الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيع
وسائر المعاملات من الربا، والرهن، والضمان، والصلح، والحجر، والوكالة، وغير ذلك مما يأتي مفصلًا إن شاء اللَّه تعالى. وهو مأخوذ من الباع؛ لمد كل من المتبايعين يده للآخر أخذًا وعطاءً، أو من المبايعة -أي المصافحة- كل منهما الآخر عنده (1)، وهو جائز بالإجماع (2) لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (3)، وحديث:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"(4) متفق عليه.
وهو لغة: دفع عوض وأخذ معوض عنه (5)، وشرعًا: مبادلة عين مالية مباحة النفع بلا حاجة أو منفعة مباحة مطلقًا كممر في دار وبقعة تحفر بئرًا، بخلاف نحو جلد ميتة مدبوع، لأنه لا ينتفع به مطلقًا بأحدهما كبيع كتاب بكتاب أو بممر في دار، وبيع نحو ممر في دار بكتاب، أو بممر في دار أخرى، أو مبادلة عين مالية، أو منفعة مباحة مطلقًا بمال في الذمة من نقد أو غيره، وكذا مبادلة مال في الذمة بمال في الذمة إذا قبض أحدهما قبل التفرق، أو بعين مالية أو منفعة مباحة فشمل حينئذ تسع صور (6).
(1)"المصباح المنير"(ص 96)، و"الإنصاف"(11/ 8).
(2)
ينظر "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة"(ص 262) و"موسوعة الإجماع"(1/ 166).
(3)
سورة البقرة، الآية:275.
(4)
البخاري في البيوع باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا (3/ 10) وفي مواضع أخرى، ومسلم في البيوع باب الصدق في البيع والبيان (3/ 1164) عن حكيم بن حزام.
(5)
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"(1/ 327): الباء والياء والعين أصل واحد، وهو بيع الشيء، وربما سمي الشِّرى بيعًا، والمعنى واحد. اهـ
ينظر: "الصحاح"(3/ 1189) و"المصباح المنير"(1/ 96) و"التوقيف"(ص 153) و"أنيس الفقهاء"(ص 199).
(6)
يضاف إلى هذا القيد ليكون جامعًا مانعًا: =
(تنعقد) سائر المعاملات من بيع وغيره (بمعاطاة) نصًّا (1)، في القليل والكثير لعموم الأدلة (2). ولأنه تعالى أحل البيع ولم يتبين كيفيته، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، والمسلمون في أسواقهم ومبايعاتهم على ذلك، كأعطني بهذا الدرهم ونحوه خبزًا، فيعطيه ما يرضيه مع سكوته، أو يساومه (3) سلعة بثمن فيقول: خذها، أو هي لك ونحو ذلك.
(و) كذا نحو هبة وهدية وصدقة (بإيجاب) كقول بائع: بعتك كذا، وملكتك كذا ونحو ذلك، (وقبول) كقول مشتر: قبلت ذلك، ونحوه، وصح تقدم إيجاب على قبول بلفظ أمر وماض مجرد عن استفهام، كقول مشتر بعني أو اشتريت منك كذا بكذا، فيقول: بعتك، أو بارك اللَّه لك.
وصح تراخي أحدهما عن الآخر ماداما في المجلس، ولم يشتغلا بما يقطع البيع عرفًا، وإنما ينعقد (بسبعة شروط):
أحدها: (الرضا) فإن أكرها أو أحدهما بغير حق لم يصح، لحديث "إنما البيع عن تراض"(4).
والثاني: الرشد (و) هو (كون عاقد جائز التصرف)، أي: حرًّا مكلفًا رشيدًا، فلا يصح من مجنون مطلقًا، ولا من سفيه وصغير، لأنه قول
= (للتميك على التأبيد غير ربًا وقرض) وهذا القيد في "منتهى الإرادات"(2/ 249) و"شرحه"(2/ 140) الذي هو عمدة المؤلف، وكذا "كشاف القناع" (3/ 146). ينظر:"المطلع"(ص 227) و"الإنصاف"(11/ 5).
(1)
"الممتع في شرح المقنع"(3/ 8).
(2)
كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه -مع كثرة وقوع البيع بينهم- استعمال الإيجاب والقبول.
ينظر: "الشرح الكبير"(11/ 13).
(3)
السوم: طلب المبيع بالثمن الذي تصور به البيع. ينضر: "التوقيف"(ص 419).
(4)
أخرجه ابن ماجه في التجارات باب بيع الخيار (2/ 737)، عن أبي سعيد الخدري، وقال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله موثقون.
يعتبر له الرضا فاعتبر فيه الرشد، كالإقرار، إلا في شيء يسير كرغيف وحزمة بقل ونحوهما فيصح من القِنِّ (1) ومن الصغير ولو غير مميز، ومن السفيه، وإلا إذا أذن لمميز أو سفيه وليهما فيصح، ولو في الكثير لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (2)، ويحرم الإذن لهما بلا مصلحة، لأنه إضاعة، وإلا إذا أذن لقنٍّ سيدُه فيصح تصرفه لزوال الحجر عنه بإذنه له، وفي "التنقيح": ويصح من القن قبول هبة ووصية بلا إذن سيد، نصًّا (3). ويكونان لسيِّده.
(و) الثالث: (كون مبيع) معقود عليه ثمناَ كان أو مُثْمنًا، (مالًا) لأن غيره لا يقابل به (وهو) أي: المال شرعًا: (ما فيه منفعة مباحة) مطلقًا، وما يباح اقتناؤه بلا حاجة كبغل، وحمار، ودود قز (4)، وبزره (5)، ونحو ذلك، وكنحل منفرد عن كُوَّراته (6). قال في "المغني" (7): إذا شاهدها محبوسة بحيث لا يمكنها [أن](8) تمتنع. أو مع كوارته خارجًا عنها، وفيها إذا شوهد داخلًا فيها لحصول العلم به بذلك، ويدخل ما فيها من العسل تبعًا، ولا
(1) هو الرقيق. ينظر "التوقيف"(ص 590).
(2)
سورة النساء، الآية:6.
(3)
"التنقح"(ص 122 - 123).
(4)
القَزُّ: الحرير على الحال التي يكون عليها عندما تنسجه دودة الحرير. ويعمل منه الإبريسم، وهو معرَّبٌ.
ينظر: "تهذيب اللغة"(8/ 261) و"المعرب"(ص 522) و"القاموس الفقهي"(ص 302).
(5)
بزره بفتح الباء وكسرها: ولد الدود قبل أن يَدُبَّ، أي يجوز بيعه، لأنه ينتفع به في المال، ويحصل منه الدود الذي يستخرج منه الحرير. اهـ من "حاشية ابن قاسم"(4/ 333).
(6)
كوارة النحل -بالضم وتكسر وتشدد الأولى: شيء يتخذ للنحل من القضبان أو الطين ضيق الرأس أو هي عسلها في الشمع "القاموس المحيط": (ص 607).
(7)
"المغني"(6/ 362).
(8)
الزيادة من "المغني"(6/ 362).
يصح بيع كوارة بما فيها من عسل ونحل؛ للجهالة.
ويصح بيع هر وفيل، لأنه يباح نفعه واقتناؤه أشبه البغل، وما يصاد عليه كبومة تجعل شُباشًا (1)، أو يصاد به كديدان وسباع بهائم تصلح لصيد كفهد، وسباع طير تصلح لصيد كباز وصقر، وولدها وبيضها، إلا الكلب، فإنه لا يصح بيعه لأنه لا ينتفع به إلا لحاجة، وكقرد لحفظ، وعَلقٍ (2) لمص دم، ولبن آدمية انفصل منها، لأنه طاهر ينتفع به كلبن الشاة، بخلاف لبن الرجل. ويكره بيعه نصًّا (3)، وكقن مرتدٌ ومريض وجان تحتم قتله.
ولا يصح بيع منذور عتقه نذر تبرر، ولا ميتة ولو طاهرة إلا سمكًا وجرادًا، ولا بيع سرجين (4) نجس بالإجماع (5)، ولا بيع دهن نجس أو متنجس، لأنه لا يطهر أشبه نجس العين، ويجوز أن يستصبح بدهن متنجس في غير مسجد.
وحرم بيع مصحف مطلقًا لما فيه من ابتذاله وترك تعظيمه، ويصح بيعه لمسلم، ولا يصح لكافر وإن ملكه ألزم بإزالة يده عنه لئلا يمتهنه، وقد
(1) قال الخفاجي في "شفاء الغليل"(139): شباش: هو أن يوضع الطائر في الشرك يصاد به طائر آخر. اهـ. وقال في "شرح المنتهى"(2/ 142): أي تخاط عيناها وتربط لينزل عليها الطير. اهـ.
(2)
هو دود أسود في الماء يمصُّ الدَّم. وقد يشرط موضع المحاجم من الإنسان ويرسل عليه العلق حتى يمص دمه. ينظر "لسان العرب"(10/ 267).
(3)
قال أحمد: أكره للمرأة أن تبيع لبنها. "الفروع"(4/ 14) وينظر "الإنصاف"(11/ 38).
(4)
هو: الزَّبْلُ. وقال الأصمعي: لا أدري كيف أقوله، وإنما أقول: روثٌ. "مختار الصحاح"(1/ 371).
(5)
كذا بالأصل. ولعله سقطت كلمة وهي (لأنه) نجسٌ بالإجماع. وعبارة "شرح المنتهى"(2/ 143) ولا بيع سرجين نجسٍ للإجماع على نجاسته. اهـ
ينظر "الشرح الكبير"(11/ 48) و"الفروع"(4/ 8) و"الممتع في شرح المقنع"(3/ 21). والسرجين إذا كان طاهرًا كروثِ حمام صح بيعه. كما في "شرح المنتهى"(2/ 143).
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالمصحف لأرض العدو مخافة أن تناله أيديهم (1)، ولا يكره شراؤه (2) ولا إبداله بمصحف لمسلم ولو مع دراهم من أحدهما، ويجوز نسخه بأجرة، ويجوز شراء كتب الزندقة (3) ونحوها ليتلفها.
ولا يصح شراء خمر ليريقها لأنه لا فائدة فيها، ولا آلة لهو، وترياق (4) فيه لحوم الحيات.
(و) الرابع: (كونه) أي المبيع (مملوكًا لبائعه) ملكًا تامًا ومثله الثمن حتى الأسير بأرض العدو إذا باع ملكه بدار الإسلام أو بدار الحرب نفذ تصرفه فيه لبقاء ملكه عليه (أو) كونه (مأذونًا له فيه) أي البيع من مالكه، أو من الشارع كولي صغير ونحوه، وناظر وقف وقت عقد، ولو ظن المالك أو المأذون له عدمهما (5)، فلا يصح بيع فضولي (6) وكل تصرفه ولو أجيز بَعدُ (7)
(1) أخرجه البخاري في الجهاد باب السفر بالصاحف إلى أرض العدو (4/ 15)، ومسلم في الإمارة باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم (3/ 1490 - 1491) عن ابن عمر.
(2)
على وجه الاستنقاذ له من تبذله "شرح المنتهى"(2/ 143).
(3)
الزنديق: الذي لا يؤمن بالآخرة وأن اللَّه واحد. والمشهور على ألسنة الناس: أن الزنديق الذي لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر. وهذا اللفظ ليس عربيًّا. بل العرب تقول في معناه: ملحد ودهري. ينظر "تهذيب اللغة"(9/ 400) و"العرَّب"(ص 342) و"المصباح المنير"(1/ 349).
(4)
ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، وهو معرب. قال ابن عمر: وما أبالي ما أتيت إن شربتُ ترياقًا. إنما كرهه من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي والخمر. اهـ من "مجمع بحار الأنوار" للفتَّي (1/ 263). وفيه لغات: الدرياق.
ينظر "المعرَّب" للجواليقي (ص 294) و"المصباح المنير"(1/ 102).
(5)
أي الملك أو الإذن في بيعه. "شرح المنتهى"(2/ 143).
(6)
هو: من ليس بمالك ولا وكيل ولا ولي. "التوقيف"(ص 559) و"الكلام على بيع الفضولي" للعلائي (ص 25).
(7)
في الأصل: بعدد. والتصويب من "شرح المنتهى"(2/ 143).
إلا إذا اشتراه في ذمته ونواه لشخص لم يسمه، ثم إن أجازه من اشترى له، ملكه من حين العقد؛ لأنه اشترى لأجله أشبه ما لو كان بإذنه، فتكون منافعه ونماؤه له، وإلا يُجِزْهُ من اشترى له وقع لمشتر ولزمه كما لو لم ينوه لغيره.
ولا يصح بيع ما لا يملكه ولا أُذن له فيه؛ لحديث حكيم بن حزام مرفوعًا: "لا تبع ما ليس عندك"(1) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
ويصح بيع موصوف بصفات سلم لم يعين؛ لقبول ذمته للتصرف إذا قبض المبيع أو قبض ثمنه بمجلس عقد، ولا يصح بلفظ سلف أو سلم، ولو قبض ثمنه بمجلس عقد، لأن السلم لا يصح حالًّا.
ولا يصح بيع أرض موقوفة مما فتح عنوة (2) ولم يقسم كمزارع مصر والشام والعراق، لأنها موقوفة أقرت بأيدي أهلها بالخراج، غير الحيرة -بكسر الحاء- مدينة قرب الكوفة (3)، وغير أُلَّيس - (4) بضم الهمزة وتشديد اللام مفتوحة بعدها ياء ساكنة فسين مهملة- مدينة بالجزيرة، وغير بانقيا (5) -بالموحدة أوله وكسر النون- وغير أرض بني صَلوبا -بفتح الصاد المهملة وضم اللام (6) - لفتح هذه القرى صلحًا (7)، إلا المساكن فيصح بيعها مطلقًا
(1) سنن ابن ماجه التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2/ 737)، والترمذي في البيوع باب كراهية بيع ما ليس عندك (3/ 534)، وقال: حسن.
وأخرجه أيضًا أبو داود في البيوع باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3/ 769)، والنسائي في البيوع باب بيع ما ليس عند البائع (7/ 289).
(2)
أي قهرًا. "المصباح المنير"(2/ 593).
(3)
ينظر: "الروض المعطار" للحميري (ص 207).
(4)
بلدة على صلب الفرات، فتحها خالد بن الوليد. "الروض المعطار"(ص 29).
(5)
أرض بالنجف دون الكوفة. "الروض المعطار"(ص 76).
(6)
من قرى الموصل. "معجم البلدان"(2/ 519).
(7)
روى يحيى بن آدم في (كتاب الخراج)(ص 53، 54) عن عبد البر بن مغفل قال: لا تباع =
ولو مما فتح عنوة، لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر وبنوها وتبايعوها من غير نكير (1)، فكان كإجماع، إلا إذا باعها الإمام لمصلحة أو باعها غيره وحكم به من يرى صحته.
وتصح إجارة الأرض الموقوفة مما فتح عنوة مدة معلومة بأجر معلوم.
ولا يصح بيع رباع مكة وهي المنازل (2)، ولا الحرم، ولا إجارتها، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مكة: "لا تباع رباعها، ولا تكرى بيوتها"(3) رواه الأثرم، وعن مجاهد موقوفًا:"مكة حرام بيع رباعها، حرام إجارتها"(4) رواه سعيد، وروي أنها كانت تدعى السوائب على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (5)، ذكره مسدد في "مسنده".
ولا يصح بيع ماءٍ عِدٍّ (6) -بكسر العين وتشديد الدال- كماء عين،
= أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة فإن لهم عهدًا. وفي لفظ: ليس لأهل السواد عهد إلا أهل الحيرة وأُليس وبانقيا.
(1)
ينظر: "كتاب الخراج" ليحيى بن آدم (ص 107) و"الأموال" لابن زنجويه (2/ 625) و"الخراج" لأبي يوسف (ص 42) و"الشرح الكبير"(11/ 70) و"الاستخراج لأحكام الخراج" لابن رجب (ص 129).
(2)
"مجموع بحار الأنوار"(2/ 284).
(3)
أخرجه الحاكم كتاب البيوع (2/ 53) وفال: صحيح الإسناد. قال الدارقطني في "سننه"(3/ 57): والصحيح أنه موقف اهـ. وقال البيهقي في "سننه"(6/ 35): والصحيح أنه موقوف. والموقوف رواه عبد الرزاق (5/ 148)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 297) بنحوه، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف. وينظر "التحقيق" لابن الجوزي (7/ 139).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في الحج، باب الكراء في الحرم (5/ 147).
(5)
وأخرجه أيضًا ابن ماجه في المناسك باب أجر بيوت مكة (2/ 1037) وقال البيهقي (6/ 35): هذا منقطع.
(6)
ماء عِدّ -بكسر العين-: الماء الذي لا انقطاع له مثل ماء العين. والعِدُّ هو الكثير. "المصباح المنير"(2/ 541) وينظر "لسان العرب"(3/ 282).
ونقع بئر لحديث: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار"(1) رواه أبو عبيد والأثرم. ولا يصح ماء في معدن جار كقار وملح ونفط.
ولا بيع نابت من كلاء وشوك ونحو ذلك ما لم يحزه، لأنه لا يملك إلا بالحوز، فلا يدخل في بيع أرض ومشتريها أحق به، ويحرم دخول لأجل ذلك بغير إذن رب الأرض إن كانت محوطة، وإلا جاز إن لم يحصل بدخوله ضرر.
(و) الخامس: (كونه) أي المبيع وكذا الثمن المعين (مقدورًا على تسليمه)، لأن غير المقدور على تسليمه كالمعدوم، فلا يصح بيع عبد آبق، لحديث النهي عن بيعه (2)، ولا نحو جمل شارد عُلم مكانه أو لا، لحديث مسلم عن أبي هريرة يرفعه "نهى عن بيع الغرر"(3)، وفسره القاضي وجماعة: بما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر (4) ولو لقادر على تحصيلهما، لأنه مجرد توهم لا ينافي تحقق عدمه ولا ظنه، بخلاف ظن القدرة على تحصيل مغصوب.
ولا يصح بيع سمك في ماء، لأنه غرر إلا سمكًا مرئيًا بماء محوز يسهل أخذه منه كحوض، فيصح لأنه معلوم ممكن تسليمه، كما لو كان بطشت، ولا يصح بيع طائر يصعب أخذه ولو ألف الرجوع لأنه غرر.
ولا بيع مغصوب إلا لغاصبه أو القادر على أخذه منه، وله الفسخ إن عجز عن تحصيله من الغاصب بعد البيع؛ إزالة للضرر.
(1) أبو عبيد في الأموال (ص 271)، رأخرجه أيضًا أبو داود في البيوع باب في منع الماء (3/ 750)، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح. ينظر "إرواء الغليل"(6/ 6).
(2)
رواه ابن ماجه في التجارات باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام (2/ 740)، عن أبي سعيد الخدري.
(3)
أخرجه مسلم في البيوع (3/ 1153).
(4)
ينظر: "معونة أولي النهى"(4/ 24).
(و) السادس: (كونه) أي المبيع والثمن المعين (معلومًا لهما) أي المتعاقدين، لأن الجهالة به غرر، وحديث:"من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه"(1) يرويه عمر بن إبراهيم الكردي وهو متروك الحديث (2)، ويحتمل أن معناه إذا أراد شراءه فهو بالخيار بين العقد عليه وتركه (برؤية) مقارنة للعقد يفرق بها المبيع جميعه كوجهي ثوب منقوش، أو برؤية بعض تدل على باقيه، كرؤية أحد وجهي ثوب غير منقوش، وظاهر الصبرة (3) المتساوية ووجه الرقيق، وما في ظروف وأعدال من جنس واحد متساوي الأجزاء لحصول العلم. بالمبيع بذلك.
فلا يصح البيع إن سبقت الرؤية العقد بزمن يتغير فيه المبيع ظاهرًا ولو كان التغير فيه شكًّا بأن مضى زمن يشك في تغيره تغيرًا ظاهرًا، للشك في وجود شرطه، والأصل عدمه، فإن سبقت العقد بزمن لا يتغير فيه عادة تغيرًا ظاهرًا صح البيع، لحصول العلم بالمبيع بتلك الرؤية، ولا حد لذلك الزمن إذ المبيع (4) منه ما يسرع تغيره، وما يتباعد، وما يتوسط، فيتغير كل بحسبه.
ولا يصح البيع إن قال: بعتك هذا البغل فبان فرسًا، ونحو ذلك
(1) أخرجه الدارقطني، كتاب البيوع (3/ 4 - 5) عن ابن سيرين عن أبي هريرة. . . به قال الدارقطني عقبه: عمر بن إبراهيم يقال له الكردي يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح، لم يروها غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين موقوفًا من قوله. اهـ.
وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" كما في "تنقيح التحقيق" 7/ 12 - عن مكحول مرسلًا.
قال الذهبي عقبه: مع إرساله، فابن أبي مريم -أحد رجال السند- ضعيف. اهـ
(2)
عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي الهاشمي، مولاهم. قال الدارقطني: كذاب. "ميزان الاعتدال"(3/ 180).
(3)
الصُّبرة: المجموعة من الطعام، سميت صبرة لإفراغ بعضها عل بعض. "الزاهر"(ص 305) و"مشارق الأنوار"(2/ 48).
(4)
في الأصل: البيع. والمثبت من "شرح المنتهى"(2/ 146).
للجهل بالمبيع، ولا بيع الأنموذج (1) بأن يريه صاعًا ويبيعه الصبرة على أنها مثله، وكرؤية المبيع معرفته بلمس أو شم أو ذوق فيما يعرف بذلك لحصول العلم بحقيقة المبيع، (أو) كونه معلومًا لهما (صفة تكفي في السلم) بأن يذكر ما يختلف به الثمن غالبًا، ويأتي في السلم (2)؛ لقيام ذلك مقام رؤيته في حصول العلم به، فيصح بيع أعمى وشراؤه ما عرفه بلمس أو شم أو بذوق بعد إتيانه بما يعتبر في ذلك، كما يصح توكيله في بيع وشراء مطلقًا.
ثم إن وجد مشتر ما وصف له أو تقدمت رؤيته العقد بزمن لا يتغير فيه المبيع تغيرًا ظاهرًا، متغيرًا فله الفسخ؛ لأن ذلك بمنزلة عيبه، ويحلف مشتر إن اختلفا في نقصه صفة أو تغيره عما كان عليه، لأن الأصل براءته من الثمن، وهو على التراخي فلا يسقط خياره، إلا بما يدل على الرضى من سوم ونحوه، وإن أسقط حقه من الرد فلا أرش (3) له، لأن الصفة لا يعتاض عنها.
ولا يصح بيع حمل ببطن إجماعًا، ذكره ابن المنذر (4)؛ للجهالة به، ولا لبن في ضرع؛ لحديث ابن عباس: نهى أن يباع صوف على ظهر، أو لبن في ضرع، رواه الحلال وابن ماجه (5)، ولا نوى في تمر، كبيض في طير، إلا إذا
(1) الأنموذج ما يدل على صفة الشيء. "المصباح المنير"(2/ 589).
(2)
(ص 722).
(3)
الأرش: جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما يُنْقِصُ العيبُ من قيمة المبيع لو كان سليمًا إلى تمام القيمة. ونص الإمام أحمد على أن الأرش: قسط ما بين قيمة المعيب صحيحًا ومعيبًا من ثمنه. اهـ وسيأتي تعريفه في صلب الكتاب (ص 692) وينظر "شرح منتهى الإرادات"(2/ 177) و"القاموس الفقهي"(ص 20) و"المطلع"(ص 237) و"مجمع بحار الأنوار"(1/ 67).
(4)
في الإجماع ص 102.
(5)
لم أجده في سنن ابن ماجه في مظانه. وأخرجه والدارقطني في "سننه" البيوع (3/ 14)، والبيهقي في البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الصوف على ظهر الغنم (5/ 340) عن ابن =
بيع تبعًا، لأنه يغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال.
ولا يصح بيع عَسْب الفحل -أي ضرابه- لحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا: نهى عن بيع المضامين، والملاقيح (1)، قال أبو عبيد: الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة، والمضامين ما في أصلاب الفحول (2).
ولا يصح بيع مسك في فأر (3) ما لم تفتح ويشاهد؛ لأنه مجهول كلؤلؤ
= عباس مرفوعًا. وقال البيهقي: تفرد برفعه عمر بن فروخ وليس بالقوي، وقد أرسله عنه وكيع، ورواه غيره موقوفًا اهـ. قلت: الموقوف رواه الشافعي كما في ترتيب مسنده (2/ 147)، وأبو داود في المراسيل (ص 168)، والدارقطني (3/ 15) والبيهقي (5/ 340) وقال: هذا هو المحفوظ موقوف. وقال أيضا في "معرفة السنن"(8/ 149): والصحيح موقوف. ينظر "التلخيص الحبير"(3/ 7).
وأخرج مسدد في "مسنده" -كما في المطالب العالية- (2/ 96) أن أبا هريرة سئل من شراء اللبن في ضروع الغنم؟ فقال: لا خير فيه. وينظر: "نصب الراية"(4/ 33، 34).
(1)
أخرجه البزار -كما في كشف الأستار 2/ 87 - وقال: لا نعلم أحدًا رواه هكذا إلا صالح ولم يكن بالحافظ.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 104): وفيه صالح بن أبي الأخضر -وهو ضعيف، ورواه مالك في الموطأ البيوع باب ما لا يجوز من بيع الحيوان (2/ 654)، وعبد الرزاق (8/ 20) عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
ورواه البزار -كما في كشف الأستار 2/ 87 - والطبراني في الكبير (11/ 230) عن ابن عباس مرفوعًا، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 104) وقال: وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وثقه أحمد وضعفه جمهور الأئمة.
قلت: أخرج البخاري في الإجارة، باب عسب الفحل (3/ 54) عن ابن عمر قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عَسْبِ الفحل.
وفي "صحيح مسلم" كتاب المساقاة (3/ 1196) عن جابر: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الفحل.
(2)
غريب الحديث (1/ 207، 208).
(3)
فأرة المِسْك: دويبة تكون بناحية تُبّت يصيدها الصياد فيعصب سرّتها بعصاب شديد، وسرتها مدلاة، فيجتمع فيها دمها، ثم تذبح فإذا سكنت قَوّر السرَّة المعصَّرة، ثم دفنتها في =
في صدف، ولا بيع لِفْتٍ (1) وفجل وجزر قبل قلع نصًّا (2)، ولا ثوب مطوي، قال في "شرح المنتهى" لمصنفه: حيث لم ير منه ما يدل على بقيته (3).
ولا بيع ثوب نسج بعضه على أن ينسج بقيته ولو منشورًا للجهالة، فإن باعه المنسوج وسدى الباقي ولحمته (4)، وشرط على البائع إتمام نسجه صح لزوال الجهالة.
ولا يصح بيع عطاء، وهو قسطه من الديوان قبل قبضه، لأنه مغيب فهو من بيع الغرر، ولا بيع رقعة به لأن المقصود هو دونها، ولا بيع معدن وحجارته قبل حوزه إن كان جاريا، وكذا إن كان جامدًا وجهل، ولا يصح سلف فيه نصًّا (5)، لأنه لا يدرى ما فيه، فهو من بيع الغرر.
ولا يصح بيع ملامسة، كبعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فعليك بكذا، أو على أنك إن لمسته فعليك بكذا. ولا بيع منابذة؛ لحديث أبي سعيد:"نهي عن الملامسة والمنابذة"(6) كقوله: متى نبذت هذا الثوب فلك بكذا، أو أي ثوب نبذته فلك بكذا، ولا بيع الحصاة، كارمها فعلى أي ثوب
= الشعير حتى يستحيل الدم الجامد مسكًا ذكيًا بعدما كان دمًا لا يُرام نتنًا. "تهذيب اللغة": (فأر)(15/ 248).
(1)
بقل زراعي جذري من الفصيلة الصليبية. وهو معروف، ويسمى: السلجم. ينظر: "قاموس الغذاء والتداوي بالنبات" لأحمد قدامة (ص 634) و"المصباح المنير"(2/ 762) و"قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخلي" للمجي (2/ 423).
(2)
"الإنصاف"(11/ 115).
(3)
معونة أولي النهى (4/ 31). وتمام عبارته: فإن الناس لم يزالوا في جميع الأمصار والأعصار يتبايعون الثياب المطوبة ويكتفون بتقليبهم منها ما يدل على بقيتها. اهـ.
(4)
السدي: وزان الخُصى من الثوب: خلاف اللُّحمة، وهو ما يُمد طولًا في النسج والسداة أخص منه "المصباح المنير" 1/ 369. وينظر المعجم الوسيط 1/ 424.
(5)
"شرح المنتهى"(2/ 148).
(6)
البخاري في البيوع باب بيع الملامسة (3/ 25)، ومسلم في البيوع (3/ 1152).
وقعت فهو لك بكذا وكذا، أو بعتك من هذه الأرض بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها، بكذا، لحديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا:"نهى عن بيع الحصاة"(1).
ولا يصح بيع ما لم يعين كعبد من عبيد، وشاة من قطيع، وشجرة من بستان ولو تساوت قيمها، لما فيه من الجهالة والغرر، ولا بيع الجميع إلا غير معيَّن.
ولا يصح بيع شيء بعشرة دراهم ونحوها، إلا ما يساوي درهمًا، لجهالة المستثنى، ويصح بيع شيء بعشرة دراهم مثلًا إلا بقدر درهم، لأنه استثناء للعُشْر، وهو معلوم.
ويصح بيع ما شوهد من حيوان وثياب وإن جَهِلا عَدَدَها، لأن الشرط معرفته لا معرفة عدده.
ويصح بيع أمة حامل بحُرٍّ، لأنها معلومة، وجهالة الحمل لا تضر.
ويصح بيع ما مأكوله في جوفه، كبيض ورمان ونحوه، لدعاء الحاجة إلى بيعه، كذلك. [لفساده إذا أخرج من قشره](2).
ويصح بيع حب مشتد في سنبله ويدخل الساتر تبعًا كنوى التمر، فإن استثنى القشر أو التبن بطل البيع، ويصح بيع تبن بدون حبه قبل تصفيته منه، لأنه معلوم بالمشاهدة.
ويصح بيع قفيز (3) من هذه الصبرة إن تساوت أجزاؤها وزادت عليه، فإن اختلفت أجزاؤها كصبرة بَقَّال (4)، أو لم تزد عليه لم يصح البيع
(1) مسلم في البيوع (3/ 1153)، وينظر لتعريف هذه البيوع:"المطلع"(ص 231) و"القاموس الفقهي"(ص 92، 93).
(2)
ما بين معقوفين سقط من الأصل. والمثبت من "شرح المنتهى"(2/ 148).
(3)
القفيز: مكيال كان يكال به قديمًا، ويختلف مقداره في البلاد، ويعادل بالتقدير المصري الحديث نحو ستة عشر كيلو جرامًا. "المعجم الوسيط"(2/ 751).
(4)
البقال: من يبع الأطعمة، أو من يبيع البقول ونحوها. وقال ابن السمعاني: هو من يبيع =