الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث الحج عن الغير
تنقسم العبادات إلى ثلاثة أقسام: بدنية محضة: كالصلاة، والصوم، فإن القصد من كل منهما التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى بالنفس، ولا دخل للمال فيهما، ومالية محضة: كالزكاة، والصدقة؛ فإن القصد منهما نفع المتصدق عليهم بالمال، ومركبة منهما: كالحج؛ فإن فيه الخضوع لله تعالى بالطواف والسعي وغيرهما من الأعمال، وفيه أيضاً إنفاق المال في هذا السبيل، أما القسم الأول فلا يقبل النيابة مطلقاً، فلا يجوز للمرء أن يستنيب من يصلي عنه أو يصوم، ولو فعل ذلك فلا ينفعه، وأما القسم الثاني فيقبل النيابة، فيجوز لمالك المال أن يوكل من يخرج عنه زكاة ماله، أو يدفع صدقة للغير، وأما القسم الثالث - وهو الحج - ففي كونه يقبل النيابة أو لا يقبلها تفصيل المذاهب، فانظر مذاهبهم تحت الخط (1) .
محلي حيث حبستني فلا ينفعه ذلك، ولا بد من التحلل عند حصول المانع بنية جديدة؛ أو بعمرة على التفصيل المتقدم، وإذا طلب المانع مالاً في مقابلة إخلاء الطريق جاز الدفع له؛ ولو كان كافراً، لأن ذل منع الحج
أشد من ذل دفع المال؛ والمحصر المحرم بالحج متى رمى جمرة العقبة يوم النحر حل له كل شيء مما كان محظوراً في الإحرام، إلا قربان النساء والتعرض للصيد، فيحرمان، وإلا من الطيب، فيكره وهذا هو التحلل الأصغر، أما الأكبر الذي يحل به كل شيء حتى النساء والصيد، فيحصل بطواف الإفاضة؛ إن كان قدم السعي عقب طواف القدوم، وإلا فلا يتحلل إلا بعد السعي عقب الإفاضة فمتى أفاض وسعى حل له كل شيء إن كان قد حلق ورمى جمرة العقبة، أو فات وقتها، وهو يوم النحر؛ فإن وطئ قبل الحلق أو الرمي، فعليه دم؛ وإن صاد فلا شيء عليه، وإن فعل غير ذلك لا شيء عليه أيضاً
(1)
المالكية قالوا: الحج وإن كان عبادة مركبة من بدنية ومالية؛ لكنه غلب فيه جانب البدنية، فلا يقبل النيابة، فمن كان عليه حجة الإسلام، وهي حجة الفريضة، فلا يجوز له أن ينيب من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً ترجى صحته، ولو استأجر من يحج عنه حجة الفريضة كانت الإجارة فاسدة، وإذا حج الأجير وأتم عمله كان له أجرة المثل؛ أما إذا لم يتم عمله بأن فسخ الحاكم الإجارة حين الاطلاع عليها فلا شيء له من الأجرة أصلاً، ومن استأجر غيره للحج عنه تطوعاً، كالمريض الذي لا يرجى برؤه وكمن حج حجة الإسلام فإن الإجارة مكروهة لكنها تصح، ومثل ذلك الاستئجار على العمرة فتكون الإجاربة مكروهة وتصح لأن العمرة سنة لا فرض، ومن ع جز عن الحج بنفسه، ولم يقدر عليه في أي عام من حياته، فقد سقط عنه الحج بتاتاً، ولا يلزمه استئجار من يحج عنه إذا كان قادراً على دفع الأجرة، وإذا استأجر الشخص من يحج عنه، سواء كان صحيحاً أو مريضاً. وسواء كان الحج الذي استأجر عليه فرضاً أو نفلاً؛ فلا يكتب له أصلاً، بل يقع الحج نفلاً للأجير وإنما يكون للمستأجر ثواب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مساعدة الأجير على الحج، وبركة الدعاء الذي يدعو به، كما أنه إذا أوصى الشخص قبل موته بالحج عنه، وحج عنه بعد الموت، أو فعلت ذلك ورثته بدون إيصاء منه؛ بأن استأجروا له بعد موته من يحج عنه؛ فإنه لا يكتب للميت أصلاً؛ لا فرضاً، ولا نفلاً.
ولا يسقط به عنه حجة الإسلام إذا كان لم يؤدها حال حياته، وهو مستطيع قادر عليها، وإنما يكون للميت ثواب مساعدة الأجير على الحج، كما تقدم، وتكره الوصية بالحج، ولكن يجب على الورثة بعد موت الموصي أن ينفذوها من ثلث التركة إذا لم يعارضها وصية أخرى غير مكروهة، بحيث لا يسع ثلث التركة إلا إحدى الوصيتين فتقدم الوصية الأخرى في التنفيذ؛ وتلغى الوصية بالحج، مثال ذلك: أو يوصي بالحج عنه، ويوصي بخمسين جنيهاً للفقراء، وكانت أجرة الحج عنه خمسين جنيهاً، وثلث التركة خمسين جنيهاً ففي هذه الحالة لا يسع الثلث إلا إحدة الوصيتين - الحج عنه، والصرف على الفقراء - فيصرف ثلث التركة للفقراء، وتلغى الوصية بالحج، سواء كان الموصى عليه حجة الإسلام أو لا، على الراجح، ومتى لم يعارض الوصية بالحج وصية أخرى، فإن الوصية بالحج تنفذ، كما تقدم ويستأجر للميت من يحج عنه من بلده الذي مات فيه إذا لم يعين الميت مكاناً غيره، فإن عين مكاناً غيره، كأن قال: حجوا عني من مكة، تعين اتباع شرطه، فيستأجر له من مكة من يحج عنه، ولا يستأجر له من بلده الذي مات فيه، فإن كان ثلث التركة لا يسع الحج مما عينه، أو من بلده عند عدم التعيين وكان يحتمل الحج به من مكان آخر حج عنه من الممكن تنفيذاً للوصية بقدر الإمكان، ومثل ذلك ما إذا عين مقداراً من المال للحج عنه كثلاثين جنيهاً، وكان الحج بها غير ممكن من بلده الذي مات فيه، أو من المكان الذي عينه، فإنه يحج به من أي بلد يمكن الاستئجار منها بقدر الإمكان، وإذا كان ثلث التركة أو المال الذي عينه المتوفى للحج عنه يسع أكثر من حجة واحدة، فإنه يحج عنه مرة واحدة والباقي من الثلث أو المال المعين يكون ميراثاً، إلا إذا قال: حجوا عني بالثلث أو بهذا المبلغ، كمائة جنيه، فإنه يلزم الورثة أو يستأجروا أشخاصاً يحجون
عنه كر واحد حجة بقدر ما يسع الثلث أو المال المخصص للحج، فإذا وسع ما ذكر حجتين استأجر الورثة شخصين يحج كل منهما عن الميت. ويكون ذلك كله في عام واحد على الراجح، فإن بقي بعد الحجتين مقدار لا يسع حجة صار ميراثاً، وهكذا الحكم لو وسع الثلث أو المال المعين للحج ثلاث حجج أو أكثر.
الحنفية قالوا: الحج مما يقبل النيابة، فمن عجز عن الحج بنفسه وجب عليه أن يستنيب غير ليحج عنه، ويصح عنه بشروط: منها أن يكون عجزه مستمراً إلى الموت عادة؛ كالمريض الذي يرجى برؤه، وكالأعمى والزَّمن، ومتى كان عاجزاً بحيث لا يرجو القدرة على الحج إلى الموت، أنا من يحج عنه وحج عنه النائب فقط سقط الفرض عنه ولو زال عذره وقدر على الحج بعد، المريض الذي يرجى برؤه، والمحبوس فإنه إذا أناب عنه الغير فحج عنه ثم زال عذره بعد، فإن ذلك لا يسقط فرض الحج، ومنها نية الحج عن الأمر، فيقول: أحرمت عن فلان، ولبيت عن فلان؛ وتكفي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نية القلب.
فلو نوى النائب الحج عن نفسه، فلا يجزئ عن المنيب، ومنها أن يكون أكثر النفقة من مال المحجوج عنه، فلو تبرع شخص بالحج عن غيره من ماله، فلا يجزئه ذلك إن كان قد أوصى بالحج عنه، أما إذا لم يوص، وتبرع أحد الورثة أو غيرهم، فإنه يرجى قبول حجهم عنه إن شاء الله تعالى، وأما إذا خلط شخص ماله بمال المحجوج عنه، ثم حج، فإنه يجزئ المحجوج عنه، ثم إذا كان المال المدفوع إليه من المحجوج عنه أقل من النفقة عليه رجع بباقي النفقة عليه، ومنها عدم استراط الأجرة للنائب، بل يتكفل بأن ينفق عليه نفقة المثل، فإذا دفع إليه نفقة ليصرفها في الحج عنه، ثم بقيت منها بقية، فعليه أن يردها للمحجوج عنه إلا إذا تبرع له، أو تبرع الورثة، وكانوا أهلاً للتبرع، بأن كانوا راشدين: أما إذا اشترط الأجرة للنائب، كأن يقول: استأجرك للحج عني بكذا، فإن حجة لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار للحج عني بكذا، فإن حجه لا يجوز، ولا يجزئ عن المستأجر، وتكون الإجارة باطلة، كالاستئجار على بقية الطاعات، إلا ما استثني للضرورة، كتعليم العلم والأذان والإمامة، ومنها عدم مخالفة ما شرطه المستنيب، فلو أمر بالإفراد، فحج عنه الغائب قارناً أو متمتعاً لم يقع عنه ويضمن النفقة التي صرفت له، أو لو أمره بالعمرة فنفذ أمره واعتمر عنه، ثم حج عن نفسه، أو أمره بالحج فحج عنه، ثم اعتمر عن نفسه، فإن ذلك يجوز، وتجزئ العمرة في الصورة الأولى، والحج في الصورة الثانية عن المستنيب، إلا أن نفقة إقامته للحج عن نفسه في الأولى؛ والعمرة عن نفسه في الثانية تلزمه في ماله؛ فإذا فرغ من العمل المختص به عادت النفقة في مال المستنيب، فلو قدم عمل نفسه على عمل المستنيب، كأن يأمره بالحج عنه، فيعتمر عن نفسه أولاً، ثم يحج عن المستنيب بعد ذلك، فإنه لا يصح،
ويضمن النفقة كلها في ماله، ومنها أن يحرم بحجة واحدة، فلو أحرمبحجة عن الأمر، ثم بأخرى عن نفسه لم يجز، ولا يجزئ عن الأمر إلا إن رفض الثانية، ولو أمره رجلان كل منهما بالحج عنه، فأحرم لهما معاً لم يصح، وضمن النفقة لكل منهما، ومنها أن يكون كل من الأمر والمأمور مسلماً عاقلاً، فلا يصح الحج عن الكافر، ولا عن المجنون، إلا إذا كان جنونه طارئاً بعد أن وجب عليه الحج، فيصح الإحجاج عنه، ومنها أن يكون النائب مميزاً، فلا يصح أن يحج عن الغير صبي غير مميز. أما المراهق فإنه يصح أيحج عن الغير، كما يصح حج المرأة والعبد عن غيرهما، وكذلك من لم يؤد فريضة الحج عن نفسه؛ وهذه الشروط كلها في الحج عن الغير إذا كان فرضاً، أما الحج عن الغير نفلاً، فإنه لا يشترط في صحته إلا الإسلام والعقل فيهما - المستنيب والنائب - وتمييز النائب وعدم الاستئجار.
هذا؛ وإذا فعل المأمور ما يفسد الحج، فإن كان ذلك قبل الوقوف بعرفة فإنه يضمن المال للمنيب، وإن كان ذلك بعد الوقوف فلا يضمن، لأنه أدى الركن الأعظم - وهو الوقوف - وكل كفارة جنابة تجب على المأمور، لأنه سببها؛ وأما هدي الإحصار فعلى المنيب. لأنه الإحصار لا اختيار للمأمور فيه، ومن أوصى بأن يحج عنه بعد موته، فإن عين مالاً ومكاناً وجب تنفيذ وصيته على ما عين، وإن لم يعين وجب أن يحج عنه من بلده إن كان ثلث ماله يكفي، فإن لم يكف وجب أن يحج عنه من المكان الذي يكفي منه المال، فإن لم يكف أصلاً بطلت وصيته، وإن كان الثلث يكفي لأكثر من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حجة، فإن عين حجة واحدة فالباقي للورثة، وإلا حج به كله في سنة واحدة حججاً متعددة، هذا أفضل من أن يحج حججاً متعددة في سنين متعددة.
الشافعية قالوا: الحج من الأعمال التي تقبل النيابة فيجب على من عجز عن الحج أن ينيب غيره ليحج بدله إما باستئجاره لذلك، أو بالإنفاق عليه، والعجز إما أن يكون لعاهة أو كبر سن أو مرض لا يرجى برؤه بقول طبيبين عدلين، أو بمعرفته هو إن كان عارفاً بالطب، وحد العجز أن يكون على حالة لا يستطيع معها أن يثبت على راحلته إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة؛ وأيس من المقدرة، ثم أو وجوب الإنابة تارة يكون على الفور، وذلك إذا عجز بعد الوجوب والتمكن من الحج، وتارة يكون على التراخي، وذلك إذا عجز قبل الوجوب أو معه أو بعده، وكان غير متمكن من الأداء، ويشترط في العاجز أن يكون بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فإن كان بينه وبين مكة أقل من مرحلتين، أو كان بمكة فلا تجوز له الإنابة، بل يلزمه أن يباشر النسك بنفسه لاحتماله المشقة حينئذ، فإن عجز عن مباشرة الحج بنفسه في هذه الحالة يحج عنه الغير بعد موته من تركته، إلا إذا أنهك المرض قواه، وصار في حالة لا يحتمل معها الحركة، فإن الإنابة تجوز عنه حينئذ، ويشترط أيضاً أن يكون النائب قد أدى فرضه، فلا تجوز إنابة من لم يحج حجة الفرض، وأن يكون ثقة عدلاً، ويشترط لصحة عقد الاستئجار على الحج والعمرة معرفة العاقدين أعمال الحج فرضاً ونفلاً؛ حتى لو ترك النائب شيئاً من سنن الحج سقط من الأجرة بقدره، وكذلك يشترط لصحة الإجارة أن يكون الأجير قادراً على الشروع في العمل؛ فلا يصح استئجار من لم يمكنه الشروع بعذر ما، ولا يشترط ذكر الميقات؛ نعم يجب على الأجير أن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه أو إلى مثل مسافته إذا عينوا ميقاتاً ليحرم منه.
وإذا لم يعينوا ميقاتاً فيجوز للأجير أن يحرم من ميقات غير ميقات المحجوج عنه؛ ولو كان أقصر مسافة منه، ولا يشترط معرفة من استؤجر عنه، ويشترط أن ينوؤ عمن استؤجر عنه؛ وإذا برأ العاجز بعد حج النائب عنه لزمه أن يحج عن نفسه بعد شفائه، لتبين فساد الإجارة، ووقع الحج للنائب، ولا أجرة له؛ بل يسترد منه ما أخذه، وكما تكون الإنابة في الحج عن الأحياء كذلك تكون عن الأموات، فيجب على وصي الميت، فوارثه فالحاكم أن ينيب عنه من يفعله من تركته فوراً؛ فإن لم تكن له تركة، فلا تجب الإنابة، بل يسن للوارث أو الأجنبي - وإن لم يأذن له الوارث - أن يؤديه عنه بنفسه أو بالإنابة، ويشترط أن يكون الميت غير مرتد، وأن يكون الحج والعمرة واجبين عليه ولو بالنذر فإذا لم يكونا واجبين عليه فلا يحج عنه من تركته، لكن للغير الحج والإحجاج عنه، وإن لم يكن مخاطباً به حال حياته.
هذا كله فيمن لم يحج أصلاً، وأما من أدى الحجة المفروضة ويراد الحج عنه تطوعاً، فلا يجوز الحج والعمرة عنه إلا إذا أوصى به، وإذا أفسد النائب الحج لزمه قضاؤه عن نفسه، ويقع القضاء له، ويلزمه رد ما أخذه من المستأجر له، أو يأتي بالحج عن المنيب في عام آخر غير العام الذي يقضي فيه الحج عن نفسه، أو يستنيب من يحج عنه في ذلك العام.
الحنابلة قالوا: الحج يقبل النيابة وكذلك العمرة، فإذا عجز من وجبا عليه عن أدائهما وجب عليه