاسِدًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً. الثَّالِثَةُ: إذَا صَدَرَ عَقْدُ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا جِزْيَةَ فِيهِ عَلَى الذِّمِّيِّ. الرَّابِعَةُ: إذَا عَرَضَ الْعَيْنَ الْمُكْتَرَاةَ عَلَى الْمُكْتَرِي فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهَا إلَى أَنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لَمْ تَسْتَقِرَّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ الْخَامِسَةُ: إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا أَوْ لِيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدَهُ مُدَّةً وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَا تُتَوَقَّعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً كَمَا اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ مَغْرُوسٍ وَقَدَّرَ مُدَّةً لَا يُثْمِرُ فِيهَا عَادَةً. وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ نَظَرٌ، بَلْ الْأَوْجَهُ لُزُومُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِيهَا لِلْعَامِلِ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الثَّانِي مَسْأَلَتَانِ. إحْدَاهُمَا: الشَّرِكَةُ لَا يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَلَ الْآخَرِ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَسَادِهَا. الثَّانِيَةُ: إذَا صَدَرَ الرَّهْنُ أَوْ الْإِجَارَةُ مِنْ مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ عَلَى الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَشَارَ الْأَصْحَابُ بِالْأَصْلِ فِي قَوْلِهِمْ: الْأَصْلُ أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ إلَى آخِرِهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْ رَشِيدٍ، فَلَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحُهُ الضَّمَانَ كَانَ مَضْمُونًا. نُبِّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَكْثَرِ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ فِي الْمُهِمَّاتِ
(وَلِانْتِفَاعٍ لَا يُجَامِعُ الْيَدَا يَنْزِعُهُ) أَيْ: وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْزِعَ الْمَرْهُونَ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِانْتِفَاعِهِ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ بَقَائِهِ، إنْ لَمْ يُجَامِعْ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَدَ الْمُرْتَهِنِ كَرُكُوبٍ وَخِدْمَةٍ وَسُكْنَى، بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَهَا كَحِرْفَةٍ لِلْعَبْدِ يُمْكِنُ أَنْ يَعْمَلَهَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَلَا يَنْزِعُهُ الرَّاهِنُ لِعَمَلِهَا، وَلَهُ نَزْعُهُ لِلْخِدْمَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِتَفْوِيتِهِ كَنَقْدٍ وَحَبٍّ، فَلَا يَنْزِعُهُ لِذَلِكَ أَصْلًا، وَيُشْتَرَطُ فِي نَزْعِهِ الْأَمَةَ أَنْ يُؤْمَنَ وَطْؤُهَا لِكَوْنِهِ مَحْرَمًا أَوْ ثِقَةً وَعِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ: يَنْزِعُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي وَقْتِ الِانْتِفَاعِ لَا غَيْرُ، فَيَرُدُّ الدَّابَّةَ وَعَبْدَ الْخِدْمَةِ لَيْلًا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرَّاحَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَيْلًا فَقَطْ رَدَّهُ نَهَارًا أَوْ دَائِمًا كَسُكْنَى بَيْتٍ فَلَا رَدَّ أَصْلًا، وَلَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ كَمَا مَرَّ.
(وَأَشْهَدَا) أَيْ: الرَّاهِنُ عَلَى نَزْعِهِ لِلِانْتِفَاعِ كُلَّ مَرَّةٍ لِئَلَّا يَجْحَدَ الرَّهْنَ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَالِ، وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ كَمَا اكْتَفَى هُوَ بِهِ فِي الْفَسْخِ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ، (لَا) رَاهِنٌ (ذُو اشْتِهَارٍ بِعَدَالَةٍ) فَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادَ كُلَّ مَرَّةٍ لِلْمَشَقَّةِ، (كَمَا لَهُ طِلَابُ بَيْعِهِ) أَيْ: وَالْيَدُ عَلَى الْمَرْهُونِ
ــ
[حاشية العبادي]
الْأَمْرَيْنِ لَا فِي أَحَدِهِمَا. (قَوْلُهُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ مَسَائِلُ إلَخْ) إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَخْذِهِمْ الضَّمَانَ أَعَمَّ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ، وَلَوْ جُعِلَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ ضُمِنَتْ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ ضُمِنَتْ بِفَاسِدِهِ، وَمَا لَا فَلَا لَمْ يَحْتَجْ لِلِاسْتِثْنَاءِ، إذْ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ لَيْسَ لِلْعَيْنِ. (قَوْلُهُ بَلْ الْأَوْجَهُ إلَخْ) أَيْ لِدُخُولِهِ طَامِعًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ) أَيْ إذَا كَانَ جَاهِلًا
(قَوْلُهُ وَلِانْتِفَاعٍ لَا يُجَامِعُ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ (فَرْعٌ) لَا تُزَالُ يَدُ الْبَائِعِ عَنْ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، بَلْ يَسْتَكْسِبُ أَيْ فَفِي يَدِهِ لِلْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ وَلَهُ نَزْعُهُ لِلْخِدْمَةِ) وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الِاحْتِرَافِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَخَذَهُ لِلِانْتِفَاعِ الْجَائِزِ فَتَلِفَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَمَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ كَالْمُرْتَهِنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ ائْتَمَنَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمُرْتَهِنُ مُجْبَرٌ عَلَى الدَّفْعِ لِلرَّاهِنِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ وَيُؤْخَذُ مِنْ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ هُنَا صِحَّةُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ مَنْ لِمِلْكِهِ طَرِيقٌ مُشْتَرَكٌ فَطَلَبَ شَرِيكُهُ الْإِشْهَادَ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ إلَيْهِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ إجَابَةِ الدَّائِنِ إلَى الْإِشْهَادِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِرِضَاهُ بِذِمَّتِهِ أَوَّلًا بِخِلَافِ الشَّرِيكِ اهـ. وَهَلْ يَجْرِي مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ شَرِيكٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ. نَعَمْ لَوْ أَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يُشْهِدَ، هَذَا وَنَازَعَ م ر فِيمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ فَلَا يُكَلَّفُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَيَلْزَمُهُ إشْهَادُ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ مَرَّةً فَقَطْ إنْ أَخَذَهُ لِذَلِكَ لَا إنْ كَانَ بَارِزَ الْعَدَالَةِ اهـ. أَيْ فَبَارِزُ الْعَدَالَةِ لَا يَلْزَمُهُ إشْهَادُهُ وَلَا مَرَّةً.
ــ
[حاشية الشربيني]
فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَفِي الصَّحِيحَةِ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ. اهـ. عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَخْ) وَإِنْ جَهِلَ الْفَسَادَ لِدُخُولِهِ غَيْرَ طَامِعٍ، وَكَذَلِكَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَالْخَامِسَةُ. (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَسَادِهَا) أَيْ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَمَلِ، فَلَوْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ صُدِّقَ الْغَارِمُ حَيْثُ ادَّعَى قَدْرًا لَائِقًا. (قَوْلُهُ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْ رَشِيدٍ) أَيْ لِرَشِيدٍ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمُعْطِي رَشِيدًا وَالْآخِذُ غَيْرَ رَشِيدٍ، فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ رَشِيدٍ فَالْحُكْمُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا. سَوَاءٌ كَانَ الصَّحِيحُ مُضْمَنًا أَوْ لَا، اهـ. حَاشِيَةٌ
(قَوْلُهُ وَلِلرَّاهِنِ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْخِيَانَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَشْهَدَ ق ل. (قَوْلُهُ وَأَشْهَدَ) أَيْ قَهْرًا عَلَى الرَّاهِنِ بِمَعْنَى: أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ الِامْتِنَاعَ مِنْ الرَّدِّ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى الرَّاهِنِ لَا بِمَعْنَى الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ كُلَّ مَرَّةٍ) هُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ م ر: أَوَّلَ مَرَّةٍ تَبَعًا لِلْعُبَابِ، إذْ قَدْ يَرُدُّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَعَ الْإِشْهَادِ عَلَى رَدِّهِ، ثُمَّ يُنْكِرُ أَخْذَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ سم وَعِ ش، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْإِشْهَادِ كُلَّ مَرَّةٍ عَلَى مَا إذَا أَشْهَدَ الرَّاهِنُ عَلَى رَدِّهِ وَالْإِشْهَادِ أَوَّلُ مَرَّةٍ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ) أَيْ لِيَحْلِفَ مَعَهُ الْمُرْتَهِنُ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَمِثْلُ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ الِاكْتِفَاءُ بِامْرَأَتَيْنِ لِيَحْلِفَ مَعَهُمَا اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ لَا ذُو اشْتِهَارٍ
لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا لَهُ طَلَبُ بَيْعِهِ (مُقَدَّمَا بِثَمَنٍ) لَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانُوا، وَإِنْ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنَّمَا يُطْلَبُ بَيْعُهُ (حَلَّ) الدَّيْنُ وَلَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ (وَأُجْبِرَ) مِنْ جَبَرَهُ عَلَى كَذَا أَيْ: أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ أَيْ: وَأَجْبِرْ أَيُّهَا الْحَاكِمُ الرَّاهِنَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ (إنْ أَبَى) أَيْ: امْتَنَعَ (عَنْ بَيْعِهِ وَعَنْ أَدَا مَا وَجَبَا) عَلَيْهِ، كَمَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى أَنْ يَأْذَنَ فِي الْبَيْعِ أَوْ يُبْرِئَ إذَا أَبَى عَنْ الْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ، وَأَرَادَ الرَّاهِنُ بَيْعَهُ وَفِي نُسْخَةٍ بُدِّلَ هَذَا الْبَيْتِ بِثَمَنٍ حَلَّ، فَإِنْ أَبَى الْأَدَاءَ وَالْبَيْعَ فَالْقَاضِي بِجَبْرٍ أَنْجَدَا، (فَإِنْ أَصَرَّ) الرَّاهِنُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَبَيْعِ الْمَرْهُونِ (بِعْهُ) أَيُّهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَأَدِّ الْوَاجِبَ مِنْ ثَمَنِهِ، كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا حَاكِمَ هُنَاكَ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِنَفْسِهِ كَمَنْ ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ الْجَاحِدِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ
(تَنْبِيهٌ) لَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي بَيْعِ الْمُرْتَهِنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ، وَقَضِيَّتُهُ: تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ (لَا التَّصَرُّفُ) أَيْ: لِلْمُرْتَهِنِ مَا مَرَّ لَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَرْهُونِ قَوْلًا كَالْعِتْقِ أَوْ فِعْلًا كَالرُّكُوبِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا حَقُّ التَّوَثُّقِ وَمَا يَتْبَعُهُ، (فَوَطْؤُهُ) لِلْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ ظَنِّ حِلِّهِ (زِنًا) كَوَطْءِ الْمُكْتَرِي، فَيُوجِبُ الْحَدَّ وَيُوجِبُ الْمَهْرَ مَا لَمْ تَكُنْ مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ وَفَرْعُهَا مِنْهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، (وَلَا يَخْتَلِفُ) الْحَالُ فِي أَنَّ وَطْأَهُ بِغَيْرِ ظَنِّ الْحِلِّ زِنًا (بِإِذْنِهِ) أَيْ: الرَّاهِنِ، فَلَوْ ادَّعَى مَعَ الْإِذْنِ جَهْلَ التَّحْرِيمِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَشَأَ مُسْلِمًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، إذْ قَدْ يَخْفَى التَّحْرِيمُ مَعَ الْإِذْنِ، (أَمَّا) إذَا وَطِئَهَا (بِظَنِّ الْحِلِّ)، بِأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ (فَشُبْهَةٌ) أَيْ: فَوَطْؤُهُ شُبْهَةٌ (تُوجِبُ) عَلَيْهِ (مَهْرَ الْمِثْلِ) ، مَا لَمْ تُطَاوِعْهُ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ، (وَ) تُوجِبُ (قِيمَةَ الْفَرْعِ) ، إنْ أَوْلَدَهَا بِشُبْهَةٍ لَا تَقْتَضِي رِقَّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ نَسِيبٌ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الزِّنَا كَمَا مَرَّ.
(وَمَنْ قَدْ اُؤْتُمِنَ إنْ رَدَّ دُونَ إذْنِ وَاحِدٍ ضَمِنْ لَهُ) أَيْ: وَاَلَّذِي ائْتَمَنَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ لِوَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ، لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ إذْنِ الْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ، إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ لِلْآخَرِ بِبَدَلِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الدَّيْنِ وَرَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمَرْدُودِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْقِيمَةِ جَاءَ الْكَلَامُ فِي التَّقَاصِّ (وَبِالْفِسْقِ، وَلَوْ بِالزَّائِدِ تَحْوِيلُهُ مِنْهُ لِكُلِّ وَاحِدِ) أَيْ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَأْخَذُ الظَّفَرَ فَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، بَلْ لَوْ كَانَ مِنْ نَوْعِ حَقِّهِ وَصِفَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ مَمْنُوعٌ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّافِرِ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنَّ لَهُ الْبَيْعَ، وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ، بِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُ وَثِيقَةٌ بِحَقِّهِ، فَلَا يُخْشَى فَوَاتُهُ فَاشْتُرِطَ لِظَفَرِهِ الْعَجْزُ بِخِلَافِ ذَاكَ يُخْشَى الْفَوَاتُ لَوْ صَبَرَ لِلْبَيِّنَةِ فَجَازَ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا اهـ.
(قَوْلُهُ تَنْبِيهٌ لَوْ بَاعَهُ) أَيْ لِغَرَضِ الْوَفَاءِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَرَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ) لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُوضَعُ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَضْعَ الرَّهْنِ تَحْتَ يَدِهِ وَلَمْ يَرْضَ الرَّاهِنُ بِيَدِهِ، وَفَوَاتُ الْعَيْنِ لَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْبَدَلِ بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ رَدَّهُ لِجِهَةِ الْمُرْتَهِنِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ بِالتَّلَفِ، وَأَنَّهُ يُجْعَلُ تَحْتَ يَدِ مَنْ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَلَا إشْكَالَ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي يَدِ الْمَرْهُونِ أَوْ جُزْئِهِ الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ جَاءَ الْكَلَامُ فِي التَّقَاصِّ) إنْ كَانَ الرَّدُّ لِلْمُرْتَهِنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا رَدَّهُ لِلرَّاهِنِ وَلِلْعَدْلِ
ــ
[حاشية الشربيني]
إلَخْ) فِي سم وَحَجَرٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَتَى اتَّهَمَهُ أَشْهَدَ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُشْتَهِرًا بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ النَّاسِ. (قَوْلُهُ وَأُجْبِرَ إنْ أَبَى) اعْلَمْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِامْتِنَاعِ يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ إجْبَارِهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ هُوَ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي ع ش فَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَصَرَّ بِعْهُ الْإِصْرَارُ فِيهِ قَيْدٌ فِي تَعَيُّنِ تَوَلِّيهِ لِلْبَيْعِ فَقَطْ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ بِعْهُ أَيُّهَا الْحَاكِمُ) وَإِنَّمَا يَبِيعُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَإِلَّا بَاعَ غَيْرَهُ مِنْ مَالِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ خَالَفَ الْمَصْلَحَةَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمَحَلُّ بَيْعِ غَيْرِهِ أَيْضًا إنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُوفَى بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْمُفْتِينَ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ فِي غَيْبَتِهِ) وَلَوْ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عَلَى الرَّاجِحِ اهـ. م ر (قَوْلُهُ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ بِإِشْهَادٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ كَالظَّافِرِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الظَّفَرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِتَمَامِ الشَّبَهِ
(قَوْلُهُ وَيُوجِبُ الْمَهْرَ إنْ أَكْرَهَهَا) وَكَذَا إنْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً وَتَجْهَلُ الْحُرْمَةَ، وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ مَهْرُ بِكْرٍ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ فِي الْبِكْرِ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَنُوزِعَ فِيهِ، بِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْغَصْبِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ مَهْرُ ثَيِّبٍ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ اهـ. ق ل، وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ الْوَاطِئَ هُنَا لَمَّا كَانَ مُسْتَنِدًا لِشُبْهَةِ الرَّهْنِ أُلْحِقَ بِالْمُشْتَرِي شِرَاء فَاسِدًا، وَهُوَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ مَعَ مَهْرِ الْبِكْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إذْنٌ، وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ إذْنٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ صُدِّقَ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُ مِثْلِهِ يَجْهَلُ ذَلِكَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ إذْ قَدْ يَخْفَى إلَخْ) وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَالزِّيَادِيُّ ق ل. (قَوْلُهُ أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ) أَيْ تَحْرِيمَ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ أَوْ تَحْرِيمَ الزِّنَا حَيْثُ قُبِلَ، بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْبَوَادِي الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْحَلَالَ مِنْ الْحَرَامِ اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ) وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَنَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ وَتُوجِبُ قِيمَةَ الْفَرْعِ) أَيْ لِلرَّاهِنِ الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الرَّاهِنِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَلَوْ مَلَكَهَا الْمُرْتَهِنُ بَعْدُ لَمْ تَصِرْ
طَلَبُ تَحْوِيلِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُؤْتَمَنِ إلَى غَيْرِهِ بِسَبَبِ فِسْقِهِ أَوْ زِيَادَةِ فِسْقِهِ، وَكَذَا بِضَعْفِهِ عَنْ الْحِفْظِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ حُدُوثِ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِ التَّحْوِيلِ، فَإِنْ تَشَاحَّا فِيمَنْ يُحَوَّلُ عِنْدَهُ حَوَّلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ، فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا التَّحْوِيلَ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَيْهِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَتَغَيَّرَ حَالُهُ أَوْ مَاتَ فَلِلرَّاهِنِ تَحْوِيلُهُ.
(وَبَاعَ) الْمُؤْتَمَنُ جَوَازًا (مَرْهُونًا بِإِذْنٍ سَبَقَا) مِنْ الرَّاهِنِ لَهُ فِي بَيْعِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إذْنٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْمُهْلَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ فَقَدْ يَسْتَبْقِي الْمَرْهُونَ لِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَوْلُهُمَا فِيمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ: بِخِلَافِ الرَّاهِنِ أَيْ: عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ، وَقَالَ: الْأَصَحُّ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُهُ فَطَرِيقَتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنِهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ مُوَافَقَتُهُ وَبِهِ، جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَا أَذِنَا لَهُ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ، وَالْعِرَاقِيُّونَ فَرَضُوهُ فِيمَا إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فَقَطْ، فَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ قَبْلُ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ.
وَالرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الطَّرِيقَيْنِ: فَتَأَمَّلْ بُعْدَ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَظُنُّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى كَلَامَ الْعِرَاقِيِّينَ مُصَوَّرًا فِي الِاشْتِرَاطِ، وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمَا، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِذْنِ، وَالْجَوَابُ: إنَّ إذْنَ الْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ.
(وَهُوَ لِرَاهِنٍ وَكِيلٌ) أَيْ: وَالْمُؤْتَمَنُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَكِيلٌ فِيهِ لِلرَّاهِنِ، فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ لَا بِعَزْلِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، نَعَمْ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ، وَزَادَ (مُطْلَقَا) تَكْمِلَةً وَتَأْكِيدًا وَإِذَا قَبَضَ الْمُؤْتَمَنُ الثَّمَنَ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ
ــ
[حاشية العبادي]
إذَا غَرِمَهُ الْمُرْتَهِنُ تَكْلِيفُ الرَّاهِنِ قَضَاءَ الدَّيْنِ لِفَكِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَمَحَلُّهُ إنْ حَلَّ الدَّيْنُ فِيمَا يَنْبَغِي، وَبَقِيَ مَا لَوْ رَدَّهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَغَرِمَهُ الرَّاهِنُ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ مُطَالَبَةَ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِبُرْئِهِ لِفَكِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ، وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنْ لَا يُوضَعَ عِنْدَ عَدْلٍ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَصْلِ الْإِقْبَاضِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعَدْلَ لَا يَنْعَزِلُ عَنْ الْحِفْظِ بِالْفِسْقِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي وَضَعَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ اهـ.
وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ كَانَ الْعَدْلُ نَائِبًا عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ الشَّرْعِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَالْمُرْتَهِنُ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ، فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ حِينَئِذٍ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْإِقْبَاضِ وَبِهِ يُعْلَمُ حَمْلُ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ فِي الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ، وَمِثْلُهُ رَهْنُ التَّبَرُّعِ قَوْلُنَا: إذَا تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ جَبْرِ الرَّاهِنِ، بَلْ إنْ شَاءَ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَسْلِيمُهُ إلَى عَدْلٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ اهـ. وَمُرَادُهُ يُقْبَلُ الْقَبْضُ أَيْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَالْعَدْلِ حَجَرٌ وَقَوْلُ شَرْحِ الرَّوْضِ: لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ إلَخْ كَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الرَّهْنِ بِقَبْضِ الْعَدْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ رَأَيْت مَا فِي حَاشِيَةِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ
(قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَطْعًا) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ إذْنَ الْمُرْتَهِنِ إلَخْ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ إذْنُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يُحْتَجْ لِإِذْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
ــ
[حاشية الشربيني]
أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَقْ بِهِ فِي مِلْكِهِ، إلَّا إنْ كَانَ أَبًا لِلرَّاهِنِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِالْإِيلَادِ أُمَّ وَلَدٍ اهـ. م ر.
(قَوْلُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ) أَيْ مِنْ الْعُدُولِ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ فَتَدْخُلُ الْمَرْأَةُ وَمِثْلُ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ تَصَرَّفَ عَنْ غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ، أَوْ عَنْ نَفْسِهِ تَصَرُّفًا نَاقِصًا كَالْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ الْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ تَصَرُّفًا تَامًّا فَيَضَعُهُ عِنْدَ مَنْ شَاءَ اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) فَإِنْ تَبَيَّنَ رُجُوعُهُ تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَطْعًا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَذِنَ قَبْلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ لَا، وَبِهِ جَزَمَ زي وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى قَوْلِ الْجَلَالِ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُشْتَرَطُ إذْنُهُ قَطْعًا، هُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ وُجِدَ إذْنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، فَتَقْيِيدُ الْمَنْهَجِ بِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْإِمْهَالُ أَوْ الْإِبْرَاءُ. (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ) أَيْ فَفِي اسْتِئْذَانِ الرَّاهِنِ خِلَافٌ أَمَّا الْمُرْتَهِنُ، فَلَا يُسْتَأْذَنُ قَطْعًا. (قَوْلُهُ فَرَضَ الْكَلَامَ إلَخْ) هُوَ بَعِيدٌ مَعَ تَعْلِيلِهِ، بِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَا أَذِنَا لَهُ) لَكِنَّ إذْنَ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ إذْنٌ بَعْدَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ) أَيْ: فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْإِمَامِ (قَوْلُهُ مُصَوَّرًا فِي الِاشْتِرَاطِ) أَيْ حَيْثُ صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ: بِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ بِضَمِّ
الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَالْمُؤْتَمَنُ أَمِينُهُ، فَالتَّالِفُ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَرَارُ عَلَى الرَّاهِنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْمُؤْتَمَنُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَتَلَفِ الثَّمَنِ، ثُمَّ خَرَجَ الْمَرْهُونُ مُسْتَحَقًّا لَا يَضْمَنُ كَالْحَاكِمِ إذَا بَاعَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، بَلْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ.
(وَمُؤَنُ الرَّهْنِ كَأَجْرِ رَدِّ مَنْ يَهْرُبُ) أَيْ: وَمُؤَنُ الْمَرْهُونِ الَّتِي بِهَا بَقَاؤُهُ كَأَجْرِ رَدِّ الْعَبْدِ الْهَارِبِ، (وَ) أَجْرِ (السَّقْيُ) لِلشَّجَرِ وَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتِهِ وَأَجْرِ مَكَانِ الْحِفْظِ (عَلَى الَّذِي رَهَنْ) أَيْ: عَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ اسْتِبْقَاءً لِلرَّهْنِ وَلِخَبَرِ:«الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا بَاعَ الْحَاكِمُ جُزْءًا مِنْ الْمَرْهُونِ لِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْمَصْرُوفُ فِي الْمُدَاوَاةِ مِنْ فَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَتَمْثِيلُهُ بِأَجْرِ رَدِّ الْهَارِبِ وَالسَّقْيِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَبِجِنَايَةٍ عَلَى الرَّهْنِ الْبَدَلْ) أَيْ: وَبَدَلُ الْمَرْهُونِ أَوْ جُزْئِهِ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ رَهْنٌ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِ فَيُجْعَلُ بِيَدِ مَنْ كَانَ الْأَصْلُ بِيَدِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُؤْتَمَنِ لَا الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَصِيرُ رَهْنًا، وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ امْتَنَعَ رَهْنُ الدَّيْنِ ابْتِدَاءً، إذْ يُحْتَمَلُ دَوَامًا مَا لَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءً، وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْوَقْفِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى بِقِيمَةِ الْمُتْلَفِ مِثْلَهُ، هَلْ يَصِيرُ وَقْفًا بِالشِّرَاءِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ وَقْفٍ جَدِيدٍ فِيهِ؟ ، وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي بَدَلِ الْمَرْهُونِ، وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَظَاهِرُهُ: تَصْحِيحُ مِثْلِهِ هُنَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّصْحِيحِ، عَلَى أَنَّ السُّبْكِيَّ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ لَا وَجْهَ لِطَرْدِ الْخِلَافِ فِيهِ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ الرَّهْنِ ثَابِتَةٌ لِبَدَلِ الْمَرْهُونِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إنْشَاءِ الرَّهْنِ، وَبَدَلُ الْمَوْقُوفِ قَبْلَ وَقْفِهِ لَمْ يَصِرْ وَقَفَا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أَنْ يُوقَفَ، وَقَدْ يَرَى النَّاظِرُ الْمَصْلَحَةَ فِي رَدِّهِ وَوَقْفِ غَيْرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْجِنَايَةِ كَأَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ، أَوْ نَقَصَتْ بِهَا وَكَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى مَا نَقَصَ مِنْهَا، فَازَ الْمَالِكُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ فِي الْأُولَى وَبِالزَّائِدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، (لَا إنْ نَفَى) الْجِنَايَةَ (مُرْتَهِنٌ) وَأَقَرَّ بِهَا الْجَانِي، فَإِنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ رَهْنًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيَلْغُو مَا تَضَمَّنَهُ الْإِبْرَاءُ مِنْ إسْقَاطِ الْوَثِيقَةِ، (وَمَا اتَّصَلْ) بِالْمَرْهُونِ (مِنْ زَائِدٍ) كَسِمَنٍ وَكِبَرِ شَجَرَةٍ (رَهْنٌ) أَيْ: مَرْهُونٌ وَنَظَرُ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (كَحَمْلِ الْبَطْنِ، وَذَلِكَ) أَيْ: وَالْحَالَةُ أَنَّهُ (الْمَوْجُودُ حَالَ الرَّهْنِ) ، وَإِنْ انْفَصَلَ حَالَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الْحَادِثِ بَعْدَ الرَّهْنِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ بَلْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ) أَيْ أَوْ عَلَى تَرِكَتِهِ.
(قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ الْمَالِكِ) وَإِلَّا فَعَلَى الْمُعِيرِ أَوْ الْمَوْلَى حَجَرٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الرَّهْنِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ م ر
(قَوْلُهُ أَوْ جُزْئِهِ) عَطْفٌ عَلَى الْمَرْهُونِ (قَوْلُهُ الْوَاجِبُ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ بَدَلُ (قَوْلُهُ لَا الرَّاهِنِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِهِ تَحْتَ يَدِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي الْمَطْلَبِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي) هَذَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ، فَمَشَى فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَهْنًا فِي ذِمَّتِهِ، إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قِيمَةِ الْعَتِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ فَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ يُوَجَّهُ الْمَنْعُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَقُّ التَّوَثُّقِ، وَالشَّخْصُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْءٌ، وَقَدْ يُرَدُّ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ كَالرَّاهِنِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ لِذَلِكَ الْغَيْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مُطْلَقًا رَهْنٌ م ر. (قَوْلُهُ وَمَا اتَّصَلَ مِنْ زَائِدٍ إلَخْ) فِي الرَّوْضِ فَصْلٌ كَمَا لَا يَدْخُلُ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ الْمُغْرَسُ وَالْآسُ وَالثَّمَرُ وَالصُّوفُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَغُصْنُ الْخِلَافِ وَوَرَقُ الْآسِ وَالْفِرْصَادِ كَالثَّمَرِ اهـ. قَوْلُهُ: كَالثَّمَرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَغُصْنُ الْخِلَافِ إلَخْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ غَالِبًا كَوَرَقِ الْحِنَّاءِ وَالسِّدْرِ فَلَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ أَصْلِهَا بِخِلَافِ مَا لَا يُقْصَدُ غَالِبًا كَغُصْنِ غَيْرِ الْخِلَافِ اهـ.
ــ
[حاشية الشربيني]
أَوَّلِهِ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ جَازَ، وَلَا تُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُمَا إلَخْ مَا ذَكَرَهُ. (قَوْلُهُ فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ إلَخْ) هَلْ، وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ بِالْعَدْلِ؟ قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَقْرَبُ الثَّانِي وَبِهِ جَزَمَ م ر قَالَ ع ش: لَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الرَّاهِنِ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّوْكِيلِ أَلْجَأَ الْمُشْتَرِيَ شَرْعًا إلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِلْعَدْلِ اهـ. عَمِيرَةُ
(قَوْلُهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ) أَيْ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ وَجَبَتْ لِحَقِّ الْحَيَوَانِ فِي ذَاتِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمَالِكُ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، بَلْ يُبَاعُ جُزْءٌ مِنْهُ فِيهَا اتِّفَاقًا بِخِلَافِ مَا يَجِبُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ
(قَوْلُهُ وَبَدَلُ الْمَوْقُوفِ إلَخْ) مِثْلُهُ بَدَلُ الْأُضْحِيَّةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِتَعَلُّقِ بَدَلِهِ بِذِمَّةِ الْمُضَحِّي قَالَهُ زي تَبَعًا لِغَيْرِهِ قَالَ ق ل: وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَوْجُودٌ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ وَقْفًا) فَلَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ وَقْفَةٍ وَالْمُنْشِئُ لَهُ الْحَاكِمُ. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ وَقْفًا) لِأَنَّ الْوَقْفَ يَتَضَمَّنُ مِلْكَ الْفَوَائِدِ وَيُحْتَاجُ فِيهِ لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ وَغَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهُ أَكْثَرُ اهـ. تُحْفَةٌ.
(قَوْلُهُ لَا إنْ نَفَى مُرْتَهِنٌ)
لَا يَكُونُ رَهْنًا كَسَائِرِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَبَيْضٍ وَلَبَنٍ وَصُوفٍ وَمَهْرٍ وَكَسْبٍ، فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ حَامِلًا، بَلْ يُنْتَظَرُ وَضْعُهَا فَتُبَاعُ لِحَقِّ الرَّهْنِ، فَإِنْ بِيعَتْ لِيُعْطَى الثَّمَنُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ جَازَ، وَإِنَّمَا جَعَلْت قَوْلَهُ كَحَمْلِ الْبَطْنِ إلَى آخِرِهِ نَظِيرًا لَا مِثَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْمَرْهُونِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّظِيرَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالْحَمْلُ فِي رَهْنِيَّةِ الْأُمِّ دَخَلَ وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: كَزِيَادَةِ حَمْلِ الْبَطْنِ بِمَعْنَى نُمُوِّهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ.
(وَإِنْ نَفَاهَا) أَيْ: الْجِنَايَةَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا الْجَانِي (رَاهِنٌ وَأَدَّى) دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْبَدَلِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ (إلَى الْمُقِرِّ رَدَّا) أَيْ: رَدَّ الْبَدَلَ إلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُنْكِرُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ، فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ الْمُقِرُّ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ رَدُّهُ إلَى الْمُقِرِّ بِعَدَمِ رَدِّ مَا قَبَضَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ الْمَهْرِ إلَى زَوْجِهَا، فِيمَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ طَلَاقِهَا وَطْأَهَا وَأَنْكَرَتْهُ وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا بِالْوَطْءِ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا الْخَصْمَانِ.
(وَالرَّهْنُ يَنْفَكُّ بِأَنْ يَبْرَأَ) أَيْ: بِالْبَرَاءَةِ (مِنْ جَمِيعِ دَيْنٍ) رُهِنَ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَدَاءٍ أَمْ تَعْوِيضٍ أَمْ إبْرَاءٍ أَمْ حَوَالَةٍ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَمْ إقَالَةٍ عَنْ سَبَبِهِ، فَلَوْ تَلِفَ الْمُعَوَّضُ قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الِاعْتِيَاضُ وَعَادَ الرَّهْنُ كَمَا عَادَ الدَّيْنُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ، وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إنَّ الْغَاصِبَ لَوْ بَاعَ بِالْوَكَالَةِ مَا غَصَبَهُ صَحَّ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ إنْ قُلْنَا: بِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ حِينِهِ فَلَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ تَجَدَّدَ انْتَهَى. وَيُفَرَّقُ: بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرَّهْنِ فِي الْأُولَى عَادَ فَعَادَ مُسَبَّبُهُ، وَالْغَصْبُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَعُدْ فَلَمْ يَعُدْ مُسَبَّبُهُ
(وَ) يَنْفَكُّ الرَّهْنُ (بِفَسْخِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ بِغَيْرِ رِضَا الرَّاهِنِ حَتَّى تَضَعَ إنْ تَعَلَّقَ بِالْحَمْلِ حَقُّ الْآخَرِ اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مَرْهُونٍ، فَلَا يُمْكِنُ بَيْعُ الْمَجْمُوعِ لِلرَّهْنِ وَتَوْزِيعُ الثَّمَنِ مُتَعَذِّرٌ لِلْجَهْلِ بِالْحَمْلِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ رَهَنَ نَخْلَةً ثُمَّ أَطْلَعَتْ اُسْتُثْنِيَ طَلْعُهَا عِنْدَ بَيْعِهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا لِلْعِلْمِ بِالطَّلْعِ
(قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ تَجَدَّدَ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُوَكِّلِ الَّذِي هُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لَمْ يَتَجَدَّدْ. (قَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ فَرْقَهُ هَذَا يَقْتَضِي مُوَافَقَةَ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا قَالَهُ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
أَيْ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أَوْ كَذَّبَهُ، (قَوْلُهُ فَلَا تُبَاعُ الْأُمُّ حَامِلًا) أَيْ لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ، وَالتَّوْزِيعِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأُمِّ لِلْجَهْلِ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ مُطْلَقًا. سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَقَالَ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إنَّمَا يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا قَبْلَ وَضْعِهَا إنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَجْرِ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ، أَوْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ دُونَهُ بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّةِ مَالِكِهَا كَالْجَانِيَةِ وَالْمُعَارَةِ لِلرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَوْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُلْزِمَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ أَيْ لَهَا حَامِلًا وَتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا، ثُمَّ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنُ وَالدَّيْنُ فَذَاكَ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَصَ طُولِبَ بِالْبَاقِي.
(قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَتْ لِيُعْطَى إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى طَرِيقِ الشَّارِحِ كَحَجَرٍ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَمْلِ مَانِعٌ مِنْ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّوْزِيعِ، أَمَّا إنْ كَانَ الْمَانِعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ ثَالِثٍ فَقَطْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ م ر، فَلَا يَتَأَتَّى إعْطَاءُ الثَّمَنِ كُلِّهِ لِلْمُرْتَهِنِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لِيُعْطَى الثَّمَنُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْطَاهُ لِلْوَفَاءِ لَا لِيَكُونَ رَهْنًا تَحْتَ يَدِهِ، وَلَوْ أَرَادَ لَمْ يَكْفِ مُجَرَّدُ التَّرَاضِي، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ سم عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُشْكِلُ إلَخْ) كُلٌّ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الزَّوْجَةِ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا، وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ بِيَدِ الرَّاهِنِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ كَانَ بِيَدِهِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ إلَى الْمُقِرِّ، إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ مُعْتَرِفٌ، بِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ يُنْكِرُهُ فَيُقَرُّ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِيهِمَا اهـ. م ر وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
(قَوْلُهُ عَادَ) أَيْ عَادَ نَظِيرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَكِنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ أَصْلِهِ ق ل. (قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ، بِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْعَوْدِ فِي الْغَاصِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا: بِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِي الْعَيْنِ الْمُوَكَّلِ فِي بَيْعِهَا ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، بِأَنَّهُ يَعُودُ الضَّمَانُ وَإِذَا عَادَ فِي الْوَكِيلِ فَفِي الْغَاصِبِ أَوْلَى اهـ. وَأَقُولُ: الْفَرْقُ لَائِحٌ وَالْمُسَاوَاةُ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا صَارَ ضَامِنًا لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي تَعَدَّى فِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَتِهِ أَنَّ الْبَيْعَ انْفَسَخَ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ فَرَّقَ مَعَ الْتِزَامِ وَضْعِ الْغَاصِبِ يَدَهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ بِقُوَّةِ يَدِ الْوَكِيلِ، لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَعَادَتْ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ لِقُوَّتِهَا، بِخِلَافِ يَدِ الْغَاصِبِ لِضَعْفِهَا بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا زَالَتْ بِالْبَيْعِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ انْقَطَعَ تَعَدِّيهَا وَلَمْ تَعُدْ بِارْتِفَاعِ الْبَيْعِ لِضَعْفِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. سم عَلَى التُّحْفَةِ.
(قَوْلُهُ وَالْغَصْبُ إلَخْ) أَيْ مَعَ تَضَمُّنِ إذْنِهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ بَرَاءَتَهُ مِنْ ضَمَانِهِ
الْمُرْتَهِنِ) لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ (وَالْبَيْعِ) أَيْ: وَيَنْفَكُّ الرَّهْنُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ فِي الْجِنَايَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا مَرَّ. (وَالْهُلْكِ) أَيْ: وَبِهَلَاكِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَقَتْلِ) أَيْ: وَبِقَتْلِ (الْجَانِي) عَلَى السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ لِجِنَايَتِهِ لِفَوْتِ الْمَحَلِّ بِذَلِكَ. (وَالْعَفْوُ لِلسَّيِّدِ بِالْمَجَّانِ) أَيْ: وَلِلسَّيِّدِ الْعَفْوُ عَنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُورِثِهِ أَوْ عَبْدِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَرْهُونٍ مَجَّانًا، فَلَوْ عَفَا بِمَالٍ أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ (وَ) لَهُ (الِاقْتِصَاصُ) مِنْهُ انْتِقَامًا وَزَجْرًا، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَلَا يُبَالِي بِفَوْتِ الْوَثِيقَةِ، أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ طَرَفِ مُورِثِ سَيِّدِهِ فَيَثْبُتُ الْمَالُ، إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَعَفَا بِمَالٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدًا آخَرَ لِلسَّيِّدِ مَرْهُونًا فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ وَيَبْطُلُ بِهِ الرَّهْنَانِ. (وَلَهُ الْأَرْشُ) مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ لِحَقِّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، إذْ السَّيِّدُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ غَرِمَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَتَعَلُّقُهُ بِعَبْدِهِ أَوْلَى؛ (لَأَنْ يَرْهَنَهُ بَدِيلَ مَقْتُولٍ رُهِنْ) أَيْ: لَهُ الْأَرْشُ لِيَرْهَنَهُ يَعْنِي لِيَصِيرَ رَهْنًا بَدَلَ الْقَتِيلِ الْمَرْهُونِ، بِأَنْ يُبَاعَ كُلُّ الْقَاتِلِ، إنْ لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَجُزْءٌ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ نَفْسُهُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي مَالِيَّتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ يَتَوَثَّقُ بِهَا مُرْتَهِنُ الْقَاتِلِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ الْجُزْءِ أَوْ نَقَصَ بِالتَّشْقِيصِ، بِيعَ الْكُلُّ وَصَارَ الزَّائِدُ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ الْأَرْشُ رَهْنًا بَدَلَ الْقَتِيلِ الْمَرْهُونِ (لِغَرَضٍ) لِلْمُرْتَهِنِ فِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ بِهِ إلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ إذْ لَوْلَا حَقُّهُ لَمَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ.
، وَذَلِكَ (مِثْلُ اخْتِلَافِ اثْنَيْنِ ارْتَهَنَا عَبْدَيْنِ) ، بِأَنْ ارْتَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَبْدًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، (أَوْ) اخْتِلَافِ (دَيْنَيْنِ) لِشَخْصٍ وَاحِدٍ (فِي الْحَلِّ) أَيْ: فِي الْحُلُولِ (وَالتَّأْجِيلِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَالُّ دَيْنَ الْقَتِيلِ، فَقَدْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فِي الْحَالِّ أَوْ دَيْنَ الْقَاتِلِ، فَقَدْ يُرِيدُ التَّوَثُّقَ بِالْمُؤَجَّلِ وَيُطَالِبُ بِالْحَالِّ، وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ، (أَوْ فِي الْقَدْرِ) أَيْ: قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ (إنْ كَانَ الْقَتِيلُ بِالْكَثِيرِ) مِنْهُمَا (قَدْ رُهِنْ) سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا، لَكِنَّهُ فِيمَا دُونَهَا لَا يَنْقُلُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْقَتِيلِ، بَلْ يَبْقَى بِحَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ بِأَنْ اتَّحَدَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الدَّيْنَانِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ وَكَانَ الْقَتِيلُ مَرْهُونًا
ــ
[حاشية العبادي]
يَرُدُّهُ حَيْثُ قَالُوا: فِيمَا لَوْ تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِي الْعَيْنِ الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِهَا، ثُمَّ بَاعَهَا ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ يَعُودُ الضَّمَانُ، وَإِذَا عَادَ الضَّمَانُ فِي الْوَكِيلِ فَفِي الْغَاصِبِ أَوْلَى. وَأَقُول لَهُ: إنْ يُمْنَعُ رُدَّ هَذَا لَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَيُفَرَّقُ، بِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا صَارَ ضَامِنًا لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ، وَالْغَاصِبُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْبَيْعِ الَّذِي قَطَعَ الضَّمَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ اعْتَرَضَ بَعْضٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الدَّيْنَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرَّهْنِ عَادَ بِمَنْعِهِ، بَلْ الْعَائِدُ مُمَاثِلُهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يُجَابَ: بِأَنَّ مُمَاثِلَهُ أُعْطِيَ حُكْمَهُ لِتَمَامِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُمَا اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ) عَدَمُ الثُّبُوتِ فِي مَسْأَلَةِ مُورِثِهِ خِلَافُ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ إلَخْ) لَوْ أَوْجَبَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ مَالًا وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَرِثَهُ السَّيِّدُ، كَمَا نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ قَطْعِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي النِّكَاحِ وَنَقَلَا مُقَابِلَهُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ، وَهُوَ السُّقُوطُ بِمُجَرَّدِ الِانْتِقَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ اسْتِدَامَةٌ لِدَيْنٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاؤُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَعَلَى قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ لَهُ بَيْعُهُ فِيهِ كَمَا كَانَ لِلْمُورِثِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الْمُورِثِ عَمْدًا فَعَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَتْ خَطَأً وَقُلْنَا: بِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ أَوَّلًا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُهِمَّاتِ وَالْخَادِمِ تَرْجِيحُ مَا فِي الْكَبِيرِ وَمَشَى فِي الرَّوْضِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْإِرْشَادِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِيمَا سَلَفَ أَوْ عَلَى مُورِثِهِ إلَخْ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْكَبِيرِ بِرّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
اهـ. تُحْفَةٌ. (قَوْلُهُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ) نَعَمْ إنْ عَادَ بِفَسْخِ خِيَارٍ بِغَيْرِ الْعَيْبِ بَقِيَ عَلَى الرَّهْنِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى الرَّهْنِ أَيْ مَعَ كَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ اُسْتُرِدَّ اهـ. حَاشِيَةٌ مَنْهَجٌ. (قَوْلُهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَرْهُونٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْعَفْوِ مَجَّانًا، فَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَرْهُونِ مَجَّانًا كَمَا فِي الْبُرُلُّسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْقَتِيلِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ، فَلَوْ عَفَا بِمَالٍ لَمْ يَثْبُتْ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا إلَّا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ.
(قَوْلُهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ) أَيْ لَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا فِي رَقَبَتِهِ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ إلَخْ) دُخُولٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ الْأَرْشُ (قَوْلُهُ وَلَهُ الْأَرْشُ) أَيْ وَالْعَفْوُ مَجَّانًا أَيْضًا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، إنْ أَوْجَبَتْ قِصَاصًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَتْ مَالًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ مَثَلًا، وَبِخِلَافِ جِنَايَةِ الْخَطَأِ، فَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ الْأَرْشُ) وَلَوْ كَانَ بِعَفْوٍ عَلَيْهِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ الْمُرْتَهِنُ اهـ. حَجَرٌ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ وَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ عَلَى الْوَاجِبِ يُبَاعُ جَمِيعُهُ، وَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْوَاجِبِ وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْ الثَّمَنِ لَا جَمِيعُ الثَّمَنِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ سَامَحَ عَنْهُ مُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ رَجَعَ لِلرَّاهِنِ لَا لِمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ وَقَوْلُ ق ل: الَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ خُرُوجِهِ عَنْ رَهْنِيَّةِ مُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ. فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ بَيْعِهِ انْفَسَخَ رَهْنُهُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا) أَيْ إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ اهـ. م ر. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلَهَا اهـ. م ر. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إلَخْ) لَعَلَّ مَعْنَاهُ إنَّمَا يَكُونُ؛ لِأَنَّهُ
بِالْقَلِيلِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ فَوْقَهَا، لَمْ يَتَعَلَّقْ الْأَرْشُ بِالْقَاتِلِ بِحَالٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ وَاتَّحَدَ الدَّيْنَانِ قَدْرًا، نُقِلَ مِنْ ثَمَنِهِ إلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَبَقِيَ الْبَاقِي بِحَالِهِ.
وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْأَكْثَرُونَ مِنْ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِنْسِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ، وَكَانَا بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ سَاوَاهُ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ مَعْنًى مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى طَبَقَاتِهِمْ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ، بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِوَضَ مَا يُتَوَقَّعُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ أَوْ صَدَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ، (وَإِنَّمَا يَنْفَكُّ بَعْضٌ) مِنْ الْمَرْهُونِ عَنْ الرَّهْنِ دُونَ بَعْضٍ، (إنْ وُجِدْ تَعَدُّدٌ) إمَّا (فِي دَائِنٍ) أَيْ: رَبِّ الدَّيْنِ كَأَنْ رَهَنَ عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ بِدَيْنِهِمَا عَلَيْهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ وَاتَّحَدَ الدَّيْنَانِ إلَخْ) الَّذِي فِي شَرْحِ الْكَمَالِ لِلْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اتِّحَادِ الدَّيْنَيْنِ وَاخْتِلَافِهِمَا مِثَالُهُ: قِيمَةُ الْقَتِيلِ مِائَةٌ وَرُهِنَ بِعَشَرَةٍ، وَقِيمَةُ الْقَاتِلِ مِائَتَانِ وَرُهِنَ بِعَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ اهـ. لَكِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا حَصَلَتْ فَائِدَةٌ فِي النَّقْلِ كَهَذَا الْمِثَالِ، فَلَوْ فُرِضَ فِيهِ أَنَّ الْقَاتِلَ مَرْهُونٌ بِمِائَتَيْنِ فَلَا نَقْلَ؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ مِائَةً مَرْهُونَةً بِعَشَرَةٍ وَمِائَةً مَرْهُونَةً بِمِائَتَيْنِ بِرّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَنْفَكُّ إلَخْ) زَادَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَنْفَكُّ أَيْضًا بِفَكِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ) كَأَنْ رَهَنَ عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ بِدَيْنِهِمَا عَلَيْهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ أَيْ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يُشْكِلُ، بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ: وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا أَوْ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مِنْ الْجَوَابِ بِمُنَافَاتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ أَنْ أَجَابَ: بِأَنَّ مَا يَخُصُّهُ مِمَّا قَبَضَهُ يَنْفَكُّ بِقَدْرِهِ فَقَطْ مِنْ حِصَّتِهِ الْمَرْهُونَةِ.
وَأَقُولُ: فِي كُلٍّ مِنْ اعْتِرَاضِهِ وَجَوَابِهِ بَحْثٌ، أَمَّا اعْتِرَاضُهُ؛ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مَا هُنَا صُورَةُ مَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ قَدْرَ حِصَّتِهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ يُشْكِلُ إلَخْ لَا أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: يُجَابُ: بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي أَشْكَلَتْ مَحَلُّهَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْأَخْذِ، إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ الدَّيْنِ وَلَا غُبَارَ عَلَى هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَابُ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّوْضِ الَّذِي هُوَ مَشْرُوحُهُ، فَإِنَّهُ لَا تَعْمِيمَ فِيهِ فَيُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ. لَا يُقَالُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ غَيْرُ مُخْلَصٍ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ عَدَمَ الِانْفِكَاكِ بِالْأَخْذِ فِي صُورَةِ الِاتِّحَادِ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُفِيدُ الِانْفِكَاكَ بِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي خُصُوصِ الْأَخْذِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَيُحْمَلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَأَمَّا جَوَابُهُ فَلِأَنَّهُ فِي حِصَّتِهِ الْمَرْهُونَةِ كَالْغَرِيمِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ لِجُمْلَةِ الرَّهْنِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الرَّاهِنَيْنِ يَكُونُ بِدُونِ جَعْلٍ، وَفِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الدَّيْنَيْنِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ مَعْنَى نَقْلِ الْوَثِيقَةِ: أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ بِتَرَاضِيهِمَا أَيْ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِ الرَّاهِنِ: نَقَلْت الْوَثِيقَةَ مِنْ دَيْنِ كَذَا إلَى دَيْنِ كَذَا وَقَوْلِ الْمُرْتَهِنِ: قَبِلْت كَذَا فِي ع ش وَزَيّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ) قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ: هُوَ مُشْكِلٌ، إذْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قِيمَةُ كُلِّ مِائَةٍ أَوْ قِيمَةُ الْقَتِيلِ مِائَتَيْنِ وَالْقَاتِلِ مِائَةً، وَكَانَ الْقَتِيلُ مَرْهُونًا بِعَشَرَةٍ وَالْقَاتِلُ بِعِشْرِينَ كَانَ فِي النَّقْلِ حِينَئِذٍ فَائِدَةٌ، وَهِيَ التَّوَثُّقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الدَّيْنَيْنِ بِمَا لَا يَنْقُصُ عَنْهُ، لَكِنْ هَلْ يُنْقَلُ الزَّائِدُ مِنْ قِيمَةِ الْقَاتِلِ عَلَى دَيْنِهِ؟ أَوْ قَدْرُ دَيْنِ الْقَتِيلِ فَقَطْ مِنْهَا؟ قَالَ: ثُمَّ عَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ فَوَافَقَ عَلَيْهِ، وَأَجَابَ سِبْطُ طب بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْجِنَايَةِ هُوَ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ، فَيَكُونُ الْمَنْقُولُ بِتَمَامِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ بِمَا هُوَ عَلَى طَرِيقَةِ هَذَا الْإِشْكَالِ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر: فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ وَمِثْلُهُ شَرْحُ الْإِرْشَادِ، وَهِيَ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَتْ إلَخْ) عِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ نُقِلَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى قَدْرِهِ لِدَيْنِ الْقَتِيلِ اهـ. بُرُلُّسِيٌّ. وَانْظُرْ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا اهـ. لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِكَوْنِ الْكَلَامِ فِي أَنَّ قِيمَتَهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ فَوْقَهَا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْرَاكُ كَمَا ذَكَرَهُ بِرّ، وَالْمُوَافِقَ لِلنَّقْلِ لِغَرَضٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ قَدْرُ قِيمَتِهِ) قَالَ ق ل: أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا مِمَّا زَادَ عَلَى دَيْنِ الْقَاتِلِ، إنْ كَانَ دَيْنُ الْقَتِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْجِنَايَةِ هُوَ قَدْرُ قِيمَتِهِ فَقَطْ وَلَا وَجْهَ لِنَقْلِ الزَّائِدِ اهـ. سِبْطُ طب.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْأَكْثَرُونَ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَلَوْ كَانَ بِأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ ضَامِنٌ، فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ نَقْلَ الْوَثِيقَةِ مِمَّا لَهُ ضَامِنٌ إلَى الْآخَرِ لِيَتَوَثَّقَ بِالدَّيْنَيْنِ أُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ ظَاهِرٌ اهـ. مَعْنًى. (قَوْلُهُ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ إلَخْ)
صَفْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ بَرِئَ عَنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا (أَوْ مَا عُقِدْ) أَيْ: أَوْ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ اتَّحَدَ الدَّائِنُ وَالْمَدِينُ كَأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ فِي صَفْقَةٍ وَبَاقِيَهُ فِي أُخْرَى (أَوْ) فِي (مَنْ عَلَيْهِ) الدَّيْنُ كَأَنْ رَهَنَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ اتَّحَدَ وَكِيلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَتَعَدُّدِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ) فِي (مِنْ الْعَارِيَّهْ) أَيْ: الْمُعَارِ (لَهُ) ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْعَاقِدُ وَالدَّيْنُ كَأَنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا مِنْ مَالِكِيهِ لِيَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ فَيَنْفَكَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءِ قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، بِأَنْ قَصَدَ الْمُؤَدِّي الْأَدَاءَ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الشُّيُوعَ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ إذَا جَهِلَ أَنَّهُ لِمَالِكِينَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الرَّهْنِ الْمُطْلَقِ أَنْ لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْهُ، إلَّا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْجَمِيعِ.
وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَسْأَلَةَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي رَهْنِ نَصِيبِهِ بِنِصْفِ الدَّيْنِ فَيَرْهَنَ الْمُسْتَعِيرُ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَلَوْ قَالَا: أَعَرْنَاك الْعَبْدَ لِتَرْهَنَهُ بِدَيْنِك، فَلَا يَنْفَكُّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِمَا ذُكِرَ وَمَا قَالَهُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْآتِي وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ، (أَوْ) فِيمَنْ (الْإِرْثُ) أَيْ: التَّرِكَةُ لَهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا دَيْنٌ (بِلَا رَهْنِيَّهْ) مِنْ الْمُورِثِ، فَيَنْفَكُّ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمُورِثِ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ، لَا يَلْزَمُ بِأَدَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَفَاءِ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَأَيْضًا فَإِنْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِالتَّرِكَةِ، أَمَّا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الرَّاهِنُ أَوْ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فَأَدَّى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يَنْقَطِعُ التَّعَلُّقُ عَنْهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ انْفِكَاكُ نَصِيبِهِ إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ التَّعَلُّقِ مَعَ ابْتِدَاءِ تَعَدُّدِ الْمُلَّاكِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْتُ مَسْبُوقًا بِالْمَرَضِ فَيَكُونُ التَّعَلُّقُ سَابِقًا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ لِلدَّيْنِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ الْمُورِثُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلرَّهْنِ وُجُودٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَرْهَنْ التَّرِكَةَ وَلَكِنَّهُ مَاتَ عَنْ دَيْنٍ قَالَ الْقُونَوِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ عَنَيْت بِالرَّهْنِ الَّذِي نَفَيْت وُجُودَهُ رَهْنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَدَّعِ الرَّافِعِيُّ وُجُودَهُ، وَإِنْ عَنَيْت بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ انْتِفَاءَهُ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ انْتَهَى. وَلِلنَّوَوِيِّ أَنْ يَخْتَارَ الثَّانِيَ وَيَقُولَ: حَجْرُ الْمَرَضِ لَيْسَ كَحَجْرِ الرَّهْنِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْهُونِ، أَمَّا إذَا رَهَنَ تَرِكَتَهُ، فَلَا يَنْفَكُّ نَصِيبُ بَعْضِهِمْ إلَّا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمُورِثِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ ابْتِدَاءً مِنْ وَاحِدٍ وَقَضِيَّتُهُ: حَبْسُ كُلِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ الدَّيْنِ وَأَفْهَمَ كَلَامُ النَّظْمِ كَأَصْلِهِ: أَنَّهُ لَوْ بَرِئَ الْمَدِينُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ لَا يَنْفَكُّ بَعْضُ الْمَرْهُونِ كَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَعِتْقِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْكُلِّ وَلِجُزْئِهِ كَالشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ اثْنَانِ عَبْدَهُمَا بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ لَا تَنْفَكُّ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا بِدَفْعِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.
(وَقَوْلُ رَاهِنٍ لِمَنْ قَدْ ارْتَهَنْ بِعْ) أَيْ: الْمَرْهُونَ (لَك أَوْ) بِعْهُ (لِي) أَوْ (بِعْهُ) وَأَطْلَقَ، (وَاسْتَوْفِ الثَّمَنْ عَنْهُ إلَى نَفْسِك) أَيْ: مَعَ قَوْلِهِ فِي الثَّلَاثِ أَوْ الْأَخِيرَتَيْنِ: وَاسْتَوْفِ ثَمَنَ الْمَبِيعِ لِنَفْسِك (أَوْ) اسْتَوْفِهِ (لِي ثُمَّ لَكْ يَفْسُدُ) ذَلِكَ (مَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ تَرَكْ) أَيْ: مَا صَيَّرَهُ الرَّاهِنُ
ــ
[حاشية العبادي]
فَكَمَا لَا يَنْفَكُّ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْبَعْضِ، فَكَذَا هُنَا، بَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّتِهِ غَرِيمٌ وَاحِدٌ، وَالْحِصَّةُ هِيَ جُمْلَةُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ سم.
(قَوْلُهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً) أَيْ فَصَفْقَتَيْنِ بِالْأَوْلَى مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ خِلَافُ تَقْيِيدِ الزَّرْكَشِيّ، وَخِلَافُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا (قَوْلُهُ فَيَنْفَكُّ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ إلَخْ) بِهَذَا فَارَقَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيِّ الرَّهْنَ الْجَعْلِيَّ وَفَارَقَهُ أَيْضًا، بِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ فَكُّوا رَهْنِيَّةَ التَّرِكَةِ لَمْ يَنْفَكَّ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لِلْمَيِّتِ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ
(فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ ابْنَيْنِ فَوَفَّى الرَّاهِنُ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الدَّيْنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَنَازَعَهُ السُّبْكِيُّ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ كَمَا لَوْ وَفَّى مُورِثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ، وَمَا قَالَهُ أَوْجَهُ وَأَوْفَقُ بِمَا مَرَّ، فِيمَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ ابْنَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَضِيَّةُ تَقْرِيرِهِ: أَنَّهُ إذَا وَفَّى الرَّاهِنُ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الدَّيْنِ اُخْتُصَّ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ اثْنَانِ إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ النَّظْمِ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ الَّتِي فِيهِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَضِيَّةِ قَوْلِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ النَّظَرَ عَمَّا بَعْدَهُ بِرّ.
ــ
[حاشية الشربيني]
بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا قِيمَةً، فَإِنَّهُ كَاخْتِلَافِ الْقَدْرِ اهـ. تُحْفَةٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ بَرِئَ عَنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا) وَلَوْ بِالدَّفْعِ لَهُ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الدَّيْنُ أَوْ اخْتَلَفَ، خِلَافًا لِلْخَطِيبِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يُخْتَصَرُ بِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الشُّرَكَاءِ فِي الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ. الْإِرْثِ، وَالْكِتَابَةِ، وَرِيعِ الْوَقْفِ، فَمَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ دَيْنِ مُورِثِهِمْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَكَذَا م ر فِي الْوَقْفِ وَالْإِرْثِ وَعُلِّلَ الْوَقْفُ، بِأَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ مِلْكَهُ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ سم. (قَوْلُهُ كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ) أَيْ فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا وَقَوْلُهُ: أَوْ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي أَيْ: فِيهِ تَعَلُّقٌ بِقَدْرِهِ مِنْ قِيمَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ رَاهِنٍ إلَخْ) وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي
لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْبَيْعِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَيْعُ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَمِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ.
وَيَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ، إنْ اسْتَوْفَاهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَإِنْ نَوَى إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ فِعْلٍ مِنْ نَقْلٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلَا يَبْرَأُ الرَّاهِنُ عَنْ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ زِيَادَتِهِ تَرْكُ تَكْمِلَةٍ وَإِيضَاحٍ، وَخَرَجَ بِمَا لِلْمُرْتَهِنِ مَا لِلرَّاهِنِ مِنْ الْبَيْعِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَيَصِحُّ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ قَالَ: ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ، نَعَمْ إنْ بَاعَهُ فِي غَيْبَةِ الرَّاهِنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْكِ النَّظَرِ اسْتِعْجَالًا لِحَقِّهِ، فَلَوْ قُدِّرَ الثَّمَنُ صَحَّ الْبَيْعُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، لَكِنَّهُ إنْ وُجِدَ رَاغِبًا بِأَكْثَرَ مِمَّا قُدِّرَ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبَيْعُ بِدُونِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُعَيَّنٍ.
وَ (لَوْ ادَّعَى) وَاحِدٌ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى اثْنَيْنِ (أَنَّهُمَا قَدْ رَهَنَا)(بِمِائَةٍ) لَهُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ (عَبْدَهُمَا) مَثَلًا، (وَأَقْبَضَا) الْمَرْهُونَ (فَوَاحِدٌ) مِنْهُمَا (صَدَّقَهُ) وَالْآخَرُ كَذَّبَهُ، (فَاجْعَلْ بِنِصْفِ الدِّينِ رَهْنًا حَقَّهُ) أَيْ: فَاجْعَلْ حَقَّ الْمُصَدِّقِ مِنْ الْعَبْدِ رَهْنًا عِنْدَ الْمُدَّعِي بِنِصْفِ الدَّيْنِ، وَهُوَ خَمْسُونَ فِي مِثَالِنَا وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الْمُكَذِّبِ: قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الرَّهْنِ كَمَا مَرَّ، (ثُمَّ الَّذِي صَدَّقَ) الْمُدَّعِيَ (إنْ يَشْهَدْ عَلَى مُكَذِّبٍ بِالرَّهْنِ) لِنَصِيبِهِ (أَيْضًا قُبِلَا) أَيْ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِخُلُوِّهَا عَنْ جَلْبِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضَرَرٍ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ رَهْنُ الْكُلِّ، وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِيمَا إذَا صَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ، (وَحَيْثُ كُلُّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنْ لَا رَهْنَ مِنْهُ، بَلْ شَرِيكُهُ رَهَنْ) نَصِيبَهُ (يُقْبَلُ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِي شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ (إنْ يَشْهَدْ)، وَيَجُوزُ فَتْحُ أَنْ وَالْجَزْمُ بِهَا لُغَةً أَيْ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَرُبَّمَا نَسِيَا، وَإِنْ تَعَمَّدَا فَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ، وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي التَّخَاصُمِ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا آخَرُ أَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي ثَبَتَ رَهْنُ الْكُلِّ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهِمَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ، فَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا انْتَهَى، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِتَعَمُّدِهِمَا كَذْبَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ.
(وَإِنْ شَخْصَانِ يَدَّعِيَا) بِالْجَزْمِ بِكَوْنِهِ تَفْسِيرَ الْمَجْزُومِ إنْ أَيْ: وَإِنْ يَدَّعِ اثْنَانِ (أَلْفًا) لَهُمَا (عَلَى إنْسَانِ، وَأَنَّهُ أَقْبَضَ هَذَا الْعَبْدَ) مَثَلًا (رَهْنًا بِهِ) أَيْ: بِالْأَلْفِ (فَإِنْ يُصَدِّقْ) أَيْ: الْإِنْسَانُ كُلًّا مِنْهُمَا أَوْ يُكَذِّبُهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ يُصَدِّقُ (فَرْدَا) أَيْ: وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيُكَذِّبُ الْآخَرَ (فَنِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ مَرْهُونٌ لَدَى مُصَدَّقٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ عِنْدَهُ وَيَحْلِفُ لِلْمُكَذَّبِ، (ثُمَّ لَهُ) أَيْ: الْمُصَدَّقِ (أَنْ يَشْهَدَا لِغَيْرِ مَنْ صُدِّقَ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ: لِلْمُكَذَّبِ بِرَهْنِ النِّصْفِ لِمَا مَرَّ، (بَلْ) بِمَعْنَى لَكِنْ (إنْ اقْتَضَى حَالُهُمَا الشَّرِكَةَ) بَيْنَهُمَا فِيمَا ادَّعَاهُ الْمُصَدَّقُ كَأَنْ قَالَا: رَهَنْته مِنْ مُورِثِنَا أَوْ مِنَّا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَشَهَادَتُهُ لَهُ (لَيْسَتْ تُرْتَضَى) لِلتُّهْمَةِ فِي دَفْعِ مُزَاحَمَةِ الشَّرِيكِ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا سَلِمَ لَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ إذَا ادَّعَيَا مِلْكًا بِابْتِيَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَسْتَبِدُّ الْمُصَدَّقُ بِالنِّصْفِ الْمُسَلَّمِ، بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْمُكَذَّبُ، وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: رَهَنْت عَبْدَك عِنْدِي فَقَطْ، فَإِنْ كَذَّبَهُمَا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا، وَإِنْ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا قُضِيَ لِلْمُصَدَّقِ وَلِلْمُكَذَّبِ تَحْلِيفُهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ السَّبْقَ أَوْ ادَّعَاهُ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ فَصَدَّقَاهُ حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ فَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ كَاذِبًا فِي التَّخَاصُمِ) وَنَازَعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا غَيْرَ مُفَسِّقَةٍ مَا إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا غَيْرُ جَحْدِ الْحَقِّ، أَمَّا هُنَا فَبِتَقْدِيرِ تَعَمُّدِهِ يَكُونُ جَاحِدًا لِحَقٍّ وَعَلَيْهِ فَيَفْسُقُ بِذَلِكَ وَرُدَّ، بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْجَحْدِ مُفَسِّقًا أَنْ يُفَوِّتَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُنَا لَمْ يُفَوِّتْ إلَّا حَقَّ الْوَثِيقَةِ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ حَجَرٌ وَقَوْلُهُ: إلَّا حَقَّ الْوَثِيقَةِ الْوَجْهُ خِلَافُ هَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَثِيقَةِ حَقٌّ مَالِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ م ر. (قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْكَذْبَةَ هُنَا تَتَضَمَّنُ قَطْعَ حَقٍّ
(قَوْلُهُ كَأَنْ قَالَ: رَهَنْته إلَخْ) اُنْظُرْ عَلَى هَذَا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا؟ ، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: بَلْ رَهَنْت نِصْفَهُ عِنْدَك بِرّ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنَّا صَفْقَةً) إذْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُ مَرْهُونٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ انْفَكَّ بَعْضُهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا
ــ
[حاشية الشربيني]
إذْنِ مَدِينٍ أَوْ وَارِثٍ أَوْ سَيِّدِ قِنٍّ جَانٍ فِي الْبَيْعِ وَالِاسْتِيفَاءِ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَجْلِهَا (قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ) تَقْيِيدٌ لِمَفْهُومِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ إنْ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَأُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ ثَمَنِهِ اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ قُدِّرَ إلَخْ) أَوْ كَانَ الثَّمَنُ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ، وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ فِي غَيْبَتِهِ اهـ. م ر خِلَافًا لِحَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
(قَوْلُهُ تَحْلِيفُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْمُكَذِّبُ فَيَغْرَمَ لَهُ الْقِيمَةُ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ. وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّحْلِيفِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر. بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ: نَسِيت السَّابِقَ أَوْ رَهَنْت مِنْ أَحَدِهِمَا وَنَسِيت، فَصَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ، فَحَلَفَ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ السَّابِقَ أَوْ الْأَحَدَّ تَدَاعِيًا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَطَلَ الرَّهْنُ، إلَّا إنْ قَالَ: عَرَفْت السَّابِقَ وَنَسِيته فَيُتَوَقَّفُ إلَى