المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المساقاة - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في المساقاة

‌فصل في المساقاة

من السقي (1)(وتصح المساقاة على شجر) مغروس معلوم (له ثمر يؤكل) لمن يعمل عليه، بجزء مشاع معلوم من ثمره النامي بعمله، وسواء النخل، والكَرمُ، والرمان، والجوز، واللوز، والزيتون، وغيرها، لحديث ابن عمر قال: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. متفق عليه (2).

(و) تصح المساقاة على (ثمرة موجودة بجزء) مشاع معلوم (منها) لأنه إذا جاز في المعدوم مع كثرة الغرر، فعلى الموجود مع قلته أولى.

وتصح المغارسة، وهي: دفع (شجر) معلوم، له ثمر مأكول بلا غرس، مع أرض لمن (يفرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء) مشاع معلوم (من الثمرة أو) من (الشجر) عينه (أو منهما) أي من الشجر والثمرة (3). فإن

(1)"الزاهر"(ص 348) و"التوقيف"(ص 653). والمساقاة، مفاعلة من السقي، وهي: دفع شجر إلى من يقوم بمصلحته بجزء معلوم من ثمرته. اهـ من "الإنصاف"(14/ 181) وينظر: "شرح الزركشي"(4/ 258) وقال في "المستوعب"(2/ 315): المساقاة: هو أن يسلم نخله، أو كَرْمه، أو شجره الذي له ثمر مأكول إلى من يقوم بسقيه ومصالحه، بجزء شائع معلوم من ثمره يجعل العامل.

ويصح عقدها على النخل والكرم، . على كل شجرة لها ثمر يؤكل، ولا يصح على شجرة لا تحمل شيئًا. اهـ

وصوَّب في "الإنصاف"(14/ 182، 183): صحتها على ما يقصد: ورقه أو زهره. ونحوه: كورد وياسمين. اهـ

(2)

البخاري، الحرث والمزارعة، في المزارعة بالشطر ونحوه (3/ 68)، ومسلم، المساقاة (3/ 1186).

(3)

ينظر: "الإنصاف"(14/ 193).

قال شيخ الإسلام: والمزارعة أحل من الإجارة، لاشتراكهما في المغنى والمغرم. اهـ =

ص: 803

لم يكن الغراس من رب الأرض، فسدت على المذهب (1)، وربُّ الأرض بالخيار بين تكليف رب الغراس أخذه، ويضمن له نقصه، وبين تملكه بقيمته، إلا أن يختار ربه أخذه، وإن اتفقا على إبقائه بأجرة، جاز.

وإن دفع أرضًا وشجرًا لمن يعمل عليه بجزء من الأرض والشجر لم يصح، كما لو جعل له في المساقاة جزءًا من الشجر (فإن فسخ مالك) المساقاة، أو مات (قبل ظهور ثمرة) وبعد عمل (فلعامل أجرته) لاقتضاء

= "الاختيارات"(ص 219).

(1)

هذه المسألة مخرَّجة على اشتراط كون البذر من رب الأرض في المزارعة. والمشهور عن أحمد رحمه الله-كما في قال الخرقي: أنه يشترط كون البذر من رب الأرض، وعلى هذا عامة الأصحاب، حتى أن القاضي وكثيرًا من أصحابه لم يذكروا خلافًا، لأنه عقد يشترك العامل ورب المال في نمائه، فوجب أن يكون رأس المال كله من أحدهما، كالمساقاة والمضاربة.

ونقل عنه مهنا ما يدل على جواز كون البذر من العامل. واختارها أبو محمد. اهـ من "شرح الزركشي"(4/ 213).

وعبارة ابن قدامة رحمه الله في "المغني"(7/ 563): وهو الصحيح إن شاء اللَّه. وينظر: "الشرح الكبير"(14/ 240) واستدل بذلك: بقول ابن عمر: دفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها، على أن يعملوها من أموالهم، ولرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها. وفي لفظ: على أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها. أخرجهما البخاري (3/ 68) فجعل عملها من أموالهم، وزرعها عليهمء ولم يذكر شيئًا آخر. وظاهره أن البذر على المسلمين، ولو كان شرطًا لما أخذ بذكره، ولو فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لنقل، ولم يجز الإخلال بنقله. ولأن عمر رضي الله عنه فعل الأمرين جميعًا. . . إلخ. اهـ

وقال شيخ الإسلام: ولا يشترط كون البذر من رب الأرض، وهو رواية عن أحمد، واختارها طائفة من أصحابه.

ولو كان من إنسان الأرض، ومن ثانٍ العمل، ومن ثالث البذر، ومن رابع البقر، صح، وهو رواية عن أحمد. اهـ "الاختيارات" (ص 219). وقال في "الإنصاف" (14/ 241): وهو أقوى دليلًا. وفي متن الزاد: وعليه عمل الناس. قال الشيخ البليهي في "السلسبيل"(2/ 540): وعليه العمل أيضًا في البلاد النجدية في هذا الزمن وقبله. اهـ

ص: 804

العقد العوض المسمى، ولم يرض العامل بإسقاط حقه منه (أو) فسخ (عامل) المساقاة، أو هرب قبل ظهور ثمرة (فلا شيء له) لإسقاط حقه برضاه، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح (وتُملك الثمرة بظهورها فعلى عامل تمام عمل إذا فسخت بعده) أي بعد ظهور الثمرة فيما ساقا عليه، والثمر بينهما، على ما شرطا في العقد.

وإن بان الشجر المساقى عليه مستحقًّا لغير المساقي، بعد عمل عامل فيه، فلربه أخذه وثمره، لأنه عين ماله، ولا شيء عليه للعامل، لأنه لم يأذن، وله أجر مثله على الغاصب، لأنه غرَّه واستعمله.

(وعلى عامل) في مساقاة ومغارسة ومزارعة (كلُّ ما فيه نمو أو صلاح) لثمر وزرع، من سقي بماء حاصل، لا يحتاج إلى حفر بئر، ولا إدارة دولاب، وإصلاح طريقة (وحصاد ونحوه) كدياس، وتشميس ما يحتاج إليه، وإصلاح محله، وحفظ ثمرة، وزرع إلى قسمه (وعلى رب أصل حفظـ) ـه، ونحوه، كسدِّ حائط، وإجراء نهر، وحفر بئر، وثمن دولاب، وما يديره من بهائم، وشراء ما يلقح به من طلع فحالٍ، وتحصيل زبلٍ، وسباخ (1)، لأن هذا كله ليس من العمل، فهو على رب المال.

(وعليهما) أي العامل ورب المال (بقدر حصتيهما جذاذ) نصًّا (2)، ويصح شرطه على عامل، نصًّا (3)، ولا يصح أن يشترط على أحدهما ما على الآخر كلة أو بعضه، ويفسد العقد به، لمخالفته مقتضاه، ويتبع في الكُّلَفِ السلطانية (4) العرفُ، ما لم يكن شرط، فيعمل به. وما طلب من قرية من

(1) سَبَخَ القطن: لفَّه. ينظر: "القاموس"(ص 322) و"المعجم الوسيط"(1/ 412).

(2)

"شرح منتهى الإرادات"(2/ 346).

(3)

المصدر السابق (2/ 346).

(4)

الكلف: جمع كُلفة، كغرف جمع غُرفة، وهي: ما تحمَّلَته من المشقة. قاله عثمان.

وقال الفتوحي: التي للسلطان عادة بأخذها. اهـ وهي: الرسوم والضرائب.

"معونة أولي النهى"(4/ 801): "حاشية عثمان على المنتهى"(3/ 36) و"العرف حجيته، =

ص: 805

وظائف سلطانية ونحوها؛ فعلى قدر الأموال، وإن وضعت على الزرع فعلى ربه، وعلى العقار على ربه، ما لم يشترطه على مستأجر (1).

والخراج على رب المال، لأنه على رقبة الأرض، أثمر الشجر أو لم يثمر، ولأنه أجرة الأرض فكان على من هي ملكه.

وكره حصاد وجذاذ ليلًا، نصًّا (2)، خشية ضرر.

(وتصح المزارعة بجزء معلوم مما يخرج من الأرض) كثلث، وربع، ونحو ذلك (بشرط علم) جنس (بذر) ولو تعدد البذر (و) علم (قدره، و) بشرط (كونه) أي البذر (من رب الأرض) نصًّا (3). واختاره عامة الأصحاب، وعنه: ما يدل على أنه لا يشترط ذلك، وصححه في "المغني" وغيره، وجزم به في "المختصر"(4)، فإن كان في الأرض شجر، فزارعه على الأرض، وساقاه على الشجر، صح، سواء قل بياض الأرض، أو كثر. نص عليه (5). وقال: قد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا (6).

وإن آجره الأرض وساقاه على الشجر، صح، كجمع بين إجارة وبيع، ما لم يكن حيلة على بيع الثمرة قبل وجودها، أو قبل بدو صلاحها، كان آجره الأرض بأكثر من أجرتها، وساقاه على الشجر بجزء مثلًا من ألف جزء، فيحرم ذلك، ولم يصح كل من الإجارة، والمساقاة.

= وأثره في فقه المعاملات المالية عند الحنابلة" (2/ 1027).

(1)

هذا كلام شيخ الإسلام -كما في "الاختيارات"(ص 220) وزاد: (وإن وُضِعَتْ مطلقًا فالعادة).

(2)

"معونة أولي النهى"(4/ 801).

(3)

"الشرح الكبير"(14/ 241) وينظر ما تقدم (ص 805).

(4)

ينظر ما تقدم في (ص 805).

(5)

"شرح المنتهى"(2/ 349).

(6)

البخاري، كتاب المزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة (3/ 68، 69). ومسلم، كتاب المساقاة، (3/ 1185).

ص: 806

وإن شرط رب المال لعامل نصف هذا النوع، أو الجنس من ثمر أو زرع، وربع الآخر، وجهل قدرهما، بأن جهلاهما، أو جهلهما أحدهما، أو شرط أن سقى العامل سيحًا (1)، أو زرع شعيرًا، فله الربع، وإن سقى بكلفة، أو زرع حنطة، فله النصف، أو قال له: اعمل، ولك الخمسان إن لزمتك خسارة، وإلا فلك الربع، أو شرطا أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسمان الباقي؛ لم يصح، للجهالة.

وإن قال: ساقيتك هذا البستان بالنصف، على أن أساقيك الآخر بالربع، فسدتا، لأنه شرط عقد في عقد، فهو في معنى بيعتين في بيعه المنهي عنه، كما لو شرطا لأحدهما قفزانًا معلومة، أو دراهم معلومة، أو زرع ناحية معينة، أو ثمر شجر ناحية معينة.

وإذا فسدت المزارعة، فالزرع لرب البذر. أو المساقاة، فالثمرة لرب الشجر، لأنه عين ماله، ينقلب من حال إلى حال، وينمو، كالبيضة تحضن فتصير فرخًا، وعليه الأجرة -أي أجرة مثل العامل- لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له، فرجع إلى بدله، وهو أجر المثل، وإن كان رب البذر هو العامل، فعليه أجرة مثل الأرض.

(1) ساح الماء يسيح سيحًا وسيحانًا: جرى على وجه الأرض. . والسيح: الماء الجاري الظاهر. "القاموس"(ص 288).

ص: 807