الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يبطل به القصر، وبيان الوطن الأصلي وغيره
يبطل القصر بالعودة إلى المكان الذي يباح له القصر عنده حين ابتدأ سفره، سواء كان ذلك المكان وطناً له أو لا؛ ومثل العودة بالفعل نية العودة، وفي ذلك كله تفصيل في المذاهب فانظره تحت الخط (1) .
بدون أن ينوي الإقامة به فإن إقامته به لا تمنع القصر ولو أقام مدة طويلة، بخلاف ما إذا أقام بدون نية في محل ينتهي إليه سفره، فإن هذه الإقامة تمنع من القصر، إذا علم أو ظن أنه يخرج منه قبل المدة القاطعة للسفر، ومن رجع بعد الشروع في السفر إلى المحل الذي سافر منه، سواء كان وطناً أو محل إقامة اعتبر
الرجوع في حقه سفراً مستقلاً، فإن كان مسافة قصر قصر وإلا فلا، ولو لم يكن ناوياً الإقامة في ذلك المحل، وسواء كان رجوعه لحاجة نسيها أو لا.
الشافعية قالوا: يمتنع القصر إذا نوى الإقامة أربعة أيام تامة غير يومي الدخول والخروج؛ فإذا نوى أقل من أربعة أيام أو لم ينو شيئاً، فله أن يقصر حتى يقيم أربعة أيام بالفعل.
هذا إذا لم تكن له حاجة في البقاء، أما إذا كانت له حاجة، وجزم بأنها لا تقضي في أربعة أيام، فإن سفره ينتهي بمجرد المكث والاستقرار، سواء نوى الإقامة بعد الوصول له أولا، فإن توقع قضاءها من وقت لآخر بحيث لا يجزم بأنه يقيم أربعة أيام، فله القصر إلى ثمانية عشر يوماً
(1)
الحنفية قالوا: إذا عاد المسافر إلى المكان الذي خرج منه، فإن كان ذلك قبل أن يقطع مقدار مسافة القصر بطل سفره، وكذلك يبطل بمجرد نية العودة، وإن لم يعد، ويجب عليه في الحالتين إتمام الصلاة، أما إذا عاد بعد قطع مسافة القصر، فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل، فلا يبطل القصر بمجرد نية العودة، ولا بالشروع فيها، ثم إن الوطن عندهم ينقسم إلى قسمين: وطن أصلي، وهو الذي ولد فيه الإنسان، أو له فيه زوج في عصمته، أو قصد أن يرتزق فيه، وإن لم يولد به، ولم يكن له به زوج؛ ووطن إقامة، وهو المكان الصالح للإقامة فيه مدة خمسة عشر يوماً، فأكثر إذا نوى الإقامة، ثم إن الوطن الأصلي لا يبطل إلا بمثله، فإذا ولد شخص بأسيوط مثلاً كانت له وطناً أصلياً، فإن خرج منها إلى القاهرة، وتزوج بها أو مكث فيها بقصد الاستقرار والتعيش كانت له وطناً أصلياً كذلك، فإذا سافر من القاهرة إلى أسيوط التي ولد بها وجب عليه قصر الصلاة فيها ما لم ينو المدة التي تقطع القصر، لأن أسيوط، وإن كانت وطناً أصلياً له، إلا أنه بطل بمثله وهو القاهرة ولا يشترط في بطلان أحدهما بالآخر أن يكون بينهما مسافة القصر، فلو ولد في الواسطي مثلاً ثم انتقل إلى القاهرة قاصداً الاستقرار فيها، أو تزوج فيها ثم سافر إلى أسيوط، ومر في طريقه على الواسطي، أو دخل فيها، فإنه يقصر، لأنها - وإن كانت وطناً أصلياً - إلا أنه بطل بمثله، وهو القاهرة، وإن لم يكن بينهما مسافة القصر: فلا يبطل الوطن الأصلي بوطن الإقامة، فلو سافر من محل ولادته أو بلدة زوجه أو محل ارتزاقه إلى جهة ليست كذلك، وأقام بها خمسة عشر يوماً، ثم عاد إلى المحل الذي خرج منه، فإنه يجب عليه الإتمام وإن لم ينو الإقامة لأن وطن الإقامة لا يبطل الوطن الأصلي؛ أما وطن الإقامة فإنه يبطل بثلاثة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أمور: أحدها: الوطن
الأصلي، فإذا أقام شخص بمكة مثلاً خمسة عشر يوماً، ثم سافر منها إلى منى، فتزوج بها، ثم رجع إلى مكة، فإنه يتم الصلاة لبطلان وطن الإقامة، وهو مكة، بالوطن الأصلي، وهو منى، ثانيها: يبطل بمثله، فلو سافر مسافة قصر إلى مكان صالح للإقامة، وأقام به خمسة عشر يوماً ناوياً، ثم ارتحل عنه إلى مكان آخر وأقام به كذلك، ثم عاد إلى المكان الأول وجب عليه قصر الصلاة إن لم ينو الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الثاني، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الأصلي، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة بمثله أن يكون بينهما مسافة قصر، كما تقدم في الوطن الأصلي، ثالثها: إنشاء السفر من وطن الإقامة فلو أقام المسافر سفر قصر بمكان صالح خمسة عشر يوماً فأكثر، ثم نوى السفر بعد ذلك إلى مكان آخر بطل وطن الإقامة بإنشاء السفر منه، فلو عاد إليه ولو لحاجة لا يتم لبطلان كونه وطن إقامة له بإنشاء السفر منه، أما إنشاء السفر من غ يره، فإنه لا يبطله إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يمر المسافر في طريقه على وطن إقامته، فإذا مر عليه لم يبطل كونه وطن إقامة، ثانيهما: أن يكون بين المكان الذي أنشأ منه السفر بين وطن الإقامة مسافة القصر، فلو كان أقل من ذلك لا يبطل كونه وطن إقامة، مثلاً إذا خرج تاجران، أحدهما من أسيوط، والآخر من جرحا، وأقام الأول بالقاهرة خمسة عشر يوماً ناوياً، وأقام الثاني بكفر الزيات كذلك، فصارت القاهرة وطن الإقامة للأول، وكفر الزيات وطن الإقامة للثاني، وبين القاهرة وكفر الزيات مسافة القصر، فإذا قام كل منهما إلى بنها، ففي هذه الحالة يتمان، لأن بين القاهرة وبنها دون مسافة القصر، وكذلك من كفر الزيات إلى بنها، فإذا أقاما ببنها خمسة عشر يوماً بطل
وطن إقامة لهما، فإذا قاما من بنها إلى كفر الزيات بقصد إنشاء السفر من كفر الزيات إلى القاهرة؛ فأقاما بكفر الزيات يوماً، ثم قاما إلى القاهرة، فإنهما يتمان في كفر الزيات، لأن المسافة دون مسافة القصر، وكذلك يتمان في طريقهما إلى القاهرة إذا مرا على بنها، لأنه - وإن كان بين كفر الزيات وبين القاهرة مسافة قصر - إلا أنهما لمرورهما في سفرهما على بنها لم يبطل كونها وطن إقامة لهما، لأن وطن الإقامة لا يبطل بإنشاء السفر من غيره، وهو كفر الزيات ما دام المسافر يمر عليه، وما دامت المسافة بينه وبين المكان الذي أنشأ السفر منه دون مسافة القصر.
المالكية قالوا: إذا سافر من بلدة قاصداً قطع مسافة القصر، ثم رجع إلى تلك البلدة، فتلك البلدة، إما أن تكون بلدته الأصلية، وهي التي نشأ فيها وإليها ينتسب، وإما أن تكون بلدة أخرى ويريد أن يقيم بها دائماً، وإما أن تكون محلاً أقام فيه المدة القاطعة لحكم السفر بنية، فإذا رجع إلى بلدته الأصلية، أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على التأبيد، فإنه يتم بمجرد دخولها، ولو لم ينو بها الإقامة القاطعة، إلا إذا خرج منها أولاً رافضاً لسكناها، فإن دخوله فيها لا يمنع القصر إلا إذا نوى إقامة بها قاطعة، أو كان بها زوجة بنى بها، وإذا رجع إلى محل الإقامة فدخوله فيه لا يمنع القصر، إلا إذا نوى إقامة المدة المذكورة.
هذا هو الحكم في حال وجوده بالبلدة التي خرج منها، وأما حال رجوعه وسيره إلى هذه البلدة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فينظر للمسافة، فإن كانت مسافة الرجوع مسافة قصرٍ قصر، وإلا فلا، ومتى كانت مسافة الرجوع أقل من مسافة القصر فقد بطل السفر، وأتم الصلاة في حال رجوعه وحال وجوده بالبلدة مطلقاً، ولو كانت غير بلدته الأصلية، وغير محل الإقامة على التأبيد، وأما إذا كانت بلدته الأصلية أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على الدوام في أثناء طريقه، ثم دخلها، فإن مجرد دخوله يقطع حكم السفر ومثل ذلك بلدة الزوجة التي بنى بها وكان غير ناشز، فمجرد دخولها يقطع حكم السفر أيضاً، فإن نوى في أثناء سيره دخول ما ذكر نظر إلى المسافة بين محل النية والبلدة المذكورة وهي بلدته الأصلية، أو بلدة الإقامة على الدوام، أو بلدة الزوجة، فإن كانت مسافة قصر قصر في حال سيره إليها، وإلا فلا، واعتمد بعضهم القصر مطلقاً، ومجرد المرور لا يمنع حكم القصر، كما أن دخول بلدة الزوجة التي لم يدخل لها أو كانت ناشزاً لا يمنعه.
الشافعية قالوا: الوطن هو المحل الذي يقيم فيه المرء على الدوام صيفاً وشتاءً، وغيره ما ليس كذلك، فإذا رجع إلى وطنه بعد أن سافر منه انتهى سفره بمجرد وصوله إليه، سواء رجع إليه لحاجة أو لا، وسواء نوى إقامة أربعة أيام به أو لا، ويقصر في حال رجوعه حتى يصل، وإن رجع إلى غير وطنه فإما أن يكون رجوعه لغير حاجة، أو لا، فإن كان رجوعه لغير حاجة فلا ينتهي سفره إلا بنية إقامة المدة القاطعة قبل وصوله، أو نية الإقامة مطلقاً، بشرط أن ينوي وهو ماكث لا سائر، مستقل لا تابع، وحينئذ ينتهي سفره بمجرد الوصول؛ فإن لم ينو الإقامة المذكورة، فلا ينقطع حكم السفر إلا بأحد أمرين: إقامة المدة المذكورة بالفعل أو نيتها بعد الوصول، وإن كان رجوعه لحاجة، فإن جزم بأنها تقضى في أربعة أيام انقطع سفره بمجرد الاستقرار في البلدة والمكث فيها، وإن لم ينو الإقامة، أما إذا علم أنها تقضى فيها، فلا ينقطع سفره وله القصر ما دام في هذه البلدة.
هذا إذا لم يتوقع قضاء الحاجة كل وقت، فإن توقع قضاءها كذلك فله القصر مدة ثمانية عشر يوماً كاملة، ومثل الرجوع إلى الوطن نيته، فينتهي السفر بمجرد النية، بشرط أن ينوي وهو ماكث غير سائر، وأما نية الرجوع إلى غير وطنه، فينتهي سفره بها إذا كان الرجوع لغير حاجة فإن كان الرجوع المنوي لحاجة فلا ينقطع سفره بذلك، ومثل نية الرجوع التردد فيه.
الحنابلة قالوا: إذا رجع لوطنه الذي ابتدأ منه أولاً أو نوى الرجوع إليه، فإن كانت المسافة دون مسافة القصر وجب عليه الإتمام بمجرد ذلك حتى يفارق وطنه ثانياً أو يعدل عن نية الرجوع؛ ولا يلزمه إعادة ما قصره من الصلوات قبل أن يرجع أو ينوي الرجوع، ولا فرق في كل ذلك بين أن يكون رجوعه لحاجة أو للعدول عن السفر بالمرة، وإن كانت المسافة بين وطنه وبين المحل الذي نوى الرجوع فيه قدر مسافة القصر قصر في حال رجوعه؛ لأنه سفر طويل فيقصر فيه، وإذا مر المسافر بوطنه أتم، ولو لم يكن له به حاجة سوى المرور عليه لكونه طريقه، وكذا إذا مر ببلدة تزوج فيها، وإن لم تكن وطناً له، فإنه يتم حتى يفارق تلك البلدة