المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الإجارة - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في الإجارة

‌فصل في الإجارة

من الأجر وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرًا، لأنه تعالى يعوض العبد على الطاعة، أو صبره عن المعصية (1)، وهي ثابتة بالإجماع (2)، وسنده من الكتاب قوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3)، ومن السنة حديث عائشة في خبر الهجرة، قالت:"واستأجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدَّيْل (4) هاديًا خِرِّيتًا". والخريت: الماهر بالدلالة (5). رواه البخاري (6).

والحاجة داعية إليها.

(1)"الدر النقي"(3/ 533) و"شرح المنتهى"(2/ 350).

(2)

"المغني"(8/ 6) وفيه: وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة، إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال: لا يجوز ذلك، لأنه غرر، يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق. وهذا غلط، لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار وسار في الأمصار. . اهـ

وينظر: "الإجماع" لابن النذر (ص 144).

(3)

سورة الطلاق، الآية:6.

(4)

جاء في "صحيح البخاري" كتاب المناقب، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (4/ 261):(من بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي) قال في "الفتح"(7/ 237): أي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنابة. ويقال: من بني عدي بن خزاعة. وقع في سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام اسمه: عبد اللَّه بن أرقدة. وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق: ابن ارتعد. . اهـ

(5)

الذي في البخاري: (الخِرِّيتُ: الماهر بالهداية). قال الحافظ في "الفتح"(7/ 238): هو مدرج في الخبر من كلام الزهري، بينه ابن سعد. اهـ

ينظر: "تهذيب اللغة" في تفسير: الخريت (7/ 295).

(6)

البخاري، في الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة. . . (3/ 48).

ص: 808

وهي لغة: المجازاة (1). وشرعًا: عقد على منفعة مباحة معلومة، تؤخذ شيئًا فشيئًا (2).

(وتصح الإجارة بثلاثة شروط):

أحدها: (معرفة منفعة) لأنها المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالبيع: إما بعرف كسكنى دار شهرًا، وخدمة آدمي سنة، فلا تحتاج إلى ضبط، كالسكنى فيخدمه نهارًا، ومن الليل ما يكون من خدمة أوساط الناس، أو بوصف، كحمل زُبْرَة حديد (3) وزنها كذا إلى محل كذا، لأن المنفعة إنما تعرف بذلك، فإن كان كتابًا، فوجد المحمول إليه غائبًا، فله الأجرة، لذهابه، ورده. وفي "الرعاية" (4): إن وجده ميتًا، فالمسمى فقط. أو بناء حائط، فيذكر طوله، وعرضه، وسمكه، وآلته، لاختلاف الغرض، فلو بناه، ثم سقط، فله الأجرة، لأنه وفَّى بالعمل، إلا إنا كان سقوطه بتفريطه.

وتصح إجارة أرض معينة، برؤية، لا وصف، لأن الأرض لا تنضبط به، لزرع، أو غرس، أو بناء معلوم. أو لزرع، أو غرس، أو بناء ما شاء، أو لزرع، أو لغرس، أو لبناء، ويسكت، فله زرع وغرس وبناء ما شاء، كأنه استأجرها لأكثر ذلك ضررًا.

وإن كانت الإجارة لركوب: اشترط مع ذكر الموضع المركوب إليه، معرفة راكب، برؤية، أو صفة، وذكر كوب كمبيع، إن لم يكن مرئيًا، لاختلاف المقاصد بالنظر إلى أجناس المركوب، من كونه فرسًا، أو

(1) هي مشتقة من الأجر، وهو: العوض، ومنه سمي الثواب أجرًا، "المغني" (8/ 7) و"المطلع" (ص 264). وينظر:"طلبة الطلبة"(ص 261) و"المغرب"(ص 20).

(2)

"الروض المربع"(5/ 293) و"كشف المخدات"(ص 281).

(3)

الزبرة: بضم الزاي: القطعة من الحديد. قال تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} ، "المطلع"(ص 264).

(4)

"الرعاية" لابن حمدان. وقد نقله عنه في "الإنصاف"(14/ 265).

ص: 809

بعيرًا، أو بغلًا، أو حمارًا، ومعرفةُ ما يركب به من سرج أو غيره، ومعرفة كيفية سيره من هملاج (1) وغيره لا ذكوريته وأنوثته، أو نوعه.

(و) الشرط الثاني: (إباحتها) أي المنفعة، أي كون نفع معقود عليه مباحًا مطلقًا، بلا ضرورة، بخلاف جلد ميتة، وإناء من ذهب أو فضة، لأنه لا يباح إلا عند الضرورة، لعدم غيره، مقصودًا عرفًا، يستوفى من عين مؤجرة، دون استهلاك الأجزاء، بخلاف شمع لشعل وصابون لغسل مقدورًا عليه، بخلاف ديك ليوقظه لصلاة، ولا يصح، نصًّا (2)، لأنه لا يقف على فعل الديك، ولا يمكن استخراجه منه بضرب ولا غيره.

وتجوز إجارة كتاب لنظر، وقراءة ونقل، لا مصحف، فلا تجوز إجارته، لأنه لا يجوز بيعه.

وتصح إجارة حائط لحمل خشب معلوم، وبئر يستقى منها أيامًا معلومة، لأن فيها نفعًا مباحًا بمرور الدلو، والماء يؤخذ على أصل الإباحة، وحيوان لصيد، وقرد لحراسة.

ولا تصح إجارة كلب، أو خنزير، لأنه لا يصح بيعهما.

ويصح استئجار عَنْبرٍ وصَنْدَل ونحوه، لشمٍّ مدةَ معينة، لأنه نفع مباح، كالثوب للبس.

ولا يصح استئجار ما يسرع فساده من الطيب، كالرياحين، لتلفها من قريب، تشبه المطعومات.

ولا تصح إجارة على زنا، أو زمر، أو غناء، أو نَوحٍ، ونَسْخٍ كتب بدعةٍ، وشِعْر محرم، ونحوه، لأن المنفعة المحرمة لا تقابل بعوض في بيع، فكذا في إجارة.

(1) الهملاج من البراذين: الحسن في سرعة وبخترة جمعه: هماليج، "المعجم الوسيط"(2/ 995).

(2)

"شرح المنتهى"(2/ 350).

ص: 810

ولا تصح إجارة فحل الضراب، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل (1)، متفق عليه.

ولا تصح إجارة في امرأة ذات زوج بلا إذنه، لتفويت حقه باشتغالها عنه، بما استؤجرت له.

(و) الشرط الثالث: (معرفة أجرة) لأنه عوض في عقد معاوضة، فاعتبر علمه، كالثمن، ولخبر:"من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره"(2) ويصح أن تكون الأجرة معينة، وأن تكون في الذمة.

ويصح استئجار دارٍ بسكنى دارٍ أخرى، مدة معلومة، للعلم بالعوض. ويصح استئجار حلي للبس، بأجرة من جنسه أو غيره (إلا أجيرًا ومرضعًا)(3) أمًّا أو غيرها (بطعامهما وكسوتهما) فيصح، وإن لم يوصفا، وكذا لو استأجرهما بدراهم معلومة وشرط معها طعامهما وكسوتهما، لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4) فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها، بل الزوجة تجب نففتها وكسوتها بالزوجية، وإن لم ترضع، وهما في تنازع في صفة طعام أو

(1) البخاري، في الإجارة، باب عسب الفحل (3/ 54) عن ابن عمر.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 71) عن أبي سعيد بلفظ: "نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره. . . " الحديث.

وأخرجه موقوفًا -النسائي في "السنن" أول كتاب المزارعة (7/ 31، 32) عن أبي سعيد قال: إذا استأجرت أجيرًا فأعلمه أجره. قال أبو حاتم في "العلل"(1/ 376): قال أبو زرعة: الصحيح موقوف على أبي سعيد. اهـ

وقال الهيثمي في "المجمع"(4/ 97): رواه أحمد. وقد رواه النسائي موقوفًا، ورجال أحمد رجال الصحيح، إلا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما أحسب. اهـ

(3)

في "أخصر المختصرات"(ص 186): (وظئرًا). والظئر: المرأة تتخذ ولدًا ترضعه. "تهذيب اللغة"(14/ 393).

(4)

سورة البقرة، الآية:233.

ص: 811

كسوة، أو قدرهما؛ كزوجة، فلهما نفقة، وكسوة مثلهما.

وسن لموسر استرضع أمةً لولده عند فطامه: إعتاقها، وحرةٍ إعطاؤها عبدًا أو أمةً، لحديث أبي داود، عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: الغُرَّةُ: العبد أو الأمة (1). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال الشيخ تقي الدين: لعل هذا بالمتبرعة بالرضاع (2).

(وإن دخل حمَّامًا، أو) ركب (سفينة، أو أعطى ثوبه خياطًا) ليخيطه (ونحوه) كأن أعطى ثوبه صبَّاغًا ليصبغه، أو قصارًا ليقصره، أو أعطى حدادًا حديدًا ليضربه سيفًا، ونحوه، أو استعمل حمّالًا، أو حلاقًا، أو دلالًا بلا عقد معه (صح، ووه أجرة مثل) ولو لم تجر عادة بأخذه أجرة، لأنه عمل له بإذنه ما لمثله أجرة، ولم يتبرع، وهذا في المنتصب لذلك، وإلا فلا شيء له إلا بعقد، أو شرط، أو تعريض.

وإن أكرى دابة، وقال لمستأجرها: إن رددتها اليوم فبخمسة، وإن رددتها غدًا فبعشرة، صح نصًّا (3).

(وهي) أي الإجارة (ضربان) أحدهما: (إجارة) منفعة (عين وشرط) لها شروط خمسة:

أحدها: (معرفتها) أي العين المؤجرة للعاقدين، برؤية، أو صفة، كالمبيع، لاختلاف الغرض باختلاف العين وصفاتها.

(و) الشرط الثاني: (قدرة) مؤجر (على تسليمها) أي العين المؤجرة كمبيع، لأنها بيع منافع أشبهت بيع الأعيان، فلا تصح إجارة آبق، ولا

(1) أبو داود، النكاح، باب في الرضخ عند العظام (2/ 553)، والترمذي، في الرضاع، باب ما يذهب خدمة الرضاع (3/ 459)، وقال: حسن صحيح. والنسائي، في النكاح، باب حق الرضاع وحرمته (6/ 108).

(2)

نقله في "الإنصاف"(14/ 285).

(3)

"الإنصاف"(14/ 300).

ص: 812

شارد، ولا مغصوب ممن لا يقدر على أخذه، كما لا يصح بيعه.

(و) الشرط الثالث: (عقد في غير مرضع (1) على نفعها) أي العين المؤجرة (دون أجزائها) فلا تصح إجارة الطعام للأكل، ولا الشمع للشعل، ولا الصابون للغسل، كما تقدم (2).

ولا تصح إجارة حيوان ليرضعه ولده، أو قنه أو يأخذ لبنه، ولا أن يستأجره ليأخذ صوفه، أو شعره، أو وبره، لأن مورد عقد الإجارة النفع، والمقصود ههنا العين، وهي لا تملك ولا تستحق بإجارة.

ويصح استئجار الآدمية للرضاع، لقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) والفرق بينها وبين البهائم أنه يحصل منها عمل من وضع الثدي في فم المرتضع، بخلاف البهيمة، وللضرورة.

(و) الشرط الرابع: (اشتمال) العين المؤجرة (على النفع)، فلا تصح إجارة بهيمة زمنةٍ (4) للحمل، أو الركوب، ونحو ذلك، ولا لقلع سن سليم، أو قطع يد سليمة، ولا تصح إجارة أرض لا تنبت للزرع.

(و) الشرط الخامس: (كونها) أي المنفعة، مملوكة المؤجر أو مأذونًا له فيها) لأنها بيع المنافع، فاشترط فيها ذلك، كالبيع. وتصح إجارة مستأجر العين، لمن يقوم مقامه في استيفاء النفع، أو لمن دونه في الضرر، ولا يجوز أن يؤجرها لمن [هو](5) أكثر ضررًا منه، ولا لمن يخالف ضررُه ضررَه.

وإن كان المأجور حرًّا، فليس لمستأجره أن يؤجره، لأنه لا تثبت يد غيره عليه، وإنما هو يسلم نفسه إن كان كبيرًا، أو يسلمه وليه إن كان صغيرًا.

(1) في "أخصر المختصرات"(ص 186): "ظئر".

(2)

(ص 810).

(3)

سورة الطلاق، الآية:6.

(4)

زمنة: مريضة. "المعجم الوسيط"(1/ 401).

(5)

ما بين معتقوفين ليس في الأصل. والمثبت من "كشاف القناع"(3/ 565).

ص: 813

وتصح إجارة العين المؤجرة لمؤجرها بمثل الأجرة، وبزيادة، ولو لم يقبض المستأجر المأجور، ما لم تكن حيلة لعينةٍ بأن أجرها بأجرة حالة، ثم استأجرها بأكثر منه مؤجلًا، فلا يصح، لما سبق، في مسألة العينة (1)، وليس للمؤجر الأول مطالبة المستأجر الثاني بالأجرة، لأن غريم الغريم ليس بغريم.

وتصح إجارة وقف، فإن مات المؤجر انفسخت، إن كان المؤجَر الموقوف عليه ناظرًا بأصل الاستحقاق، وإن جعل له الواقف النظر، أو تكلم بكلام يدل عليه، فله النظر بالاستحقاق والشرط، ولا تبطل الإجارة بموته.

(وإجارة العين قسمان) أحدهما: أن تكون (إلى أمد معلوم) كإجارة الدار شهرًا، أو الأرض عامًا، أو الآدمي للخدمة، والرعي، والخياطة، أو للنسخ مدة معينة، ويسمى الأجير فيها الخاص (2)، وهو من قُدِّر نفعه بالزمن، ويشترط أن يكون الأمد معلومًا (يغلب على الظن بقاؤها) أي العين المؤجرة (فيه) وإن طال، لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبًا، ولا فوق بين الوقف والملك، ولا يشترط أن تلي مدة الإجارة العقد، فتصح إجارة عين لسنة خمس في سنة أربع، ولو كانت العين مؤجرة، أو موهونة، أو مشغولة بنحو زرع وقت عقد، إن قدر مؤجر على تسليم ما آجره عند وجوبه.

القسم (الثاني): إجارة العين (لعمل معلوم كإجارة دابة) معينة، أو موصوفة (لركوب، أو حمل إلى موضع معين) وله ركوب مؤجرة إلى موضع مثله، في طويق مماثلة للطريق المعقود عليها، مسافةً وسهولة، وأمنًا.

(الضرب الثاني) من ضربي الإجارة: (عقد على منفعة في الذمة، في

(1)(ص 676).

(2)

"معجم المصطلحات والألفاظ"(1/ 71).

ص: 814

شيء معين، أو موصوف) بصفات كالسلم (فيشترط تقديرها بعمل، أو مدة، كبناء دار) يذكر الآلة ونحوها كما تقدم (1)(و) كـ (خياطة) ثوب يذكر جنسه، وقدره، وصفة الخياطة (وشُرط معرفة ذلك وضبطه) بما لا يختلف به العمل (و) شُرط (كون أجير فيها) أي الإجارة (آدميًّا، جائز التصرف) لأنها معاوضة على عمل في الذمة، ويسمى الأجير فيها مشتركًا (2) لتقدير نفعه بالعمل، ولأنه يتقبل أعمالًا لجماعة، فمنفعته مشتركة بينهم، وشرط: أن لا يجمع بين تقدير مدة وعمل، كقوله: استأجرتك لتخيط هذا الثوب، في يوم. ويلزمه الشروع في العمل عقب العقد، لجواز مطالبته به إذًا.

(و) شرط (كون عمل) معقود عليه (لا يختص فاعله، أن يكون من أهل القربة) ككونه مسلمًا، ولا يقع ذلك العمل إلا قربة لفاعله، كأذان، وإقامة، وإمامة، وتعليم قرآن، وفقه، وحديث، ونيابة في حج، ويحرم أخذ أجرة على ذلك. لحديث عثمان بن أبي العاص: كان آخر ما عهد إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا. قال الترمذي: حديث حسن (3). وعن عبادة بن الصامت قال: علَّمت أناسًا من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إليّ رجل منهم قوسًا، قال: قلت: قوس، وليست بمال. قال: قلت: أتقلدها في سبيل اللَّه، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وقصصت عليه القصة، قال: "إن سرك أن يقلدك اللَّه قوسًا من نار

(1)(ص 722).

(2)

"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 224).

(3)

أخرجه الترمذي، في الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا (1/ 409)، وقال: حسن صحيح. وأخرجه -أيضًا- أبو داود، في الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين (1/ 363)، والنسائي، في الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرًا (2/ 23) وابن ماجه، في الأذان، باب السنة في الأذان (1/ 236) وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 251): صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. ينظر:"إرواء الغليل"(5/ 315).

ص: 815

فاقبلها" (1)، وعن أُبي بن كعب: أنه علَّم رجلًا سورة من القرآن، فأهدى له خميصة أو ثوبًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك لو لبستها لألبسك اللَّه مكانها ثوبًا من نار" رواه الأثرم في سننه (2). ولأن من شَرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى اللَّه، فلا يصح أخذ الأجرة عليها، كما لو استأجر إنسانًا يصلي خلفه الجمعة أو التراويح.

ولا يحرم أخذ جعالة على ذلك، لأنها أوسع من الإجارة، ولهذا جازت مع جهالة العمل والمدة، ولا على رقية، نصًّا (3)، لحديث أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب رسول اللَّه شير في سفرة سافروها، حتى نزلوا

(1) أخرجه أبو داود، في البيوع والإجارات، باب في كسب المعلم (3/ 701)، وابن ماجه، في التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن (2/ 729 - 730)، قال ابن المديني -كما نقله البيهقي في "السنن" (6/ 125) عنه: - إسناده كله معروف إلا الأسود بن ثعلبة فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث. اهـ

وقال ابن الجوزي في "العلل"(1/ 75): هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: المغيرة بن زياد -أحد رجال السند- ضعيف الحديث، يحدث بأحاديث مناكير، وكل حديث رفعه فهو منكر. اهـ

وقال الجورقاني "الأباطيل"(2/ 131): حديث باطل. . اهـ

وللحديث شواهد: ينظر: "فتح الباري"(4/ 452، 454) و"السلسلة الصحيحة"(1/ 1/ 515).

(2)

وأخرج ابن ماجه في التجارات باب الأجر على تعليم القرآن (2/ 730) عن أبي بن كعب، قال: علمت رجلًا القرآن فأهدى إلي قوسًا، فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أخذتها أخذت قوسًا من نار"، فرددتها. قال البيهقي في "السنن" (6/ 126): منقطع، اهـ وقال البوصيري في الزوائد: إسناده مضطرب قاله الذهبي في "الميزان" في ترجمة عبد الرحمن بن سلم. وقال العلائي في "المراسيل": عطية بن قيس الكلاعي، عن أبي بن كعب مرسل. اهـ وقال الجورقاني في "الأباطيل" (2/ 129): حديث باطل. اهـ وقد صححه الألباني في "الإرواء"(5/ 316) بشوهده.

(3)

"اختيارات ابن تيمية"(ص 223).

ص: 816

على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يُضيِّفوهم. فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هذا الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عندهم بعض شيء، فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني واللَّه لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يَتْفِلُ عليه، ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبة (1)، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا، حتى نأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا به، فقدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك، فقال:"وما يدريكم أنها رقية؟ "، ثم قال:"أصبتم، اقتسموا، واضربوا لي معكم سهمًا" وضحك النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الجماعة إلا النسائي (2). كما لا يحرم أخذ على ذلك بلا شرط، وحديث القوس والخميصة قضيتان في عين.

وأما ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، كتعليم خط، وحساب، وشعر مباح، وبناء مسجد، وقناطر، وذبح هدي، وأضحية، وتفريق صدقة، ونحو ذلك، فيجوز الاستئجار له، وأخذ الأجرد عليه، لأنه يقع تارة قربة، وتارة غير قربة، أشبه غرس الأشجار، وبناء البيوت.

(1) قلبة: داء، وتعب "القاموس المحيط"(ص 163).

(2)

أخرجه البخاري، في الإجارة، باب ما يعطى على الرقية (3/ 53) وفي فضائل القرآن، باب فاتحة الكتاب (6/ 103) وفي الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، وباب النفث في الرقية (7/ 22، 24). ومسلم في كتاب السلام، وأبو داود، في البيوع، باب في كسب الأطباء (3/ 703)، والترمذي، في الطب، باب في أخذ الأجر على التعويذ (4/ 348)، وابن ماجه، في التجارات، باب أجر الراقي (2/ 729)، وأحمد (3/ 2، 44).

ص: 817

ولا يحرم أخذ رزقٍ (1) من بيت المال، أو من وقف على متعد نفعه، كقضاء، وتعليم قرآن، وحديث، وفقه، ونيابة في حج، وتحمل شهادة، وأدائها، وأذان، لأنه من المصالح، فجرى مجرى الوقف على من يقوم بها، وليس بعوض، بل رزق للإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة، ولا يقدح في الإخلاص، وإلا لما استحقت الغنائم، وسلب المقاتل.

ولا يجوز أخذ رزق على قاصر من القرب على فاعله، كصوم، وصلاة خلفه، ونحوهما، كحجه عن نفسه، واعتكافه، لأنه ليس من المصالح، إذ لا تدعو حاجة بعض الناس إلى بعضٍ من أجله.

وصح استئجار لحجم كافصد، ولا يحرم أجره، لحديث ابن عباس: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو علمه حرامًا لم يعطه (2) متفق عليه. وكره لحر أكل أجرته، وأكل مأخوذ بلا شرط عليه، ويطعمه رقيقًا وبهائم، لحديث:"كسب الحجام خبيث"(3) متفق عليه، وقال:"أطعمه ناضحك ورقيقك"(4). فدل على أنه ليس بحرام، وقد سمى صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين (5) مع عدم تحريمهما، وإنما كرهه للحر تنزيهًا له، لدناءة

(1) الرَّزْقُ: العطاء. ويشمل ما يفرضه الإمام في بيت المار للمستحقين وغيره، من التبرعات، كالوقف، والهبة، وصدقة التطوع، وغير ذلك مما يدفع بلا مقابل.

ينظر: "الكليات"(ص 472، 473) و"معجم اصطلاحات الفقهاء"(2/ 142).

(2)

البخاري، في البيوع، باب ذكر الحجام. وفي الإجارة، باب خراج الحجام (3/ 16، 54) ومسلم في المساقاة (3/ 1205).

(3)

أخرجه مسلم في المساقاة (3/ 1199) عن ابن خديج. ولم يخرجه البخاري. ينظر: "المنتقى"(2/ 384).

(4)

أخرجه أبو داود، في البيوع، باب في كسب الحجام (3/ 707) والترمذي، في البيوع، باب في كسب الحجام (3/ 575)، وابن ماجه، في التجارات، باب كسب الحجام (2/ 732)، عن محيصة بن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح.

(5)

مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 395).

ص: 818

هذه الصناعة، وكذا أجرة كسح كنيف.

(و) يجب (على مؤجر) مع إطلاق (كل ما جرت به عادة) أ (وعرف، كزمام (1) مركوب) ليتمكن به من التصرف فيه، ورحله، وحزامه (2)، وقَتَب (3) بعير، ولفرس: لجامٌ، وسرج، ولحمار وبغل: بردعة وإكاف (4)، لأنه العرف، فيحمل عليه الإطلاق.

(و) على مؤجر (شد، ورفع، وحط) لمحمول عليه، لأنه العرف، وبه يتمكن المكتري من الانتفاع، وعليه لزوم دابة لنزول لحاجة، وواجب كفرض صلاة، وتبريك بعير لامرأة، وشيخ، ومريض، لركوب ونزول، لأنهم لا يتمكنون منه إلا بذلك، وعليه ما يتمكن به مستأجر من نفع كترميم دار بإصلاح منكسر، وإقامة مائل من حائط وسقف، وعمل باب، وتطيين سطح، وتنظيفه، وإصلاح بركة (5) دار، وأحواض، وحمام، ومجاري مياهه، وسلاليم الأسطحة، لأن بذلك وشبهه يتمكن مستأجر من النفع المعقود عليه.

(1) الزمام: خيط يشدُّ في البرة، ثم يشد في طرفه المقود. وقد يسمى المقود زمامًا، وهو المراد هنا. "المطلع"(ص 266).

(2)

الحزام: ما تحزم به البرذعة ونحوها. يقال: حزم الدابة: إذا شد حزامها. "المطلع"(ص 266).

(3)

"الرَّحْلُ الصغير على قدر سنام البعير. ينظر: "تاج العروس" (3/ 515، 516).

(4)

البَرْذَعَةُ هي: البردعة -بالدَّال المهملة- الحِلْسُ يلقى تحت الرَّحْل. قاله في "القاموس"(ص 907) لكن قال في مادة "حلس"(ص 694): الحِلْسُ بالكسر: كساء على ظهر البعير تحت البرذعة.

وفيه -أيضًا- (ص 1024): إكاف الحمار: بَرْذعته. وقال في "المعجم الوسيط"(1/ 22 و 48) البردعة: ما يوضع على احمار أو البغل ليركب عليه، كالسرج للفرس.

وأكفَّ الحمار والبغل: شدَّ عليهما الإكاف. الإكاف: البرذعة. اهـ

(5)

البِرْكة: مستنقع الماء. "المعجم الوسيط"(1/ 32).

ص: 819