الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في المسابقة
من السَّبْق -بسكون الباء- وهو: بلوغ الغاية قبل غيره، والسبَق -بفتح الباء- والسبقة: الجُعل الذي يسابق عليه (1). وهي: المجاراة بين الحيوان ونحوه، كرماح، ومناجق (2).
والمناضلة من النضل المسابقة بالرمي (3). سميت بذلك لأن السهم التام يسمى نضلًا، فالرمي به عمل بالنضل.
(وتجوز المسابقة على أقدام و) بـ (سهام و) في (سفن و) بـ (مزاريق)(وسائر حيوان) كإبل، وخيل، وبغال، وحمير، وفيلة.
وأجمع المسلمون على جوازها في الجملة (4)، لقوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (5) وحديث مسلم: أن سلمة بن الأكوع سابق رجلًا من الأنصار بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (6).
ويكره الرقص، ومجالس الشعر، وكل ما يسمى لعبًا؛ إلا ما كان معينًا على قتال العدو. ويستحب اللعب بآلة الحرب، قال جماعة: والثِّقاف (7)، لأنه يعين على قتال العدو، ويتعلم بسيف خشب لا حديد،
(1)"حلية الفقهاء"(ص 204) و"الزاهر"(ص 936)، "المطلع"(ص 267، 268).
(2)
"منتهى الإرادات"(3/ 126) و"التوضيح"(2/ 750).
(3)
"القاموس"(ص 1373) و"المصباح المنير"(2/ 838).
(4)
"مراتب الإجماع"(ص 157) و"المغني"(13/ 404).
(5)
سورة الأنفال، الآية:60.
(6)
أخرجه مسلم في الجهاد والسير (3/ 1214).
(7)
وهي ما تسوَّى به الرماح. "القاموس المحيط"(ص 1027).
نصًّا (1)، وليس من اللهو المحرم ولا المكروه تأديب فرسه، وملاعبة أهله، ورميه عن قوسه، لحديث عقبة مرفوعًا:"كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل"(2) ثم استثنى هذه الثلاثة، رواه أحمد وغيره.
والمراد ما فيه مصلحة شرعية، ويدخل فيه تعليم الكلب للصيد والحراسة، وتعليم السباحة، ومنه ما في الصحيحين: من لعب الحبشة بدرقهم وحرابهم، وتوثبهم بذلك على هيئة الرقص، في يوم عيد، في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وستر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي تنظر إليهما. ودخل عمر فأهوى إلى الحصى يحصبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"دعهم يا عمر"(3) متفق عليه.
وكره لمن تعلم الرمي أن يتركه كراهة شديدة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها"(4)، وتجوز المصارعة، لأنه صلى الله عليه وسلم صارع ركانة فصرعه (5). رواه أبو داود. ويجوز رفع الأحجار لمعرفة الأشد، لأنه
(1)"الإنصاف"(15/ 7).
(2)
أحمد (4/ 144، 148) والترمذي، في فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمى في سبيل اللَّه (4/ 174)، ابن ماجه، في الجهاد، باب الرمي في سبيل اللَّه (2/ 940)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. اهـ
(3)
البخاري، في المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد، وفي العيدين باب الحراب والدرق يوم العيد (1/ 117، 2/ 3) وفي مواضع أخرى، ومسلم في العيدين (2/ 609) عن عائشة.
(4)
أخرجه أبو داود، في الجهاد، باب في الرمي (3/ 29)، والنسائي، في الخيل، باب تأديب الرجل فرسه (6/ 223)، من حديث عقبة بن عامر بلفظ:"من ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها"، أو قال: كفرها.
وأخرجه مسلم، في الإمارة (3/ 1523) بلفظ:"من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى". ينظر: "رياضة الأبدان" لأبي نعيم.
(5)
أبو داود، في اللباس، باب في العمائم (4/ 341)، وأخرجه أيضًا الترمذي، في اللباس، باب العمائم على القلانس (4/ 217)، قال الترمذي: غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة. اهـ قد حسنه الألباني لشواهده. ينظر: "غاية =
في معنى المصارعة. وأما اللعب بالنرد، والشطرنج (1)، ونطاح الكباش، ونقار الديوك -قلت: ومثله معاض الحمير- فلا يباح بعوضٍ ولا بغيره، وهي بالعوض أشد حرمة.
ولا تجوز مسابقة (بعوض) أي مال، لمن سبق (إلا على) مسابقة (إبل، وخيل، وسهام) أي نُشَّاب (2) ونبل للرجال، لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر"(3) رواه الخمسة، ولم يذكر ابن ماجه:"نصل".
وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعًا (4).
(وشرط) لصحتها خمسة شروط:
أحدها: (تعيين المركوبين) في المسافة، وتعيين الرماة في المناضلة برؤية فيهما، سواء كانا اثنين أو جماعتين، لأن القصد في المسابقة معرفة ذات المركوبين المسابق عليهما، ومعرفة عدوهما، وفي المناضلة معرفة حذق الرماة، ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية، ولا يشترط تعيين الراكبين،
= المرام" (ص 216). ورواه البيهقي في "السنن" (كتاب السبق والرمي (10/ 18) عن سعيد بن جبير مرسلًا وقال: مرسل جيد. اهـ
(1)
النرد: لعبة ذات صندوق وحجارة وفصَّين، تعتمد على الحظ، وتنقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفصُّ [الزهر] وتعرف عند العامة بالطاولة.
والشطرنج: لعبة تلعب عل رقعة ذات أربعة وستين مربعًا، وتمثل دولين متحاربتين بإثنين وثلاثين قطعة، تمثل الملكين والوزيرين والخيالة والقلاع والفيلة والجنود.
"المعجم الوسيط"(1/ 482)(2/ 912)، وقد ألف في "تحريم النرد والشطرنج": الآجريُّ. وكتابه مطبوع.
(2)
النُّشَّاب: النبل واحدته: نُشَّابة. "المعجم الوسيط"(2/ 921).
(3)
أبو داود، في الجهاد، باب في السبق (3/ 63) والنسائي، في الخيل، باب السبق (6/ 226) والترمذي، في الجهاد، باب الرهان والسبق (4/ 178)، وابن ماجه، في الجهاد، باب السبق والرهان (2/ 960)، قال الترمذي: حسن.
(4)
الاستذكار (14/ 314).
ولا القوسين.
(و) الشرط الثاني: (اتحادهما) أي المركوبين بالنوع في المسابقة، أو اتحاد القوسين بالنوع في المناضلة، لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة، أشبها الجنسين، فلا تصح بين عربي وهجين (1)، ولا بين قوس عربية وفارسية (و) شرط (تعيين رماة) في المناضلة كما تقدم آنفًا.
(و) الشرط الثالث: (تحديد مسافة) بالابتداء والغاية، وتحديد مدى رمي بما جرت به العادة، أما في المسابقة فلأن الغرض معرفة الأسبق، ولا يحصل إلا بالتساوي في الغاية، لأن من الحيوان ما يقصر في أول عدوه، ويسرع في انتهائه، وبالعكس، فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه، فإن استبقا بلا غاية لينظر أيهما يقف أولًا، لم يجز، وأما في المناضلة فلأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد، فإن قيد بمدى تتعذر فيه الإصابة غالبًا، لم يصح، لأنه يفوت به الغرض المقصود به الرمي.
(و) الشرط الرابع: (علم عوض) لأنه مال في عقد، فوجب العلم به كسائر العقود، ويعلم بالمشاهدة أو الوصف، ويجوز حالًّا ومؤجلًا، وبعضه حالًّا وبعضه مؤجل، كالبيع (وإباحته) أي العوض وهو تمليك للسابق بشرط سبقه.
(و) الشرط الخامس: (خروج) بالعوض (عن شبه قِمار) -بكسر القاف- يقال: قامره قمارًا ومقامرة فقمره، إذا راهنه فغلبه (2)، بأن لا يخرج جميعهم العوض، لأنه إذا أخرجه كل منهم، لم يخل أن يغنم أو يغرم، وهو شبه القمار، فإن كان الجُعل من الإمام، أو من غيره، جاز، على أن من سبق فهو له، لما فيه من المصلحة، والقربة، والحث على تعلم الجهاد، ونفع
(1) العربي: منسوب إلى العرب. والهجين: من الخيل: الذي ولدته برذونة من حصان عربي: "المطلع"(ص 268) و"المصباح المنير"(8/ 873).
(2)
انظر: "المصباح المنير"(2/ 708).
المسلمين، أو كان الجُعل من أحد المتسابقين، أو من اثنين منهم فأكثر، إذا كثروا، وثمَّ من لم يُخرج، على أن من سبق أخذه جاز، فإن جاءا معًا فلا شيء لهما من الجعل، لأنه لم يسبق أحدهما الآخر، وإن سبق مخرج أحرزه ولم يأخذ من صاحبه شيئًا لئلا يكون قمارًا، وإن سبق الذي لم يخرج أحرز سبق صاحبه، فيملكه، كسائر ماله، كالعوض في الجعالة إذا وفَّى بالعمل، وإن أخرجا معًا لم يجز، إلا بمحلل لا يخرج شيئًا، ولا يجوز كون المحلل أكثر من واحد يكافئ مركوبه مركوبيهما في المسابقة، أو يكافئ رميه رمييهما في المناضلة، لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارًا، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار"(1) رواه أبو داود.
وإن سبق المخرجان المحلل، ولم يسبق أحدهما الآخر، أحرزا سبقهما، ولا شيء للمحلل، لأنه لم يسبق أحدهما، ولم يأخذا منه شيئًا، لئلا يكون قمارًا، وإن سبق هو أحرز السبقين، أو سبق أحدهما صاحبه والمحلل أحرز السبقين لوجود شرطه، وإن سبق المحلل وأحد المخرجين معًا، أحرز السابق منهما مال نفسه لسبقه، ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين، وإن وصلوا الغاية دفعة واحدة أحرز كل واحد منهما سبق نفسه، لأنه لا سابق، ولا شيء للمحلل، لأنه لم يسبق.
والمسابقة جعالة، لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل، ولكل فسخها، ما لم يظهر الفضل لصاحبه، ويبطل سباق بموت أحدهما كسائر العقود الجائزة، أو بموت أحد المركوبين، لتعلق العقد بعينه، ولا يبطل بموت أحد الراكبين، أو تلف أحد القوسين، لأنه غير المعقود عليه، كموت أحد المتبايعين.
(1) أبو داود، في الجهاد، باب في المحلل (3/ 66، 67)، وابن ماجه، في الجهاد، باب السبق والرهان (2/ 960) قال الحاكم في "المستدرك" (2/ 114): حديث صحيح الإسناد.
ويحصل سبق في خيل متماثلي العنق برأس، وفي خيل مختلفيهما بكتف، وفي إبل بكتف، ويعتبر لمسابقة بعوض إرسال الفرسين، أو البعيرين، دفعة واحدة، وأن يكون عند أول المسافة من يشاهد إرسالهما، وعند الغاية من يضبط السابق منهما، لئلا يختلفا في ذلك. ويحرم أن يجنب أحدهما مع فرسه أو وراءه فرسًا لا راكب عليه، يحرضه على العدو، وأن يصيح به في وقت سباقه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا جلب ولا جَنَبَ في الرهان"(1) رواه أبو داود.
(1) أبو داود، كتاب الجهاد، باب الجلب على الخيل في السباق (3/ 67، 68) عن عمران بن حصين بلفظ: "لا جَلَبَ ولا جنب" قال أبو داود: زاد يحيى [بن خلف] في حديثه: "في الرهان".
وأخرج النسائي، في النكاح، باب الشغار (6/ 111) والترمذي، في النكاح، باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار (3/ 422) بلفظ:"لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا".
قال الترمذي: حسن صحيح. اهـ.
قال الخطابي في "معالم السنن"(3/ 402، 403): هذا يفسر على أن الفرس لا يجلب عليه في السباق، ولا يُزجر الزجر الذي يزيد معه شأوه. وإنما يجب أن يركضا فرسيهما بتحريك اللجام، وتعريكهما العنان والاستحثاث بالسوط والمهماز، وما في معناهما، من غير إجلاب بالصوت.
وقد قيل: إن معناه أن يجتمع قوم، فيصطفوا وقوفًا من الجانبين، ويجلبوا، فنهوا عن ذلك.
وأما الجنب، فيقال: إنهم كانوا يجنبون الفرس، حتى إذا قاربوا الأمد تحوله عن المركوب الذي قد كدَّه الركوب إلى الفرس الذي لم يركب، فنهي عنه. اهـ.
ينظر: "النهاية"(1/ 303) و"التلخيص الحبير"(2/ 175، 171)"الأجوبة المرضية" للسخاوي (1/ 411).