الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أن يتغير بسبب المادة التي دبغ بها الإناء، من قطران، أو قرظ، أو نحو ذلك؛ فالماء الذي يوضع في القرية المدبوغة إذا تغير أحد أوصافه لا يضر، ومنها أن يتغير بما يتعذر الاحتراز منه، كالسافيات التي تلقيها الرياح في الآبار ونحوها، من تبن، وورق شجر، ومنها أن يتغير الماء بما جاور، كما إذا وضعت جيفة بشاطئ الماء، فيتغير الماء برائحتها، فإن ذلك التغير لا يخرج الماء عن كونه طهوراً، ولكن ذلك من شر ما يفعله جهلة القرى، فإنهم يلقون جيف الحيوانات على شاطئ الماء، بل في نفس الماء الذي يستعملونه فتنبعث منه رائحة نتنة من مسافة بعيدة فلئن أباح الشارع الوضوء منه، أو الغسل، ولكنه من جهة أخرى نهى عن استعماله نهياً شديداً، إذا ترتب عليه ضرر، أو إيذاء للمارة، أو نحو ذلك.
القسم الثاني من أقسام المياه: الطاهر غير الطهور
تعريفه
قد عرفت أن الماء يوصف تارة بكونه طهوراً، وقد تقدم تعريف الطهور، وتارة يوصف بكونه طاهراً فقط، ويعرف بأنه ماء مستعمل غير متنجس، يصح استعماله في العادات، من شرب، وطبخ ونحو ذلك، ولا يصح استعماله في العبادات من وضوء وغسل.
أنواع الطاهر غير الطهور
الماء الطاهر غير الطهور ثلاثة أنواع (1) :
النوع الأول: هو أن يخالط الماء الطهور شيء طاهر، فإذا أضيف إلى الماء الطهور مثلاً ماء ورد، أو عجين، أو نحو ذلك، فإنه يسلب طهوريته، بحيث لا يصح استعماله بعد ذلك في الوضوء أو الغسل، وإن صح استعماله في العادات، من شرب، وتنظيف ثياب، ولكن لا يسلب الطهورية إلا بشرطين: أحدهما: أن يتغير أحد أوصاف الماء الثلاثة: - الطعم، أو اللون، أو
(1) المالكية قالوا: الطاهر غير الطهور نوع واحد فقط، وهو النوع الأول: أعني ما خالطه شيءطاهر غير أحد أوصافه الثلاثة، وكان ذلك المخالط من الأشياء التي تسلب الطهورية فهذا هو الذي يسمى عندهم طاهراً غير طهور أما النوع الثاني، وهو الماء القليل المستعمل، فإنه طهور، ما لم يتغير أحد أوصافه بذلك الاستعمال، وأما النوع الثالث، وهو ما خرج من النبات، كماء الورد، وماء البطيخ، فإنه ليس داخلاً في أقسام المياه التي يصح التطهير بها عندهم، لأنه ليس ماء مطلقاً.
الريح - بذلك المخالط؛ ثانيهما: أن يكون المخالط من الأشياء التي تسلب طهورية الماء وفي هذه الأشياء تفصيل المذاهب (1) .
(1) الحنفية قالوا: الأشياء التي تسلب طهورية الماء، وتجعله طاهراً فقط. تنقسم إلى قسمين جامد، ومائع؛ فأما الجامد فإنه يسلب طهورية الماء في حالتين: الحالة الأولى أن يخالط الماء شيء يخرجه عن رقته وسيلانه، مثلاً إذا وضع في الماء طين، فأخرجه عن رقته وسيلانه، فإنه لا يصح التطهير به ومن ذلك ما يبقى في قاعِ الأحواض عند جفافها، من الماء المخلوط بالطين، فإنه لا يصح التطهير به إذا خرج عن رقته وسيلانه، الحالة الثانية: أن يخالطه شيء يطبخ فيه، وفي هذه الحالة لا يصح التطهير به، ولم لم يخرج عن رقته وسيلانه، ومثلاً إذا وضع في الماء الطهور عدس، ليطبخ فيه، ثم غلا مرتين بحيث تغير الماء به، ولكنه لم يطبخ، فإنه لا يصح التطهير به، ولم لم يخرج عن رقته وسيلانه، وقد يقع مثل ذلك في الصحراء، عند قلة الماء، إلا أنه يستثنى من هذه الحالة ما تغير بالصابون، ونحوه، من الأشياء التي تستعمل للتنظيف؛ فإذا غليت في الماء، وغيرت لونه، أو طعمه، أو ريحه، فإنه لا يخرج بذلك عن كونه طهوراً، إلا إذا طبخت فيه، فخرج بذلك عن رقته وسيلانه؛ وأما المائع، فإنه إذا خالط الماء، كان على ثلاث صور: الصورة الأولى أن يكون ذلك المائع موافقاً للماء في أوصافه الثلاثة: الطعم، واللون، والريح، كماء الورد الذي ذهبت ريحه، والماء المستعمل، وحكم هذه الصورة أن ينظر للغالب، فإن كانت الغلبة للماء، فهو طهور، وإن كانت للمخالط، فالماء طاهر غير طهور، ويلحق بالغالب المساوية مثلاً إذا توضأ جماعة من حوض صغير - كالميضأة - فإن كان الماء المستعمل الذي انفصل عن أعضاء الوضوء، ورجع إلى الماء الموجود في ذلك الحوض قل من الماء الذي لم يستعمل، فإنه لا يضر، أما إذا كان مساوياً له، أو أكثر منه، فإن الماء الموجود في ذلك الحوض جميعه يصير مستعملاً؛ الصورة الثانية: أن يكون ذلك المائع الذي خالط الماء الطهور مخالفاً للماء في جميع أوصافه، وهي اللون، والطعم، والرائحة، وذلك كالخل، فإن له طعماً، ولوناً ورائحة، وكلها مخالفة للماء في الوصف، فإذا سقطت كمية من الخل في الماء فإن ظهرت فيه أكثر أوصاف الخل، كالطعم، واللون معاً، كان الماء طاهراً غير طهور، فلا يصح استعماله في العبادات، ولكن يصح استعماله في الطبخ ونحوه أما إذا ظهر في الماء وصف واحد من أوصاف الخل، فإنه لا يخرجه عن طهوريته، الصورة الثانية: أن يكون ذلك المائع المخالط، مخالفاً للماء في بعض أوصافه دون البعض، وذلك كاللبن فإن له طعماً ولوناً، ولا رائحة له فإذا خالط شيء منه الماء، فإن الماء يصير طاهراً غير طهور، بظهور وصف واحد منه فقط، مثال ذلك ما قد يقع مع - الفلاحين - الذين يضعون اللبن في الآنية، وهم في المزارع البعيدة عن الماء، ثم يضعون الماء في تلك الآنية قبل تنظيفها جيداً، فيظهر أثر اللبن في الماء فمتى ظهر لون اللبن في الماء فإنه يخرج عن طهوريته، ويكون طاهراً فقط. المالكية قالوا: تسلب طهورية الماء، ويصير طاهراً فقط بثلاثة أمور:
أحدها: أن يختلط بالماء شيء طاهر فيتغير به أحد أوصافه الثلاثة: طعمه، أو لونه، أو ريحه، ولو كان ذلك الريح غير ظاهر بالماء، وإنما يسلب الطهورية بشروط: الأول: أن يكون ذلك الشيء ليس لازماً للماء، بل يفارقه في غالب الأوقات، الثاني: أن لا يكون من أجزاء الأرض: الثالث: أن لا=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=يكون من الشياء التي يدبغ بها الإناء، الرابع: أن لا يكون من الأشياء التي يعسر الاحتراز منها، ولذلك كله أمثلة: منها الصابون، فإنه في الغالب لا يخالط الماء، ومثله ماء الورد ونحوه من مياه الروائح العطرية، فإن المستعمل للماء لا يحتاج إليها في الغالب، ومنها روث الماشية، فإنها، ولو اختلطت ببعض المياه التي يشرب منها ولكن ذلك لا يعسر الاحتراز عنه، ومنها دخان شيء محترق. ولو من أجزاء الأرض، ومنها ورق الشجر إذا كان قريباً من بئر، أو مسقاة يمكن تغطيتها، مثله السافيات ونحوها، كالتبن، وطلع النخل، ومنها السمك إذا مات في ماء أو طرح فيه، فهذه الأمور الطاهرة إذا خالطت الماء بالشرائط المذكورة، فإنها تسلب طهوريته، ويصير طاهراً فقط بالشرط المتقدم، وهو أن يتغير به أحد أوصاف الماء.
ثانيها: أن يتغير الماء بنفس الإناء الذي وضع فيه وإنما يسلب ذلك التغيير طهورية الماء بشرطين: الأول: أن يكون الإناء من غير أجزاء الأرض، كما إذا وضع الماء في إناء من جلد، أو من خشب، فتغير بمجاورته للإناء؛ الشرط الثاني: أن يكون التغير فاحشاً عرفاً، فإن وضع الماء في إناء من فخار، أو كان التغير غير فاحش، فإنه لا يضر، ومثل ذلك ما إذا تغير الماء بسبب حبل من كتان، أو ليف، فإن ذلك التغير لا يضر، إلا إذا كان فاحشاً عرفاً.
ثالثها: أن يتغير الماء بسبب قطران، أو قرظ، أو نحو ذلك، وإنما يسلب ذلك الطهورية، بشرط أن يتغير به طعمه، أو لونه، أما إذا تغيرت به ريحه فقط، فإنه يبقى طهوراً، ولا يضره ذلك التغير.
الشافعية قالوا: تسلب طهورية الماء، ويصير طاهراً فقط إذا خالطه شيء طاهر، بأربعة شروط: أحدها: أن يكون ذلك الطاهر المخالط مما يستغني الماء عنه، فلو تغير بسبب إضافة ماء إليه، لا بقاء له إلا به، أو تغير بسبب محله الذي نبع منه، فإن ذلك التغير لا يضر، ثانيها: أن يكون التغير مستيقناً، فإذا شك في تغيره فإنه لا يضر، ثالثها: أن يكون التغير بسبب تراب، ولو طرح فيه قصداً، ومثل التراب الملح المنعقد من الماء. فإذا تغير الماء بشيء طرح فيه غير ما ذكر، فإنه يسلب طهوريته، ويكون طاهراً فقط، كما إذا سقط فيه زعفران، أو تمر، أو نحو ذلك، فتغير تغيراً فاحشاً، ومثل ذلك ما إذا سقط في الماء ورق شجر، فغيره، وكذا إذا تغير بشيء يتحلل، كما إذا وضع فيه كتان، أو - عرقسوس - أو نحوهما، فتغير بسبب ذلك، فإنه لا يكون طهوراً، بشرط أن يتغير تغيراً كثيراً يقيناً، كما ذكر أولاً، وكذا إذا تغير تغيراً كثيراً يقيناً، بقطران، فإنه يصير طاهراً فقط، بشرطين: أحدهما: أن يكون القطران خال من الدهنية؛ ثانيهما: أن لا يكون الغرض من استعمال القطران إصلاح قربة الماء، وإلا فلا يضر، ومثل ذلك ما إذا تغير بملح مأخوذ من غير الماء كالملح الجبلي. فإنه يكون طاهراً فقط، بشرط أن لا يكون الملح مقراً للماء؛ أو ممراً للماء، وإلا فلا يضر.
الحنابلة قالوا: يسلب طهورية الماء أشياء:
أحدها: أن يخالطه شيء طاهر لا يعسر الاحتراز منه، بشرطين: أحدهما أن يغير أحد أوصاف الماء تغيراً كثيراً، أما التغير القليل فإنه لا يضر، ثانيهما: أن يكون ذلك الشيء الطاهر المخالط في=
النوع الثاني من أنواع الماء الطاهر غير الطهور: الماء القليل (1) المستعلم؛ وتعريف القليل هو ما نقص عن قلتين
بأكثر من رطلين، أما تعريف المستعمل، ففيه تفصيل المذاهب (2) .
=غير محل التطهير، مثلاً إذا كان على يد المتوضئ زعفران، وأخذ الماء، فتغير به الماء فإن ذلك التغير لا يضر في الموضع الذي به الزعفران، ولا فرق في ذلك المخالط بين أن يطبخ في الماء كالترمس، والحمص، أو لا، أما إذا كان المخالط يعسر الإحتراز عنه كالطحلب، وورق الشجر، فإنه لا يخرج الماء عن كونه طهوراً. إلا إذا طرحه آدمي عاقل في الماء قصداً.
ثانيها: أن يخالطه ماء مستعمل، بشرط أن يكون مستعملاً في رفع حدث، أو إزالة خبث وأن يكون مستعملاً في محل طهر به، فلو جرى على يد شخص لم تطهر به فإنه لا يكون مستعملاً، وأن ينفصل غير متغير، وأن يكون الماء الذي خالطه دون القلتين.
ثالثها: أن يخالطه ماء مائع، لم يخالف الماء الطهور في أوصافه، بشرط أن تغلب أجزاءه على الطهور، مثل - المستخرجات العطرية التي ذهبت رائحتها، كماء الورد، والريحان، والنعناع، فهذه الأمور الثلاثة تسلب طهورية الماء إذا خالطته بالشرائط المذكورة.
(1)
المالكية قالوا: الماء القليل لا يضره الاستعمال، ولا يخرجه عن طهوريته، فإذا توضأ الإنسان بماء قليل، وانفصل عن أعضائه في الإناء الذي يتوضأ منه، فله أن يتوضأ به ثانياً وسيأتي بيان المستعمل عند المالكية بعد هذا.
الحنفية قالوا: الماء القليل الذي يسلب الاستعمال طهوريته، هو ما كان موضوعاً في مكان تقل مساحته عن عشرة أذرع في عشرة، بذراع العامة، أو كان موضوعاً في حوض مستدير، تقل مساحة محيطة عن ستة وثلاثين ذراعاً، بذراع العامة أيضاً، أما الماء الكثير الذي لا يسلب الاستعمال طهوريته، فهو ما عدا ذلك كماء البحر، والأنهار، والترع، والمجاري الزراعية، والماء الراكد في المياضئ الكبيرة المربعة، البالغة مساحتها عشرة أذرع في عشرة، وماء السواقي البالغة مساحة محيطها ستة وثلاثين ذراعاً فأكثر، ولا يلزم أن تكون شديد العمق، بل المدار في عمقها على أن تنكشف أرضها باستعمال الماء الموجود فيها، فإذذا استعمل الإنسان ماء أقل من ذلك، كان الماء مستعملاً، وسيأتي بيان حكم المستعمل بعد هذا.
(2)
المالكية قالوا: الاستعمال لا يرفع طهورية الماء، فيجوز استعماله في الوضوء، والغسل، ونحوهما، ولكن يكره استعماله في ذلك إن وجد غيره، فالاستعمال لا يسلب طهورية الماء، ولو كان ذلك الماء قليلاً، ثم إن المستعلم عندهم نوعان: أحدهما: أن يستعمل الماء الطهور القليل في رفع حدث، سواء كان حدثاً أصغر، أو أكبر، كما إذا استعمل الماء في الوضوء أو الغسل، أو يستعمل في رفع حكم خبث، كالماء الذي تزال به النجاسة، سواء كانت حسية، أو معنوية، كما تقدم بيانه، ثانيهما: أن يستعمل فيما يتوقف على الماء الطهور، سواء أكان واجباً، كغسل الميت، وغسل الذمية،=
ثم إن مقدار القلتين وزناً بالرطل المصري 7/446 قالوا أربعمائة وستة وأربعون رطلاً، وثلاثة أسباع الرطل، ومقدار مكان القلتين، إذا كان مربعاً، ذراع وربع ذراع، طولاً وعرضاً وعمقاً، بذراع الآدمي المتوسط، وإذا كان المكان مدوراً، كالبئر، فإن مساحته ينبغي أن تكون ذراعاً عرضاً؛ وذراعين ونصف ذراع عمقاً، وثلاثة أذرع، وسبع ذراع محيطاً، أما إذا كان المكان مثلثاً، فينبغي أن تكون مساحته ذراعاً، ونصف ذراع عرضاً، ومثل ذلك طولاً، وذراعين عمقاً.
النوع الثالث: من أنواع الطاهر فقط: الماء الذي يخرج من النبات، سواء سال بواسطة عمل صناعي، كماء الورد، أو سال بدون صناعة، كماء البطيخ.
=بعد انقطاع دم حيضها ونفاسها، كي يحل له وطؤها بعد تزوجها؛ أم كان غير واجب؛ كالوضوء على الوضوء، وغسل الجمعة والعيدين، والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء فإذا استعمل الماء في شيء من ذلك، فإنه يكره استعماله مرة أخرى، بشرطين: الأول: أن يسيل الماء على العضو، ثم يتقاطر بعد ذلك إذا استعمل في الوضوء أو الغسل، أما إذا استعمل في إزالة الخبث فإنه لا يشترط فيه ذلك، الثاني: أن ينقل من محله إلى العضو الذي يسيل عليه، أما إذا غمس فيه العضو، فإنه لا يكون مستعملاً، إلا إذا دلك فيه، فلو غطس الجنب في مغطس، ولم يدلك جسمه فيه، فإن الماء لا يكون مستعملاً.
الحنفية قالوا: إذا استعمل الماء الطهور كان طاهراً غير طهور. فيصح استعماله في العادات من شرب، وطبخ، ونحوهما، ولا يصح استعمال في العبادات، من وضوء وغسل، ثم المستعمل عندهم أربعة أنواع: النوع الأول: ما يتوقف عليه أداء قربة، من صلاة، وإحرام، ومس مصحف ونحو ذلك، النوع الثاني: ما يتوقف عليه رفع حدث، كالوضوء الكامل للمحدث حدثاً أصغر، النوع الثالث: ما يسقط به فرض، ولو لم يرفع حدثاً، كما إذا غسل بعض أعضاء الوضوء دون البعض، فلو غسل وجهه فقط، كان الماء الذي غسل الوجه، ولكنه لم يرفع حدثاً، لتوقف رفع الحدث على تمام الوضوء. النوع الرابع: ما استعمل لأجل تذكر العبادة، كوضوء الحائض، فإنه يستحب لها أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، للتذكر ما اعتادته من الصلاة.
هذا، ولا يكون الماء مستعملاً في كل هذه الأحوال، إلا إذا انفصل عن العضو، فلو جرى الماء على ذراعه، ولم ينزل منه شيء لا يكون مستعملاً طبعاً، وإلا لما أمكن تطهير باقي العضو.
الشافعية قالوا: تعريف الماء المستعمل، هو الماء القليل الذي يؤدي به ما لا بد منه، حقيقة، أو صورة، من رفع حدث في نظر مستعمله، أو إزالة خبث.
وشرح هذا التعريف هو أن المراد بالماء القليل ما نقص عن القلتين المذكورتين في أعلى=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=صحيفة قالوا، فإذا توضأ "أو اغتسل من ماء قليل، واغترف منه لغسل يديه بعد غسل وجهه بيده، فإنه يكون مستعلاً، وإنما يصير الماء مستعملاً بشروط: الأول: أن يستعمل في فرض الطهارة، فإذا توضأ لصلاة نافلة، أو مس مصحف، أو نحو ذلك، فإن الماء لا يستعمل بالاغتراف منه، الشرط الثاني: أن يكون ماء المرة الأولى، فلو غسل وجهه خارج الإناء مرة، ثم وضع يده للغسل مرة ثانية وثالثة، فإن الماء لا يستعمل بذلك، الثالث: أن يكون قليلاً من أول الأمر، فإذا كان الماء قلتين فأكثر، ثم فرقه في آنية، فإنه لا يستعمل بالاغتراف منه، ومثل ذلك ما إذا جمع الماء القليل المستعمل حتى صار قلتين، فإنه يصبح كثيراً لا يضره الاغتراف منه، الرابع: أن ينفصل عن العضو فلو جرى الماء على يده، ولم ينفصل عنها، لا يكون مستعملاً.
هذا، وإذا توضأ، أو اغتسل من ماء قليل، ثم نوى الاغتراف من ذلك الماء، فإنه لا يستعمل، ومحل نية الاغتراف في الوضوء بعد غسل وجهه، بأن ينوي عند إرادة غسل اليدين، أما إذا نوى عند المضمضة، أو الاستنشاق، أو عند غسل وجهه، فإنها لا تجزئ، ومحلها في الغسل بعد أن ينوي الاغتسال وعند مماسة الماء لشيء من بدنه، فإذا لم ينو الاغتراف من الماء، بأن يقصد نقل الماء من محل لغسل بدنه في الغسل، وغسل أعضاء الوضوء في الوضوء، صار الماء القليل مستعملاً.
وقوله في التعريف: "حقيقة، أو صورة" معناه: أنه لا فرق بين أن يكون المتوضئ مكلفاً، يجب عليه الوضوء حقيقة، أو يكون غير مكلف، فيكون وضوءه صورياً فقط.
وقوله: "في نظر مستعمله" معناه: أن المتوضئ مثلاً إذا كان وضوءه صحيحاً في مذهبه، فإن ماء وضوئه يكون مستعملاً، ولو لم يكن الوضوء صحيحاً في مذهب الشافعي. فلو توضأ الحنفي بدون نية، كان وضوءه صحيحاً في نظر الحنفي، غير صحيح في نظر الشافعي، ومع ذلك يكون ماء ذلك الوضوء مستعملاً عند الشافعي.
وقوله: "أو إزالة خبث" معناه: أن الماء الذي تزال به النجاسة يكون مستعملاً غير نجس، ولكن يشترط لطهارته شروط: إحداها: أن ينفصل الماء ظاهراً بعد غسل الثوب المتنجس مثلاً، بحيث لم يتغير أحد أوصافه بالخبث، بعد أن يطهر محل النجاسة من الثوب: ثانيها: أن لا تزيد زنة الماء المنفصل عن المحل المتنجس، بعد إسقاط ما يتشربه المغسول من الماء، وإسقاط ما يتحلل من الأوساخ في الماء عادة، مثال ذلك أن يغسل الثوب المتنجس بملء - صفيحة، أو حلة - من ماء قيمته عشرة أرطال، فيشرب الثوب منها عشرها - رطلاً - ويتحلل من أوساخ الثوب ربع رطلٍ مثلاً، فإذا كانت زنة الماء المنفصل تسعة أرطال، وربع، أو أقل، كان الماء طاهراً، وإلا كان نجساً. ثالثها: أن يمر الماء على النجاسة وقت تطهيرها، فلو لم يمر على النجاسة، ولم يخالطها، كان غير مستعمل.
هذا، وقد يقال: إنه لا حاجة إلى مثل هذا الكلام في هذا العصر الذي تكاد تكون أنابيب المياه عامة في كل الجهات، والجواب: أن الشريعة الإسلامية لم تختص بزمان، أو مكان، ومما لا ريب فيه=