الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجبات الحج
رمي الجمار - المبيت بمنى - الوجود بمزدلفة
وقد عرفت مما تقدم أن كل ركن من أركان الحج له شروط وواجبات، وسنن، وقد بينا كل ما يخص كل ركن منها قريباً، وبقيت واجبات عامة لا تخص ركناً دون ركن، وهي التي نريد بيانها ها هنا ذا، ومنها رمي الجمار، والمبيت بمنى، والوجود بالمزدلفة، والحلق، والتقصير، وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
الثاني: أن ينوي بمروره الحضور، فلو مر بها. ولم ينو ذلك، فلا يكفيه وأما غير المار. وهو من لبث بها. فلا يشترط فيه شيء من ذلك: فيكفي مكثه بها وهو نائم. أو مغمى عليه. وقد تقدم أن الركن هو الحضور لحظة من الليل من غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر. وواجب الركن الطمأنينة في حضوره. فإن لم يطمئن لزمه دم، كما يجب الوقوف في نهار التاسع بعد الزوال إلى الغروب، فإذا تركه بغير عذر فعليه دم، فالحضور بعرفة نوعان: ركن يفسد الحجر بتركه، وواجب يلزم في تركه دم. فالأول: لحظة من غروب شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر. والثاني: لحظة من زوال شمس يوم عرفة إلى غروب الشمس من ذلك اليوم. ويجزئ الوقوف بأي جزء من عرفة كان. ولكن الأفضل الوقوف بمحل وقوفه عليه الصلاة والسلام. وذلك عند الصخرات العظام المنبسطة في أسفل جبل الرحمة. ويندب السير لعرفة بعد طلوع الشمس من اليوم التاسع وأن ينزل إذا وصلها بالمحل المعروف بنمرة. والاغتسال للوقوف. والتضرع والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء، والتطهر من الحدث، والركوب، والقيام للرجال. إلا لعذر. وأما النساء فلا يندب لهن القيام. ويسن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة تقديماً. وأن يخطب الإمام خطبتين يعلم الناس فيهما ما يفعل بعرفة إلى آخر الحج. وتكون الخطبتان إثر زوال الشمس من اليوم التاسع. ثم يؤذن. ويقام للظهر وهو على المنبر. ثم ينزل فيصلي بالناس الظهر. ثم يؤذن. ويقام ثانياً للعصر. ثم يصليها بهم.
ويجمع هذا الجمع، ولو كان اليوم يوم جمعة، وعليه فلا جمعة في هذا اليوم، ثم ينصرف الناس بعد الصلاة للوقوف إلى الغروب فإذا غربت الشمس، ودخل الليل، وهم بعرفة، فقد حصل الركن، كما حصل الواجب بالحضور نهاراً
(1)
الشافعية قالوا: واجبات الحج العامة خمسة؛ الأول: الإحرام من الميقات على التفصيل المتقدم، الثاني: الوجود بمزدلفة، ولو لحظة، بشرط أن يكون ذلك في النصف الثاني من الليل بعد الوقوف بعرفة، ولا يشترط المكث؛ بل يكفي مجرد المرور بها، سواء أعلم بأنها المزدلفة أم لا، الثالث: رمي الجمار؛ بأن يرمي جمرة العقبة وحدها يوم النحر. والجمرات الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاثة التي هي عقب النحر؛ ويدخل وقت الرمي بانتصاف ليلة النحر، بشرط تقدم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الوقوف، ويمتد وقته إلى آخر أيام التشريق؛ ولا بد من تحقق معنى الرمي، فلو وضع الحجر في المرمى لم يعتد به، وكذا لا بد من قصد مكان الرمي. فلا يجزئ الرمي في الهواء وإن وقع في المرمى، ولا يجزئ الرمي إلا إذا تحقق إصابة المرمى، والرمي المعتبر شرعاً هو ما كان باليد لا بقوس ونحوه، فإنه لا يجزئه إلا لعذر، ولا يجزئ في الرمي إلا الحجر، أما اللؤلؤ، والملح، والآجر ونحوه فلا يجزئ، ولا بد أن يجزم الرامي بأنه رمى سبع حصيات في كل جمرة من الجمرات الثلاث، وذلك في اليوم الثاني، والثالث، والرابع من أيام العيد، كما أنه لا بد أن يتحقق رمي سبع حصيات في جمرة العقة، وهي التي تتكون في يوم العيد، فإن شك كمل حتى يتحقق السبع ويشترط في السبع حصيات أن ترمى في سبع مرات، أما لو رماها على غير ذلك فلا تحسب إلا واحدة؛ ولا بد من الترتيب بين الجمرات الثلاث التي يرميها أيام التشريق، فيبدأ برمي الجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى؛ ثم العقبة، فلا ينتقل إلى واحدة إلا بعد تمام ما قبلها.
وسنن الرمي: منها الاغتسال له كل يوم ومنها تقديم الرمي أيام التشريق على صلاة الظهر. ومنها الموالاة بين الرميات وبين الجمرات. ومنها أن يكون الرمي باليد اليمنى إن سهل، ومنها غسل الحصى إن احتملت نجاسة. ومنها أن يكون الجمر صغيراً أقل من الأنملة. ومنها إبدال التلبية بالتكبير عند أول حصاة يرميها ومنها أن يرمي راكباً إذا أتى من منى راكباً. ومنها أن يرمي بحصيات جديدة لم يرم هو ولا غيره بها. وكره مخالفة شيء من تلك السنن. الرابع: من واجبات الحج: المبيت بمنى. ويشترط فيه أن يكون معظم الليل من ليالي أيام التشريق الثلاثة لمن لم يتعجل. أما من أراد أن يتعجل. ويخرج من منى إلى مكة في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث من أيام العيد، فيسقط عنه المبيت بمنى ليلة الثالث من أيام التشريق والرمي فيه. لقوله تعالى:{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} - الآية. بشرط أن يخرج من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني، فلو غربت عليه الشمس، وهو بمنى، تعين عليه المبيت ليلة الثالث. والرمي فيه، إلا إذا كان تأخيره لعذر، ويشترط لجواز الخروج المذكور أن يكون بنية مقارنة له، فلو خرج من غير نية لزمه العود وأن لا يعزم على العود حال خروجه. فلو خرج عازماً على العود لزمه العود. ولا تفيد نية الخروج، وإنما يجب المبيت بمنى ليالي الرمي على غير المعذور، أما المعذور: كرعاة الإبل. وأهل السقاية بمكة أو بالطريق، ومن خاف على نفسه وماله من المبيت فيرخص له في ترك المبيت ولا يلزمه أما الرمي فلا يسقط، الخامس: التباعد عن محرمات الإحرام السابقة.
الحنفية قالوا: واجبات الحج الأصلية خمسة: أولاً: السعي بين الصفا والمروة؛ ثانياً؛ الحضور بمزدلفة، ولو ساعة قبل الفجر، فلو ترك الحضور بالمزدلفة قبل طلوع الفجر لزمه دم إلا إذا كانت به علة أو مرض فلا شيء عليه، ثالثاً: رمي الجمار لكل حاج؛ وكيفيته أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ونحوها، مما يجوز عليه التيمم، ولو كفاً من تراب، فإنه يقوم مقام الحصاة الواحدة، ولا يجوز الرمي: بخشب، وعنبر، ولؤلؤ، وذهب وفضة، وجوهر، وبعر، ونحو ذلك، لأنه ليس من جنس الأرض، ويكره أخذ الحصاة ونحوها من عند الجمرة، كما يكره نثرها، ويكره أن يرمي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أكثر من سبع حصيات، ويسن في الرمي أن يكون بين الرامي وبين الجمرة - أي المكان الذي يرمي فيه الحصى - خمسة أذرع، وأن يمسكها برؤوس اصابعه، فإن رماها ونزلت على رجل أو جمل، فإن وقعت بنفسها بقرب الجمرة جاز، أما إن وقعت في مكان بعيد عن الجمرة، فإنها لا تجزئه، ويرمي غيرها وجوباً، ويقدر البعد بثلاثة أذرع؛ وأن يكبر مع رمي كل حصاة، بأن يقول؛ باسم الله؛ الله أكبر، ويقطع التلبية لأولها، ويكره أن يتخذ حجراً واحداً يكسره إلى حصى صغير يرمي به؛ ووقت أداء رمي جمرة العقبة فجر يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني منه.
فإن قدمه عن ذلك لا يجزئه، وإن أخره عن ذلك لزمه دم، ويستحب أن يكون هذا الرمي بعد شروق الشمس إلى الزوال، ويباح بعد ذلك إلى الغروب، ويكره بالليل، كما يكره بعد فجر النحر إلى طلوع الشمس؛ ثم يرمي ثاني يوم النحر الجمار الثلاث؛ ويسن أن يبدأ برمي الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف، ثم بالجمرة الوسطى، ثم بجمرة العقبة؛ وفي كل منها يرمي سبع حصيات بالكيفية المتقدمة، فإن عكس هذا الترتيب بأن رمى الجمرة الوسطى مثلاً قبل الجمرة الأولى، سن له إعادة الرمي، ويسن أن يقف بعد أن يتم الرمي الذي بعده رمي آخر بمقدار قراءة ثلاثة أرباع جزء من القرآن - ثلث ساعة تقريباً - ووقت الرمي في اليوم الثاني والثالث هو من بعد الزوال إلى الغروب: ويكره في الليل إلى الفجر وقبل الزوال لا يجزئ، وبعد فجر اليوم الثاني يلزمه دم بالتأخير ويدعو لنفسه أو لغيره بما شاء؛ رافعاً يديه نحو القبلة أو نحو السماء؛ ثم يرمي كذلك في ثالث أيام النحر. وكذا في تاليه إن بقي هناك، ويجوز له أن يرمي ماشياً أو راكباً. والأفضل في رمي الأولى والوسطى أن يكون ماشياً، وفي رمي جمرة العقبة أن يكون راكباً؛ رابعاً: الحلق أو التقصير، خامساً: طواف الصدر، أما ما عدا ذلك من الواجبات فهي متعلقة بكل واجب من هذه الواجبات الأصلية، أو متعلقة بشرط أو ركن على حدته، وقد علمت مما تقدم واجبات الطواف؛ وواجبات السعي، وواجبات الوقوف، وبقي من الواجبات: الترتيب بين الرمي والحلق. والذبح يوم النحر، وتوقيت الحلق بالزمان والمكان. والضابط أن كل ما يترتب على تركه دم فهو واجب، وسيأتي بيان كل ما يترتب على تركه دم في مبحث "جناية الحج".
الحنابلة قالوا: للحج واجبات سبعة: الأول: الإحرام من الميقات المعتبر شرعاً. الثاني: وقوفه بعرفة إلى الغروب إذا وقف نهاراً؛ الثالث: المبيت بالمزدلفة ليلة النحر على غير السقاة والرعاة ويتحقق بالوجود في أي لحظة من النصف الثاني من الليل، الرابع: المبيت بمنى على غير السقاة والرعاة ليالي أيام التشريق، الخامس: رمي الجمار على الترتيب، بأن يبدأ بالتي تلي مسجد الخيف، ثمبالوسطى، ثم بجمرة العقبة، ولا يجزئ في الرمي أن يرمي بحصاة صغيرة جداً، أو كبيرة، ولا بما رمى بها غيره، ولا يجزئ أيضاً بغير الحصى. كجوهر، وذهب، ونحوهما، ويشترط رمي الحصى، فلا يكفي وضعه في المرمى بدون رمي؛ ويشترط كون الرمي واحدة بعد واحدة إلى تمام السبع، فلو رمى أكثر من واحدة في مرة واحدة حسب ذلك واحدة، ويشترط أيضاً أن يعلم وصول الحصى إلى المرمى، فلا يكفي ظن الوصول، ولو رمى حصاة ووقعت خارج المرمى، ثم تدحرجت حتى سقطت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فيه أجزأته؛ وكذا إن رماها فوقعت على ثوب إنسان فسقطت في المرمى، ولو بدفع غيره أجزأته أيضاً، ووقته من نصف ليلة النحر لمن وقف قبله بعرفة، ولا يصح الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ السادس: الحلق أو التقصير. السابع: طواف الوداع.
المالكية قالوا: واجبات الحج العامة التي لا تخص ركناً من أركانه أمور: منها النزول بمزدلفة بقدر حط الرحال بعد أن ينزل من عرفة ليلاً؛ وهو سائر إلى منى إذا لم يكن عنده عذر، وإلا فلا يجب عليه النزول بها، ومنها تقديم رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر على الحلق، وطواف الإفاضة، فلو حلق قبل الرمي، أو طاف للإفاضة قبله فعليه دم، وأما تقديم الرمي على النحر، وتقديم النحر على الحلق؛ وتقديم الحلق على طواف الإفاضة فهو مندوب، فالمطلوب في يم النحر أربعة أمور: رمي جمرة العقبة، نحر الهدي، أو ذبحه، الحلق، طواف الإفاضة، وتفعل على هذا الترتيب ورمي جمرة العقبة في ذاته واجب، ووقته من طلوع فجر يوم النحر، ويندب أن يكون بعد طلوع الشمس إلى الزوال، ويكره تأخيره عنه، ومنها الرجوع للمبيت بمنى بعد طواف الإفاضة، فيبيت بها ثلاث ليال وجوباً، وهي: ليلة الثاني، والثالث، والرابع من يوم النحر إن لم يتعجل، أما إذا تعجل فيكفيه المبيت ليلتين، ويسقط عنه البيات ليلة الرابع والرمي في ذلك اليوم، بشرط أن يجاوز جمرة العقبة قبل غروب اليوم الثالث، وإلا تعين عليه المبيت بها ليلة الرابع، والرمي فيه، ومنها رمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم عيد النحر يرمي في كل يوم ثلاث جمرات كل منها بسبع حصيات، ووقت الرمي في كل يوم منها من زوالالشمس إلى الغروب، فلو قدم الرمي على الزوال لا يكفي، وعليه دم إن لم يعده بعد الزوال؛ وإن أخره إلى الليل أو إلى اليوم الثاني فعليه دم، ويندب أن يكون في كل يوم قبل أن يصلي الظهر، ويشترط في صحة الرمي أمور، أولاً: أن يبدأ برمي الجمرة الكبرى؛ وهي التي تلي مسجد مني، ثم الوسطى التي في السوق، ثم يختم بالعقبة، وليس في يوم النحر سوى رمي جمرة العقبة، كما تقدم، ثانياً: أن يكون ما يرمى به من جنس الحجر فلو رمي
بطين لا يكفي، ثالثاً: أن لا يكون صغيراً جداً: كالقمحة، بل يكون كالحصى الذي يتحاذف به الصبيان وقت اللعب، أو يجعل الحصى بين السبابة وافبهام من يده اليسرى، ثم يحذفها بسبابة اليمنى، فلو رمى بصغير جداً لا يجزئ، وإن رمي بكبير أجزأه مع الكراهة؛ ولا يشترط طهارة ما يرمى به؛ فلو رمي بمتنجس أجزأه، وندب أن يعيده بطاهر، رابعاً: أن يكون الرمي باليد فلو رمى برجله لا يكفي، ويندب أن يكون الرمي بيده المينى إن كان يحسن الرمي بها، ومن الواجبات: الحلق، فلو تركه لزمه دم وكذا يلزمه دم إذا أخره حتى رجع لبلده، أو أخره عن أيام التشريق ولم يفعله بمكة، أما إذا فعله بها ولو بعد أيام التشريق فلا دم عليه، ويجزئ عن الحلق التقصير بالنسبة للرجل، وخالف السنة، وأما المرأة فالواجب في حقها التقصير، ولا تحلق، لأنه مثله، وكيفية التقصير بالنسبة لها: أن تأخذ قدر الأنملة من شعر رأسها وأما الرجل، فيأخذ الشعر من قرب أصله وجذوره، فلو أخذ من أطرافه كما تفعل المرأة أجزأه ذلك وأساء، ومن واجباته الفدية، وهيد للفساد؛ وهدي للقران أو التمتع، وسيأتي بيانها عند الكلام عليها