الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(خِلَافُ عَوْدِ فِسْقِ مَنْ لَا بَذَّرَا) أَيْ مَنْ لَيْسَ مُبَذِّرًا فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا فَلَا يُعَادُ بِهِ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ وَيُخَالِفُ اسْتِدَامَتُهُ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ:" مَنْ لَا بَذَّرَا ": الْفَاسِقُ الْمُبَذِّرُ فَيُعِيدُ الْقَاضِي عَلَيْهِ الْحَجْرَ لِتَحَقُّقِ تَضْيِيعِ الْمَالِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ
(وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ بَعْدَ أَنْ رَشَدْ فَلْيَلِهِ الْحَاكِمُ لَا أَبٌ وَجَدْ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَطَارِئُ الْجُنُونِ لَا يَلِيه ذُو الْحُكْمِ) أَيْ الْحَاكِمُ (بَلْ) الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ (لِلْأَبِ، أَوْ أَبِيهِ) كَمَا فِي حَالِ الصِّغَرِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُنُونَ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ، وَسَكَتُوا عَنْ الْوَصِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْأَبِ، وَالْجَدِّ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا تَعُودَ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ (تَتِمَّةٌ) لَا بُدَّ فِي مَعْرِفَةِ رُشْدِ الصَّبِيِّ مِنْ اخْتِبَارِهِ لِيُعْرَفَ حَالُهُ لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ وَاخْتَبِرُوهُمْ وَذَلِكَ فِي الدِّينِ، وَالْمَالِ أَمَّا فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ بِقِيَامِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِهِ الْمَحْظُورَاتِ، وَالشُّبُهَاتِ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقِوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ، وَالْقُطْنِ وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ، وَالْفَأْرَةِ وَنَحْوِهِمَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَالْخُنْثَى بِمَا تُخْتَبَرُ بِهِ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ جَمِيعًا وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِرُشْدِهِ
وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّبِيُّ الْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ هُنَا فَيُعْتَبَرُ فِي صَلَاحِ دِينِهِ وَمَالِهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ
(بَابُ الصُّلْحِ)
هُوَ لُغَةً قَطْعُ النِّزَاعِ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ. هُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَالْأَصْلُ فِي الصُّلْحِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَالْكُفَّارُ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا فَالصُّلْحُ الَّذِي يُحَلِّلُ الْحَرَامَ كَأَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَأَنْ يُصَالِحَ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمُصَالَحِ بِهِ وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى، وَالْبَاءِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ النَّاظِمُ الْجَمِيعَ فِي كَلَامِهِ فَقَالَ:(الصُّلْحُ عَمَّا يَدَّعِي) بِهِ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا (عَلَى
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ إلَخْ) (فَرْعٌ) طَرَأَ تَبْذِيرُهُ ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي فَلَوْ جُنَّ مُبَذِّرًا فَهَلْ تَسْتَمِرُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَبَتَتْ بِالتَّبْذِيرِ فَتُسْتَصْحَبُ، أَوْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، أَوْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ الْوَلِيُّ لِلْمَجْنُونِ، أَوْ ثَبَتَتْ لَهُمَا، لِلْقَاضِي لِلتَّبْذِيرِ، وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ لِلْجُنُونِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فَإِنْ تَصَرَّفَا مُرَتَّبًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ نَفَذَ تَصَرُّفُ السَّابِقِ، أَوْ تَصَرَّفَا مَعًا كَذَلِكَ بَطَلَ، فِيهِ نَظَرٌ.
فَإِنْ قُلْنَا تَنْتَقِلُ لِلْأَبِ، أَوْ الْجَدِّ وَزَالَ الْجُنُونُ وَاسْتَمَرَّ التَّبْذِيرُ فَهَلْ تَعُودُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي، أَوْ تَسْتَمِرُّ لِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِالِاسْتِصْحَابِ؟ فِيهِ نَظَرٌ
(بَابُ الصُّلْحِ)
(قَوْلُهُ: وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى، وَالْبَاءِ) أَيْ غَالِبًا (قَوْلُهُ: عَمَّا يَدَّعِي عَلَى سِوَى مَا يَدَّعِي) هَذَا شَامِلٌ لِلصُّلْحِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ، أَوْ دَيْنٍ فَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ: فِي الْمِنْهَاجِ فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ أَيْ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا وَإِلَّا أَيْ وَأَنْ لَا يَتَوَافَقَا فِيهِ كَالصُّلْحِ عَنْ ذَهَبٍ بِبُرٍّ فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ أَيْ وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ اهـ
ــ
[حاشية الشربيني]
الشَّارِحُ
وَلِذَا دَخَلَتْ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِشِبْهِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: خِلَافُ عَوْدِ فِسْقِ مَنْ لَا بَذَّرَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّشْدَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْبُلُوغِ يَظْهَرُ فِيهَا رُشْدُهُ عُرْفًا كَمَا قَالَهُ ع ش فَإِذَا ارْتَكَبَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَبِيرَةً، أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ صَارَ بِالْفِسْقِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَيْ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ الْعَائِدِ هُنَا هُوَ الْعَائِدُ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الرَّشِيدِيّ أَنَّ كَلَامَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ السَّفَهُ إلَّا فِيمَنْ أَتَى بِالْفِسْقِ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ وَحِينَئِذٍ فَالْبُلُوغُ عَلَى السَّفَهِ فِي غَايَةِ النُّدُورِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَطَارِئُ التَّبْذِيرِ بَعْدَ أَنْ رَشَدْ) كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ بِعَيْنِهَا قَوْلُهُ: وَعَائِدُ التَّبْذِيرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِقَوْلِهِ: فَلْيَلِهِ. إلَخْ (قَوْلُهُ: يَضْمَنُهُ) مَا لَمْ يَكُنْ تَلَفُهُ بِتَقْصِيرِ الْوَلِيِّ بِتَرْكِ الْمُرَاقَبَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش مُغْنِي
[بَابُ الصُّلْحِ]
(قَوْلُهُ: قَطْعُ النِّزَاعِ) فَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُبَايِنٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْسُ الْعَقْدِ فَلَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَعَمَّ تَحَقُّقًا (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْإِمَامِ إلَخْ) خَصَّهُ؛ لِأَنَّ الْبُغَاةَ مُخَالِفُوهُ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْبُغَاةِ. اهـ. شَوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ) فِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ الْجَارِي بَيْنَهُمَا لَا عَقْدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَذَا بِهَامِشِ الشَّرْحِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الصُّلْحِ) أَيْ
سِوَى مَا يَدَّعِي) بِهِ مُعَيَّنًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ (مِنْ بَعْدِ إقْرَارٍ) بِهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (هُوَ فِي الْعَيْنِ) الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا كَأَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ، أَوْ دَيْنٍ عَلَى ثَوْبِهِ، أَوْ عَشَرَةٍ فِي الذِّمَّةِ (بَيْعٌ) مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (يَثْبُتُ الْخِيَارُ) وَغَيْرُهُ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ لَفْظِ الصُّلْحِ (فِيهِ) لِصِدْقِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ (وَفِي مَنْفَعَةٍ) صُولِحَ عَلَيْهِمَا كَأَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ، أَوْ دَيْنٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا (إيجَارُ) فَيَثْبُتُ فِيهِ مَا يَثْبُتُ فِي الْإِيجَارِ بِغَيْرِ لَفْظِ الصُّلْحِ لِصِدْقِ الْإِيجَارِ عَلَيْهِ وَهَذَانِ النَّوْعَانِ يُسَمَّيَانِ صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ مَنْفَعَةٍ عَلَى عَيْنٍ بَيْعٌ وَلَيْسَ مُرَادًا
(وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ عَمَّا يَدَّعِي بِهِ (بِبَعْضِ الْمُدَّعَى) بِهِ (فِي الدَّيْنِ) كَأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ فِي الذِّمَّةِ عَلَى نِصْفِهَا (إبْرَا) مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لِصِدْقِ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ فِيهِ مَا يَثْبُتُ فِي الْإِبْرَاءِ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ، أَوْ نَحْوَهُ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْك وَصَالَحْتُك عَلَى الْبَاقِي لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الصُّلْحِ كَقَوْلِهِ صَالَحْتُك عَنْ الْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْك عَلَى خَمْسَةٍ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَقْتَضِيه وَلَوْ ضَمِنَ عَشَرَةً وَأَدَّى خَمْسَةً وَأَبْرَأَهُ الدَّائِنُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لَمْ يَبْرَأْ عَنْهَا الْأَصِيلُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إبْرَاءَ الضَّامِنِ لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَ مِنْ الْعَشَرَةِ عَلَى خَمْسَةٍ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ عَنْهَا أَيْضًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إبْرَاءٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يُشْعِرُ بِقَنَاعَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الضَّمَانِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيِّ وَتَوَقَّفَ فِيهِ (وَلَكِنْ هِبَةٌ فِي الْعَيْنِ) أَيْ، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي الْعَيْنِ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ دَارٍ عَلَى بَعْضِهَا هِبَةً لِلْبَعْضِ الْآخَرِ لِصِدْقِ الْهِبَةِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ فِيهِ مَا يَثْبُتُ فِيهَا
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: هُوَ فِي الْعَيْنِ) أَرَادَ بِهَا مُقَابِلَ الْمَنْفَعَةِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ: وَفِي مَنْفَعَةٍ.
وَلِذَا مَثَّلَ لَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: أَوْ عَشَرَةٍ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: بَيْعٌ مِنْ الْمُدَّعِي) الْمُلَائِمُ لِقَوْلِهِ السَّابِقِ فِي الْعَيْنِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا أَنْ يَقُولَ هُنَا: بَيْعٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بِرّ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ لَفْظِ الصُّلْحِ) وَإِلَّا فَهَذَا بَيْعٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إيجَارُ) أَيْ لِمَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَمَّا يَدَّعِيه شَامِلٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَحِينَئِذٍ فَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ مَنْفَعَةٍ عَلَى مَنْفَعَةٍ إيجَارٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَفِي مَنْفَعَةٍ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مَنْفَعَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُرَادًا) بَلْ هُوَ إيجَارٌ
(قَوْلُهُ: مَا ثَبَتَ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْأَحْكَامِ) وَظَاهِرُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ صِحَّةُ الصُّلْحِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ إذَا كَانَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَصَالَحْتُك عَلَى الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَا يَبْعُدُ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ أَيْضًا مِنْ خَمْسَةٍ لِوُجُودِ لَفْظِ الصُّلْحِ الْمُشْعِرِ بِالْقَنَاعَةِ
ــ
[حاشية الشربيني]
فِي ثُبُوتِ حَقِيقَتِهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، أَوْ الصُّلْحُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَيَكُونُ مَا ذُكِرَ أَصْلًا لِأَخْذِهِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، أَوْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ فِي الْآيَةِ عَامٌّ وَلِذَا عَدَلَ عَنْ الضَّمِيرِ، وَلَا يَضُرُّ خُصُوصُ سَبَبِ النُّزُولِ (قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ إقْرَارٍ) مِثْلُهُ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ دَيْنٍ) أَيْ غَيْرِ دَيْنِ السَّلَمِ وَلَوْ كَانَ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ سم هُنَا عَنْ م ر لَكِنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَهُ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ: أَوْ عَشَرَةٍ فِي الذِّمَّةِ) هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ دَيْنًا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَعْيِينُ الدَّيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مَعَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَيَكُونُ الدَّيْنُ الْمُصَالَحُ بِهِ هُنَا غَيْرَ لَازِمٍ كَفَى تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ عَنْ تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ وَقَوْلُهُمْ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ أَرَادُوا بِهِ اللَّازِمَ فِيهَا. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ وَقَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ مَا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ أَمَّا الْمُعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ فَلَيْسَ فِي الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ أَرَادُوا بِهِ اللَّازِمَ أَيْ مَا بَعْدَ اللُّزُومِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَعَيَّنُ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ فِي الِاسْتِبْدَالِ،
وَالْكَلَامُ فِي الدَّيْنِ الْمُخَالِفِ لِلدَّيْنِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ جِنْسًا، أَوْ نَوْعًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ اعْتِيَاضٌ فَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُ الرِّبَا أَمَّا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لَا اعْتِيَاضٌ فَلَا يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ ع ش
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) مِنْهُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ: (قَوْلُهُ: وَصَالَحْتُك عَلَى الْبَاقِي) وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِهِ كَسَبَقِ الْخُصُومَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُبَرَّأْ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مِنْ الصُّلْحِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا ذُكِرَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَبُولُ) أَيْ نَظَرًا لِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ ق ل وَانْظُرْهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ اجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَغَيْرِ الْمُقْتَضِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: الصُّلْحُ عَنْ أَحَدِ الشِّقَّيْنِ غَيْرُ مُقْتَضٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الصُّلْحُ سَلَمًا) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ لَوْ صَالَحَ مِنْ عَيْنٍ عَلَى دَيْنٍ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَيْعٌ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ ثَوْبٌ مَثَلًا مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ سَلَمٌ وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ. اهـ. قَالَ: ق ل وَجَعَلَ الثَّانِي سَلَمًا، وَالْأَوَّل بَيْعًا غَيْر مُسْتَقِيمٍ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعَ لَفْظِ السَّلَمِ سَلَمٌ وَمَعَ عَدَمِ لَفْظِهِ بَيْعٌ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: مَحَلُّ هَذَا إذَا صَدَرَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُنَا إنَّمَا صَدَرَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَعِبَارَةُ حَجَرٍ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمُقَابِلِ السَّلَمِ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فَهُوَ أَعْنِي الْبَيْعَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَوْضِعِهِ لِغَيْرِهِ فَإِذَا نَافَى لَفْظُهُ مَعْنَاهُ بِأَنْ كَانَ الْبَيْعُ فِي الذِّمَّةِ أَيْ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي
وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ يُسَمَّيَانِ صُلْحَ الْحَطِيطَةِ.
وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ وَبِبَيَانِ مَحَلِّ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي بَيْعٌ، أَوْ إجَارَةٌ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ، أَوْ إبْرَاءٌ انْتَهَى وَقَدْ يَكُونُ الصُّلْحُ سَلَمًا بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُدَّعَى بِهِ رَأْسَ مَالٍ وَجَعَالَةً كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي وَخُلْعًا كَقَوْلِهَا: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً وَمُعَاوَضَةً عَنْ دَمٍ كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الْقِصَاصِ وَفِدَاءً كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ وَعَارِيَّةً كَقَوْلِهِ: صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا سَنَةً وَفَسْخًا كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ
(وَأُلْغِيَ الصُّلْحُ إذَا لَمْ تَسْبِقْ خُصُومَةٌ) بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ سَبْقِهَا صَالِحْنِي مِنْ دَارِك عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ خُصُومَةٍ وَكَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِيَا بِهِ الْبَيْعَ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ بِهَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَخَالَفَهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ لِمُنَافَاةِ اللَّفْظِ لَهُ كَقَوْلِهِ وَهَبْتُك بِعَشَرَةٍ لَا يَصِحُّ إذَا نَظَرْنَا إلَى اللَّفْظِ.
وَإِنْ نَوَيَا الْبَيْعَ قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَّا أَنَّ هَذِهِ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا اللَّفْظُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي قَوْلِهِ: صَالِحْنِي اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَاهُ لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهِ فَيُصَارُ إلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيَلْغُو الصُّلْحُ أَيْضًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ الْخَصْمُ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْوَاجِبِ فَكَانَ كَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا فَصَالَحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (لَا إنْ بِبِعْنِي يَنْطِقْ) مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ أَيْ لَا إنْ نَطَقَ فِيمَا إذَا لَمْ تَسْبِقْ خُصُومَةٌ بِبِعْنِي بَدَلَ صَالِحْنِي فَإِنَّهُ لَا يَلْغُو الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَسْتَدْعِي سَبْقَ خُصُومَة
(وَ) الصُّلْحُ (مِنْ مُؤَجَّلٍ وَذِي كَسْرٍ) أَيْ وَمِنْ مُكَسَّرٍ (عَلَى دَيْنِ) بِالتَّنْوِينِ وَبِتَرْكِهِ (حُلُولٍ) أَيْ حَالٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُؤَجَّلِ.
(وَ) عَلَى (صَحِيحٍ) فِي مَسْأَلَةِ الْمُكَسَّرِ كَأَنْ صَالَحَ فِي الْأُولَى مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ عَشَرَةٍ مُكَسَّرَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ صَحِيحَةٍ (بَطَلَا) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الْمَدِينِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ، وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يَسْقُطَانِ. نَعَمْ مَنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ وَأَدَّى الصَّحِيحَ عَنْ الْمُكَسَّرِ وَقَبِلَهُ الدَّائِنُ سَقَطَ الْأَجَلُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الصُّلْحُ سَلَمًا) كَالصَّرِيحِ فِي انْعِقَادِ السَّلَمِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَقَوْلُهُمْ فِي حَدِّهِ بِلَفْظِ السَّلَمِ يُزَادُ عَلَيْهِ، أَوْ الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: سَلَمًا) أَيْ حَقِيقَةً إنْ وُجِدَ لَفْظُ السَّلَمِ وَإِلَّا فَحُكْمًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا سَنَةً) أَيْ أَنْتَ أَيُّهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُسْتَعِيرُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: قَالَ: الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: لِمُنَافَاةِ اللَّفْظِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ جِنْسِهَا قَالَ: بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِغَيْرِ جِنْسِهَا اهـ (قَوْلُهُ: فَصَالَحَ بِأَكْثَرَ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي فَسَادِ هَذَا الصُّلْحِ (قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُهُ) الْمُنَاسِبُ لِهَذَا عَدَمُ تَأْوِيلِ الْحُلُولِ بِحَالٍّ (قَوْلُهُ: بَطَلَا) وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَحَاصِلُهُ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ (فَرْعٌ)
لَوْ صَالَحَ عَنْ حَالٍّ بِمُؤَجَّلٍ وَعَنْ صِحَاحٍ بِمُكَسَّرٍ وَعَكْسِهِ بَطَلَ وَإِنْ عَجَّلَ، أَوْ دَفَعَ الصِّحَاحَ جَازَ فَإِنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ وَوُجُوبَ التَّعْجِيلِ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ وَإِنْ صَالَحَ عَنْ حَالٍّ بِنِصْفِهِ مُؤَجَّلًا صَحَّ الْحَطُّ لَا التَّأْجِيلُ، أَوْ عَكْسُهُ بَطَلَا اهـ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمَتْنِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَوْلُهُ: وَالْحَطُّ مَعَ هَذَا ثُمَّ قَوْلُهُ: دُونَ حَطٍّ أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ حَطٌّ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَمْثِيلَ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ التَّمْثِيلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُخَصَّصَ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَقَبِلَهُ الدَّائِنُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ فَيُفَارِقُ الْأَجْوَدُ
ــ
[حاشية الشربيني]
كَوْنَهُ مُعَيَّنًا غَلَبَ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى وَأَمَّا لَفْظُ الصُّلْحِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ فَلَيْسَ لَهُ مَوْضُوعٌ خَاصٌّ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لَفْظُهُ حَتَّى يَغْلِبَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ بِحُكْمِ الْمَعْنَى لَا غَيْرُ اهـ فَإِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ دَيْنًا فَقَدْ نَاسَبَ السَّلَمَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ فَجُعِلَ عَقْدَ سَلَمٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ نَقْدًا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ بَلْ ثَمَنًا فَجُعِلَ عَقْدَ بَيْعٍ. أَفَادَهُ ع ش فَتَأَمَّلْهُ، فَبِهِ يَنْدَفِعُ تَوَقُّفُ ق ل وَسم عَلَى حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الصُّلْحُ سَلَمًا) أَيْ إنْ صَالَحَهُ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ فَسَلَمٌ حَقِيقَةً وَإِلَّا فَسَلَمٌ حُكْمًا. قَالَهُ م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَهُوَ بَيْعٌ، وَلَا يُنَافِيه مَا مَرَّ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّقْدَيْنِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا جَرَى الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ مَعَ صَلَاحِيَتِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّقْدِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ بَلْ يَكُونُ ثَمَنًا وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الصُّلْحِ مُحْتَمِلًا لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُجْعَلَ الْمُدَّعَى بِهِ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ) قَالَ: سم عَلَى التُّحْفَةِ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا وَيَكُونُ قَبْضُهَا بِمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ وَأَمَّا تَخْصِيصُ مَا تَقَدَّمَ بِغَيْرِ لَفْظِ الصُّلْحِ فَبَعِيدٌ جِدًّا لَا وَجْهَ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا اسْتَحَقَّهُ إلَخْ) الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مِنْ قِصَاصٍ فَيَكُونُ الْقِصَاصُ مَأْخُوذًا وَكَذَا مَتْرُوكًا
(قَوْلُهُ: وَأُلْغِيَ الصُّلْحُ إذَا لَمْ تَسْبِقْ خُصُومَةٌ) أَيْ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَأَجْنَبِيٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِك وَهَبْتُك بِعَشَرَةٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ النَّظَرَ لِلَّفْظِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يُنَافِي الْبَيْعَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْهِبَةَ تُنَافِي الْبَيْعَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بَيْعٌ وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى الضَّعِيفِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَاهُ) ؛ لِأَنَّ مِنْ مَعَانِيه الْبَيْعَ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِعُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ
(قَوْلُهُ: سَقَطَ الْأَجَلُ إلَخْ) إلَّا إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ فَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. اهـ. شَرْحُ مَنْهَجٍ وَاعْتَمَدَهُ م ر
وَالتَّكْسِيرُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ أَهْلِهِمَا وَقَوْلُهُ:" وَأُلْغِيَ " يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ بَطَلَ (وَ) أُلْغِيَ (الْحَطُّ) الْكَائِنُ (مَعَ هَذَا) أَيْ مَعَ الصُّلْحِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الْحَالِّ وَمِنْ الْمُكَسَّرِ عَلَى الصَّحِيحِ لِبُطْلَانِ مُقَابِلِهِ.
إذْ الصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُلْحَقُ فَيَلْغُو مَا قَابَلَهَا مِنْ الْحَطِّ (وَ) أُلْغِيَ (عَكْسٌ) أَيْ عَكْسُ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الصُّلْحُ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ وَمِنْ صَحِيحٍ عَلَى مُكَسَّرٍ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ مِنْ عَشَرَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُكَسَّرَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَالتَّكْسِيرِ وَهُمَا لَا يُلْحَقَانِ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى حُلُولِهِ وَصِحَّتِهِ (دُونَ حَطْ مَعَهُ) فَلَا يُلْغَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ حَتَّى يَفْسُدَ بِفَسَادِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ
(وَ) أُلْغِيَ الصُّلْحُ (بِالْإِنْكَارِ) أَيْ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا مَعَ سُكُوتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيّ وَغَيْرِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ التَّمْلِيكِ مَعَ الْإِنْكَارِ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا تَمَلَّكَهُ سَوَاءٌ صَالَحَ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ أَمْ عَنْ الدَّعْوَى فَلَوْ قَالَ الْمُنْكِرُ: صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ بَلْ الصُّلْحُ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا وَلَا يُبَرَّأُ مِنْهَا.
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ: (عِنْدَنَا) مَذْهَبُ غَيْرِنَا فَإِنَّهُ يُصَحِّحُ الصُّلْحَ مَعَ الْإِنْكَارِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا: اقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لِيُحَلِّلْ كُلٌّ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ، وَأَمَّا التَّحْلِيلُ مَعَ الْجَهْلِ فَمِنْ بَابِ الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ جَهْلٍ يُمْكِنُ اسْتِكْشَافُهُ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بَعْدَ الْإِنْكَارِ صَحَّ الصُّلْحُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِهَا كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَاسْتَشْكَلَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ، ثُمَّ أَقَرَّ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ حِينَ الصُّلْحِ فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: رَدَدْتهَا إلَيْك، ثُمَّ صَالَحَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةً لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: مَالًا يَمْلِكُهُ) لَعَلَّهُ مَا يَدْفَعُ لَهُ فِي نَظِيرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَ بَدَلِهَا فَأَخْذُهَا يُلْزِمُهُ أَنَّهُ مَلَكَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَمْلِكَهُ وَقَوْلُهُ: وَيَتَمَلَّكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ أَيْ وَهُوَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِمِلْكِهَا بِمُقْتَضَى الْيَدِ وَعَدَمِ حُجَّةِ الْمُدَّعِي مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَمُصَالَحَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَلَكَهَا بِمُقْتَضَى الصُّلْحِ مَعَ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا الشِّهَابَ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لَا يَمْلِكُهُ وَيَتَمَلَّكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُهُ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ إعْطَاءَ الْعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ إنْكَارِهِ يَتَضَمَّنُ تَقْدِيرَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمُعْطِي وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: اقْتَسِمَا) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اُطْلُبَا الْقِسْمَةَ، أَوْ اُقْصُدَاهَا، ثُمَّ بَعْدَ طَلَبِهَا وَقَصْدِهَا تَوَخَّيَا الْحَقَّ فِيهَا وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَانْظُرْ قَوْلَهُ ثُمَّ تَوَخَّيَا مَا مَعْنَاهُ بَعْدَ صُدُورِ الْقِسْمَةِ
(قَوْلُهُ: بَابُ الْوَرَعِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ وَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَهُوَ مُشْكِلٌ. نَعَمْ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُصَحِّحُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمَجْهُولِ اهـ وَيُجَابُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُمْكِنُ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اسْتِكْشَافُهُ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّحْلِيلَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ هُوَ وَرَعٌ وَاحْتِيَاطٌ فَسُومِحَ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِنْكَارِ) أَيْ: ثُمَّ صَالَحَ (قَوْلُهُ: سَبِيلًا إلَى الطَّعْنِ) لَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ. أَيْ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ) رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، أَوْ فِي قَوْلِهِ وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ شَرْطُ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ اهـ أَيْ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا فِي صُلْحِهِمَا وَلَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ: الْبَغَوِيّ) اعْتَمَدَهُ م ر
ــ
[حاشية الشربيني]
فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ الدَّيْنِ بِلَا اسْتِرْدَادٍ فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّرَاضِي كَأَنَّهُ مَلَّكَهُ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ اهـ جَمَلٌ وَع ش وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: " فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ " مَا نَصُّهُ: وَوَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ لَكِنْ لَهُ فِي هَذِهِ الِاسْتِرْدَادُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ اعْتِقَادِ أَمْرٍ بَاطِلٍ فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْجِيلِ
(قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِيهَا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا انْعَكَسَ الْحَالُ فَلَوْ قَالَ: لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ يَمْلِكَ الشَّخْصُ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ مَا لَا يَمْلِكُهُ، لِشَمْلِهِمَا عَلَى أَنَّ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ يَمْلِكُ مَا لَا يَمْلِكُهُ بِوَاسِطَةِ الصُّلْحِ كَغَيْرِهِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ وَفِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْمِلْكِ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ فَاسِدَةٌ بِخِلَافِهَا فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِي صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِالرِّضَا بِخِلَافِهِ فِي صُلْحِ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اضْطَرَّ الْمُدَّعِي إلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِهِ فَهُوَ عَقْدٌ مَرْغُومٌ عَلَيْهِ فَفَسَدَ. اهـ. شَيْخُنَا ذ رحمه الله (قَوْلُهُ: لِاسْتِلْزَامِهِ إلَخْ) أَيْ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ لِلْمُدَّعِي، أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَرْحُ م ر فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ:" وَبِتَمَلُّكِ " بِمَعْنَى أَوْ. وَفِي الْمُحَشِّي وَجْهٌ آخَرُ فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ: مَذْهَبُ غَيْرِنَا إلَخْ) كَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الثَّانِي " الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَيَبْطُلُ " مَا نَصُّهُ: خِلَافًا لِلَّائِمَةِ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْخُلْعِ اهـ أَيْ فَإِذَا أَنْكَرَا الْخُلْعَ، أَوْ الْكِتَابَةَ، أَوْ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ مَعَ الْإِنْكَارِ لَمْ يَصِحَّ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ أَفَادَهُ م ر وَع ش (قَوْلُهُ: صَحَّ الصُّلْحُ) أَيْ الْوَاقِعُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ، أَوْ عُدِّلَتْ بَعْدَهُ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُقِيمَتْ بَعْدَ الصُّلْحِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ. اهـ. سم عَنْ شَرْحِ م ر وَفِي شَرْحِ عب وَلَوْ أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى
مَقْبُولٍ وَقَدْ أَقَرَّ بِالضَّمَانِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا وَقَوْلُ النَّظْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (فَقَطْ) تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ
(لَا إنْ جَرَى) أَيْ الصُّلْحُ بِالْإِنْكَارِ (مَعْ أَجْنَبِيٍّ) بِوَكَالَةٍ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا (وَإِنْ قَالَ) الْأَجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي (أَقَرَّ) لَك الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ (بَاطِنًا) أَيْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ يُظْهِرْ خَوْفًا مِنْ أَخْذِك لَهُ (وَ) قَالَ: (وَكِّلَنْ) أَيْ وَكِّلْنِي (فِي الصُّلْحِ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَ
ــ
[حاشية العبادي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الشربيني]
الْإِنْكَارِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقْتَهُ فَهَلْ تَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ قَالَ: الْجُورِيُّ تَلْحَقُ بِهِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا لَا فِيهِ اهـ وَقَوْلُهُ فَهَلْ تَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ أَيْ بِالْإِقْرَارِ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ بِهَا صَحِيحًا كَالْإِقْرَارِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهَا هَلْ تَلْحَقُ بِالْإِقْرَارِ قَبْلَ الصُّلْحِ كَمَا فَهِمَ ع ش فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ: صَحَّ الصُّلْحُ) أَيْ بَعْدَ تَعْدِيلِهَا وَلَوْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر وع ش (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) ضَعِيفٌ
(قَوْلُهُ: لَا إنْ جَرَى مَعَ أَجْنَبِيٍّ) حَاصِلُ هَذَا الْمَقَامِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً: أُصُولُهَا أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إمَّا عَنْ عَيْنٍ، أَوْ دَيْنٍ يُتْرَكَانِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَظَمَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً وَمِثْلُهَا فِيمَا لَوْ كَانَ عَنْ دَيْنٍ يُتْرَكُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاثْنَا عَشَرَ فِيمَا لَوْ كَانَ عَنْ عَيْنٍ تُتْرَكُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُصَالِحِ وَمِثْلُهَا فِيمَا لَوْ كَانَ عَنْ دَيْنٍ يُتْرَكُ لَهُ بَيَانُ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فِيمَا لَوْ كَانَ عَنْ عَيْنِ تُتْرَكُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إمَّا أَنْ يُصَالِحَ بِعَيْنٍ، أَوْ دَيْنٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ، أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يَقُولَ وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ مَعَك، أَوْ سَكَتَ عَنْ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ مُقِرٌّ بِهَا لَك، أَوْ هِيَ لَك، أَوْ هُوَ مُحِقٌّ فِي عَدَمِ إقْرَارِهِ، أَوْ مُبْطِلٌ فِيهِ، أَوْ لَا أَدْرِي، أَوْ سَكَتَ بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ: صَالِحْنِي فَهَذِهِ سِتَّةٌ تُضْرَبُ فِي الثَّمَانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مَتْرُوكَةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك، أَوْ وَهِيَ لَك فِي أَحْوَالِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ.
الْأَرْبَعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ الْبَاقِيَةُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَبَيَانُهَا أَيْ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ دَيْنٍ يُتْرَكُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ هَذَا الْبَيَانُ بِعَيْنِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إمَّا أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك، أَوْ وَهِيَ لَك، وَعَلَى كُلٍّ أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ، أَوْ لَا فَهِيَ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي أَحْوَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ الْأَرْبَعَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَهُوَ مُبْطِلٌ فِي عَدَمِ إقْرَارِهِ: فَصَالِحْنِي عَنْهُ بِعَيْنٍ، أَوْ دَيْنٍ مِنْ مَالِي فَهُمَا صُورَتَانِ تُضَمَّانِ إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ. فَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ عِنْدَ الْإِذْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَقُولَ مِنْ مَالِي فَيَصْدُقُ بِأَرْبَعٍ هِيَ أَحْوَالُ الْمُصَالَحِ بِهِ تُضَمُّ إلَى الثَّمَانِيَةَ عَشْرَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ كَذَا فِي الْجَمَلِ عَلَى الْمَنْهَجِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: مِنْ مَالِي فِي صُورَةِ عَدَمِ الْإِذْنِ إلَّا إنْ قَالَ وَهُوَ مُبْطِلٌ دُونَ مَا لَوْ قَالَ: وَهُوَ لَك، أَوْ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك وَهُوَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الصُّلْحِ لَا يَسُوغُ لَهُ الصُّلْحُ إلَّا عَنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنٍ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ عَلَى إقْرَارٍ، وَهَذَا مَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ إلَّا أَنَّ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَيْنٍ لِلْمُوَكِّلِ بِعَيْنٍ لِلْوَكِيلِ خِلَافًا مَنَعَهُ م ر وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ.
وَالسِّتَّةُ وَالْعِشْرُونَ الْبَاقِيَةُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلَةٌ، وَعَلَى مَا فِي ح ل وم ر يَكُونُ الْبَاطِلُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَبَيَانُ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ عَيْنًا يُتْرَكُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ إنْ صَالَحَ عَنْهَا لِنَفْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ لَك، أَوْ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك، أَوْ وَهُوَ مُبْطِلٌ فِي عَدَمِ إقْرَارِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُصَالَحُ بِهِ عَيْنٌ لِلْأَجْنَبِيِّ، أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ صَحِيحَةٌ. وَفِي قَوْلِهِ: وَهُوَ مُبْطِلٌ يَكُونُ شِرَاءَ مَغْصُوبٍ إنْ قَدَرَ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالَ: وَهُوَ مُحِقٌّ، أَوْ لَا أَعْلَمُ، أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى صَالِحْنِي بِكَذَا، وَالْمُصَالَحُ بِهِ مَا ذُكِرَ لَغَا الصُّلْحُ فَهَذِهِ سِتَّةٌ بَاطِلَةٌ. وَبَيَانُ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ دَيْنًا يُتْرَكُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُقِرٌّ لَك، أَوْ وَهُوَ لَك، أَوْ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ فِي حَالَتَيْ الْمُصَالَحِ بِهِ بِسِتَّةٍ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَا ذُكِرَ بِأَنْ قَالَ: وَهُوَ مُحِقٌّ فِي عَدَمِ إقْرَارِهِ، أَوْ لَا أَدْرِي، أَوْ سَكَتَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ فِي حَالَتَيْ الْمُصَالَحِ بِهِ بِسِتَّةٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِيهَا. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ يج وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الصُّلْحُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنَّ " وَهُوَ مُبْطِلٌ " لَا تَكُونُ فِي الْعَيْنِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إقْرَارِهِ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي لِلْعَيْنِ، وَلَا تَعَرُّضَ فِي " وَهُوَ مُبْطِلٌ " لِكَوْنِهِ مُقِرًّا بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ وَهِيَ لَك لِاحْتِمَالِهِ إقْرَارَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجَازَ الصُّلْحُ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ. أَمَّا الصُّلْحُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْعَيْنِ وَالصُّلْحُ فِي الدَّيْنِ مُطْلَقًا فَيَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ تَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: إنْ قَالَ: أُقِرُّ) هُوَ قَيْدٌ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ
الْإِنْسَانِ فِي دَعْوَى الْوَكَالَةِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ.
وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَعَادَهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: إنْ قَالَ أَقَرَّ: مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارَهُ وَبِقَوْلِهِ: وَقَالَ: وَكِّلْنِي فِي الصُّلْحِ عَنْهُ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ هُوَ مُنْكِرٌ لَكِنَّهُ مُبْطِلٌ فَصَالِحْنِي لَهُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَكُمَا فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ لِمُنْكِرٍ، أَوْ دَيْنًا فَقِيلَ كَذَلِكَ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ إذْ لَا يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ تَمْلِيكِهِ الْعَيْنَ وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: بَاطِنًا، لِبَيَانِ تَصْوِيرِ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا بِدُونِهِ بِأَنْ يَقُولَ أُقِرُّ، أَوْ أُقِرُّ ظَاهِرًا (وَ) لَا إنْ جَرَى الصُّلْحُ بِالْإِنْكَارِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ (لَهُ فِي الْعَيْنِ) الْمُدَّعَاةِ (مَعْ) قَوْلِهِ (ذَا) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مُبْطِلٌ) فِي إنْكَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا صَدَرَ (مِنْ قَادِرٍ) وَلَوْ فِي ظَنِّهِ (أَنْ انْتَزَعْ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ أَيْ عَلَى انْتِزَاعِ الْعَيْنِ كَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ.
فَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ فَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ أَيْ أَوْ نَحْوُهُ فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لِلْمُدَّعِي بِالْمِلْكِ
وَلَمَّا كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الْمُشْتَرَكِ قَدْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الصُّلْحِ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ فِي بَابِهِ فَقَالَ: (لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ فِي الشَّارِعِ غَرْسًا وَدَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ بِغَرْسِ شَجَرَةٍ فِيهِ، أَوْ بِنَاءِ دَكَّةٍ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي) شَارِعٍ (وَاسِعِ) وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ وَمَعَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ لِمَنْعِهِ الطُّرُوقَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ، وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا وَإِنْ غَرَسَهَا لِلْمَسْجِدِ لِيُصْرَفَ رِيعُهَا لَهُ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا.
وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ، وَالْخَاصُّ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ فِيهِ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الدَّكَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي جَوَازُهَا حِينَئِذٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ وَلِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَمَا يَضُرُّ ذَا مُرُورٍ نَصَبَا) قَامَتْهُ أَيْ وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ فِي الشَّارِعِ بِمَا يَضُرُّ مِنْ جَنَاحٍ وَسَابَاطٍ وَنَحْوِهِمَا الْمَارَّ، مَاشِيًا مُنْتَصِبًا وَعَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّارِعُ وَاسِعًا أَمْ ضَيِّقًا (وَ) لَا بِمَا يَضُرُّ (مَحْمِلًا) عَلَى الْبَعِيرِ (وَرَأْسَهُ) أَيْ أَخْشَابُهُ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُعِدْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ أَوَّلًا تَصْرِيحٌ بِالْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ) هَلَّا زَادَ، أَوْ بَيْعُ فُضُولِيٍّ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا، وَالْمُصَالَحُ بِهِ دَيْنًا (قَوْلُهُ: لَهُ فِي الْعَيْنِ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ بِرّ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ) فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَصِحُّ بِغَيْرِهِ إنْ قَالَ: وَهُوَ مُقِرٌّ، أَوْ وَهُوَ لَك، أَوْ وَهُوَ مُبْطِلٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ح ج
(قَوْلُهُ: لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الدَّكَّةِ نَقْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجِنَايَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي إقْطَاعِ الشَّوَارِعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ وَيَتَمَلَّكَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِمَادِهِ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلطُّرُوقِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَوْ عَلَى النُّدُورِ فَحِينَئِذٍ لِلْإِمَامِ الْإِقْطَاعُ وَلِلْمُقْطِعِ بِنَاءُ مَا أَرَادَ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: غَرْسًا وَدَكَّةً) وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَفْرُ الْبِئْرِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى الْمَاءِ أَتَمُّ وَقَدْ يَنْتَفِعُ بِهَا غَيْرُهُ بِخِلَافِ الشَّجَرِ (قَوْلُهُ: فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا) ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهَا تَصِيرُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِلْمَسْجِدِ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَرْسِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِنَحْوِ لَفْظِ الْوَقْفِ؛ وَعَلَيْهِ فَلَوْ غَرَسَ إنْسَانٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ الشَّارِعِ وَجُهِلَ قَصْدُهُ وَمَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لِلْمَسْجِدِ، أَوْ الشَّارِعِ، أَوْ الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْوَرَثَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ لِلْوَرَثَةِ وَيُؤْمَرُونَ بِقَلْعِهَا. فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا ضَرَرَ) إلَّا أَنْ يُقَالَ تَوَقُّعُ الضَّرَرِ فِي الشَّارِعِ أَكْثَرُ فَامْتَنَعَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ) وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَيُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الطَّرِيقِ الْمُبَاحَةِ وَبِأَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ صَرَّحَ بِمَنْعِ بِنَاءِ الدَّكَّةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَبِأَنَّ الْبُقْعَةَ الْمُنْحَرِفَةَ عَنْ سُنَنِ الطَّرِيقِ قَدْ يَفْزَعُ إلَيْهَا الْمَارَّةُ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّ مَحَلَّ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ الْمَدِينُ مُقِرًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: نُزِّلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مُبْطِلٌ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ الْمَدِينِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعَقْدَ. اهـ. ع ش
(قَوْلُهُ: غَرْسًا وَدَكَّةً) حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ الدَّكَّةَ يُمْنَعُ مِنْهَا وَلَوْ بِفِنَاءِ دَارِهِ، أَوْ دِعَامَةً لِجِدَارِهِ سَوَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ وَإِنْ اتَّسَعَ وَانْتَفَى الضَّرَرُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَكَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ الشَّجَرَةُ فِي الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَتَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ تَضُرَّ بِالْمُصَلِّينَ وَكَانَتْ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَأَكْلِهِمْ مِنْ ثِمَارِهَا، أَوْ صَرْفِهَا فِي مَصْلَحَتِهِ وَأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. هَذَا مَا فِي
الَّتِي يُظَلِّلُ بِهَا فَوْقَهُ وَيُسَمَّى مَجْمُوعُهَا فِي الْعُرْفِ مَحَارَةً (وَإِنْ رَحُبَا) أَيْ الشَّارِعُ، أَيْ وَسِعَ بِأَنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ، وَالْقَوَافِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ نَدَرَ قَدْ يَتَّفِقُ وَيُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعُ.
وَقَدْ يُدَّعَى فَهْمُهُ مِنْ لَفْظِ الضَّرَرِ. وَخَرَجَ بِمَا يَضُرُّ مَا لَا يَضُرُّ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَكَذَا مَا يَضُرُّ ضَرَرًا يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ الطِّينِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ وَإِلْقَاءِ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا، وَرَبْطًا لِدَوَابَّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ، وَالرُّكُوبِ. نَعَمْ يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي شَوَارِعِنَا وَإِنْ جَازَ لَهُ اسْتِطْرَاقُهَا كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِ عَلَيْنَا وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِنَا كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ إلَى هَوَاءِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، وَهَلْ يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَاءِ الْمَقْبَرَةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي الْمَوَاتِ، أَوْ مُسَبَّلَةً؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا انْتَهَى وَمَنْ وَضَعَ جَنَاحًا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ قَلَعَهُ الْحَاكِمُ لَا الْآحَادُ عَلَى أَشْبَهِ الْوَجْهَيْنِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَحَيْثُ جَازَ إشْرَاعُ الْجَنَاحِ جَازَ إشْرَاعُهُ فَوْقَ جَنَاحِ جَارِهِ وَتَحْتَهُ وَكَذَا فِي مَوْضِعِهِ إذَا انْهَدَمَ، أَوْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعِ قُعُودِهِ لِلْمُعَامَلَةِ فِي شَارِعٍ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاقُ بِمَوْضِعِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا قَالُوهُ. وَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي بُطْلَانِ الْحَقِّ بِالِانْتِقَالِ اعْتِبَارُهُ هُنَا انْتَهَى.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ مَوْضِعِ وُقُوفِهِ، أَوْ قُعُودِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ قُلْت وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ مَا فَهِمَهُ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقَّ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْهَوَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِبَارِ ثَمَّةَ الِاعْتِبَارُ هُنَا. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَبَيْنَ الشَّارِعِ وَالطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عَامٌّ فِي الصَّحَارَى وَالْبُنْيَانِ، وَفِي النَّافِذِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّارِعُ خَاصٌّ بِالْبُنْيَانِ وَبِالنَّافِذِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ مُقَدَّرًا فِي قَوْلِهِ
(وَغَيْرُ نَافِذٍ) وَزَادَ قَوْلَهُ (لِسَدِّ سُفْلِهِ) إيضَاحًا، أَيْ: وَالشَّارِعُ غَيْرُ النَّافِذِ لِكَوْنِهِ مُنْسَدَّ الْأَسْفَلِ (مِلْكٌ) لِأَهْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ) فِيهِ حِصَّةٌ (مِنْ أَوَّلِ الدَّرْبِ) الْمُسَمَّى أَيْضًا بِالسِّكَّةِ بِكَسْرِ السِّينِ (إلَى بَابٍ لَهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ مَا بَيْنَ بَابِهِ وَأَسْفَلِ الدَّرْبِ وَبِخِلَافِ جَارِ الدَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهِ بَابٌ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْجَارُ إذْ) أَيْ وَقْتَ (لَا بَابَ) لَهُ فِيهِ (لَيْسَ أَهْلَهُ) أَيْ لَيْسَ مِنْهُمْ لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ مِلْكَ أَهْلِهِ لَمَا جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَمِنْهُ مَا قَالَهُ
ــ
[حاشية العبادي]
فَتَضِيقُ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُظْلِمَ) أَيْ إظْلَامًا يَشُقُّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ) وَأَفْتَى أَبُو زُرْعَةَ بِمَنْعِهِ مِنْ الْبُرُوزِ فِي الْبَحْرِ بِبِنَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ إلَى هَوَاءِ الْمَسْجِدِ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْمَنْعِ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَغَيْرِهِ اسْتِدْلَالًا عَلَى جَوَازِ مَا لَا يَضُرُّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجَنَاحِ، وَالْمِيزَابِ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي مَوْضِعِهِ إذَا انْهَدَمَ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا بِجَانِبِهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْإِحْيَاءِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ يُفَرَّقُ إلَخْ) وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ مَا حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً، أَوْ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَائِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا حَجَرٌ (قَوْلُهُ: جَازَ إشْرَاعُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ أَوْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ أَوْ مُقَابِلِهِ إنْ لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ قُعُودِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ) كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ لِلْمُعَامَلَةِ؟ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ فَهْمِ
ــ
[حاشية الشربيني]
شَرْحِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْهُ بِخِلَافِهِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ) بِأَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ فِيهَا مُسْلِمٌ ق ل (قَوْلُهُ: وَهَلْ يَجُوزُ إلَخْ) فِي شَرْحِ م ر يُعَدُّ ذَلِكَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مَا حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً، أَوْ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ فِي هَوَائِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا. قَالَ ع ش: وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ الْإِشْرَاعِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَيَمْتَنِعُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَا الْآحَادَ) وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فَوْقَ جَنَاحِ جَارِهِ وَتَحْتَهُ) وَكَذَا مُقَابِلَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ بِهِ، أَوْ يُبْطِلَ انْتِفَاعَ جَارِهِ بِجَنَاحِهِ، أَوْ يَحْصُلَ لَهُ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ عَادَةً فَتَأَمَّلْ تَصْوِيرَ كُلِّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي مَوْضِعِهِ) وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَعْرِضْ صَاحِبُهُ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْوَاقِفُ فِي الشَّارِعِ لَا لِلْمُعَامَلَةِ مِنْ مَكَانِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ هَدَمَهُ الْجَارُ الَّذِي وَضَعَ جَنَاحَهُ فَكَذَلِكَ اهـ م ر وَع ش (قَوْلُهُ: أَقْوَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالْقُعُودِ لِلْمُعَامَلَةِ اخْتِصَاصٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ قَصْدًا فَقَوِيَ الْحَقُّ فَثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ مَا دَامَ مُقْبِلًا عَلَى الْقُعُودِ بِخِلَافِ الِاخْتِصَاصِ بِالْهَوَاءِ فَإِنَّهُ اخْتِصَاصٌ بِمَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إلَّا تَبَعًا، وَلَا شَيْءَ يَقْتَضِي التَّبَعِيَّةَ فَضَعُفَ الْحَقُّ فِيهِ. اهـ. شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِهِ) وَلَوْ مُكْتَرِيًا، أَوْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: جَازَ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) وَيَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ مَنَعُوهُ ع ش وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ
الْأَصْحَابُ: يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ طَرِيقًا لِلنَّاسِ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ الْجَوَازَ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فِيهِ (فَيُحْدَثُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ مِلْكًا لِأَهْلِهِ فَيَحُوزُ أَنْ يُحْدَثَ فِيهِ (الرَّفْرَفُ، وَالْمُجَنَّحُ) أَيْ الْجَنَاحُ (وَيُعْرَشُ) فِيهِ (الْغُصْنُ) بِأَنْ يُجْعَلَ فِيهِ لِلْغُصْنِ عَرِيشٌ كَعَرِيشِ الْعِنَبِ وَنَحْوِهِ (وَبَابٌ يُفْتَحُ) أَيْ وَيُفْتَحُ فِيهِ بَابٌ (بِإِذْنِ مَنْ هَذَا الَّذِي قُلْنَا بِهِ) مِنْ الْمُحْدَثَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ إنَّمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الدَّرْبِ وَلِبَعْضِهِمْ إحْدَاثُ الْمَذْكُورَاتِ بِإِذْنِ مَنْ هِيَ (مَا بَيْنَ رَأْسِ سِكَّةٍ وَبَابِهِ) فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ إذْ تَصَرُّفُ الشَّرِيكِ فِي الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَجُوزُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَمَا سَيَأْتِي (لَا إذْنِ) أَيْ لَا بِإِذْنِ (شَخْصٍ بَابُ دَارِهِ وُجِدْ مَا بَيْنَ رَأْسِ سِكَّةٍ، وَالْمُسْتَجِدْ) أَيْ الْمُحْدَثِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِي مَوَاضِعِهَا وَأُلْحِقَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ مَنْ بَابُهُ مُقَابِلٌ لَهَا فَلَا مَنْعَ لَهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُقَابِلَ لَهَا مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الَّذِي وُضِعَتْ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ
ــ
[حاشية العبادي]
الرَّافِعِيِّ لَا مِنْ كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ إلَخْ) أَقُولُ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ الْمَالِكُ إنْ تَضَرَّرَ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ مَنْعُهُ كَمَا فِي الْإِسْنَادِ وَالِاسْتِنَادِ الْآتِيَيْنِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ الْآتِي: فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ، يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَنْعِهِ مُطْلَقًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مُجَرَّدِ الْإِسْنَادِ وَالِاسْتِنَادِ وَهَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِيهَا ضَعِيفٌ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: لَا بِإِذْنِ شَخْصٍ بَابُ دَارِهِ وُجِدْ مَا بَيْنَ رَأْسِ سِكَّةٍ، وَالْمُسْتَجِدْ) قَضِيَّةُ هَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَفْتُوحُ فِي جِهَةِ سُفْلِ الدَّرْبِ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَابَيْنِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ الْمَنْعُ جَزْمًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي مُقَابِلِ الْبَابِ الْأَوَّلِ، فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ وَالشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فَرَضَ مَسْأَلَةَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورَةَ فِي الَّذِي يُقَابِلُ الْجَدِيدَ وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَالرَّافِعِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ بِحَاصِلِ مَا قَرَّرْته وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فَلِمَنْ بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمَنْعُ جَزْمًا وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ عَقِبَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ
وَشُرَكَاؤُهُ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ الْأَوَّلِ بَيْنَ رَأْسِ السِّكَّةِ وَدَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ بَابِهِ مُقَابِلُ الْأَوَّلِ لَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ كَمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ السِّكَّةِ. قَالَ: الْإِمَامُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. اهـ. وَالْمَشْيُ الَّذِي وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ هُوَ أَنَّهُمَا عَبَّرَا عَنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ الْقَدِيمِ الْمَفْتُوحِ فَتَوَهَّمَ النَّاسُ مِنْهُ أَنَّهُ الْمُسْتَجَدُّ كَصَاحِبِ الْبَهْجَةِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُهِمَّاتِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْإِمَامِ وَصُوَرَهَا فِي الْمُقَابِلِ لِلْأَوَّلِ مَا نَصُّهُ: كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ عَبَّرَ هُوَ وَالرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْبَابِ الْقَدِيمِ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْتُوحِ الْبَابُ الْجَدِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَكَانَ الْمَنْعُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْمُهِمَّاتِ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ.
وَهُوَ حَقٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ مُوَافِقَةٌ لِلصَّوَابِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ: فِي الْمَنْهَجِ كَفَتْحِ بَابٍ أَبْعَدَ عَنْ رَأْسِهِ، أَوْ أَقْرَبَ مَعَ تَطَرُّقٍ مِنْ الْقَدِيمِ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَيَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ بَاقِيهمْ مِمَّنْ بَابُهُ أَبْعَدُ مِنْ الْقَدِيمِ فِي الْأَوْلَى وَمِمَّا يُفْتَحُ كَمُقَابِلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: مِمَّنْ بَابُهُ أَبْعَدُ مِنْ الْقَدِيمِ فِي الْأُولَى شَامِلٌ لِمَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَمَنْ بَابُهُ مُقَابِلَ الْجَدِيدِ وَمَنْ بَابُهُ بَعْدَ الْجَدِيدِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ وَيَخْرُجُ مَنْ بَابُهُ مُقَابِلَ الْقَدِيمِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِمَامِ الْمُعَبَّرِ عَنْ الْبَابِ فِيهَا فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَفْتُوحِ وَمَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَرَأْسِ السِّكَّةِ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا يُفْتَحُ كَمُقَابِلِهِ فِي الثَّانِيَةِ شَامِلٌ لِمَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَلِمَنْ بَابُهُ مُقَابِلَ الْقَدِيمِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَدْرِ السِّكَّةِ كَمَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِمُقَابِلِ الْجَدِيدِ. نَعَمْ اسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ حَيْثُ كَتَبَ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: كَمُقَابِلِهِ أَيْ مُقَابِلِ مَا يُفْتَحُ. هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُقَابِلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَتَحَرَّرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُقَابِلِ الْقَدِيمِ فِي الْأُولَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ كَثْرَةَ الزِّحَامِ لَمْ تَنْشَأْ مِنْ الْمَفْتُوحِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْقَدِيمُ فِي الْأُولَى بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَا شَمِلَتْهُ وَأَخْرَجْته يُعْلَمُ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مُقَابِلٌ لَهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ) التَّعَقُّبُ
ــ
[حاشية الشربيني]
الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ بِالدُّخُولِ فِيهِ فَتُعْتَبَرُ وَإِنْ مَنَعُوا فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: وَبَابٌ يُفْتَحُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: كَفَتْحِ بَابٍ أَبْعَدَ عَنْ رَأْسِهِ مِنْ بَابِهِ الْقَدِيمِ سَوَاءٌ أَتُطْرَقُ مِنْ الْقَدِيمِ، أَوْ لَا؟ ، أَوْ بَابٌ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِهِ مَعَ تَطَرُّقٍ مِنْ الْقَدِيمِ فَيَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ بَاقِيهِمْ مِمَّنْ بَابُهُ أَبْعَدُ مِنْ الْقَدِيمِ فِي الْأُولَى وَمِمَّا يُفْتَحُ كَمُقَابِلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فَتَحَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَابًا أَسْفَلَ مِنْ الْقَدِيمِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ وَهُمْ مِنْ بَابِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ مِمَّنْ بَابُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، أَوْ مُقَابِلٌ لِلْجَدِيدِ، أَوْ أَسْفَلُ مِنْهُ لَا مِنْ بَابِهِ مُقَابِلٌ لِلْقَدِيمِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ السِّكَّةِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ مَعَ سَدِّهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ وَإِنْ صَارَ يَتَطَرَّقُ مِنْهُ كَانَ لِمَنْ بَابُهُ أَسْفَلَ مِنْ الْجَدِيدِ مَنْعُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، أَوْ مُقَابِلَ الْقَدِيمِ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ وَكَذَا لِمَنْ بَابُهُ مُقَابِلَ الْجَدِيدِ قَالَ سم: هَذَا مُحَصِّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُنَقَّحِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ مَنْ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ اسْتِطْرَاقًا فِي مِلْكِهِمْ فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَنْعَ مُشْكِلٌ لِجَوَازِ دُخُولِ الْأَجْنَبِيِّ السِّكَّةَ، وَالْمُرُورِ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا فَإِذَا جَازَ
الْمُكْتَرِي لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ اعْتِبَارُهُ أَيْضًا إنْ تَضَرَّرَ بِهِ وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. وَلِأَهْلِ السِّكَّةِ سَدُّ بَابِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ ابْنُ كَجٍّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا مَسْجِدٌ، أَيْ: أَوْ نَحْوُهُ كَبِئْرٍ مُسَبَّلَةٍ فَيُمْنَعُونَ لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ الطُّرُوقَ إلَيْهِ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِعَ إلَيْهِ مَا يَضُرُّ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُهُ، وَلِابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الرَّفْرَفِ، وَالْعَرِيشِ وَبِقَوْلِهِ " لَا إذْنِ إلَى آخِرِهِ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا فِي كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ زَائِدَةٌ
(وَلَيْسَ يَسْتَأْذِنُ) أَيْ لَيْسَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ السِّكَّةِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ بَقِيَّتَهُمْ (فِي) فَتْحِ (بَابٍ) كَائِنٍ (عَلَى أَدْنَى) أَيْ أَقْرَبَ مِنْ بَابِهِ الْأَوَّلِ (إلَى الرَّأْسِ) أَيْ رَأْسِ السِّكَّةِ (وَ) قَدْ (سَدَّ) الْبَابَ (الْأَوَّلَا) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَهُ أَبْعَدَ رَأْسِهَا لِوُقُوعِ الْفَتْحِ فِي خَالِصِ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ أَقْرَبَ إلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ لِتَضَرُّرِ بَقِيَّةِ أَهْلِهَا بِزِيَادَةِ الزَّحْمَةِ بِانْضِمَامِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ وَتَحْوِيلِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ كَفَتْحِ بَابٍ وَسَدِّ آخَرَ (وَفَاتِحٌ) أَيْ مَنْ يُرِيدُ الْفَتْحَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ (فِي) فَتْحِ بَابٍ فِي (دَارِهِ) الَّتِي بَابُهَا فِي سِكَّةٍ (مِنْ دَارِهِ) الْأُخْرَى الَّتِي بَابُهَا فِي سِكَّةٍ أُخْرَى سَوَاءٌ كَانَتْ السِّكَّتَانِ مَسْدُودَتَيْنِ أَمْ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُصَادِفٌ لِمِلْكِهِ.
وَصَحَّحَ ذَلِكَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: تَبِعَ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ فَنَقَلُوا عَنْ الْجُمْهُورِ الْمَنْعَ بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ مِنْ كُلِّ سِكَّةٍ مَمَرًّا إلَى الدَّارِ الَّتِي بِالسِّكَّةِ الْأُخْرَى (وَلَا لِمَنْ) أَيْ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ (لَاصَقَ) السِّكَّةَ الْمُنْسَدَّةَ وَلَا بَابَ لَهُ إلَيْهَا وَأَرَادَ فَتْحَ بَابٍ إلَيْهَا (مَعْ) تَسْمِيرِ (مِسْمَارِهِ) فِيهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي فَتْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ رَفْعُ جَمِيعِ الْجِدَارِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى (، أَوْ) أَرَادَ فَتْحَهُ إلَيْهَا (لِلضِّيَا) ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اسْتِطْرَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، قَوْلُهُ:، أَوْ لِلضِّيَا مِنْ زِيَادَتِهِ (، أَوْ) أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ (كَوَّةً) لِلضِّيَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا: الطَّاقَةُ
(فَرْعٌ)
لَهُ فِي دَرْبٍ مُنْسَدٍّ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيه (وَانْتَفَعَا) أَيْ وَيَنْتَفِعُ جَوَازًا (شَرِيكُهُ) بِالْمُشْتَرَكِ مِنْ جِدَارٍ وَغَيْرِهِ بِوَضْعِ جِذْعٍ وَغَرْزِ وَتَدٍ وَتَتْرِيبِ كِتَابٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً (بِالْإِذْنِ)
ــ
[حاشية العبادي]
مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْتُوحِ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْجَدِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِعَ إلَيْهِ مَا يَضُرُّ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَفْهُومُهُ جَوَازُ الْإِشْرَاعِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهَا. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ، أَوْ وُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ اهـ فَالْحَاصِلُ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ قَدِيمًا اُشْتُرِطَ لِجَوَازِ الْإِشْرَاعِ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ ضَرَرِ الْمَارَّةِ، أَوْ حَادِثًا كَأَنْ وَقَفَ أَحَدُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا اُشْتُرِطَ لَهُ أَمْرَانِ: عَدَمُ الضَّرَرِ وَرِضَا أَهْلِ السِّكَّةِ وَهَلْ فَتْحُ الْبَابِ كَالْإِشْرَاعِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ الْوَجْهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالْكَلَامُ فِي الْفَتْحِ مَجَّانًا أَمَّا بِعِوَضٍ فَقَدْ ذُكِرَ حُكْمُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرَّوْضَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُصَالَحَةُ أَهْلِ السِّكَّةِ بِمَالٍ عَنْ إحْدَاثِ الْبَابِ لَا عَنْ إحْدَاثِ الْجَنَاحِ وَأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَوْ شَرْطِ التَّأْيِيدِ بَيْعٌ وَعِنْدَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ إجَارَةٌ. قَالَ: وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِيهِمَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالسِّكَّةِ مَسْجِدٌ، أَوْ نَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ اهـ قِيلَ: وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَخُصُّ الْمَوْقُوفَ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ شَامِلٌ لِلْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ إلَّا أَنَّا قُلْنَا أَوَّلَ الْحَاشِيَةِ: وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ، أَوْ وُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ، وَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلُ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ
ــ
[حاشية الشربيني]
لِلْأَجْنَبِيِّ فَلِبَعْضِهِمْ، أَوْلَى وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنْ يُشْتَرَطَ مُرُورُ الْأَجْنَبِيِّ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَنْ لَا يَتَّخِذَهُ طَرِيقًا م ر قَالَ سم: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا؛ لِأَنَّ لَهُمْ مَنْعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا لَهُمْ مَنْعُ الشَّرِيكِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الْمَنْعُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِلَا ضَرَرٍ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: الْمُكْتَرِي) وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْرِي أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: سَدُّ بَابِهَا) وَلَا يَفْتَحُهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ. نَعَمْ إنْ سَدَّ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِعَ إلَخْ) وَيَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِ الدَّرْبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَتْحُ بَابٍ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالشَّارِعِ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرِعَ إلَيْهِ مَا يَضُرُّ) قَيَّدَهُ فِي التُّحْفَةِ نَقْلًا عَنْ بَحْثِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْإِشْرَاعُ تُجَاهَ الْمَسْجِدِ، أَوْ خَارِجَهُ عَنْهُ إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ، أَمَّا مَا كَانَ دَاخِلًا عَنْهُ فَلَهُ حُكْمُ الطَّرِيقِ الْخَالِي عَنْ نَحْوِ الْمَسْجِدِ اهـ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ
(قَوْلُهُ: وَسَدَّ الْأَوَّلَا) أَيْ بِأَنْ تَرَكَ التَّطَرُّقَ مِنْهُ. اهـ. سم عَلَى ع (قَوْلُهُ: لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ) أَيْ وَلَمْ يَتْرُكْ التَّطَرُّقَ مِنْهُ. اهـ. حَجَرٌ (قَوْلُهُ: مُنْسَدَّتَيْنِ) أَيْ مَمْلُوكَتَيْنِ وَقَوْلُهُ: أَمْ إحْدَاهُمَا أَيْ مَمْلُوكَةٌ، وَالْأُخْرَى شَارِعٌ. اهـ. م ر وع ش، ثُمَّ قَالَ م ر: وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْدُودِ الْمَمْلُوكُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ السَّدِّ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ مَسْجِدٌ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ: الْمُنْسَدَّةُ) أَيْ الْمَمْلُوكَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِشَارِعٍ (قَوْلُهُ: مَعَ تَسْمِيرِ مِسْمَارِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ بِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ كَمَا مَرَّ عَنْ سم وَحَجَرٍ، ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ عَلَى الْأَثَرِ
(قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ دَارًا بِبَابٍ وَاحِدٍ مَثَلًا وَإِلَّا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا كَمَا كَانَتْ وَيَمْتَنِعُ زِيَادَةُ الْبَابِ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ.
مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» ، وَأَمَّا خَبَرُ «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَأَجَابُوا عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ ضَمِيرَ جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ لِمَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ، أَمَّا مَا لَا يُضَايَقُ فِيهِ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ بَلْ وَلِلْأَجْنَبِيِّ كَاسْتِنَادِهِ وَإِسْنَادِهِ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِنَارِهِ وَيَسْتَظِلَّ بِجِدَارِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عِنَادٌ مَحْضٌ (حَتَّى رَجَعَا) أَيْ وَيَمْتَدُّ جَوَازُ الِانْتِفَاعَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِذْنِ إلَى رُجُوعِ الشَّرِيكِ الْآذِنِ عَنْ إذْنِهِ فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهَا إعَارَةٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ وَضْعِ الْجُذُوعِ، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهَا مَجَّانًا يُبْقِيهَا بِأَجْرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا مَعَ غَرَامِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْمُسْتَعِيرِ بِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ مِنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ فَتَحَ مَنْ لَا بَابَ لَهُ فِي السِّكَّةِ بَابًا فِيهَا بِإِذْنِ أَهْلِهَا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ بِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فِي أَرْضٍ أَعَارَهَا لِبِنَاءٍ، أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ. انْتَهَى.
وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ وَلَوْ أَرَادَ الشُّرَكَاءُ الرُّجُوعَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يُشْبِهُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ، وَالشَّرِيكُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أَجْرَ لَهُ
(وَلَمْ يَجُزْ إلْزَامُ بَعْضِ الشِّرْكَا بَعْضًا) مِنْهُمْ (عِمَارَةً) فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِتَضَرُّرِهِ بِتَكْلِيفِهِمَا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَكَذَا لَا يُلْزَمُ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، نَعَمْ يُلْزَمُ بِإِجَارَتِهَا وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ، وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَفِي الْمَطَالِبِ عَنْ الْجُورِيُّ أَنَّهُ يُلْزَمُ بِسَقْيِهَا اتِّفَاقًا وَعَنْ الْقَاضِي خِلَافُهُ (وَلَا أَنْ يَتْرُكَا) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُهُ تَرْكَ الْعِمَارَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (بِآلَتِهْ)
ــ
[حاشية العبادي]
مَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الثَّانِيَ خَاصٌّ وَقَاعِدَةُ الْأُصُولِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ مَا ذُكِرَ وَإِنْ مَنَعَ الْمَالِكُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضِ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَلَهُ الِاسْتِنَادُ وَإِسْنَادُ الْمَتَاعِ وَإِلْصَاقُ جِدَارٍ بِهِ لَا يُثْقِلُهُ وَلَوْ مَنَعَ وَهَكَذَا جِدَارُ الْغَيْرِ اهـ (قَوْلُهُ: الْجِدَارُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ وَيَمْتَنِعُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَتَحَ مَنْ لَا بَابَ إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَنْ لَهُ فِيهَا بَابٌ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِمْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالشَّرِيكُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ) وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ رُجُوعَ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي الْجَنَاحِ كَرُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي غُرْمِ الْأَرْشِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَجَرٌ
(قَوْلُهُ: فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا) نَعَمْ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْفٍ، أَوْ مَحْجُورٍ وَطَلَبَ الْعِمَارَةَ لَزِمَ النَّاظِرَ، وَالْوَلِيَّ مُوَافَقَتُهُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ فَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ النَّاظِرَ، أَوْ الْوَلِيَّ، وَالْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْآخَرَ مُوَافَقَتُهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللُّزُومُ بَعِيدٌ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ وَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ الْعِمَارَةَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَوْ الْمَوْلَى بِأَنْ كَانَ لَوْ عُمِّرَ ذَلِكَ حَصَلَ مِنْ حِصَّةِ الْوَقْفِ، أَوْ الْمَوْلَى أَضْعَافُ مَا صَرَفَ فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ، وَالْوَلِيَّ الْعِمَارَةُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَالْمَوْلَى؟ فِيهِ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا أَنْ يَتْرُكَا بِآلَتِهِ) قَالَ: ابْنُ الْمُقْرِي أَطْلَقَ الْحَاوِي
ــ
[حاشية الشربيني]
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِي سِكَّةٍ دَارٌ فِي وَسَطِهَا وَدَارٌ فِي آخِرِهَا فَلِمَنْ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ بِسَبَبِ الدَّارِ الَّتِي فِي الْوَسَطِ إنَّمَا هِيَ إلَيْهَا فَلَا يُقَالُ: إنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ إلَى آخِرِ الدَّرْبِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُرُورِ إلَى آخِرِ الدَّرْبِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ الْأَخِيرَةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ الَّتِي يُرِيدُ تَأْخِيرَ بَابِهَا فَيَنْتَهِي اسْتِحْقَاقُهُ إلَيْهَا فَقَطْ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا دَارَ لَهُ غَيْرَ هَذِهِ الَّتِي يُرِيدُ تَأْخِيرَ بَابِهَا. اهـ. م ر بِإِيضَاحٍ قَالَ ع ش: وَمِثْلُهُ التَّقْدِيمُ إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ لِلِاسْتِطْرَاقِ اهـ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْقَاضِي إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ إلَخْ) قَيَّدَهُ حَجَرٌ بِمَا إذَا امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَإِلَّا حَرُمَتْ الْإِعَادَةُ وَجَازَ لِلشَّرِيكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ إلْزَامُ الْمُعِيدِ لِلنَّقْضِ لِيُعِيدَهُ مُشْتَرَكًا اهـ وَقَالَ م ر يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى تِلْكَ الْإِعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ فِي الْإِعَادَةِ بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ. قَالَ: قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْأُسِّ لِشَرِيكِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ع ش عَلَى م ر. اهـ. وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ الْإِعَادَةِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: فِي الْمُشْتَرَكِ) أَيْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي دَارٍ فَانْهَدَمَتْ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهَا بِآلَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ الْمُقْرِي. اهـ. زي وسم عَلَى الْمَنْهَجِ نَقْلًا عَنْ م ر. اهـ. ع ش عَلَى م ر فَالْكَلَامُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ (قَوْلُهُ: بِآلَتِهِ) بِخِلَافِ إعَادَتِهِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلِآخَرَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ
بِإِسْكَانِ الْهَاءِ إجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ كَمَا لَيْسَ لَهُ إلْزَامُهُ تَرْكَ إعَادَةِ جِذْعِهِ السَّاقِطِ عَنْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ.
(قُلْت وَبَعْضُ النَّاسِ) كَصَاحِبِ التَّعْلِيقَةِ (يَرَاهُ) أَيْ عَدَمَ إلْزَامِ الشَّرِيكِ تَرْكَ الْعِمَارَةِ بِآلَتِهِ (فِي) الشَّرِيكِ (الْمُخْتَصِّ بِالْأَسَاسِ لَا غَيْرِهِ) أَيْ لَا فِي الشَّرِيكِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا رَأَى بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ بِآلَتِهِ فَجَوَازُهُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَوْلَى
(وَلِذِي امْتِنَاعِ إلْزَامُ بَانٍ) أَيْ وَلَيْسَ لِلْمُمْتَنِعِ مِنْ الْبِنَاءِ إلْزَامُ الْبَانِي بِآلَتِهِ (تَرْكَ الِانْتِفَاعِ) بِمَا بَنَاهُ (فَإِنَّهُ خَالِصُ مِلْكِهِ فَمَا يَشَا يُحَمِّلْ) عَلَيْهِ (وَمَتَى شَاهَدَ مَا) أَيْ هَدَمَهُ وَلَهُ مَنْعُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِنَحْوِ فَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتَدٍ إلَّا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَحَيْثُ كَانَ لِشَرِيكٍ امْتَنَعْ) أَيْ لِلشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْبِنَاءِ
ــ
[حاشية العبادي]
الْجِدَارَ فَعَمَّ الْحَاجِزَ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا وَجِدَارَ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ لَا يَأْتِي فِي جِدَارِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ بِالْبِنَاءِ إلَى حَقِّهِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ دُخُولِهِ اهـ وَحَاصِلُهُ تَخْصِيصُ الْجِدَارِ بِالْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَارٍ انْهَدَمَتْ إعَادَتُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَنْقُولُ إلَخْ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَسَاسِ الْأَرْضَ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ الْأَسَاسَ الْمَدْفُونَ فِيهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ الْجِدَارِ وَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ الْمُنْهَدِمَ بِآلَةِ نَفْسِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ يَجْرِي إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ هُنَا وَلَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ إفْصَاحٌ بِجَوَازِ الْعِمَارَةِ قَبْلَ امْتِنَاعِ الْآخَرِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ، وَالْعُلْوِ وَالسُّفْلِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا قَرَّرَ كَلَامَ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَبِمَا قَالَهُ كَغَيْرِهِ يُؤْخَذُ أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوُهُ وَفِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ اهـ نَعَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِشَرِيكٍ امْتَنَعَ قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْعِمَارَةُ قَبْلَ امْتِنَاعِ الْآخَرِ، ثُمَّ لَوْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ فَهَلْ لَهُ مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَحْوِ فَتْحِ الْكُوَّةِ وَغَرْزِ الْوَتَدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فَالْوَجْهُ التَّوَقُّفُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِذَلِكَ وَلَكِنَّ الْفِقْهَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْته فَإِنَّ الْعَرْصَةَ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الِاسْتِبْدَادِ بِهَا لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ الْمُقَاسَمَةُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ جَرَيَانُ الْمُقَاسَمَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ فَمَا الدَّاعِي إلَى الْإِجْبَارِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى غَيْرِ مِلْكِهِ؟ وَيَبْقَى الْبِنَاءُ بِلَا أُجْرَةٍ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إعَارَةٍ مِنْهُ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا بَيْعٍ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي النَّاشِرِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَانْظُرْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعَرْصَةَ إلَخْ مَعَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ الْأُخْرَى عَنْ ابْنِ الْمُقْرِي (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ إلَخْ)
ــ
[حاشية الشربيني]
تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِعَادَةِ بِلَا إذْنٍ وَلَوْ قَبْلَ مَنْعِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا لَا يُمْنَعُ قَبْلَ مَنْعِهِ، وَعَلَى كُلٍّ إذَا أَعَادَ قَبْلَ الْمَنْعِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ مُشْتَرَكًا وَأَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِأُجْرَةٍ، لِلْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَدْمِهِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْهَدْمُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَرَاهُ إلَخْ) أَطَالَ جَمْعٌ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَاسْتِشْكَالِ مَا هُنَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إذْ الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةٌ فَكَيْفَ يَسْتَبِدُّ أَحَدُهُمَا بِهَا؟ وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِفَرْضِ أَنَّ لِلطَّالِبِ عَلَيْهِ حَمْلًا كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ. اهـ. تُحْفَةٌ وَقَدْ يُقَالُ: ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ كَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلُ حَمْلٌ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ وَم ر اهـ (قَوْلُهُ: كَصَاحِبِ التَّعْلِيقَةِ) أَيْ الطَّاوُسِيِّ
(عَلَيْهِ) أَيْ الْجِدَارِ قَبْلَ انْهِدَامِهِ (أَخْشَابٌ) وُضِعَتْ بِحَقٍّ لَازِمٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَتْ؟ (فَإِنْ شَاءَ وَضَعَ) أَيْ وَضَعَهَا عَلَى الْمُعَادِ بِآلَةِ الْبَانِي فَيَلْزَمُ الْبَانِي أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْوَضْعِ.
(أَوْ يُنْقَضُ الْمُعَادُ كَيْمَا يَبْنِيَا مَعًا) بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَيُعِيدُ أَخْشَابَهُ، قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ خَالِصٌ إلَى هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْبِنَاءِ (أَنْ يُعْطِيَا) أَيْ الْبَانِي (عَنْ الْمُعَادِ) أَيْ بَعْضِهِ بِالْحِصَّةِ (بَدَلَا) أَيْ قِيمَتَهُ لِيَكُونَ الْمُعَادُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا (، أَوْ يَقْبِضَهْ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْبَانِي أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ الْبَدَلَ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُعَادِ أَيْ بَعْضِهِ بِالْحِصَّةِ حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَمْنَعُهُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ نَقْضِهِ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لِكَيْ يَمْنَعَهُ أَنْ يَنْقُضَهْ) كَمَا لَا يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ فَقَوْلُهُ لِكَيْ إلَى آخِرِهِ عِلَّةٌ لِلْقَبْضِ، قَوْلُهُ: أَوْ يَقْبِضَهُ عَنْهُ: دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْحَاوِي: وَلَا الْبَدَلَ إنْ أَعَادَ أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْبَدَلُ أَيْ أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ، أَوْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ إنْ أَعَادَ الْبِنَاءَ. وَخَرَجَ بِآلَتِهِ: الْآلَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَلَهُ إلْزَامُهُ تَرْكَ الْعِمَارَةِ بِهَا كَمَا شَمِلَهُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلُ، أَوْ انْتَفَعَ شَرِيكُهُ بِالْإِذْنِ وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ بِإِذْنِ الْآخَرِ وَشَرَطَ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَمَحَلُّهُ إذَا شَرَطَهَا لَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ
وَ (لَوْ ادَّعَى مِلْكًا عَلَى شَخْصَيْنِ وَصَدَّقَ الْوَاحِدُ مِنْ هَذَيْنِ) الشَّخْصَيْنِ الْمُدَّعِي وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ (وَصَالَحَ) الْمُصَدِّقُ الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ ثَبَتَتْ (الشُّفْعَةُ لِلْمُكَذِّبِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَجُزْءٍ مِنْ دَارٍ لِبَقَاءِ نَصِيبِهِ وَشِرَاءِ الْمُصَدِّقِ نَصِيبَ الْمُدَّعِي. نَعَمْ إنْ صَرَّحَ الْمُكَذِّبُ بِأَنَّ الْمُصَدِّقَ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ وَاسْتُشْكِلَ ثُبُوتُهَا فِيمَا ذُكِرَ بِمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْإِيلَاءِ فِي دَارٍ بِيَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا، وَالْآخَرُ نِصْفَهَا فَصَدَّقْنَا الثَّانِيَ بِيَمِينِهِ لِلْيَدِ، ثُمَّ بَاعَ الْأَوَّلُ نَصِيبَهُ لِثَالِثٍ، فَأَرَادَ الْآخَرُ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ مِنْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ.
وَيَمِينُهُ أَفَادَتْ نَفْيَ مَا يَدَّعِيه شَرِيكُهُ لَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا لَمْ يُنْكِرْ مِلْكَ الْمُكَذِّبِ وَهُنَا أَنْكَرَ مِلْكَ مُدَّعِي النِّصْفِ فَلَيْسَ لِمُدَّعِيهِ الْأَخْذُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ (وَلَوْ تَمَلُّكًا) أَيْ الْمُصَدِّقُ، وَالْمُكَذِّبُ الْمِلْكَ (بِسَبَبِ) وَاحِدٍ كَالْإِرْثِ، وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِلْمُكَذِّبِ لِلْحُكْمِ بِانْتِقَالِهِ ظَاهِرًا إلَى الْمُصَدِّقِ مَعَ إمْكَانِ انْتِقَالِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَى الْمُدَّعِي دُونَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ دَارًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا فَإِنْ ادَّعَيَاهَا إرْثًا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِقَبْضٍ شَارَكَ صَاحِبُهُ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُشْتَرَكَةٌ فَالْخَالِصُ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ وَإِنْ قَالَا وَرِثْنَاهَا وَقَبَضْنَاهَا ثُمَّ غَصَبْنَاهَا لَمْ يُشَارِكْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ ادَّعَيَا مِلْكَهَا بِشِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَقُولَا اشْتَرَيْنَا مَعًا فَلَا مُشَارَكَةَ وَإِنْ قَالَا اشْتَرَيْنَا مَعًا، أَوْ اُتُّهِبْنَا مَعًا وَقَبَضْنَا مَعًا فَكَالْإِرْثِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا مُشَارَكَةَ وَحَيْثُ شَرَّكْنَا فَصَالَحَ الْمُصَدِّقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ صَحَّ إنْ أَذِنَ الشَّرِيكُ وَإِلَّا
ــ
[حاشية العبادي]
قَالَ: فِي الرَّوْضِ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاؤُهُ أَيْ السُّفْلِ بِمَالِهِ فَقَطْ وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى أَيْ فِي الْمُعَادِ وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ وَكَذَا لِلْأَسْفَلِ إنْ بَنَاهُ أَيْ الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاعِهِ مَا لَمْ يَبْنِ عُلْوَهُ فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ أَيْ وَلَيْسَ لَهُ هَدْمُهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ: أَمَّا إذَا بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ سَوَاءٌ أَبَنَى عَلَيْهِ الْأَعْلَى عُلْوَهُ أَمْ لَا وَمِمَّا قَالَهُ كَغَيْرِهِ يُؤْخَذُ أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ نَحْوُهُ وَفِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ الثَّانِي هَدْمُهُ وَلَا تَمَلُّكُهُ وَإِنْ بَنَاهُ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ بِخِلَافِ صَاحِبِ السُّفْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِاخْتِصَاصِ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَلْحَقَ مَسْأَلَةَ الْجِدَارِ بِمَسْأَلَةِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي التَّمَلُّكِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ
(قَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَخْشَابٌ) مَفْهُومُهُ وَبِهِ تَعْلَمُ تَقْوِيَةُ مَا صَحَّحَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا هَدْمُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَهَا لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ) قَالَ: فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْآلَةَ، أَوْ وَصْفَ الْبِنَاءِ
(قَوْلُهُ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: الْمُشْتَرِي هُنَا هُوَ الْمُصَدِّقُ لِلْمُدَّعِي وَتَصْدِيقُهُ لِلْمُدَّعِي يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ مِلْكِ الْمُكَذِّبِ وَتَكْذِيبَهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّكْذِيبِ الصَّرِيحِ وَالضِّمْنِيِّ، أَوْ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا خَصَّ تَصْدِيقَهُ بِالنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
وَكَتَبَ أَيْضًا قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ مِلْكَ الْمُكَذِّبِ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَا وَرِثْنَاهَا وَقَبَضْنَاهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: مُجَرَّدُ الْإِرْثِ، وَالْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ عَلَى الشُّيُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ وَإِفْرَازَ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ. وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلِمَ انْتَفَتْ الْمُشَارَكَةُ عَلَى الصَّحِيحِ؟ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى النِّصْفِ بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَمِثْلُهُ الْبَارِزِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ
(قَوْلُهُ: وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْمُدَّعِي شَرْحُ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ: وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) أَيْ فِي دَعْوَاهُ نَصِيبَهُ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ فِي دَعْوَاهُ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ الْمُصَدِّقِ فَذَلِكَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمِلْكِ الْمُصَدِّقِ نَصِيبَهُ فِي الْحَالِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَشِرَاءُ الْمُصَدِّقِ نَصِيبَ الْمُدَّعِي) مِثْلُهُ مَا إذَا اشْتَرَاهُ غَيْرُهُ كَأَنْ بَاعَ الْمُقِرُّ النَّصِيبَ لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْمُقِرِّ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: إنْ أَذِنَ الشَّرِيكُ) أَيْ
فَيَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ.
وَلَوْ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِهَا فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الدَّعْوَى مَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا لِصَاحِبِهِ كَهَذِهِ الدَّارِ بَيْنَنَا شَارَكَهُ وَإِلَّا فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ: الْجَمِيعُ لِي سُلِّمَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ادِّعَائِهِ النِّصْفَ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ قَالَ: النِّصْفُ الْآخَرُ لِصَاحِبِي سُلِّمَ لِصَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَفِيقِهِ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ
(، وَالْيَدُ فِي الْجِدَارِ، وَالسَّقْفِ اللَّذَّا) أَيْ اللَّذَيْنِ (مَا بَيْنَ مِلْكَيْنِ) بِزِيَادَةِ مَا (لِرَبِّ ذَا وَذَا) أَيْ لِمَالِكَيْ الْمِلْكَيْنِ إنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا بِاتِّصَالِ تَرْصِيفٍ بِأَنْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِبِنَائِهِمَا مَعًا، أَوْ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَأَمْكَنَ إحْدَاثُهُ، أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُمَا مَعًا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِهِ وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يُسَلَّمُ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ مَنْ اُبْتُدِئَ بِيَمِينِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَقُضِيَ لَهُ بِالْكُلِّ وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ بِيَمِينِ النَّفْيِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ وَيَمِينِ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ فَيَكْفِيه يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ كَمَا يُعْلَمُ فِي بَحْثِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ.
وَقَوْلُهُ: اللَّذَا لُغَةٌ فِي اللَّذَيْنِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ
أَبَنِي كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا
…
قَتَلَا الْمُلُوكَ وَفَكَّكَا الْأَغْلَالَا
(وَلِلَّذِي اخْتَصَّ بِنَاؤُهُ فِي ذَيْنِ) أَيْ: وَالْيَدُ فِي الْجِدَارِ، وَالسَّقْفِ لِلَّذِي اخْتَصَّ بِنَاؤُهُ (بِالِاتِّصَالِ فِي الرُّصُوفِ) أَيْ بِاتِّصَالِ التَّرْصِيفِ (قُلْت بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحْتَمَلْ بِنَاؤُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْمُتَّصِلْ) بِهِ بِأَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ لَبِنَاتِ كُلٍّ مِنْ الْجِدَارِ الْخَاصِّ بِهِ وَالْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي الْآخَرِ، وَبِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ أَزْجًا، وَتَعَذَّرَ إحْدَاثُهُ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ اتِّصَالُ التَّرْصِيفِ بِمَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ مِنْ طَرَفِ الْبِنَاءِ فَلَا تَرْجِيحَ بِهِ لِإِمْكَانِ إحْدَاثِهِ، وَالرُّصُوفُ مِنْ رَصَفْت الْحِجَارَةَ فِي الْبِنَاءِ أَرْصُفُهَا رَصْفًا وَرُصُوفًا إذَا ضَمَمْت بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (لَا بِالْجُذُوعِ) أَيْ: وَالْيَدُ فِيمَا ذُكِرَ لِلَّذِي اخْتَصَّ بِنَاؤُهُ بِاتِّصَالِ التَّرْصِيفِ لَا لِلَّذِي اخْتَصَّ بِنَاؤُهُ بِوَضْعِ جُذُوعٍ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا مَتَاعٌ.
فَإِذَا حَلَفَا بَقِيَتْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَفَ كُلٌّ إلَخْ) أَيْ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حَجَرٌ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِي شَيْئًا بِرّ (قَوْلُهُ: النَّفْيُ، وَالْإِثْبَاتُ) أَيْ بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ، أَوْ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيه وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي حَجَرٌ (قَوْلُهُ: فِي الرُّصُوفِ) يُمْكِنُ جَعْلُ " فِي " لِلْمَعِيَّةِ، أَوْ مِنْ قَبِيلِ ظَرْفِيَّةِ الْجِنْسِ لِفَرْدِهِ أَيْ الِاتِّصَالِ الْكَائِنِ فِي التَّرْصِيفِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ) أَيْ بِنَاءَهُ (قَوْلُهُ: إذَا ضَمَمْت بَعْضَهُمَا إلَى بَعْضٍ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُرَادِ هُنَا (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَلَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ فَإِذَا حَلَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ إعَارَةٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ، وَاَلَّذِي يُنَزَّلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ، أَوْ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ اهـ وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ: " فَإِذَا حَلَفَا " بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ يَقْتَضِي فَرْضَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيُنَافِي قَوْلَهُ: " فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ "؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ بَيْنَهُمَا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ؟ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَا مُشْتَرَكَيْنِ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جُذُوعَ الشَّرِيكِ يَمْتَنِعُ قَلْعُهَا بِالْأَرْشِ، فَقَوْلُهُ هُنَا أَنَّ لَهُ الْقَلْعَ بِالْأَرْشِ مُنَافٍ لِذَلِكَ. هَذَا كُلُّهُ إنْ ثَبَتَ " حَلَفَا " بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَلَفَ بِالْإِفْرَادِ أَيْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ الْجُذُوعِ، وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَكَذَا الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، لَكِنَّهُ يُرَدُّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ حِينَئِذٍ أَجْنَبِيٌّ
وَقَدْ قَالَ فِيهِ هُوَ وَالرَّوْضُ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ وَجَدْنَاهُ أَيْ الْجِذْعَ مَوْضُوعًا عَلَى الْجِدَارِ وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى لَهُ
ــ
[حاشية الشربيني]
لِيَكُونَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْبَيْعِ
(قَوْلُهُ: لِمَالِكِي الْمِلْكَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْيَدَ لَهُمَا وَلَا يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُمَا بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً سُلِّمَ لَهُ وَحُكِمَ بِهِ لَهُ، أَوْ أَقَامَ غَيْرُهُمَا بِهِ بَيِّنَةً فَكَذَلِكَ. اهـ. ع ش وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ: فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا. اهـ. مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: تَرْصِيفٍ) هُوَ إدْخَالُ نِصْفِ جَمِيعِ لَبِنَاتِ كُلِّ جِدَارٍ فِي الْآخَرِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. فَقَوْلُهُ: بِاتِّصَالِ التَّرْصِيفِ أَيْ اتِّصَالٍ سَبَبُهُ التَّرْصِيفُ وَمِثْلُ التَّرْصِيفِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ كَانَ الْجِدَارُ عَلَى خَشَبَةٍ، طَرَفُهَا فِي بِنَاءِ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَ عَلَى تَرْبِيعِ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا اهـ.
وَقَوْلُنَا: إدْخَالُ إلَخْ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِلتَّرْصِيفِ هُنَا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُطْلَقُ ضَمِّ الْحِجَارَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ اهـ مِنْ ق ل وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَأَمْكَنَ إحْدَاثُهُ) بِأَنْ يُوجَدَ التَّرْصِيفُ فِي مَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ مِنْ طَرَفِ الْجِدَارِ لِإِمْكَانِ إحْدَاثِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْجِدَارِ بِنَزْعِ لَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِدْرَاجِ أُخْرَى م ر (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ) وَلَهُ الرُّجُوعُ لِيَحْلِفَ قَبْلَ حَلِفِ الثَّانِي. اهـ. ق ل (قَوْلُهُ: بَعْضَ لَبِنَاتِ إلَخْ) أَيْ بَعْضَ كُلِّ اللَّبِنَاتِ الَّتِي فِي الزَّوَايَا. كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي الْمَنْهَجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَبِنَاتٍ مَعْدُودَةً يُمْكِنُ إحْدَاثُهَا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ م ر (قَوْلُهُ: وَتَعَذَّرَ إحْدَاثُهُ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الْجِدَارِ بِأَنْ أُمِيلَ مِنْ مُبْتَدَإِ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ. فَلَوْ أَمْكَنَ إحْدَاثُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمَيْلُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ لَا يَكُونُ فِيهِ تَرْجِيحٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا الْأُجْرَةُ وَإِنْ ثَبَتَ الْجِدَارُ لِغَيْرِ مَالِكِهَا. قَالَ الْفُورَانِيُّ: فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُهَا إلَّا أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ مَا يُتْلِفُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعَارَهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِوَضْعِهَا انْتَهَى.
، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ ثَمَّةَ أَوْ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا
(تَنْبِيهٌ)
لَوْ كَانَ الْجِدَارُ مَبْنِيًّا عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفُهَا فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ مِنْهَا فِي مِلْكِ الْآخَرِ شَيْءٌ فَالْخَشَبَةُ لِمَنْ طَرَفُهَا فِي مِلْكِهِ، وَالْجِدَارُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا تَحْتَ يَدِهِ ظَاهِرًا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ نَقَلَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَالِيًا عَنْ احْتِمَالٍ (وَ) لَا لِلَّذِي اخْتَصَّ بِنَاؤُهُ (بِنَحْوِ وَجْهِهِ وَمَعْقِدِ الْقِمْطِ) الْكَائِنِ (بِهِ وَشِبْهِهِ) ، وَالْمُرَادُ بِوَجْهِ الْبِنَاءِ مَا يَكُونُ بِبَاطِنِهِ مِنْ الطَّاقَاتِ، وَالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا وَبِنَحْوِهِ مَا يَكُونُ بِظَاهِرِهِ مِنْ الصُّوَرِ، وَالْكِتَابَاتِ وَنَحْوِهَا، وَالْقِمْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَلَا الدَّوَاخِلُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدُ الْقِمْطِ قَالُوا: فَالْخَوَارِجُ الْكِتَابَاتُ الَّتِي بِظَاهِرِ الْبِنَاءِ، وَالدَّوَاخِلُ الطَّاقَاتُ الَّتِي بِبَاطِنِهِ وَأَنْصَافُ اللَّبِنِ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ مِنْ لَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ فَتُجْعَلُ الْأَطْرَافُ الصِّحَاحُ إلَى جَانِبٍ، وَمَوَاضِعُ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ، وَمُعَاقَدُ الْقِمْطِ يَكُونُ فِي الْغُرُودِ وَنَحْوِهَا فَيَكُونُ الْوَجْهُ الْمُسْتَوِي مِنْ الدَّاخِلِ، وَالْعَقْدُ مِنْ الْخَارِجِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْظَرْ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الِاشْتِرَاكِ فَلَا تُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ، مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّخْصِيصِ، وَالتَّزْوِيقِ.
وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ: وَمَعْقِدُ الْقِمْطِ بِهِ وَشِبْهِهِ مَعْلُومٌ مِنْ لَفْظِهِ " نَحْوُ " فَلَوْ قَالَ كَمَعْقِدِ الْقِمْطِ بِهِ وَشَبَهِهِ كَانَ أَوْلَى
(، وَالْيَدُ) فِي الدَّابَّةِ (لِلرَّاكِبِ) لَهَا (دُونَ السَّائِقِ وَمُمْسِكِ اللِّجَامِ، وَالْعَانِقِ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِيلَاءً عَلَيْهَا مِنْهُمْ وَذِكْرُ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (، وَالْيَدُ فِي الْأُسِّ) وَهُوَ الْعَرْصَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْبِنَاءُ لَا الْبِنَاءُ النَّازِلُ فِي الْأَرْضِ (لِذِي) أَيْ لِصَاحِبِ (الْجِدَارِ) الْمَبْنِيِّ عَلَى الْأُسِّ دُونَ الْمُنَازِعِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ عَلَى الْعَرْصَةِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَفَارَقَ الْجُذُوعَ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يُجَوِّزُ وَضْعَهَا عَلَى جِدَارِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فِي عَرْصَتِهِ وَبِأَنَّ عَلَامَةَ الِاشْتِرَاكِ ظَاهِرَةٌ فِي الْجِدَارِ فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمِلْكَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْجُذُوعِ عَلَامَةُ اخْتِصَاصٍ وَإِنَّمَا فِيهَا زِيَادَةُ انْتِفَاعٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَكَانَ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا بِيَدِهِمَا وَأَمْتِعَةُ أَحَدِهِمَا فِيهَا أَكْثَرُ لَا يُرَجَّحُ بِهَا جَانِبُهُ
(وَعَرْصَةٌ لِلْخَانِ أَوْ لِلدَّارِ) بِزِيَادَةِ الدَّارِ عَلَى الْحَاوِي أَيْ: وَالْيَدُ فِي عَرْصَةِ الْخَانِ، أَوْ الدَّارِ إذَا كَانَ أَعْلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ (لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ لَا سِوَاهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى (حَيْثُ) كَانَ (بِدِهْلِيزِهِمَا) بِكَسْرِ الدَّالِ (مَرْقَاهُ) أَيْ مَرْقَى صَاحِبِ الْأَعْلَى لِاخْتِصَاصِ صَاحِبِهِ بِهَا
ــ
[حاشية العبادي]
بِاسْتِحْقَاقِهِ دَائِمًا إلَخْ. اهـ. فَقَوْلُهُ هُنَا، يَجُوزُ الْقَلْعُ مَعَ الْأَرْشِ، مُنَافٍ لِذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَجْهُ فِيمَا هُنَا أَيْضًا أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِهِ أَبَدًا وَلَا أُجْرَةَ، وَامْتِنَاعِ الْقَلْعِ بِالْأَرْشِ سَوَاءٌ قُضِيَ بِالْجِدَارِ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ أَوْ لَهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَجِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالتَّكَلُّفِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ جُهِلَ حَالُ الْجُذُوعِ قُضِيَ بِاسْتِحْقَاقِ وَضْعِهَا أَبَدًا وَامْتِنَاعِ الْقَلْعِ بِالْأَرْشِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ أَمْ شَرِيكٍ وَإِنْ عَلِمَ كَيْفِيَّةَ وَضْعِهَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ وَضْعَهَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ تَخَيَّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ قَلْعِهَا بِالْأَرْشِ، وَالْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ إنْ كَانَ مَالِكُهَا أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ شَرِيكًا امْتَنَعَ بِالْأَرْشِ، وَأَمَّا التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ فَلَا يَتَأَتَّى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلِمْتَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا الْأُجْرَةُ مَمْنُوعٌ وَكَذَا قَوْلُهُ: مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ وَجْهِهِ) بِأَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ لِجِهَةِ بِنَائِهِ (قَوْلُهُ: وَمَعْقِدُ) أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اسْمُ مَكَان وَهُوَ فِيمَا مُضَارِعُهُ مَكْسُورُ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعَلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ بِظَاهِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْبَاطِنِ وَهُوَ وَجْهُ الْحَائِطِ بِرّ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْقِدُ مِنْ الْخَارِجِ) فَلَا يَرْجِعُ مِنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَوِي لِجِهَةِ إثْبَاتِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ: وَمَعْقِدُ الْقِمْطِ عَلَى مَعْنًى، وَالْمُسْتَوِي مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَلَا تُغَيَّرُ) أَيْ الْعَلَامَةُ
(قَوْلُهُ: لِلرَّاكِبِ دُونَ السَّائِقِ) وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَقَطْ فَالْيَدُ لِلْقَائِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ رَكِبَهَا اثْنَانِ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْيَدَ لَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا اخْتَصَّ الضَّمَانُ بِالْمُقَدَّمِ دُونَ الرَّدِيفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ تَابِعٌ لِلْيَدِ، وَالْيَدُ عَلَيْهَا لِلرَّاكِبَيْنِ جَمِيعًا وَالضَّمَانُ مَنُوطٌ بِمَنْ يُنْسَبُ سَيْرُهَا إلَيْهِ وَسَيْرُهَا مَنْسُوبٌ إلَى الْمُقَدَّمِ دُونَ الرَّدِيفِ فَلَوْ رَكِبَ اثْنَانِ فِي جَانِبَيْ الدَّابَّةِ فِي مَحْمِلَيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَوْ رَكِبَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فِي ظَهْرِهَا فَهَلْ الضَّمَانُ أَثْلَاثٌ أَوْ يَخْتَصُّ بِمَنْ فِي ظَهْرِهَا؟ وَهَلْ الْيَدُ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ لِمَنْ فِي ظَهْرِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالثَّانِي مِنْهُمَا غَيْرُ بَعِيدٍ إلَّا أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ فِي جَانِبِهَا فِي الْمَحْمِلِ إلَّا مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهَا
(قَوْلُهُ: بِدِهْلِيزِهِمَا) أَيْ الْخَانِ وَالدَّارِ
ــ
[حاشية الشربيني]
وَالْقَاضِي وَالْإِمَامُ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا الْأُجْرَةُ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ. اهـ. م ر. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ) وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَجَمْعُ قِمَاطٍ وَهُوَ الْحَبْلُ أَيْضًا (قَوْله فِي الْغُرُودِ) الْغُرُودُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ غَرْدٍ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ: الْخُصُّ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالصَّادِ الْمُشَدَّدَةِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ
(قَوْلُهُ: لَا الْبِنَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ (قَوْلُهُ: لِذِي الْجِدَارِ) ؛ لِأَنَّ الْأُسَّ حِينَئِذٍ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ بِدِهْلِيزِهِمَا مِرْقَاةٌ) وَالدِّهْلِيزُ حِينَئِذٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا