الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربها، ويضمنها به إن تلفت، فرط أو لم يفرط، لأنه غير مأذون فيه أشبه الغاصب، ولم يملكها، ولو عرفها، والأفضل لمن أمن نفسه عليها، وقوي على تعريفها؛ تركها، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر (1)، ومن أخذها ثم ردها إلى موضعها، أو فرط فيها، فتلفت، ضمنها، إلا أن يأمره إمام، أو نائبه، فيبرأ به، فإن تلفت منه في حول التعريف بلا تفريط، لم يضمنها.
تتمة:
ما أبيح التقاطه، ولم يملك به، ثلاثة أضرب:
أحدها: حيوان مأكول، كشاة، ودجاجة، فيلزمه فعل الأصلح من أكله بقيمته في الحال، لحديث:"هي لك أو لأخيك أو للذئب"(2). أو بيعه، وحفظ ثمنه. أو حفظه، وينفق عليه من ماله، وله الرجوع بما أنفق بنيته، فإن استوت الثلاثة خُيِّر.
الضرب الثاني: ما يخشى فساده، بإبقائه، كخضروات، ونحوها، فيلزمه فعل الأحظ من بيعه، وحفظ ثمثه، أو أكله بقيمته، أو تجفيف ما يجفف، كعنب، ورطب، فإن استوت الثلاثة خُير.
الضرب الثالث: باقي المال المباح التقاطه، من أثمان، ومتاع، ونحو
(1) روى عبد الرزاق، كتاب اللقطة، (10/ 138) وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره أخذ اللقطة (6/ 462، 463)، عن ابن عباس كان يقول: لا ترفع اللقطة، لست منها في شيء، زاد عبد الرزاق: تركها خير من أخذها.
وروى عبد الرزاق (10/ 137) عن سالم قال: وجد رجل ورقًا، فأتى بها ابن عمر، فقال له: عرفها، فقال: قد عرفتها، فلم أجد أحدًا يعترفها، أفأدفعها إلى الأمير؟ قال: إذًا يقبلها، قال: أفأتصدق بها؟ قال: وإن جاء صاحبها غرمتها، قال: فكيف أصنع؟ قال: قد كنت ترى مكانها أن لا تأخذها.
وروى ابن أبي شيبة (6/ 455) عن نافع، عن ابن عمر، قال في اللقطة: عرفها، لا آمرك أن تأكلها، لو شئت لم تأخذها.
(2)
تقدم (ص 869).
ذلك (ويجب) على ملتقط (حفظها) جميعها (و) يجب عليه (تعريفها) أي اللقطة، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد، وأبي بن كعب (1). ولأن حفظها لربها إنما يفيد بإيصالها إليه، وطريقة التعريف فورًا، لأنه مقتضى الأمر، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها (في مجامع الناس) كالأسواق، وأبواب المساجد، وأوقات الصلوات، لأن المقصود إشاعة ذكرها، ويكثر منه في موضع وجدانها، وإن كان في صحراء عرفها في أقرب البلاد إليها نهارًا، لأنه مجمع الناس، وملتقاهم أول كل يوم، قبل اشتغال الناس بمعاشهم، أسبوعًا، لأن الطلب فيه أكثر، ثم يعرفها كعادة الناس في ذلك، وقيل: يعرفها في كل يوم أسبوعًا، ثم في كل أسبوع مرة شهرًا، ثم في كل شهر مرة في (غير المساجد) وأما فيها فيكره، حديث أبي هريرة مرفوعًا:"من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها اللَّه إليك. فإن المساجد لم تبن لهذا"(2). واختار جماعة (حولًا كاملًا) من التقاطه، روي عن عمر، وعلي، وابن عباس (3)، لحديث زيد بن خالد: فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بعام
(1) حديث زيد بن خالد تقدم تخريجه ص 869.
وأما حديث أبي بن كعب: فأخرجه البخاري، في اللتهطة، باب إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، وباب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع. . . (3/ 92، 95). ومسلم، في اللقطة (3/ 1350) قال: إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيت بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "عرفها حولًا"، قال فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال:"عرفها حولًا"، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال:"عرفها حولًا"، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، فقال:"احفظ عددها ووعاءها ووكاءها فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها"، فاستمتعت بها. فلقيته بعد ذلك بمكة، فقال: لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد. لفظ مسلم.
(2)
أخرجه مسلم، في المساجد (1/ 397).
(3)
أثر عمر أخرجه عبد الرزاق، كتاب اللقطة (10/ 133) وابن أبي شيبة، في البيوع والأقضية (6/ 452، 453) وأثر علي أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 451 - 452). وأثر ابن عباس أخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 449).
واحد (1) فينادي: من ضاع منه شيء، أو نفقه، ولا يصفها، لأنه لا يؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها، فتضيع على مالكها (وتملك بعده) أي: بعد تعريفها حولًا كاملًا، ولم تعرف فيه، وهي مما يجوز التقاطه (حكمًا) كالميراث، نصًّا (2)، فلا يقف على اختياره، لحديث "وإلا فهي كسبيل مالك"(3). ولو كانت عرضًا، أو لقطة الحرم، فتملك بالتعريف، كلقطة الحل، روي عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة (4)، لعموم الأحاديث، وكحرم المدينة، وحديث:"لا تحل ساقطتها إلا لمنشد"(5) يحتمل أن يراد به إلا لمن عرَّفها عامًا، وتخصيصها بذلك لتأكدها، كحديث:"ضالة المسلم حرق النار"(6) وإن أخر التعريف الحول كله، أو بعضه، لغير عذر، أَثِمَ، ولم يملكها بالتعريف بعد الحول، لأن شرط الملك التعريف فيه، ولم يوجد.
(ويحرم تصرفه) أي، الملتقط (فيها) أي اللقطة (قبل معرفة وعائها) وهو كيسها ونحوه، كخرقة شدت فيها، أو زقٍّ فيه مائع، ولفافة على ثوب (و) قبل معرفة (وكائها) وهو ما يشد به الكيس، أو الزق (و) قبل معرفة (عفاصها) بكسر العين المهملة، وهو صفة الشد (7)، فيعرف الربط، هل هو
(1) تقدم (ص 869).
(2)
"المغني"(8/ 300).
(3)
جزء من حديث أبي بن كعب. تقدم في الصفحة السابقة.
(4)
ذكرها في "المغني"(8/ 305).
(5)
البخاري، في اللقطة، باب كيف نعرف لقطة أهل مكة (3/ 94) ومسلم، في الحج (2/ 988) عن أبي هريرة.
(6)
ابن ماجه، كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل: البقر والغنم (2/ 836).
(7)
قال الأزهري في "الزاهر"(ص 365): العفاص: هو الوعاء الذي تكون فيه النفقة .. ولهذا سمي الجلد الذي يلبس رأس القارورة: عفاصًا، لأنه كالوعاء لها، وليست بالصمام لها، وإنما الصمام: الذي يسد به فم القارورة من خشبة كانت أو من خرقة مجموعة.
والوكاء: الخيط الذي يشد به العِفَاص يقال: عفصتما عفصًا: إذا شددت العفاص عليها، =
عقدة، أو عقدتان، وأنشوطة، أو غيرها (و) قبل معرفة (قدرها) بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع (وجنسها وصفتها) أي نوعها، ولونها، لحديث أبي بن كعب أنه قال: وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عرِّفها حولًا". فعرفتها حولًا، فلم تعرف، فرجعت إليه، فقال:"اعرف عدتها ووعاءها ووكاءها، واخلطها بمالك، فإن جاء ربها فأدها إليه"(1).
وسن معرفة ما ذكر عند وجدانها، وإشهاد عدلين عليها، لحديث:"من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل"(2). ولم يأمر به في خبر زيد بن خالد، وأبي بن كعب، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فتعين حمله على الندب، وكالوديعة (ومتى جاء ربها فوصفها لزم دفعها إليه) بنمائها المتصل مطلقًا. والمنفصل في حول التعريف، لأنه تابع له، ولا يشترط في ذلك بينة تشهد بالملك له، ولا أنها ضاعت منه، ولا يمينه على ذلك، ولا أن يغلب على ظن الملتقط صدقه، للأخبار، فإن دفعها بلا بينة ولا وصف، ضمن إن جاء آخر فوصفها، وله تضمين أيهما شاء، وقرار الضمان على الآخذ، وإن لم يأت أحد فللملتقط مطالبة آخذها بها، لأنها أمانة بيده، ولا يأمن مجيء صاحبها، فيلزمه بها.
ومع رقٍّ ملتقط، وإنكار سيده أنها لقطة، فلابد من بينة تشهد بأنه التقطها، لأن إقرار القن بالمال لا يصح.
= وأعفصتها إعفاصًا: إذا جعلت لها عفاصًا. اهـ وقال ابن فارس في "مجمل اللغة"(ص 154): فالعفاص: ما يشدُّ فيه. . اهـ
(1)
تقدم تخريج حديث أبي بن كعب (ص 874)، وهو في الصحيحين. ولفظ:"واخلطها بمالك" لم يرد في حديث أبي بن كعب لا في الصحيحين ولا في غيرهما ممن خرجوا حديثه، وإنما وقع هذا اللفظ في حديث زيد بن خالد عند البخاري، في الطلاق، باب حكم المفقود في أهله وماله (6/ 174).
(2)
أخرجه أبو داود، في اللقطة (2/ 335)، وابن ماجه، في اللقطة، باب اللقطة (2/ 837) عن عياض بن حمار.
وإن تلفت اللقطة، أو نقصت قبل الحول بيد ملتقط، ولم يفرط، لم يضمنها، وبعده يضمنها مطلقًا، لدخولها في ملكه، وتعتبر القيمة يوم عرت ربها، وإن وصف اللقطة ثان قبل دفعها للأول، أقرع بينهما، ودفعت إلى قارع بيمينه، نصًّا (1)، وبعده لا شيء لثان، لأن الأول استحقها بوصفها، وعدم المنازع له فيها حين أخذها، وإن أقام آخر بينة أنها له، أخذها من واصف، ولو أدركها ربها بعد الحول والتعريف مبيعة أو موهوبة، فليس له إلا البدل.
ويفسخ العقد إن أدركها ربها زمن خيار لهما، أو لبائع، ومن استيقظ فوجد في ثوبه، أو كيسه مالًا، لا يدري من صره؛ فهو له، ولا يبرأ من أخذ من نائم شيئًا، إلا بتسليمه له بعد انتباهه، لتعديه.
ومن وجد في حيوان ذبحه نقدًا، أو درة، فلقطة، وإن وجد درة غير مثقوبة في سمكة فهي لصياد، ولو باعها، نصًّا (2).
ومن ادعى ما بيد لص، أو ناهب، أو قاطع طريق، ووصفه، فهو له، ولا يكلف بينة، لأنه بيد من لم يدع ملكه، وربه مجهول، بخلاف من ادعى وديعة، أو عارية، أو رهنًا، فلا يكفي الوصف، بك لابد من بينة أو يقترعان، فمن قرع، حلف وأخذها، وإن وجدها صغير، أو سفيه، أو مجنون، قام وليه بتعريفها تأدية للواجب عليه، فإن تلفت بيد أحدهم بتفريط، ضمن، كاتلافه، وإن كان بتفريط الولي، فضمانها عليه.
(ومن أُخذ نعلُه ونحوه) كمداسه، أو أخذ متاعه، كثياب في حمام (ووجد غيره مكانه، فلقطةٌ) لا يملكه بذلك، لأن سارق ذلك لم يجر بينه وبين مالكة معاوضة، تقتضي زوال ملكه عنه، فإذا أخذه فقد أخذ مال غيره، ولا يعرف صاحبه، فيعرفه كاللقطة، ويأخذ حقه منه بعد تعريفه.
(1)"معونة أولي النهى"(5/ 662).
(2)
المصدر السابق (5/ 669).
(واللقيط)(1) فعيل بمعنى مفعول، كجريح وطريح (2). وشرعًا (3):(طفل لا يُعرَفُ نسبُه، ولا رقه، نبذ) بالبناء للمفعول -أي طرح- في شارع، أو غيره (أو ضل) الطريق ما بين ولادته (إلى) سن (التمييز) فقط على الصحيح، قاله في "الإنصاف"(4)، (والتقاطه فرض كفاية) لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (5)، ولأن فيه إحياء نفسه، فكان واجبًا، كإطعامه إذا اضطر.
فإن تركه جميع من رآه أثموا، فإن كان معه شيء أنفق عليه منه، لوجوب نفقته في ماله، وما معه فهو ماله (وإن لم يكن معه شيء) أنفق عليه من بيت المال، لما روى سعيد، عن سُنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطًا فأتيت به عمر، فقال عريفي: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم.: فاذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته (6)، وفي لفظ: وعلينا رضاعه (7)(و) إن (تعذر) ت النفقة عليه من (بيت المال) لكون البلد ليس به بيت مال، أو به ولا مال به، ونحوه، اقترض عليه حاكم، ووفى من بيت المال إن حصل به شيء، فإن تعذر الاقتراض عليه، أو الأخذ منه (أنفق عليه عالم به بلا رجوع) بما أنفق، لوجوبه عليه، فالنفقة على من علم به فرض كفاية.
(1) هذا بداية الحديث عن أحكام اللقيط. وعلماء المذهب يجعلون له بابًا مستقلًا. ينظر: "المغني"(8/ 350)، "معونة أولي النهى"(5/ 681).
(2)
"الدر النقي"(3/ 562).
(3)
"الإقناع"(3/ 53) و"معونة أولي النهى"(5/ 681).
(4)
"الإنصاف مع الشرح الكبير"(16/ 280).
(5)
سورة المائدة، الآية:2.
(6)
أخرجه مالك، في الموطأ، الأقضية، باب القضاء في المنبود (2/ 201). وأخرجه البخاري، معلقًا، في الشهادات، باب إذا زكى رجل رجلًا كفاه (3/ 158).
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة، في البيوع والأقضية (6/ 528).
(وهو مسلم) حكمًا (إن وجد في بلد يكثُر فيه المسلمون) لظاهر البلد، وتغليبًا للإسلام، لأنه يعلو ولا يُعلى عليه، ويحكم بحرِّيته، لأنه الأصل في الآدميين، إلا إن وجد في بلد أهل حرب، ولا مسلم فيه، أو فيه مسلم، كتاجر، وأسير، فهو كافر رقيق، وإن كان بها مسلم يمكن كونه منه، فمسلم، وما وجد معه من مال أو متاع، فهو له، كما تقدم.
والأولى بحضانته: واجده، إن كان أمينًا عدلًا، لما تقدم عن عمر (1)، ولسبقه إليه، فكان أولى به، ولو كانت عدالته ظاهرًا، كولاية النكاح، والشهادة فيه، وأكثر الأحكام، وكان حرًّا تام الحرية، لأن منافع القن، والمدبر، والمعلق عتقه بصفة، وأم الولد، مستحقة لسيده، فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه مكلفًا، لأن غير المكلف لا يلي أمر نفسه، فغيره أولى.
وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال، إن لم يكن له وارث، فإن كان له زوجة، فلها الربع، والباقي لبيت المال، وإن كان له وارث غير الزوجة، أخذ الجميع.
(وإن أقر به) أي اللقيط (من يمكن كونه منه) ولو كان المقر كافرًا، أو رقيقًا، أو أنثى ذات زوج، أو ذات نسب معروف (أُلحقَ) اللقيط (به) ولو كان اللقيط ميتًا، لأن الإقرار بالنسب مصلحة محضة للقيط، لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فقبل كما لو أقر له بمال.
ولأن الأنثى أحد الأبوين فثبت النسب بدعواها، كالأب، ولأنه لا يمكن أن يكون منها كما يمكن كونه من الرجل بل أكثر، لأنها تأتي به من زوج: ومن وطء شبهة، ويلحقها ولدها من الزنا دون الرجل، ولا يلحق بزوج امرأة مقرة، لأنه لم يولد على فراشه، ولم يقر به، وكما لو ادعى الرجل نسبه لم يلحق بزوجته، ولا يتبع رقيقًا ادعى نسبه في رق، ولا يتبع كافرًا في دينه، إلا أن يقيم بيِّنة أنه ولد على فراشه، فيلحقه في دينه، لثبوت أنه ولد ذميين.
(1) تقدم في الصفحة السابقة.