الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في اللقطة
وهي محركة، وكحُزْمة وهمُزَة وثمامة: ما التقط. قاله في "القاموس"(1). وهي عرفًا: مال كنقد، أو متاع، أو مختمر، كخمر خلَّال، ضائع، أو في معناه، كمتروك قصدًا لمعنى يقتضيه، ومدفون منسي لغير حربي (2).
والأصل في الالتقاط: حديث زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والوَرِق (3)؟ فقال: "اعرف وكاءها وعفاصها (4)، ثم عرِّفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإذا جاء طالبها يومًا من الدهر، فادفعها إليه". وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: "مالك ولها؟ فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربُّها". وسأله عن الشاة؟ فقال: "خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب"(5). متفق عليه.
(واللقطة ثلاثة أقسام) بالاستقراء: الأول: (ما لا تتبعه همة أوساط الناس) أي: يهتمون في طلبه (كرغيف وشسع) -بتقديم المعجمة- أحد
(1)"القاموس المحيط"(ص 886).
(2)
"معونة أولي النهى"(5/ 605).
(3)
الورق: المال من الدراهم. ويطلق على الفضة. ينظر: "المصباح المنير"(2/ 903).
(4)
وكاءها: الخيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما.
عفاصها: وعاؤها من كيس ونحوه. "الدر النقي"(3/ 559، 560).
(5)
البخاري، في العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم. . . (1/ 31) وفي اللقطة، باب ضالة الإبل، وباب إذا لم يوجد صاحب اللقطة. . . وباب إذا جاء صاحب اللقطة (3/ 92، 93، 95) وفي مواضع أخرى. ومسلم في اللقطة (3/ 1346، 1349).
سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين (1)، وكرغيف، وتمرة، وكل ما لا خطر له، (فيملك) بأخذ ويباح الانتفاع به، نصًّا (2)، لحديث جابر: رخص النبي صلى الله عليه وسلم في العصا، والسوط، والحبل يلتقطه الرجل، ينتفع به (3). رواه أبو داود (بلا تعريف) لأنه من قبيل المباحات، ولا يلزمه بدله إن وجد ربه، لملك ملتقطه له بأخذه، وظاهره: إن بقي بعينه، لزمه رده لربه كما ذكره في "الإقناع"(4).
وكذا لو لقي كناس ومن في معناه قطعًا صغارًا متفرقة من فضة، ملكها بأخذها، ولا يلزمه تعريفها، ولا بَدلها إن وجد ربها، ولو كثرت بضمها، لأن وجودها متفرقة، يدل على تعدد أربابها.
ومن ترك دابة بمهلكة، أو فلاة، لانقطاعها، أو عجزه عن علفها، ملكها آخذها، لحديث الشعبي مرفوعًا:"من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها، فأخذها، فأحياها، فهي له". قال عبد اللَّه (5) بن محمد بن حميد بن عبد الرحمن: فقلت -يعني للشعبي- من حدثك بهذا؟ قال: غير واحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (6) رواه أبو داود والدارقطني. وكذا ما يلقى من
(1)"المصباح المنير"(1/ 425).
(2)
"الإنصاف"(16/ 191).
(3)
أبو داود، في اللقطة، (2/ 339)، قال البيهقي (6/ 195): في رفع هذا الحديث شك، وفي إسناده ضعف. اهـ
(4)
الإقناع (3/ 41).
(5)
كذا في الأصل و"شرح المنتهى"(2/ 472) وصواب اسمه: عبيد اللَّه بن حميد بن عبد الرحمن الحميري، البصري. ذكره ابن حباب في "الثقات" (7/ 144). ينظر:"تهذيب الكمال"(19/ 28، 29).
(6)
أبو داود، في البيوع، باب فيمن أحيى حسيرًا (3/ 794)، وعنه الدارقطني، في البيوع (3/ 68). قال البيهقي: هذا حديث مختلف في رفعه، وهو عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع. اهـ
وتعقبه ابن التركمانى بقوله: قلت: قد قدمنا في باب فضل الحدث أن مثل هذا ليس =
سفينة، خوف غرق، فيملكه آخذه، لإلقاء صاحبه له اختيارًا، فيما يتلف بتركه، أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه.
القسم (الثاني: الضوالُّ) جمع ضالة، اسم للحيوان خاصة، دون سائر اللقطة، ويقال لها: الهوامي، والهوافي، والهوامل (1)(التي تمتنع من صغار السباع) كذئب، وأسد صغير، وابن آوى، وامتناعها إما لكبر جثتها (كخيل وإبل وبقر) وبغال، وحمير، وإما لسرعة عدوها، كظباء، وإما بطيرانها، كطير، وإما بنابها، كفهد، ونحوه (فيحرم التقاطها) لقوله صلى الله عليه وسلم:"مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها"(2). ولحديث: "لا يؤوي الضالة إلا ضال"(3). رواه أحمد وغيره.
(ولا تملك) ما حرم التقاطها (بتعريفها) لعدوانه، لعدم إذن المالك والشارع فيه، أشبه الغاصب، ولإمام ونائبه أخذه، ليحفظه لربه، لا على أنه لقطة، ولا يلزمه تعريفه، لأن عمر لم يكن يعرِّف الضوال (4). ولا يؤخذ منه بوصف، لأنها كانت ظاهرة للناس حين كانت بيد ربها، فلا يختص بمعرفة صفاتها، ويمكنه إقامة البينة عليها.
ويجوز التقاط صيود متوحشة، لو تركت رجعت إلى الصحراء، بشرط
= بمنقطع، بل هو موصول، وأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكرنا في ذلك الباب من كلام البيهقي ما يدل على ذلك. اهـ وقد حسن الحديث الألباني في "إرواء الغليل"(6/ 17).
(1)
ينظر: "الزاهر"(ص 366).
(2)
جزء من حديث زيد بن خالد الجهني تقدم تخريجه (ص 869).
(3)
أحمد (4/ 360) وأبو داود، في اللقطة (2/ 345)، وابن ماجه، في اللقطة، (2/ 836) وهو ضعيف. ينظر:"إرواء الغليل"(6/ 17).
وأخرج مسلم، كتاب اللقطة (3/ 1351) عن زيد بن خالد الجهني: من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها.
(4)
أخرجه مالك، في الأقضية، باب القضاء في الضوال (2/ 579).
عجز ربها عنها، ولا يملكها آخذها بالتعريف، لأنه يحفظها لربها، فهو كالوديع.
ولا يجوز التقاط أحجار طواحين، وقدور ضخمة، وأخشاب كبيرة، ونحوها مما ينحفظ بنفسه، لأنها لا تبرح من مكانها.
وما حرم التقاطه، ضمنه آخذه إن تلف، أو نقص، كغاصب، ولا يضمن كلبًا مع تحريم التقاطه، لأنه ليس بمال، ومن التقط ما لا يجوز التقاطه، وكتمه عن ربه، فتلف، فعليه قيمته مرتين، نصًّا (1)، لحديث:"في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها"(2). ويزول ضمان ما حرم التقاطه بدفعه إلى الإمام، أو نائبه، أو رده إلى مكانه، بأمره، أو بأمر نائبه، لقول عمر لرجل وجد بعيرًا:"أرسله حيث وجدته"(3). رواه الأثرم، فإن رده بغير أمره، فتلف، ضمن، كالمسروق، والمغصوب.
القسم الثالث: (باقي الأموال) ما عدا القسمين السابقين (كثمن) أي نقد (ومتاع) كثياب، وكتب، وفرش، ونحوها (وغنم وفصلان) بضم الفاء وكسرها، جمع فُصيل، ولد الناقة إذا فُصل عن أمِّه (وعجاجيل) جمع عجل، ولد البقرة، وأفلاء -بالمد- جمع فُلُو، وهو المهر والجحش إذا فطما أو بلغا السنة، وقن صغير، ومريض كبارِ إبلٍ ونحوها، ونحو ذلك، كخشبة صغيرة، وقطعة حديد، وزِق دهن أو عسل، وغرارة (4) نحو بر (فلمن أمن نفسه عليها) وقوي على تعريفها (أخذها) للخبر في النقدين والشاة (5)، وقيس على ذلك غيره، والإمام وغيره في ذلك سواء، فإن لم يأمن نفسه عليها، أو عجز عن تعريفها، فليس له أخذها، لما فيه من تضييعها على
(1)"الإنصاف"(16/ 197).
(2)
أخرجه أبو داود في اللقطة (2/ 339) عن أبي هريرة.
(3)
وأخرجه -أيضًا- مالك، في الأقضية، باب القضاء في الضوال (2/ 759).
(4)
الغِرارة: بالكسر، شبه العِدْل، والجمع غرائر. "المصباح المنير"(2/ 609).
(5)
حديث زيد بن خالد، المتقدم (ص 869).