الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي أصابت هذه الأعيان، وسميت عارضة، لأنها تعرض بسبب المطهرات المزيلات لحكم الخبث من ماء وتراب وغيرهما، مما يأتي بيانه في مبحث إزالة النجاسة، وأما الحدث فهو صفة اعتبارية أيضاً، وصف بها الشارع بدن الإنسان كله عند الجنابة، أو بعض أعضاء البدن بسبب ناقض الوضوء من ريح وبول ونحوهما، ويقال للأول: حدث أكبر، والطهارة منه تكون بالغسل، ويتبعه الحيض والنفاس، فإن الشارع اعتبرهما صفة قائمة بجميع البدن تمنع من الصلاة وغيرها مما يمنعه الحدث الأكبر قبل الغسل، ويقال للثاني: حدث أصغر. والطهارة منه تكون بالوضوء. وينوب عن الغسل والوضوء التيمم، عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله. فلنتكلم في كل ما يتعلق بهذا على الترتيب الآتي:
مبحث الأعيان الطاهرة
قد عرفت من تقسم الطهارة أنها تنقسم إلى طهارة من الخَبث. وطهارة من الحدث. وعرفت أن الخَبث عند الفقهاء هو العين النجسة فلنذكر لك أمثلة من الأعيان النجسة. والأعيان الطاهرة التي تقابلها. ثم نذكر لك ما يعفى عنه من النجاسة وكيفية تطهيرها. ولنبدأ بذكر الأعيان الطاهرة. لأن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل. والأشياء الطاهرة كثيرة: منها الإنسان سواء كان حياً أو ميتاً. كما قال تعالى: {ولقد كرَمنا بني آدم} . أما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} فالمراد به النجاسة المعنوية التي حكم بها الشارع، وليس المراد أن ذات المشرك نجسه كنجاسة الخنزير. ومنها الجماد. وهو كل جسم لم تحله الحياة. ولم ينفصل عن حيّ. وينقسم إلى قسمين: جامد ومائع فمن الجامد جميع أجزاء الأرض ومعادنها. كالذهب والفضة. والنحاس. والحديد. والرصاص ونحوها. ومنه جميع أنواع النبات. ولو كان مخدراً ويقال له: المفسد. وهو ما غيبَ العقل دون الحواس من غير نشوة وطرب. كالحشيشة والأفيون. أو كان مرقداً. وهو ما غيبَ العقل والحواس معاً كالداتورة والبنج. أو كان يضر العقل أو الحواسَ أو غيرها. ومن المائع: المياه. الزيوت. وعسل القصب. وماء الأزهار والطيب والخل. فهذه كلها من الجماد الطاهر. ما لم يطرأ عليها ما ينجسها. ومنها دمع كل شيء حي وعرقه ولعابه ومخاطه. على تفصيل المذاهب (1)
(1) (الشافعية قالوا: بطهارة هذه الأشياء إذا كانت من حيوان طاهر، سواء كان مأكول اللحم أو لا. وقالوا بطهارة سم الحية والعقرب.
المالكية قالوا: اللعاب هو ما يسيل من الفم حال اليقظة أو النوم. وهذا طاهر بلا نزاع. أما ما يخرج من المعدة إلى الفم فإنه نجس. ويعرف بتغير لونه أو ريحه. كأن يكون أصفر. ونتناً فإذا لازم عفي عنه وإلا فلا.
ومنها بيضه الذي لم يفسد ولبنه إذا كان آدمياً أو مأكول اللحم، أما نفس الحيوان الحيّ، سواء كان إنساناً أو غيره فإنه طاهر بحسب خلقته، إلا بعض أشياء مفصلة في المذاهب (1)
ومنها البلغم والصفراء. والنخامة، ومنها مرارة الحيوان المأكول اللحم بعد تذكيته الشرعية والمراد بها الماء الأصفر الذي يكون داخل الجلدة المعروفة، فهذا الماء الطاهر وكذلك جلدة المرارة (2) ، لأنها جزء من الحيوان المذكى تابع له في طهارته. ومنها ميتة الحيوان البحري. ولو طالت حياته في البِّر كالتمساح (3) ،
والضفدع، والسلحفاة البحرية، ولو كان على صورة الكلب أو الخنزير أو الآدمي. سواء مات في البر أو في البحر. وسواء مات حتف أنفه أو بفعل فاعل. لقوله صلى الله عليه وسلم:"أحلت لنا ميتتان. ودمان: السمك والجراد. والكبد والطحال". ومنها ميتة الحيوان البري الذي ليس له دم يسيل. كالذباب والسوس والجراد والنمل والبرغوث (4)
ومنها الخمر إذا صارت خلاًّ. على تفصيل في المذاهب (5)
=الحنابلة قالوا: بطهارة الدمع والعرق واللعاب والمخاط. سواء كانت من حيوان يؤكل أو من غيره. بشرط أن يكون ذلك الغير مثل الهرَّة أو أقل منها. وأن لا يكون متولداً من النجاسة.
الحنفية قالوا: حكم عرق الحي ولعابه حكم السؤر طهارة ونجاسة. وستعرفه بعد.
(1)
(الشافعية. والحنابلة قالوا: هذه الأشياء هي: الكلب. والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما مع غيره. وزاد الحنابلة على ذلك ما لا يؤكل لحمه إذا كان أكبر من الهرّ في خلقته.
الحنفية قالوا: ليس في الحيوان نجس إلا الخنزير فقط.
المالكية قالوا: لا شيء في الحيوان نجس العين مطلقاً، فالكلب والخنزير وما تولد منهما طاهرة جميعها.
(2)
(الشافعية قالوا: بنجاسة ماء المرارة المذكورة، وجلدتها متنجسة به، وتطهر بغسلها؛ كالكرش. فإن ما فيه نجس وهو نفسه متنجس به. ويطهر بغسله.
الحنفية قالوا: إن حكم مرارة كل حيوان حكم بوله. فهي نجسة نجاسة مغلظة في نحو ما لا يؤكل لحمه، ومخففة في مأكول اللحم. والجلدة تابعة للماء الذي فيها)
(3)
(الشافعية. والحنابلة: استثنوا من ميتة الحيوان البحري أشياء: منها التمساح والضفدع. والحية. فإنها نجسة. وما عداها من البحر فهو طاهر)
(4)
(الشافعية قالوا: بنجاسة الميتة المذكورة ما عدا الجراد.
الحنابلة قيدوا طهارة الميتة المذكورة بعدم تولدها من نجاسة. كدود الجرح)
(5)
(المالكية قالوا: إن الخمر تطهر إذا صارت خلاً أو تحجرت. ولو كان كل منها بفعل فاعل، ما لم يقع فيها نجاسة قبل تخللها. ويطهر إناؤها تبعاً لها.=
ومنها مأكول اللحم المذكى ذكاة شرعية. ومنها الشعر والصوف والوبر والريش من حي مأكول أو غير مأكول أو ميتتهما. سواء أكانت متصلة أو منفصلة بغير نتف على تفصيل المذاهب (1)
=الحنفية قالوا: إن الخمر تطهر ويطهر إناؤها تبعاً لها إذا استحالت عينها. بأن صارت خلاً. حيث يزول عنها وصف الخمرية وهي المرارة والإسكار. ويجوز تخليلها. ولو بطرح شيء فيها. كالملح. والماء. والسمك وكذا بإيقاد النار عندها. وإذا اختلط الخمر بالخل وصار حامضاً طهر وإن غلب الخمر، ولو وقعت في العصير فأرة وأخرجت قبل التفسخ، وترك حتى صار خمراً: ثم تخللت. أو خللها أحد طهرت.
الشافعية قالوا: لا تطهر الخمر إلا إذا صارت خلاً بنفسها، بشرك أن لا تحلَّ فيها نجاسة قبل تخللها، وإلا فلا تطهر، ولو نزعت النجاسة في الحال، وبشرط أن لا يصاحبها طاهر إلى التخلل، إذا كان مما لا يشق الاحتراز عنه، لأنه يتنجس بها، ثم ينجسها، وأما الطاهر الذي يشق الاحتراز منه، كقليل بذر العنب، فإنه يطهر تبعاً لها، كما يطهر إناؤها تبعاً لها.
الحنابلة قالوا: تطهر الخمر إذا صارت خلاً بنفسها، ولو بنقلها من شمس إلى ظل: أو عكسه أو من غير إناء لآخر بغير قصد التخليل، ويطهر إناؤها تبعاً لها، ما لم يتنجس بغير المتخللة، من خمر أو غيره، فإنه لا يطهر.
وحاصل هذا أن المالكية. والحنفية اتفقوا على طهارة الخمر إذا صارت خلاً، سواء تخللت بنفسها أبو بفعل فاعل، واختلفوا فيما إذا وقعت فيها نجاسة قبل تخللها فالمالكية يقولون: إنها لا تطهر بالتخلل في هذه الحالة، والحنفية يقولون: إذا أخرجت النجاسة قبل تفسخها: ثم تخللت فإنها تطهر. والشافعية والحنابلة: اتفقوا على أنها لا تطهر إلا إذا تخللت بنفسها. أما إذا خللها أحد فإنها لا تطهر، واتفقوا على أنها إذا وقعت بها نجاسة قبل التخلل فإنها لا تطهر بالتخلل.
(1)
(المالكية قالوا: بطهارة جميع الأشياء المذكورة من أي حيوان. سواء أكان حياً أم ميتاً. مأكولاً أم غير مأكول. ولو كلباً أو خنزيراً. وسواء أكانت متصلة أم منفصلة. بغير نتف كجزّها أو حلقها أو قصها أو إزالتها بنحو النورة؛ لأنها لا تحلها الحياة. أما لو أزيلت بالنتف فأصولها نجسة والباقي طاهر. وقالوا: بنجاسة قصبة الريش من غير المذكى. أما الزغب النابت عليها الشبيه بالشعر. فهو طاهر مطلقاً.
الحنفية وافقوا المالكية: في كل ما تقدم إلا في الخنزير، فإن شعره نجس، سواء كان حياً أو ميتاً، متصلاً أو منفصلاً، وذلك لأنه نجس العين.
الشافعية قالوا بنجاسة الأشياء المذكورة إن كانت من حيٍّ غير مأكول، إلا شعر الآدمي فإنه طاهر، أو كانت من ميتة غير الآدمي، فإن كانت الأشياء المذكورة من حيٍّ مأكول اللحم فهي طاهرة إلا