الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يوجب الفدية، وبيان معنى التحلل
قد عرفت أن الحاج يمنع من أمور: بعضها يفسد، وبعضها يوجب الفدية، وبعضها يوجب الإطعام: فأما ما يوجب الفدية فهو أمور مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
عليه أن ينحر جزراً، ولا يفسد الإحرام شيء غير الجماع المذكور، وعليه أن يمضي في حجه بعد الإفساد، كما لو كان صحيحاً، وعليه أن يجتنب ما كان يجتنبه قبل الإفساد، وإذا فعل محظوراً بعد هذا وجبت عليه الفدية، وعلى الفاعل والمفعول القضاء فوراً في العام القابل
(1)
الحنابلة قالوا: ما يوجب الفدية ينقسم إلى قسمين: الأول، ما يوجبها، على التخيير، والثاني: ما يوجبها على الترتيب، فالذي يوجبها على التخيير فهو أمور:
-1 - لبس المخيط، أو المحيط 2 - استعمال الطيب 3 - تغطية الرجل رأسه، أو الأنثى وجهها 4 - إزالة أكثر من شعرتين من الجسد، أو أكثر من ظفرين، فكل واحد من هذه فيه فدية على التخيير بين ثلاثة أشياء: فإما أن يذبح شاة سنها ستة أشهر على الأقل، إن كانت من الضأن، وسنة إن كانت من المعز، وإما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين لكل واحد منهم مدّ من برّ أو نسف صاع - مدّان - من تمر، أو زبيب أو شعير، أو أقطن ومما يوجب الفدية على التخيير جزاء الصيد. والصيد إما أن يكون له مثل من النعم أو لا يكون، فإن كان له مثل، فيخير في فديته بين ثلاثة أشياء: ذبح المثل، وإعطاء لحمه لفقراء الحرم في أي وقت شاء، وتقويم مثله في المحل الذي تلف فيه الصيد، ويكون التقويم بدراهم، ثم يشتري بها طعاماً من الأصناف السابقة، ويعطي كل مسكين مدّاً من برّ، ومدّين من غيره، كما تقدم، وصيام أيام بعدد الأمداد بحيث يكون كل يوم بدل ما يعطي من الطعام لكل مسكين: فإن بقي أقل من إطعام مسكين صام عنه يوماً كاملاً، وإن لم يكن له مثل فيخير في فديته بين الأمرين الأخيرين، إطعام القيمة، والصيام.
وأما ما يوجب الفدية على الترتيب، فهو الوطء قبل التحلل الأول من الحج، والتحلل الأول يحصل باثنين من ثلاثة، وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الزيارة، ومثل الوطء الإنزال بتكرار النظر، أو بالمباشرة لغير الفرج، أو بالتقبيل، أو باللمس بشهوة قبل التحلل الأول، فإذا حصل الوطء أو الإنزال بواحد مما ذكر وجب عليه ذبح بدنة من الإبل سنها خمس سنين، فإن لم يجد بدنة صام عشرة أيام: ثلاثة قبل الفراغ من أعمال الحج وسبعة بعد الفراغ منها، والمرأة كالرجل فيما يترتب على الوطء والإنزال إن كانت طائعة، وأما المباشرة بدون إنزال فتوجب الفدية على التخيير بين الأنواع الثلاثة المتقدمة؛ وهي: ذبح الشاة؛ أو إطعام ستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام؛ وكذا الإمناء بنظره بدون تكرار، وكذا إذا حصل الوطء بعد التحلل الأول، وقد تقدم بيانه، وإذا جاوز الشخص ميقاته بلا إحرام، أو ترك شيئاً من واجبات الحج: كرمي الجمار فعليه الفدية على الترتيب: بأن يذبح شاة، فإن لم يجدها صام عشرة أيام ثلاثة في الحج، وسبعة بعده، كما تقدم، وأما ما يوجب الإطعام فهو قص ظفرين، أو أقل: وإزالة شعرتين، أو أقل، فيجب في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الظفر الواحد أو بعضه، وفي إزالة الشعرة الواحدة أو بعضها إطعام مسكين واحد مدّاً من برّ، أو نصف صاع من غيره، كما تقدم، وفي الظفرين أو الشعرتين إطعام مسكينين. وأما ما يوجب القيمة فهو كسر بيض الصيد، وقتل الجراد، فإذا كسر بيضاً، أو قتل جراداً فعليه قيمة كل منهما يتصدق بها في محل الإتلاق، وأما ما لا يوجب شيئاً فهو قتل القمل، وعقد النكاح.
وقد سبق أنه يحرم على المحرم قطع شجر الحرم، وحشيشه إلا ما استثنى، فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه في قطع الشجرة الصغيرة عرفاً ذبح شاة، وفي قطع الشجرة الكبيرة أو المتوسطة ذبح بقرة، وفي الحشيش والورق إخراج القيمة.
المالكية قالوا: يوجب الفدية كل فعل محرم يحصل به ترفه وتنعم للمحرم، أو إزالة الشعث عنه: كالاغتسال في الحمام، فمتى جلس في الجمام حتى عرق ثم صب الماء الحار على جسده، ولو لم يتدلك، فإنه يجب عليه الفدية، لأن ذلك مظنة زوال الوسخ عن الجسد، ومثل ذلك مس شيء مما يتطيب به، وقص الشارب: ولبس الثياب، وتغطية الرأس، أو تغطية المرأة وجهها ويديها بقفاز لا بقصد التستر كما تقدم، وقص أظفاره، ونتف إبطه، وغير ذلك: كالاختضاب بالحناء، وإنما تجب الفدية في لبس الثياب ونحوها إذا حصل به انتفاع من حر أو برد، أما لو لبس الثوب ونزعه فوراً قبل الانتفاع به، فلا تجب فيه الفدية، وأما الطيب ونحوه مما ينتفع به بمجرد مزاولته، فإن الفدية تجب فيه، ولو أزاله فوراً، والفدية ثلاثة أنواع على التخيير: الأول: إطعام ستة مساكين لكل منهم مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم من غالب قوت البلد؛ ويجزئ بدل المدَّين الغداء والعشاء إذا بلغ مقدارهما المدين، لكن تمليك المدين أفضل، الثاني: صيام ثلاثة أيام، الثالث: نسك - ذبيحة - شاة فأعلى: كبقرة وبدنة، ويعتبر في سنها ما ذكر في الهدي، ولا يختص ذبح هذا النسك بزمان أن مكان، فله أن يذبحه بأي زمان ومكان شاء، إلا إذا نوى به الهدي فإنه يذبح بمنى أو مكة على ما ذكر في تفصيل الهدي، وأما ما يوجب الحفنة من الطعام فأمور:
-1 - قلم الظفر الواحد بدون قصد إزالة الأذى - الوسخ - كأن يقلمه لمداواة قرحة تحته، أو لاستقباح طوله، أو يقلمه عبثاً، أما إذا قلمه بقصد إزالة الأذى ففيه فدية، 2 - إزالة شعرة أو أكثر إلى اثنتي عشرة أيضاً، 3 - إزالة القراد عن بعيره أو قتله، ففي كل منهما حفنة من طعام ولو كثر القراد: وإذا تعدد موجب الفدية أو الحفنة فإنهما يتعددان، مثلاً إذا لبس الثياب وتطيب فعليه فديتان فدية للبس، وفدية لاستعمال الطيب، وإذا قلم ظفراً واحداً، وأزال شعره فعليه حفنتان، ويستثنى مما ذكر مسائلي لا تتعدد فيها الفدية ولا الحفنة بتعدد الموجب: 1 - أن يظن إباحة ما فعله لفساد الحج؛ أو لأنه رفضه؛ أو حفنة. ثم ظهر له فساد الطواف، فلا تتعدد الكفارة - الفدية أو الحفنة 3 - أن ينوي عند فعل الأول منها التكرار والتعدد، كأن يلبس الثوب ونوى عنده أن يتطبب أيضاً، فإذا لبس وتطيب فعليه فدية واحدة، بشرط، أن لا يفدي للأول قبل فعل الثاني وإلا فعليه فديتان 4 - أن يقدم ما نفعه أعم، كأن يلبس الثوب أولاً، ثم السراويل بعد فعليه فدية واحدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحنفية قالوا: الفدية هي ذبح شاة ونحوها، وتجب بأمور؛ أولاً: دواعي الجماع: كالمعانقة، والمباشرة والقبلة واللمس بشهوة، سواء أنزل أو لم ينزل، ومثل ذلك ما لو نظر إلى فرج امرأة، أو تفكر فأنزل، وكذا إذا أولج في فرج بهيمة فأنزل، أما إذا أولج في البهيمة بدون إنزال فلا شيء عليه، ويلزمه دم بالتبطين والتفخيذ، أنزل أو لم ينزل، ثانياً: إزالة شعر كل رأسه أو لحيته، أو إزالة ربعهما، وليس في أقل من الربع دم؛ وكذا إزالة شعر رقبته، أو إبطيه، أو أحدهما، أو إزالة شعر عانته، وإنما يجب الدم بإزالة الشعر إذا كان لغير عذر؛ كأن علقت به الهوام وآذته، فهو مخير بين أمور ثلاثة: ذبح شاة، صام ثلاثة أيام، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع قال تعالى:{فمن كان منكم مريضاً، أو ب الله أذى من رأسه، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} ثالثاً: أن يلبس الرجل المحيط، أما المرأة فإنها تلبس ما شاءت إلا أنها لا تستر وجهها بساتر ملاصق، كما تقدم والذي يضر هو اللبس المعتاد، فلو التحف بالمخيط؛ أو وضعه على بدنه بوضع غير معتاد فلا شيء عليه.
هذا إذا لبس لغير عذر، فإن كان لعذر ففيه التفصيل المتقدم فيما قبله، رابعاً: أن يستر رأسه بساتر معتاد يوماً كاملاً، وقد تقدم تفصيل الكلام في الساتر المعتاد، خامساً: أن يطيب عضواً كاملاً من الأعضاء الكبيرة: كالفخذ، والساق، والذراع، والوجه، والرأس، والرقبة بأي نوع من أنواع الطيب المتقدم ذكرها، أما إذا طيب ثوبه فإنه لا يلزمه الدم، إلا إذا لبس الثوب يوماً كاملاً، وكان الطيب كثيراً في ذاته، أو كان قليلاً واستغرق من الثوب ما تبلغ مساحته شبراً في شبر؛ والحناء من الطيب، فلو وضعها على رأسه وكانت رقيقة لا تستر ما تحتها فعليه دم، وإلا فعليه دمان، لأنه يكون في هذه الحالة قد تطيب وستر رأسه، ومنه العصفر والزعفران كما تقدم، فإن تطيب لعذر ففيه التفصيل المتقدم، ومثل الطيب دهان عضو كامل بزيت الزيتون؛ أو السمسم لغير عذر، فإن فعل لعذر: كالتداوي، فلا شيء عليه، سادساً: قص أظافر يد واحدة أو رجل واحدة؛ وكذا لو قص أظفار يديه ورجليه جميعها في مجلس واحد، أما إذا قصها في مجالس متعددة لزمه أربعة دماء لكل أظافر عضو دم، سابعاً: أن يترك طواف القدوم أو طواف الصدر، أو يترك شوطاً من أشواط العمرة، أو واجباً من الواجبات المتقدمة.
الشافعية قالوا: الفديةة هي دم شاة توفرت فيها شروط الأضحية الآتي بيانها في مبحث "الأضحية" أو إطعام ستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، وتجب بأمور. أحدها: التطيب، فمن تطيب في الحج برائحة عطرية، فعليه أن يذبح شاة يتصدق بها، ثانيها: أن يلبس قميصاً أو سراويل، أو خفاً، أو عمامة، أو نحو ذلك من الأشياء المخيطة أو المحيطة ببده، فمن لبس شيئاً من ذلك فعليه فدية، وإنما تجب الفدية بلبس المخيطة والمجيطة ببدنه بشروط أحدها: أن يكون عالماً بالتحريم فلو فعله جهلاً فلا فدية عليه، ثانيها: أن يفعل ذلك قبل التحلل الأول المتقدم بيانه؛ ثالثها: أن يكون مميزاً مختاراً، رابعها: أن يكون ذكراً، أما المرأة فلا تتجرد من ثيابها، ولا يجب عليها إلا كشف وجهها؛ فإو وضعت عليه ساتراً ملتصقاً به فإن الفدية تجب عليها، نعم لها أن تستر وجهها بشيء غير ملاصق له، كما إذا