الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الوكالة
بفتح الواو وكسرها، اسم مصدر بمعنى التوكيل. وهي لغة: التفويض، تقول: وكلت أمري إلى اللَّه -أي: فوضته إليه واكتفيت به- وتطلق -أيضًا- بمعنى الحفظ ومنه: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} (1) أي: الحفيظ. (2) وهي شرعًا: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة (3).
(وتصح الوكالة) مطلقة، ومنجزة، ومؤقتة، كأنتَ وكيلي شهرًا أو سنة، وتصح معلقة، نصًّا (4)، كقوله: إذا قدم زيد فبع هذا، أو إذا دخل رمضان فافعل كذا، هاذا طلب أهلي منك شيئًا فادععه لهم ونحوه، وتصح (بكل قول) أو فعل (يدل على إذن) نصًّا (5)، كبع عبدي فلانًا، أو اعتقه، ونحوه، أو فوضت إليك أمره، أو جعلتك نائبًا عني في كذا، أو أقمتك مقامي، لأنه لفظ دل على الإذن فصح، كلفظها الصريح. قال في "الفروع" (6): ودل كلام القاضي على انعقادها بفعلٍ دالٍّ كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط، وهو أظهر، كالقبول.
(1) سورة آل عمران، الآية:173.
(2)
قال ابن فارس: الواو والكاف واللام: أصل صحيح يدل على اعتماد غيرك في أمرك. . . قال: وسمي الوكيل: لأنه يول إليه الأمر. اهـ من "معجم مقاييس اللغة"(6/ 136) ونحوه قال في "حلية الفقهاء"(ص 143): الوكالة: أن يكل المرء أمره إلى غيره ممن ياقوم مقامه. . . اهـ
ينظر: "الزاهر"(ص 332) و"الدر النقي"(3/ 513).
(3)
"المستوعب"(2/ 275)"التنقيح المشبع"(ص 154) و"معرفة أولي النهى"(4/ 601).
(4)
"الفروع"(4/ 340).
(5)
"الإنصاف"(13/ 437).
(6)
"الفروع"(4/ 340).
(و) يصح (قبولُها) أي الوكالة (بكل قول أو فعل يدل (1) عليه)، لأن وكلاءه صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أوامره، ولأنه أذن في التصرف، فجاز قبوله بالفعل، كأكل الطعام، ولو كان القبول متراخيًا عن الإذن، فلو بلغه أن زيدًا وكله في بيع عبده منذ سنة، فقبل، أو باعه من غير قولٍ؛ صح لأن الإذن قائم، ما لم يرجع عنه.
(وشُرط كونهما) أي: الموكل والوكيل (جائزي التصرف) لأن غير جائز التصرف ممنوع من التصرف لنفسه، فلا يصح منه أن يتوكل لغيره، ولا أن يوكله (ومن) يصح (له تصرف في شيء فله توكل) فيه (وتوكيل فيه) لأن النائب فرع عن المستنيب سوى أعمى، ونحوه، كمن يريد شراء عقار لم يره، إذا وكل عالمًا بالمبيع فيما يحتاج لرؤية، كجوهر، وعقار، فيصح، وإن لم يصح منه ذلك بنفسه، لأن منعهما التصرف في ذلك لعجزهما عن العلم بالمبيع، لا لمعنى فيهما يقتضي منع التوكيل.
فلا يصح أن يوجب نكاحًا عن غيره، مَنْ لا يصح منه إيجابه لموليته، لنحو فسق، لأنه إذا لم يجز أن يتولاه أصالة، لم يجز بالنيابة، كالمرأة، ولا يصح أن يقبله لغيره، من لا يصح منه قبوله لنفسه، ككافر يتوكل في قبول نكاح مسلم لمسلمة، سوى قبول نكاح أخته ونحوها لأجنبي تحل له، وسوى قبول حر واجد الطَوْلَ (2) نكاح أمة لمن تباح له، وسوى توكل غني في قبض زكاة لفقير، وسوى طلاق امرأة نفسها وغيرها بوكالة؛ فيصح، لأنها إذا ملكت طلاق نفسها بجعله لها، ملكت طلاق غيرها بالوكالة.
ولا تصح وكالة في بيع ما سيملكه، أو في طلاق من يتزوجها، لأن الموكل لا يملكه حين التوكيل، ويصح: إن ملكت فلانًا فقد وكلتك في عتقه، لأنه يصح تعليقه على ملكه، بخلاف: إن تزوجت فلانة فقد وكلتك في طلاقها.
(1) في "أخصر المختصرات"(ص 181): دالٍّ.
(2)
الطول: القدرة، والغنى والسعة. "القاموس"(ص 1328).
ولو قال من ادَّعى عليه وكيل غائب، عن دين ثابت: موكلك أخذَ حقه، لم يقبل قوله إلا ببينة، لأنه مقرٌّ، مدع الوفاء، ولا يؤخر الطلب حتى يحضر الموكل، ليحلف أنه لم يأخذه منه، لأنه وسيلة لتأخير حق متيقن لمشكوك فيه، أشبه ما لو ذكر المدَّعى عليه أن له بينة غائبة عن البلد بالوفاء، فلا يؤخر الحق لحضورها.
(وتصح) الوكالة (في كل حق آدمي) متعلق بمالٍ وما يجري مجراه، من عقدٍ كبيع، وهبة، وإجارة، ونكاح، وفسْخٍ لنحو بيع، وطلاق، ورجعة، وتملك مباح، وصلح، وإقرار، وعتق، وإبرار، ولو لأنفسهما إن عيِّنا (1).
و(لا) تصح وكالة في (ظهار) لأنه قول منكر وزور محرم أشبه بقية المعاصي (و) لا (لعان وأيمان) ونذر، وإيلاء، وقسامة، لتعلقها بعين الحالف والناذر، فلا تدخلها النيابة، كالعبادات، ولا في قسم لزوجات، ولا في شهادة، ولا في التقاط، ولا في دفع جزية، ولا في معصية، ولا في رضاع.
وتصح في بيع ماله كله أو ما شاء منه، وتصح في المطالبة بحقوقه كلها أو ما شاء منها، وفي الإبراء منها أو ما شاء منها. ولا تصح في عقد فاسد، أو في كل قليل وكثير، لأنه يدخل فيه كل شيء من هبة ماله، وطلاق نسائه، وغير ذلك، فيعظم الغرر والضرر.
(و) تصح الوكالة (في كل حق للَّه تعالى تدخله النيابة) من إثبات حد واستيفائه، لحديث:"واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها". فاعترفت، فأمر بها، فرجمت (2)، متفق عليه. ومِنْ عبادة تتعلق بالمال،
(1) قوله (ولو لأنفسهما إن عُيِّنا) أي نفس المعتق، والمبرأ. فيملكان ذلك بالوكالة الخاصة، لا بالوكالة العامة. فلو وكَّل عبده، أو غريمه، أم امرأته في عتق عبيده، إو إبراء غرمائه، أو طلاق نسائه، انصرف إلى غير المخاطب.
"حاشية عثمان بن قائد على المنتهى"(2/ 320) وينظر: "معونة أولي النهى"(4/ 612، 613) و"شرح المنتهى"(2/ 302).
(2)
البخاري، في الوكالة، باب الوكالة في الحدود (3/ 65) وفي مواضع أخرى، ومسلم في =
كتفرقة صدقة ونذر وزكاة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها (1)، وحديث معاذ (2) يشهد به. ويصح قوله: أخرج زكاة مالي من كالك، لأنه اقتراض من مال وكيل، وتوكيل له في إخراجه.
وتصح وكالة في فعل حج وعمرة، فيستنيب من يفعلهما عنه مطلقًا في النفل، ومع العجز في الفرض، على ما سبق في الحج (3)، وتدخل ركعتا طواف تبعًا. ولا تصح وكالة في عبادة بدنية محضة، كصلاة، وصوم، وطهارة من حدث، لتعلقها ببدن من هي عليه.
ولوكيل توكيل فيما يعجز عنه لكثرته، ولو في جميعه، لدلالة الحال على الإذن فيه، وفي ما لا يتولى مثله بنفسه، كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المترفعين عنها عادة، لأن الإذن إنما ينصرف لما جرت به العادة، ولا يصح أن يوكل وكيل فيما يتولى مثله بنفسه ويقدر عليه، لأنه لم يؤذن له في التوكيل، ولا تضمنه الإذن له، فلم يجز كما لو نهاه، إلا بإذن موكل فيجوز، لأنه عقد أذن له فيه، أشبه سائر العقود، قال في "الفروع" (4): ولعل ظاهر ما سبق: يستنيب نائب في اهج لمرض، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، -رحمهما اللَّه تعالى (5) -.
= الحدود (3/ 1325) عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني.
(1)
من ذلك بعثه صلى الله عليه وسلم لابن اللتبيَّة، أخرجه البخاري، الأحكام، باب هدايا العمال (8/ 114) ومسلم، الإمارة (3/ 1463).
(2)
هو ما أخرجه البخاري في أول الزكاة (2/ 108)، ومسلما في الإيمان (1/ 50)، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن. . . وفيه:"فأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم".
(3)
(ص 522).
(4)
"الفروع"(4/ 347، 348).
(5)
الوكيل إذا وكّل غيره دون إذن ففي المذهب روايتان معروفتان، إلا فيما اقتضته دلالة الحال، مثل أن يكون العمك لا يباشره مثله أو يعجز عنه لكثرته، فله الاستنابة بغير خلاف، =
ويتعين على وكيل حيث جاز له: أن يوكل أمين، فلا يجوز له استنابة غيره (1) إلا مع تعيين موكل، وإن وكل أمينًا فخان، فعليه عزله، لأن إبقاءه تفريط وتضييع. وكذا وصي له أن يوكل، وحاكم له أن يستنيب.
= لكن هل له الاستنابة في الجميع، أو في القدر المعجوز عنه خاصة؟
على وجهين، الأول اختيار صاحب "المغني" والثاني: قول القاضي وابن عقيل. اهـ من "القواعد" لابن رجب (2/ 24).
ومذهب الحنفية أن لا يوكل الوكيل إلا بإذن، واستثنوا بعض الصور منها: دفع الزكاة، وقبض الدين إذا وكل من في عياله.
ومذهب المالكية -أيضًا- أنه لا يوكل الوكيل إلا بإذن، غير أنهم استثنوا: أن يكون وكيلًا بها. واستثنوا -أيضًا- ما إذا وكل على ما لا يستطيع أن يقوم به منفردًا، فيوكل من يساعده في العمل، لا من يستقل بالعمل وحده.
ومذهب الشافعية: ليس لوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وُكِّل فيه. وإن لم يتأت لكونه لا يحسن أو لا يليق به فله التوكيل. ولو كثر وعجز عن الإتيان به فالمذهب أنه يوكل فيما زاد على الممكن.
هذا مجمل مذاهب الفقهاء، وفي هذه المسألة، ولهم تفاصيل كثيرة فيها، وليس هذا موضع بسط لها.
واحتج من منع: بأنه لم يأذن له بالتوكيل ولا تضمنه إذنه، فلم يجز، كما لو نهاه، ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه، فلم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه، كالوديعة.
واحتج من أجاز إذا مرض أو غاب -كالرواية الثانية عن الإمام أحمد- وهو قول ابن أبي ليلى: أن الوكيل له أن يتصرف بنفسه، فملكه بنائبه، كالمالك.
قال في "المغني": والأول أولى. ولا يشبه الوكيل المالك، فإن المالك يتصرف في ملكه كيف يشاء، بخلاف الوكيل. اهـ وهذا هو الصواب -إن شاء اللَّه تعالى-.
ينظر: "رد المحتار"(8/ 265، 266) و"تحفة الفقهاء"(2/ 387) و"مواهب الجليل"(7/ 191) و"التاج والإكليل"(7/ 191) و"روضة الطالبين"(4/ 313) و"مغني المحتاج"(2/ 226) و"المغني"(7/ 207 - 209) و"الشرح الكبير"(13/ 455) و"الفقه الإسلامي وأدلته"(5/ 99) و"الوكالة" لطالب قائد (ص 259).
(1)
أي الأمين. "شرح المنتهى"(2/ 304).
وقول موكل لوكيله: وكل عنك. يصح، فإن فعل فالوكيل وكيل
وكيله، ينعزل بموت الأول، وعزله. ووكل عني، أو وكلَ ويطلقُ، فوَكَّلَ، فهو وكيل موكله، فلا ينعزل بموت الوكيل الأول، ولا بعزله، فلا يملك الأول عزله، لأنه ليس وكيله، وإن مات الموكل، أو جُنَّ، ونحوه، انعزلا، سواء كان أحدهما فرع الآخر، أو لا.
ولا يوصي وكيل مطلقًا، ولا يعقد مع فقير، أو قاطع طريق، إلا بإذن موكل، لأنه تغرير بالمال، ولا يبيع نَسَاء إلا بإذن، فإن فعل لم يصح، لأن الإطلاق ينصرف إلى الحلول، ولا يبيع بغير نقد، فإن فعل لم يصح، ولا بغير نقد البلد، أو غالبه إن جَمَعَ (1) نقودًا، أو الأصلح إن تساوت رواجًا، إلا إن عينه موكل، لأن إطلاق الوكالة إنما يملك به الوكيل فعل الأحظ لموكله.
وإن وكل عبد غيره في بيع أو شراء، ونحوه من عقود المعاوضات، ولو في شراء نفسه من سيده، صح ذلك إن أذن فيه سيده، وإن لم يأذن له لم يصح، للحجر عليه فيمالا يملكه العبد. وعلم منه صحة توكيله فيما يملكه بلا إذن سيده، كطلاق، ورجعة، وصدقة بنحو رغيف.
(وهي) أي الوكالة (وشركة، ومضاربة، ومساقاة، ومزارعة، ووديعة، وجعالة ومسابقة، وعارية، (عقود جائزة) من الطرفين (لكلٍّ) من المتعاقدين (فسخها) أي هذه العقود، وتبطل بموت وجنون مُطبق، لكن لو وكل ولي يتيم، أو ناظر وقف، ثم مات؛ لم يبطل بموته، لأنه متصرف على غيره.
وتبطل وكالة بسكر يفسق به (2) فيما ينافيه (3)، كإيجاب نكاح ونحوه، وبفلس موكل فيما حجر عليه فيه، وبردته (ولا يصح بلا إذن) موكل (بيع
(1) أي البلد. "شرح المنتهى"(2/ 305).
(2)
بخلاف ما أُكره عليه فإنه لا يفسق به. "شرح المنتهى"(2/ 306).
(3)
أي الفسق. "شرح المنتهى"(2/ 306).
وكيل لنفسه) بأن يشتري ما وكل في بيعه من نفسه لنفسه (ولا) يصح (شراؤه منها) أي من نفسه (لموكله) بأن وُكل في شراء شيء، فاشتراه من نفسه لموكله، لأنه خلاف العرف في ذلك، وللحوق التهمة له بذلك، وإن أذن له في ذلك؛ صح.
ويتولى طرفي العقد فيهما، كأب الصغير ونحوه، إذا باع من ماله لولده، أو اشترى منه له (وولده) أي الوكيل (ووالده ومكاتبه) ونحوهم ممن ترد شهادته له، كزوجته، وابن بنته وأبي أمه (كنفسه) فلا يجوز للوكيل البيع لأحدهم، ولا الشراء منه مع الإطلاق، لأنه يتهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن، كتهمته في حق نفسمه، بخلاف نحو أخيه وعمه، وكذا حاكم، وأمينه، ووصي، وناظر وقف، ومضارب، قال المنقح: وشريك عنان، ووجوهٍ (1). فلا يبيع أحد منهم لنفسه وولده ووالده ونحوه، ولا يشتري من نفسه ولا من ولده ووالده، لما تقدم.
(وإن باع) وكيل في بيع، أو باع مضارب (بدون ثمن مثل) أو بدون ما قدر له (أو اشترى بأكثر منه) أي ثمن المثل أو بأكثر مما قدر له (صح) البيع أو الشراء، لأن من صح بيعه وشراؤه بثيت، صح منه بأزيد (وضمن) وكيل، وكذا مضارب (زيادةً) عن ثمن مثل، (أو) عن مقدر في شرائه، وضمنا (نقصًا) في بيع عن ثمن مثل أو عن مقدر، ولا يضمنان ما يتغابن به عادة، كالدرهم في عشرة فيما لم يقدر، لعسر التحرز منه، ويضمنان جميع النقص فيما قدر، وفيما لا يتغابن به عادة، كاثنين في عشرة، لأنه تفريص بترك الاحتياط، وطلب الأحظ. وفي بقاء العقد، وتضمين المفرط جَمْعُ ما بين المصالح.
ولا يضمن قن أذن له سيده في بيع وشراء، فباع بأنقص، أو اشترى
(1) لم أجدها في المطبوع من "التنقيح المشبع"(ص 155) وقد نقلها عنه الشويكي في "التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح"(2/ 703).
بأزيد لسيده، كما لو أتلف ماله، ولا يضمن صغير أذِنَ له وليه في التجارة، فباع بأنقص، أو اشترى بأزيد لمسه، كما لو أتلف مال نفسه، وإن باع وكيل أو مضارب بأزيد مما قدر لهما، أو من ثمن المثل، أو اشتريا بأنقص، صح، لوقوعه بالمأذون فيه وزيادة تنفع ولا تضر.
(ووكيل) في بيع (مبيع يسلمه) أي: يملك تسليمه لمشتريه (ولا) يملك أن (يقبض ثمنه) لأنه قد يوكل في البيع من لا يؤمن على قبض الثمن. وكذا الوكيل في النكاح لا يملك قبض المهر (إلا بقرينة) تدل على ذلك، كأن كان عرف البلد قبض الوكيل لثمن ما باعه، فيقبضه (ويسلِّم وكيل الشراء الثمن) وإن أخره بلا عذرٍ، فتلف، ضمنه.
(ووكيل) في (خصومة لا يقبض) أي لا يكون وكيلًا في القبض، لأن الإذن لم يتناوله نطقًا، ولا عرفًا، وقد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض، وليس لوكيل خصومة إقرار على موكله مطلقًا، نصًّا (1)، كإقراره عليه بقود وقذف، وكالولي (و) وكيل في (قبض) دَين أو عين (يخاصِم) لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالإثبات، فالإذن فيه إذن فيه عرفًا.
(والوكيل أمين لا يضمن) ما تلف بيده (إلا بتعد أو تفريط) لأنه نائب الموكِّل في اليد والتصرف، فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك، وسواء كات متبرعًا أو بجُعْلٍ، فإن فرَّط أو تعدى ضمن (ويُقبل قوله) أي الوكيل (في نفيهما) أي التعدي والتفريط، بيمينه، لأنه أمين، ولا يكلَّفُ بينةً، لأنه مما تتعذر إقامة البينة عليه، ولئلا يمتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها، ويقبل إقراره على موكله في كل ما وكل فيه، من بيع وغيره، ولو نكاحًا، لأنه يملك التصرف فيه، فقبل قوله فيه كولي المجبرة.
(و) يُقبل قول وكيل في (هلاك) عين، أو ثمنها، إذا قبضه، وقال موكله: لم يتلف (بيمينه) لأنه أمين، ولو كان بجعل (كـ) ما يقبل (دعوى)
(1)"الفروع"(4/ 349).
وكيل (متبرع ردَّ العين أو) رد (ثمنها) لموكل، لأنه قبض العين لنفع مالكها لا غير، كالمودع، لا وكيل بجُعْلٍ فلا يقبل قوله في الردّ، لأن في قبضه نفعًا لنفسه، أشبه المستعير و (لا) يقبل قوله في ردها (لورثته) أي الموكل لأنهم لم يأمنوه، ولا في ردها إلى غير من ائتمن، ولو بإذن الموكل، كأن أذن له في دفع دينار لزيد قرضًا، فقال الوكيل: دفعته له، وأنكره زيد فلا يقبل في الكل (إلا ببينة).
ولا يقبل قول ورثة وكيل في دفع لموكل، لأنه لم يأتمنهم، ولا يقبل قول أجير مشترك كصبّاغ، وصائغ، وخياط، في رد العين. وظاهره: أنه يقبل قول أجير خاص، وأطلق في "الإقناع"(1) أنه لا يقبل قول أجير في الرد، ولا قول مستأجر نحو دابة في ردها، ولا مضارب، ومرتهن، وكل من قبض العين لحظ نفسه كالمستعير. ودعوى الكل تلفًا بحادث ظاهر، كحريق، ونهب، ونحوهما، لم يقبل، إلا ببينة تشهد بالحادث الظاهر؛ لعدم خفائه.
وإن قال وكيل لموكله: أذنت لي في البيع نَسَاء، أو بغير ناقد البلد، أو بعرض، وأنكره موكل، فقول وكيل. أو اختلفا في صفة الإذن، بأن قال: وكلتني في شرائه بعشرة، فقال الموكل: بل بخمسة، أو وكلتني في شراء عبد، قال: بل أمة، أو أنْ أبيعه من زيد، قال: بل من عمرو، أو قال موكل: أمرتك ببيعه نسيئة برهن أو ضامن، وأنكره وكيل، ولا بينة، فالقول قول وكيل بيمينه، لأنه أمين.
وإن باع الوكيل السلعة وقال للموكل: بذلك أمرتني، فقال: بل أمرتك برهنها، صُدِّق ربها، فاتت أو لم تفت، لأن الاختلاف هنا في جنس التصرف، وإن اختلفا في أصل الوكالة، فقول منكر، لأن الأصل عدم الوكالة، ويصح: بع ثوبي هذا بكذا، فما زاد عنه فلك، نصًّا (2).
(1)(2/ 436).
(2)
"شرح منتهى الإرادات"(2/ 317).
ومن عليه حق من دين أو عين، فادّعى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه، أو أنه أحيل به عليه، فصدقه، لم يلزمه دفع إليه، لأنه لا يبرأ به، لجواز إنكار رب الحق، أو ظهوره حيًا في الوصية، وإن كذبه لم يستحلف، لعدم الفائدة، إذ لا يقضى عليه بالنكول، وإن دفعه للمدعي ذلك، فأنكر صاحب الحق الوكالة، أو الحوالة، حلف أنه لم يوكله، ولا أحاله، لاحتمال صدق المدعي، ورجع رب الحق على دافع وحده، إن كان المدفوع دينًا، لعدم براءته بدفعه لغير ربه، أو وكيله، والأن الذي أخذه مُدّعِي الوكالة، أو الحوالة، عين مال الدافع في زعم رب الحق، فتعين رجوعه على الدافع، فإن نكل لم يرجع بشيء.
وفي مسألة الوصية يرجع بظهوره حيًا، ويرجع دافع على مُدّعٍ لوكالة، أو حوالة، أو وصية، بما دفعه مع بقائه، لأنه عين ماله، أو يرجع ببدله مع تلف بتعديه، أو تفريطه، لأنه بمنزلة الغاصب، فإن تلف بيد مدعي الوكالة بلا تعد، ولا تفريط، لم يضمنه، ولم يرجع عليه دافع بشيء، لأنه مقر بأنه أمين، حيث صدقه في دعواه الوصية، أو الوكالة.
وأما دعوى حوالة فيرجع دافع على قابض مطلقًا.
وإن كان المدفوع لمدعي وكالة أو وصية عينًا، كوديعة ونحوها، ووجدها ربها بيد الغاصب أو غيره، أخذها، وإلا يجدها، ضمَّن أيهما شاء، لأن القابض قبض ما لا يستحقه، والدافع تعدى بالدفع إلى من لا يستحقه، فتوجهت المطالبة على كلٍّ منهما.
ويرجع دافع لم يصدق على مدفوع إليه مطلقًا، سواء كان دَينًا أو عينًا، بقي أو تلف، لأنه لم يقر بوكالة، ولم تثبت ببينة، ومجرد التسليم ليس تصديقًا.