الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في إحياء الموات
والموات هو: الأرض الخراب الدارسة، وتسمى ميتة ومواتًا وموتًا بفتح الميم والواو (1). (ومن أحيا أرضًا منفكة عن الاختصاصات و) عن (ملك معصوم) من مسلم، أو ذمي، أو مستأمن (ملكها) أي الأرض. جوابُ مَنْ، بما فيها من معدن جامد باطن، كذهب، وفضة، وحديد، ونحاس، ورصاص، ومن معدن جامد ظاهر، كجص، وكحل، وكبريت، وزرنيخ (2)، لأنه من أجزاء الأرض، فيتبعها في الملك، كما لو اشتراها، بخلاف الركاز، لأنه مودع للنقل، وليس من أجزائها، وهذا في المعدن الظاهر إذا ظهر بإظهاره وحفره، وأما ما كان ظاهرًا فيها قبل إحيائها، فلا يملك، لأنه قُطع لنفع كان واصلًا للمسلمين، بخلاف ما ظهر بإظهاره.
وإن ظهر فيما أحيا عين ماء، أو معدن جار كنفط، وقار، أو كلأ، فهو أحق به، ولا يملك، لحديث:"الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار"(3) رواه الخلال، وابن ماجه.
ويجب بذل ما فضل من الماء عن حاجته، وحاجة عياله، وماشيته، وزرعه، لبهائم غيره، وزرعه، لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ"(4) متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا: "من منع فضل مائه، أو فضل كلئه منعه اللَّه فضله يوم
(1)"المصباح المنير"(2/ 803) و"الدر النقي"(3/ 544).
(2)
الزرنيخ: بالكسر، حجر معروف، فارسي معرب. "قصد السبيل"(2/ 86، 87).
(3)
تقدم (ص 650).
(4)
البخاري، في الشرب والمساقاة، باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروي. . . (3/ 73) ومسلم في المساقاة (3/ 1198).
القيامة" (1) رواه أحمد، ولا يتوعد على ما يحل، فإن آذاه بالدخول، أو تضرر ببذله، فله منعه، أو كان له فيه ماء السماء، فيخاف عطشًا، أو حازه في إناء، لم يلزمه بذله.
ولا يملك بالإحياء موات الحرم، وعرفات، لما فيه من التضييق على الحاج، واختصاصه بما يستوي فيه الناس، ولا ما أحياه مسلم من أرض كفار صولحوا على أنها لهم، ولنا الخراج عنها، ولا ما قرب من العامر عرفًا، وتعلق بمصالحه، كطرقه، وفنائه، ومسيل مائه، ومرعاه، ومحتطبه، وحريمه، ومدفن موتاه، ومطرح ترابه، ولا ما جرى عليه ملك لأحد، أو وجد فيه أثر عمارة، وإن ملكه من له حرمة من مسلم أو ذمي أو مستأمن، أو شك فيه، بأن وجد مالكه، أو وجد أحد من ورثته، لم يملك بإحياء، حكاه ابن عبد البر إجماعًا (2)، وكذا إن جهل مالكه، بأن لم تعلم عينه، مع العلم بجريان الملك عليه لذي حرمة، فلا يملك بالإحياء، نصًّا (3)، لمفهوم حديث عائشة:"من أحيا أرضًا ليست لأحد"(4) ولأنه مملوك فلا يملك بالإحياء، كما لو كان مالكه معينًا، وإن علم ولم يعقب أقطعه الإمام لمن شاء، لأنه فيء، وإن ملك بإحياء، ثم ترك حتى دثر، وعاد مواتًا، لم يملك بإحياء إذ كان لمعصوم، لمفهوم حديث: "من أحيا أرضًا ميتة ليست
(1) أحمد (2/ 183) عن سليمان بن موسى، أن عبد اللَّه بن عمرو كتب إلى عامل له على أرض له أن لا تمنع فضل مائك، فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه اللَّه يوم القيامة فضله".
(2)
"فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر"(12/ 474).
(3)
"شرح المنتهى"(2/ 459).
(4)
أخرجه أبو عبيد، في الأموال، باب إحياء الأرضين. . . (264)، وأخرجه البخاري في الحرث والمزارعة باب من أحيا أرضًا مواتًا (3/ 70) بلفظ:"من أعمر أرضًا ليست الأحد فهو أحق".
لأحد" (1) وهو مقيد بحديث: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" (2)، ولأن ملك المحيي أولًا لم يزل عنها بالترك، كسائر الأملاك.
(ويحصل) إحياء الأرض (بحوزها بحائط منيع) بحيث يمنع ما وراءه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحاط حائطًا على الأرض فهي له"(3) رواه أحمد، ويكون مما جرت عادة أهل البلد به، من لبن، أو حجر، أو قصب، أو خشب، ونحوه، ولا يعتبر في ذلك تسقيف، ولا نصب باب (أو إجراء ماء) لها (لا تزرع إلا به) أي بالماء المسوق إليها (أو قطع ماء) عنها (لا تزرع معه) كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء، لكثرته، فإحياؤها بسده عنها (أو حفر بئرٍ) أو نهر، نصًّا (4)، ويصل إلى ماء البئر، فإذا خرج الماء استقر ملكه، إلا أن يحتاج إلى طي (5)، فتمام الإحياء بطيها (أو غرس شجر فيها) أي الأرض، بأن كانت لا تصلح لغرس، لكثرة أحجارها، ونحوها، فينقيها، ويغرسها.
ولا يحصل الإحياء بحرث، وزرع، وبحفر بئر بموات يملك حريمها، وهو من كل جانب في قديمة -وتسمى العاديَّة- (6) خمسون
(1) تقدم في الحاشية السابقة.
(2)
تتقدم (ص 837) ولفظه: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق".
(3)
أحمد (5/ 12، 21) عن سمرة. وأخرجه -أيضًا- أبو داود، في الخراج، باب في إحياء الموات (3/ 456)، وأخرجه أحمد (3/ 381) -أيضًا- عن جابر.
(4)
"معونة أولي النهى"(5/ 552).
(5)
"طوى فلان البئر وغيرها بالحجارة ونحوها: بناها أو عرشها. "المعجم الوسيط" (2/ 572).
(6)
بتشديد الياء، نسبة إلى عاد، ولم يرد عادًا بعينها، لكن لما كانت عاد في الزمن الأول، وكانت لها آثار في الأرض نسب إليها كل قديم.
وعند الشيخ تقي الدين: أن العادية هي التي أعيدت. والأول هو المنصوص عن أحمد. . . اهـ من "معونة أولي النهى"(5/ 553).
ذراعًا، وفي غير القديمة خمسة وعشرون ذراعًا، نصًّا (1)، لحديث أبي عبيدة في "الأموال" عن سعيد بن المسيب: السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعًا والبدي خمسة وعشرون ذراعًا (2). رواه الخلال، والدارقطني نحوه مرفوعًا (3).
والبئر التي لها ماء ينتفع به ليس لأحد احتجاره، كالمعادن الظاهرة، وحريم عين وقناة حفرتا بموات: خمسمائة ذراع، وحريم نهر بموات من جانبيه ما يحتاج إليه لطراح كرايته (4)، وطريق شاويه -أي قيمه- قال في "شرح المنتهى" لمصنفه: والكراية والشاوي لم أجد لهما أصلًا في اللغة بهذا المعنى، ولعلهما مولدتان من قبل أهل الشام (5). انتهى.
وحريم شجرة غرست بموات قدر مد أغصانها حواليها، لحديث أبي داود، عن أبي سعيد قال: اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة، فأمر بجريدة من جرائدها، فذرعت، فكانت سبعة أذرع أو خمسة أذرع، فقضى بذلك (6). وحريم أرض تزرع ما تحتاج إليه لسقيها، وربط دوابها، وطرح سبخها، ومصرف مائها عند الاستغناء عنه، وحريم دار من موات حولها
(1)"معونة أولي النهى"(5/ 554).
(2)
اللفظ الذي ذكره المؤلف في "الأموال"(ص 269) لكن عن يحيى بن سعيد. وأما عن سعيد بن المسيب ففيه (ص 269) فبلفظ: حريم البئر البدئ خمس وعشرون ذراعًا من نواحيها كلها، وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، وحريم البئر العادية خمسون ذراعًا من نواحيها كلها.
وأثر سعيد بن المسيب أخرجه -أيضًا- أبو داود في المراسيل (ص 205).
(3)
سنن الدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام (4/ 220) وقال: الصحيح أنه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم.
(4)
كرايته، هو: ما يلقى منه طلبًا لسرعة جريه. "معونة أولي النهى"(5/ 555).
(5)
"معونة أولي النهى"(5/ 555، 556).
(6)
أبو داود، في الأقضية، أبواب من القضاء (4/ 53، 54).
مطرح تراب، وكناسة، وماء ميزاب وممر لباب، ولا حريم لدار محفوفة بملك لغيره، ويتصرف كل من أرباب الأملاك المتلاصقة بحسب عادة.
وإن وقع في قدر الطريق نزاع وقت الإحياء، فلها سبعة أذرع، للخبر (1). ولا تغير بعد وضعها، ومن تحجر مواتًا، بأن أدار حوله أحجارًا، أو ترابًا، أو شوكًا، أو حائطًا غير منيع، أو حفر بئرًا لم يصل ماؤها، أو شفى شجرًا مباحًا، كالزيتون والخرنوب (2)، أي قطع الأغصان الرديئة لتخلفها أغصان جيدة، أو أصلحه ولم يركبه، أو أقطعه الإمام مواتًا ليحييه، لم يملكه بذلك، وهو أحق به من غيرد، وكذا وارثه من بعده، وكذا من ينقله المتحجر، والمقطع إليه.
وكذا من نزل عن أرض خراجية بيده لغيره، أو عن وظيفة لأهلٍ، فالمنزول له أحق بها من غيره، وليس لمن قلنا إنه أحق بشيء من ذلك بيعه، لأنه لم يملكه، كحق الشفعة قبل الأخذ، لكن النزول عنه بعوض لا على وجه البيع جائز، كما ذكره ابن نصر اللَّه (3)، قياسًا على الخلع.
(ومن سبق إلى طريق واسع) أو رحبة مسجد غير محوطة، ولم يضيق على الناس (فهو أحق بالجلوس فيه ما بقي متاعه، ما لم يضر)، لحديث:"من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به"(4) وإن سبق اثنان فأكثر إلى ما
(1) أخرج مسلم في المساقاة، (3/ 1232) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبع أذرع".
(2)
شجرة دائمة الخضرة، لا تتطلب الكثير من العناية. ينظر:"معجم الأعشاب والنباتات الطبية"(ص 344).
(3)
نقله عنه في "شرح منتهى"(2/ 464).
(4)
أخرجه أبو داود، في الخراج، باب في إقطاع الأرضين (3/ 453) عن أسمر بن مضرس بلفظ:". . . فهو له" قال الحافظ في "التلخيص"(3/ 72): قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث. صححه الضياء في المختارة. اهـ.