الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكاة الزرع والثمار
ثبتت فرضيتها زيادة على ما تقدم من الدليل العام بدليل خاص من الكتاب والسنة، قال تعالى:{وآتوا يوم حصاده} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقى غرب "دلو" أو دالية "دولاب" ففيه نصف العُشر" وهذا الحديث قد بين ما أجملته الآية الكريمة المذكورة.
وأما شروطها فهي شروط الزكاة العامة المتقدمة؛ ولها شروط أخرى؛ وأحكام مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
بشروطها المتقدمة إلا حولان الحول، فإنه ليس بشرط هنا، ولكن بقي شرط آخر، وهو أن يكون المعدن في أرض مباحة أو مملوكة له وإلا فلا زكاة فيه إلا إذا كان المعدن بأرض موقوفة على معين، وكان وجود المعدن بها بعد الوقف، فإنه يجب فيه الزكاة، ولا يشترط في المستخرج من المعدن النصاب دفعة واحدة، بل لو استخرج ما يبلغ النصاب على عدة مرات ضم ووجبت زكاة الجميع ولو زال ملكه عما استخرجه أولاً، بشرط أن يتحد المعدن، ويتصل العمل، أو ينفصل لعذر: كمرض، وإلا فلا يزكى الأول إن لم يبلغ نصاباً، وإنما يضم إلى الثاني فقط في إكمال النصاب، فإن كمل به وجبت زكاة الثاني فقط؛ ووقت وجوب الزكاة فيه عقب تخليصه وتنقيته؛ فلو أخرج الزكاة قبل تصفيته لا تجزئ، وأما الركاز فهو دفين الجاهلية؛ ويجب فيه الخمس حالاً بالشروط المعتبرة في الزكاة، إلا حولان الحول متى بلغ كل منهما نصاباً؛ ولو ضمه إلى ما في ملكه ولو غير مضروب، فلو وجده فوق الأرض لا يكون ركازاً، بل يكون لقطة، فإن لم يكن دفين الجاهلية بأن وجد عليه علامة تدل على أنه إسلامي، فحكمه وجوب رده إلى مالكه، أو وارثه إن علم، وإلا فهو لقطة، وكذا إذا جهل حاله، أجاهلي هو أو إسلامي، وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة فهو لمالك الأرض إن ادعاه، وإلا فهو لمن علم ممن سبقه من
المالكين
(1)
الحنفية قالوا: من الشروط العامة: العقل والبلوغ، فلا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ إلا أن هذين الشرطين غير معتبرين في زكاة الزروع والثمار، فتجب في مال الصبي والمجنون، ويشترط لزكاتهما - زيادة على ما تقدم - أن تكون الأرض عشرية فلا تجب الزكاة في الخارج من الأرض الخراجية، وأن يكون الخارج منها مما يقصد بزراعته استغلال الأرض ونماؤها فلا تجب في الحطب والحشيش والقصب الفارسي - الغاب - والسعف، لأن الأرض لا تنمو بزراعة هذه الأصناف، بل تفسد بها، نعم لو قطعها وباعها واستفاد منها، وجبت الزكاة في قيمتها إن بلغت نصاباً ولا بد من زرع الأرض بالفعل بالنسبة للزكاة؛ بخلاف الخراج، فإنه يتقرر متى كانت صالحة للزراعة، ومتمكناً ربها من زرعها، فلو تمكن من زراعة أرض ولم يزرعها، فلاتجب فيها الزكاة، ويجب فيها الخراج لنموها تقديراً، فسبب وجوب الزكاة هو الأرض النامية حقيقة بالخارج منها، بخلاف الخراج، فسبب وجوبه النمو ولو تقديراً.
وحكم زكاة الزرع والثمار هو أنه يجب فيها العشر إذا كانت خارجة من أرض تسقى بالمطر أو السيح - الماء الذي يسيح على الأرض من المصارف ونحوها - ونصف العشر إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كانت خارجة من أرض تسقى بالدلاء ونحوها، ويجب أن يخرج زكاة كل ما تخرجه الأرض من الحنطة والشعير، والدخن، والأرز، وأصناف الحبوب والبقول، والرياحين، والورد وقصب السكر، والبطيخ والقثاء، والخيار، والباذنجان، والعصفر، والتمر والعنب وغير ذلك، سواء كانت له ثمرة تبقى أو لا، وسواء كان قليلاً أو كثيراً، فلا يشترط فيها نصاب ولا حولان؛ وتجب في الكتاب وبذره، وفي الجوز واللوز والكمون والكزبرة، وفيما يجمع من ثمار الأشجار التي ليست بمملوكة: كأشجار الجبال، ولا تجب في البذور التي لا تصلح إلا للزراعة: كبذر البطيخ والحناء، وبذر الحلبة، وبذر الباذنجان؛ ولا تجب فيما هو تابع للأرض: كالنخل والأشجار، ولا تجب فيما يخرج من الشجر: كالصمغ والقطران، ولا تجب في حطب القطن ونحوه، ولا تجب في الموز، وما ينفق على الزرع من الكلف يحسب على الزارع؛ فتجب الزكاة في كل الخارج بدون أن تخصم منه النفقات وإذا باع الزرع قبل إدراكه وجبت الزكاة على المشتري، وبعد الإدراك على البائع ووقت وجوب زكاة الخضر عند ظهور الثمرة، والأمن عليها من الفساد بأن بلغت حداً ينتفع بها؛ ثم يخرج حقها وقت قطعها، أما وقت زكاة الحبوب فبعد كيلها وتنقيتها، وتسقط الزكاة بهلاك الخارج من غير صنع المالك، وإذا هلك بعضه بغير صنعه سقط بقدر ما هلك؛ وكذا ما يقتاته اضطراراً.
الشافعية قالوا: زكاة الزروع والثمار تجب بشروط ثلاثة زيادة على ما تقدم. الأول: أن يكون مما يقتات اختياراً: كالبر، والشعير، والأرز، والذرة، والعدس، والحمص والفول؛ والدخن، فإن لم يكن صالحاً للاقتيات: كالحلبة، والكراويا، والكزبرة والكتان، فلا زكاة فيه؛ وكذا ما يقتات به عند الضرورة: كالترمس ونحوه، الثاني: أن يكون مملوكاً لمالك معين بالشخص، فلا زكاة في الموقوف على المساجد، على الصحيح، إذ ليس لها مالك معين، كما لا زكاة في النخيل المباح بالصحراء إذا لم يكن لها مالك معين، الثالث: أن يكون نصاباً فأكثر؛ ولا يزكى من الثمار إلا العنب أو الرطب، فلا زكاة في الخوخ، والمشمش، والجوز، واللوز، والتين، ومتى ظهر لون العنب أو الرطب، أو لأن جلده وصلح للأكل، أو اشتد الحب والزرع فقد بدا صلاحه، وحينئذ يحرم على المالك التصرف فيه قبل إخراج الزكاة ولو بالصدقة؛ وعلى هذا يحرم أكل الفول الأخضر والفريك، وإطاء أجر الحصادين قبل إخراج الزكاة على المعتمد، ولا تجب الزكاة في الزروع والثمار إلا إذا بلغا حد النصاب، وهو خمسة أوسق تحديداً، وما زاد فبحسابه، فلا زكاة فيما دون ذلك، والوسق ستون صاعاً. والصاع أربعة أمداد؛ والمد رطل وثلث بالبغدادي، ويبلغ النصاب بالكيل المصري الآن أربعة أرادب وكيلتين.
هذا إذا كانت الحبوب خالية من الطين والتراب ومصفاة من القشر، فإن كانت مما يدخر في قشره، كشعير الأرز، أو كان فيها غلت: كطين وتراب، فلا يعتبر إلا ما كان خالصاً منها، بحيث تبلغ النصاب، ولا بد أن يكون النصاب من جنس واحد، فلا يضم القمح إلى الشعير لإتمام النصاب، وكذا غيره من الأصناف المختلفة، ولا يضم ثمر أو زرع هذا العام إلى العام الذي قبله لإكمال النصاب. أما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إذا تكرر الزرع في عام واحد: كالذرة الصيفية، والذرة النيلية فيضم بعضه إلى بعض، لأنه لم يتخلل بين الزرعين عام كامل، أي اثني عشر شهراً هلالية؛ والعبرة في الحبوب للحصاد، وفي الثمار بظهورها، وكذا العنب فإنه يضم ما بكر منه إلى ما تأخر في عامه. أما التمر المتكرر في عام، كأن أثمرت النخلة مرتين في عام واحد؛ فيزكى عن المرة الأولى إن أكملت النصاب، وإلا فلا يضم إلى المرة الثانية، والذي يجب إخراجه يختلف باختلاف مدة عيش الزرع ونمائه، لا بعدد السقيات؛ فإن سقي الزرع، أو التمر بماء السماء، أو بماء النهر بدون آلات، أو شرب بعروقه: كالزرع البعلي، فالواجب فيه العشر، فإن سقي بدولاب أو شادوف، أو بماء مشتري، فالواجب فيه نصف العشر لكثر المؤونة، فلو سقي بمجموع الأمرين، كأن سقي نصف الأرض بماء السماء، والنصف الآخر بدولاب وجب في هذه الحالة إخراج ثلاثة أرباع العشر، وإن اختلف عدد السقيات، لأن العبرة بمدة الزراعة لا بعدد السقيات.
الحنابلة قالوا: تجب زكاة الزروع والثمار، بشرطين زيادة على ما تقدم: الأول: أن تكون صالحة للادخار، الثاني: أن تبلغ نصاباً وقت وجوب الزكاة، والنصاب هنا خمسة أوسق بعد تصفيه وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلاً مصرياً، وأربعة أسباع رطل، فلا فرق فيما تجب فيه الزكاة بين كونه حباً أو غيره، مأكولاً أو غير مأكول: كالقمح، والفول، وحب الرشا، وحب الفجل، وحب الخردل، والزعتر، والأشنان وورق الشجر المقصود
…
كورق السدر، والآس، وكتمر، وزبيب، ولوز، وفستق، وبندق، أما العناب والزيتون، فلا تجب الزكاة فيهما، كما تجب في الجوز الهندي، والتين، والتوت، وبقية الفواكه وقصب السكر، واللفت، والكرنب، والبصل، والفجل، والورس، والنيلة، والحناء، والبرتقال، والقطن، والكتان، والزعفران، والعصفر، لأن هذه الأشياء لم يتحقق فيها الشرط الأول، وأما العلس، والرز اللذان يدخران في قشرهما، فنصابهما في قشرهما عشرة أوسق لأن الاختبار دل على ذلك، ولا يجوز تقدير غيرهما في قشره، ولا إخراج زكاته قبل تصفيته، والعبرة في هذه المكاييل بالمتوسط في الثقل، وهو العدس، والحنطة، فتجب في خفيف بلغ النصاب كيلاً إن قارب هذا الوزن، وإن لم يبلغه، لأنه في الكيل كالثقيل ولا تجب في ثقيل بلغ النصاب وزناً لا كيلاً، وتضم أنواع الجنس لبعضها في تكميل النصاب إن كانت من زرع عام واحد أو من تمر عام واحد، إن كانت الثمرة من شجر يحمل في السنة مرتين، والزكاة الواجب إخراجها في الزرع والثمار هي العشر إن سقيت بماء السماء ونحوه؛ ونصف العشر إن سقيت بالآلات؛ فإن سقي النصف بماء السماء؛ والنصف الآخر بالآلات، وجب إخراج ثلاثة أرباع العشر، فإن تفاوتا فالحكم لأكثرهما نفعاً للزرع، فإن جهل المقدار، فالواجب العشر احتياطاً، والوقت الذي تجب فيه الزكاة في الحبوب هو وقت اشتدادها حال الصلاح للأخذ والادخار، ووقت وجوبها في الثمار عند طيب أكهلا وظهورها، فإذا أتلفها أو باعها بعد ذلك ضمن الحنفية قالوا: الفقراء، فإن تلفت من غير تعدية سقطت عنه الزكاة ما لم تكن قد وضعت في الجرين أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نحوه، فإن وضعت في ذلك ثم تلفت ضمن الزكاة للفقراء.
المالكية قالوا: تجب زكاة الحرث - الزرع والثمار - ويتعلق الوجوب بها من وقت الطيب، وهو بلوغ الزرع، أو الثمر حد الأكل منه؛ قال مالك رضي الله عنه: إذا أزهى النخل، وطاب الكرم، وأسود الزيتون، أو قارب، وأفرك الزرع، واستغنى عن الماء، وجبت فيه الزكاة، وحيث إن الزكاة وجبت فيها من حين الطيب فكل ما أكل من الحب، وهو فريك، أو من البلح هو بسر، أو من العنب بعد ظهور الحلاوة فيه يحسب، وتتحرى زكاته، وإذا أخرج زكاته منه إذ ذاك أجزأه، وكذلك يحسب ما يرميه الهواء إن أمكن جمعه والانتفاع به، أو يهديه أو يعلف به الدواب، أو يستأجر به الحصاد أو غيره، ولا يجسب ما يأكله الطير أو الجراد، وما تلف بسبب حر أو برد، وكل جائحة سماوية، وكذا لا يحسب ما تأكله الدابة في حال درسها، ويشترط في وجوب الزكاة بلوغ الحرث نصاباً، ونصاب الحرث خمسة أوسق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق"، وقدر النبي صلى الله عليه وسلم الوسق بستين صاعاً بصاع المدينة في عهده، والصاع خمسة أرطال وثلث بالرطل العراقي، وبالكيل أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والمد ثلث قدح بالقدح المصري، فيكون الصاع قدحا وثلثاً، وقدر النصاب بالكيل المصري بأربعة أرادب، وويبة - كيلتين -، ويقدر الجفاف للأوسق إن كانت غير جافة بالفعل ولا يحسب منها الحشف، وتعتبر خالصة من القشر الذي تخزن بدونه كقشر الفول الأعلى.
أما القشر الذي تخزن فيه: كقشر حب الفول، فلا يعتبر الخلوص منه، وإنما تجب الزكاة في الحبوب والثمار إذا حصلت في الإنبات، أو غرس الشخص، سواء أكانت الأرض خراجية أم لا، أما ما نبت بنفسه في الجبال أو في الأرض المباحة، فلا زكاة فيه: ومن سبق إلى شيء منها ملكه، وتجب الزكاة في عشرين نوعاً، وهي: القمح، والشعير، والسلت - نوع من الشعير لا قشر له - والعلس - وهو نوع من القمح تكون الحبتان منه في قشرة واحدة، - وهو طعام أهل صنعاء باليمن -، والأرز، والدخ، والجلبان -، وذوات الزيوت الأربعة، وهي: - الزيتون والسمسم، والقرطم وحب الفجل الأحمر - ونوعان من الثمار. وهما: - التمر، والزبيب - ولا زكاة في غيرها، إلا أن تكون عروض تجارة، فزكى قيمتها على ما تقدم، والواجب إخراجه هو نصف العشر من الحب، أو التمر، أو زيت ما له زيت، متى بلغ الحب نصاباً، وإن لم يبلغه الزيت وإنما يجب نصف العشر إن سقي بالآلات، فإن سقي بالمطر أو السيح، فالعشر، ولو اشترى المطر ممن نزل بأرضه، أو أنفق عليه حتى أوصله لأرضه من غير آلة رافعة، ففيه العشر أيضاً، وإن سقي بالآلة وبغيرها نظر للزمن، فإن تساوت مدة السقيين أو تقاربت أخرج عن النصف العشر، وعن النصف الآخر نصف العشر، فيخرج عن الجمع ثلاثة أرباع العشر، فإن كانت مدة أحدهما الثلث أو قريباً منه فقيل: يعتبر الأكثر، فيزكي الكل عن حكمه، وقيل: ينظر لكل واحدة على حدة فإذا كان السقي في ثلثي المدة بدون آلة وفي ثلثها بالآلة أخرج عن ثلثي الخارج العشر وعن ثلثه نصف العشر. وعلى القول الأول يخرج عن الكل العشر، ويضم بعض الأنواع إلى بعض