الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام بلا خلاف، قال تعالى:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} . ومعنى الكتاب المكتوب المفروض، ومعنى الموقوت المحدد بأوقات معلومة، فكأنه قال: الصلاة مفروضة على المسلمين في أوقات معلومة للرسول الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزَّل إليه من ربه، وقد كلف الله تعالى المؤمنين بإقامة الصلاة في كثير من آيات القرآن الكريم.
ولعل بعضهم يقول: إن الذي ثبت بكتاب الله تعالى إنما هو فرضية الصلاة، أما كونها خمس صلوات بالكيفية المخصوصة فلا دليل عليه في القرآن. والجواب: إن القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر الناس أن يتبعوا ما جاءهم به الرسولن، قال تعالى:{وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا} فكل شيء جاء به الرسول من عند الله فهو ثابت بالكتاب من هذه الجهة، أما السنة الصحيحة الدالة على أن عدد الصلوات خمس فهي كثيرة بلغت مبلغ التواتر: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، فهذا الحديث صريح في أن الصلوات خمس، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر" رواه مسلم والترمذي، وغيرهما، وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل الصلوات الخمس، كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" رواه مسلم؛ والغمر - بفتح الغين، وإسكان الميم - الكثير، ومنها غير ذلك.
ولهذا فقد أجمع أئمة المسلمين على أن الصلوات المفروضة خمس صلوات، وهي الظهر، والعصر إلى آخر ما تقدم قريبا، ولكنهم اختلفوا في تحديد هذه المواقيت، فمنهم من يقول مثلاً: إن الوقت ينقسم إلى ضروري واختياري، وهم المالكية، ومنهم من يقول: إن وقت الظهر ينتهي إذا بلغ ظل كل شيء مثله، ومنهم من يقول: لا ينتهي الا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه، وهكذا مما ستعرفه قريباً.
مواقيت الصلاة المفروضة
قد عرفت مما قدمناه لك في "شروط الصلاة" أن دخول الوقت شرط من شروط الصلاة. فلا يجب على المكلف الا إذا دخل وقتها على أنك قد عرفت أن الحنفية لم يعدوا دخول الوقت شرطاً من شروط الوجوب، ولا من شروط الصحة، وذلك لأنهم قالوا: إن دخول الوقت شرط لأداء الصلاة، بمعنى أن الصلاة لا يصح أداؤها الا إذا دخل الوقت؛ والأمر في ذلك سهل،
لأنهم متفقون مع غيرهم على أن الصلاة لا تجب الا إذا دخل وقتها الآتي بيانه، فإذا دخل وقتها خاطبه الشارع بأدائها خطاباً موسعاً. بمعنى أنه إذا فعلها في أول الوقت صحت، وبرئت ذمته منها، وإذا لم يفعلها في أول الوقت لا يأثم إلى أن يبقى من الوقت جزء يسير لا يسع الا الطهارة من وضوء أو غسل إن كان جنباً، ويسع الصلاة بعد الطهارة، فإذا أدرك الصلاة كلها في الوقت فقد أتى بها على الوجه الذي طلبه الشارع منه وبرئت ذمته، كما لو أداها في أول الوقت أو وسطه، أما إذا صلاها كلها بعد خروج الوقت فإن صلاته تكون صحيحة، ولكنه يأثم إثماً عظيماً بتأخير الصلاة عن وقتها، وإذا أدرك بعضها في الوقت، وصلى البعض الآخر بعد خروج الوقت، فإن بعض الأئمة يقول: إنه يأثم (1) وبعضهم يقول إنه لا يأثم، على أنهم قد اتفقوا على أن الذي لا يدرك بعض الصلاة يكون قد صلى أداء لا قضاء، فالأداء لا ينافي الإثم عند بعض الأئمة، وقد بينا آراء الأئمة في ذلك تحت الخط الذي أمامك، وإليك بيان أوقات الصلوات الخمس محددة في المذاهب، فأولها الظهر، كما عرفت ويبتدئ وقته عقب زوال الشمس مباشرة.
(1) المالكية قالوا: إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت الاختياري، ثم خرج الوقت وكملها في الوقت الضروري، فإنه لا يأثم. أما إذا لم يؤد ركعة كاملة في الوقت الاختياري، فإنه يأثم سواء صلاها كلها في الوقت الضروري، أو صلى بعضها في الوقت الضروري، وباقيها خارجة؛ وستعرف قريباً أن المالكية يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري.
الحنفية قالوا: إذا أدرك جزءاً من الصلاة، ولو تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت. فإن صلاته تكون أداء، ولكنهم يقولون: إذا لم يدرك كل الصلاة قبل خروج الوقت فإنه يكون آثماً، على أنه في هذه الحالة يكون إثمه صغيرة لا كبيرة؛ وستعلم أن الحنفية لا يقسمون الوقت إلى ضروري واختياري، كما يقول المالكية.
الشافعية قالوا: إذا لم يدرك ركعة كاملة من الوقت كانت صلاته قضاء لا أداء، فإذا أدرك ركعة واحدة، ثم خرج الوقت فإنه يكون آثماً إثماً أقل من إثم من صلاها قضاء، فالشافعية متفقون مع الحنفية في ضرورة أداء الصلاة كلها في الوقت المحدد، وفي أنهم ليس عندهم اختياري وضروري، ومتفقون مع المالكية على أن الصلاة لا تكون أداء الا إذا أدرك ركعة كاملة في الوقت الاختياري.
الحنابلة قالوا: تدرك الصلاة المكتوبة أداء بتكبيرة الإحرام فإذا قام للصلاة في آخر الوقت، ثم كبر تكبيرة الإحرام، وبعد الفراغ منها خرج الوقت، كانت صلاته أداء كما يقول الحنفية، ولا إثم عليه متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت فهم متفقون مع الحنفية على أن من أدرك تكبيرة الإحرام في الوقت فقد أدرك الوقت وكانت صلاته أداء ولنهم لم يقولوا إنه يأثم بعد ذلك لأنه قد صلى أداء لا قضاء، وبذلك تعرف المختلف فيه والمتفق عليه في هذه المسألة على الوجه الواضح الصحيح