المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الشفعة - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في الشفعة

‌فصل في الشفعة

بإسكان الفاء، من الشفع، وهو: الزوج، لأن نصيب الشفيع كان منفردًا في ملكه، وبالشفعة يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به (1). وهي شرعًا: استحقاق الشريك انتزاع شقص شريكه ممن انتقل إليه بعوض مالي إن كان المنتقل إليه مثله مسلمًا أو كافرًا (2).

والشفعة ثبتت بالسنة، واتفاق كافة العلماء (3)، لحديث جابر: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق، فلا شفعة (4). متفق عليه. ولا تسقط باحتيال على إسقاطها، لأنها إنما شرعت لدفع الضرر، كأن يظهر المتعاقدان في البيع شيئًا لا يؤخذ بالشفعة معه، ويتواطآن في الباطن على خلافه، كإظهار التواهب، أو زيادة الثمن، ونحوه.

(وتثبت الشفعة) للشريك في الشِّقص (5) المبيع (فورًا) أي ساعة يعلم بالبيع، إن لم يكن عذر، وإلا بطلت، نصًّا (6)، لحديث: "الشفعة كحل

(1)"المطلع"(ص 278) و"طلبة الطلبة"(ص 234).

(2)

"التنقيح المشبع"(ص 175)"الروض المربع"(5/ 426).

(3)

"الشرح الكبير"(15/ 357) و"معونة أولي النهى"(5/ 403).

(4)

البخاري، في البيوع، باب بيع الشريك من شريطه، وباب بيع الأرض والدور والعروض. . . وفي الشفعة (3/ 37، 47) وفي مواضع أخرى. وأخرجه مسلم، في المساقاة، (3/ 1229) بلفظ: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، إن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به.

(5)

الشقص: الطائفة من الشيء، والجمع أشقاص. "المصباح المنير"(1/ 435).

(6)

"معونة أولي النهى"(5/ 418). =

ص: 849

العقال" (1) رواه ابن ماجه، وفي لفظ: "الشفعة كنشطة العقال إن قيدت ثبتت وإن تركت فاللوم على من تركها" فإن أخر طلب الشفعة لشدة جوع، أو عطش، حتى يأكل أو يشرب، أو لطهارة، أو لإغلاق باب، أو ليخرج من حمام، أو ليؤذن ويقيم، أو ليشهد الصلاة في جماعة يخاف فوتها، أو من علم ليلًا حتى يصبح، مع غيبة مشتر في جميع هذه الصور، أو لصلاة وسننها ولو مع حضوره، لم تسقط، لأن العادة تقديم هذه الحوائج ونحوها على غيرها، أو أخر الطلب جهلًا بأن التأخير مسقط للشفعة، ومثله يجهله، لم تسقط، بخلاف ما لو تركها جهلًا باستحقاقه لها، أو نسيانًا للطلب، أو البيع، فإن لم يكن مثله يجهله، سقطت شفعته، وإن أشهد بطلبه غائب، أو محبوس، أو مريض، لم تسقط، فإن لم يشهد سقطت، أو سار في طلبها بلا إشهاد سقطت -أيضًا-.

وإنما تثبت الشفعة (لمسلم) فلا شفعة لكافر على مسلم، بخلاف عكسها، كما تقدم (2)(تام الملك) فلا تثبت الشفعة لمالك بملك غير تام،

= قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في "الفتاوى"(ص 438): ذكر الأصحاب من شروط الشفعة أن يطالب بها على الفور. والصحيح أن حق الشفعة كسائر الحقوق، لا يسقط إلا بما يدل على السقوط. اهـ

(1)

ابن ماجه، الشفعة، باب طلب الشفعة (2/ 835)، وفي سنده محمد بن الحارث بن زياد الحارثي، عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني.

قال ابن عدي في "الكامل"(6/ 2189) وكل ما روي عن ابن البيلماني، فالبلاء فيه من ابن البيلماني، وإذا روى عن ابن البيلماني محمد بن الحارث، فجميعًا ضعيفان، محمد بن الحارث، وابن البيلماني، والضعف على حديثهما بين.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 479): عن أبي زرعة: هذا حديث منكر. اهـ وقال البيهقي (6/ 108): منكر. اهـ وقال ابن حجر في التلخيص (3/ 65): إسناده ضعيف جدًا.

وأما اللفظ الثاني فلم أجد من خرجه، وذكره ابن حجر في التلخيص، وقال: ذكره القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، والماوردي، هكذا بلا إسناد. . . إلخ

(2)

في الصفحة السابقة.

ص: 850

كشركة وقف، ولو على معين، فلا يأخذ موقوف عليه بالشفعة، لقصور ملكه عليه، فتثبت له (في حصة شريكه المنتقلة) عنه (لغيره، بعوض مالي) إما بالبيع، أو ما في معناه، كما تقدم (1) (بما استقر عليه العقد) متعلق وما قبله بتثبت فخرج بقوله: في حصة شريكه: الجار، والموصى له بنفع دار، إذا باعها، أو بعضها وارث، لأن الموصى له ليس بمالك لشيء من الدار، وقولة: بعوضٍ، مخرج للموروث والموصى به، والموهوب بلا عوض، ونحوه، وقوله: مالي مخرج للمجعول عوضًا عن مهر، أو خلع، أو دم عمد صلحًا، ونحوه، وقوله: بما استقر عليه العقد: أي عقد البيع أو ما في معناه، لحديث جابر مرفوعًا:"هو أحق به بالثمن"(2). رواه الجوزجاني (3) في "المترجم"، ولأن الشفيع إنما استحق الشقص بالبيع، فكان مستحقًّا له بالثمن كالمشتري، ويدفع لمشتر مثل ثمن مثلي، وقيمة ثمن متقوم، فإن تعذر مثل مثلي فقيمته، أو تعذرت معرفة المتقوم، فقيمة شقص مشفوع، وإن جهل الثمن كصبرة تلفت، أو اختلطت بما لا تتميز منه، ولم يكن ثمَّ حيلة على إسقاطها، سقطت، لأنها لا تستحق بغير بدل، فإن اتهمه شفيع أنه فعله حيلة حلفه.

(وشُرط) لثبوت الشفعة (تقدُّم مِلك شفيع) لجزء من رقبة ما منه الشقص المبيع، بأن يملكه قبل البيع، لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن

(1)(ص 849).

(2)

وأخرجه أيضًا أحمد (3/ 310، 382) بلفظ: "أيما قوم كانت بينهم رباعة أو دار فأراد أحدهم أن يبيع نصيبه فليعرضه على شركائه فإن أخذوه فهم أحق به بالثمن" قال في "الإرواء"(5/ 374): ضعيف بهذا اللفظ. اهـ

(3)

هو: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني. صاحب كتاب "أحوال الرجال" -مطبوع- كان أحمد يكاتبه ويكرمه إكرامًا شديدًا. توفي بدمشق يوم الجمعة، أول ذي القعدة، سنة (259 هـ) أو (256 هـ).

"طبقات الحنابلة"(1/ 98، 99) و"تهذيب الكمال"(2/ 244).

ص: 851

الشريك، فإذا لم يكن له ملك سابق، فلا ضرر عليه.

(و) شرط (كون شقص) مبيع (مشاعًا) أي غير مفرز (من أرض تحب قسمتها) إخبارًا بطلب من له فيها جزء، لحديث جابر مرفوعًا:"الشفعة فيما لم ينقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"(1) رواه الشافعي -رحمه اللَّه تعالى- ولحديثه -أيضًا-: "إنما جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"(2) رواه أبو داود.

(ويدخل غراس وبناء) في الشفعة (تبعًا) لأرض، لحديث قضائه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مشترك لم يقسم ربعة أو حائطًا (3)، وهذا يدخل فيه البناء والأشجار، و (لا) تدخل (ثمرة) ظاهرة (و) لا (زرع) في شفعة، لا تبعًا، ولا مفردًا، لأنه لا يدخل في البيع تبعًا، فلا يدخل في الشفعة، كقماش لدار.

(و) شرط (أخذ جميع) شقص (مبيع) دفعًا لضرر المشتري، بتبعيض الصفقة في حقه، بأخذ بعض المبيع (فإن أراد) الشريك (أخذ البعض) من المبيع، مع بقاء الكل، سقطت شفعته، وإن تلف بعضه، كانهدام بيت من دار بيع بعضها بأمر سماوي، أو بفعل آدمي مشتر، أو غيره، أخذ الشفيع باقيه إن شاء بحصته من ثمنه، فلو اشترى شقصًا من دار بألف تساوي ألفين، فباع بابها، أو هدمها، فبقيت بألف، أخذها الشفيع بخمسمائة بالحصة من الثمن نصًّا (4) (أو) إن (عجز عن بعض الثمن) أو عجز عنه كله (بعد إنظاره ثلاثًا) إن طلب الإنظار سقطت شفعته (أو قال لمشتر: بعني) ما اشتريت (أو صالحني) عليه، وأكرنيه، أو هَبْهُ لي، أو اشتريت رخيصًا،

(1) ترتيب مسند الشافعي (2/ 165) وأخرجه -أيضًا- البخاري كما تقدم تخريجه (ص 849).

(2)

أبو داود، في البيوع، باب في الشفعة (3/ 784) عن جابر.

(3)

تقدم (ص 849).

(4)

"معونة أولي النهى"(5/ 434).

ص: 852

سقطت شفعته، لأن هذا وشبهه دليل رضاه بشرائه، وتركه للشفعة (أو أخبره) إنسان (عدل) بالبيع (فكذبه) أي كذب مخبرًا له ولو واحدًا، لأنه خبر عدل يجب قبوله في الرواية والفتيا والأخبار الدينية، أشبه ما لو أخبره أكثر من عدل (ونحوه) أي نحو ما تقدم، مما يدل على رضاه بشرائه (سقطت) شفعته.

(فإن عفا بعضهم) أي الشركاء وترك شفعته، سقطت و (أخذ باقيهم الكلَّ، أو تركه) قال ابن المنذر: أجمع كل من احفظ عنه من أهل العلم على هذا (1)، لأن في أخذ البعض إضرارًا بالمشتري، بتبعيض الصفقة عليه، والضرر لا يزال بالضرر، وكما لو كان بعضهم غائبًا، فإنه ليس للحاضر إلا أخذ الكل أو تركه، فإن أخذه، فلصاحبه الخيار إذا حضر بين أخذ قدر سهمه من الشفعة وبين الترك، فإن امتنع من حضر من الشركاء من الشفعة حتى يحضر صاحبه، بطل حقه من الشفعة، لأن في تأخيره إضرارًا بالمشتري.

(وإن مات شفيع قبل طلب) مع قدرة، أو إشهاد مع عذر (بطلت) أي سقطت شفعته، لأنه نوع خيار، شرع للتمليك، أشبه الإيجاب قبل القبول، ولأنه لا يُعلم بقاؤه على الشفعة، لاحتمال رغبته عنها، ولا ينتقل إلى الورثة ما يشك في ثبوته (وإن كان الثمن مؤجلًا أُخذ) شفيع (مليء) أي قادر على الوفاء (به) أي بالثمن المؤجل (وغيره) أي غير الملئ، يأخذه (بكفيل ملئ) نصًّا (2)، لأنه تابع للمشتري في الثمن وصفته، والتأجيل من صفاته، ويعتد في قدر ثمن بما زيد فيه أو حط منه زمن خيار، لأنه كحالة العقد.

(ولو أقر بائع بالبيع، وأنكر مشتر) الشراء (ثبتت) الشفعة، لثبوت موجبها.

(1)"الإجماع"(ص 136).

(2)

"معونة أولي النهى"(5/ 458).

ص: 853