الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الرهن
وهو لغة: الثبوت والدوام (1)، ومنه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (2)، وشرعًا: توثقة دين، غير سلم ودَين كتابة، ولو في المآل، كعين مضمونة بعين يمكن أخذه أو بعضه منها إن كانت من جنس الدَّين، أو من ثمنها إن لم تكن من جنسه (3).
وأجمعوا على جوازه (4)، لقوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (5)، وحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا ورهنه درعه (6). متفق عليه.
ويجوز حضرًا وسفرًا، لأنه روي أن ذلك كان بالمدينة (7)، وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب، ولهذا لم يشترط عدم الكاتب. ويصح زيادة رهن لا دَينه (وكل ما جاز بيعه) من الأعيان (جاز رهنه) إلا المصحف، فلا
(1) ينظر: "القاموس"(ص 1551) و"المطلع"(ص 247) و"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 193) قال ابن فارس في "حلية الفقهاء"(ص 141): أصل الرهن: حبس الشيء على حق. اهـ.
(2)
سورة المدثر، الآية:38.
(3)
ينظر: "معونة أولي النهى"(4/ 317) و"المطلع"(ص 247).
(4)
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الرهن في السفر والحضر جائز. وانفرد مجاهد فقال: لا يجوز في الحضر. اهـ "الإجماع"(ص 138).
(5)
سورة البقرة، الآية:283.
(6)
البخاري، الرهن، باب مَنْ رهن درعه (3/ 115)، ومسلم في المساقاة (3/ 1226).
(7)
جاء ذلك في حديث أنس المتقدم، وذلك في لفظ لأحمد (3/ 133): أنه مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة. قال: "وقد رهن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم درعًا له عند يهودي بالمدينة، فأخذ منه شعيرًا لأهله. . . " الحديث.
يصح رهنه ولو لمسلم، لأنه وسيلة إلى بيعه الحرام.
(وكذا) يجوز رهن (ثمر وزوع لم يبدُ صلاحهما) بلا شرط قطع، لأن النهي عن بيعها لعدم أمن العاهة، وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدَّين لتعلقه بذمة الراهن.
(و) كذا (قِنٌّ) ذكرًا أو أنثى فيصح رهنه (دون ولده ونحوه) كوالده وأخيه، لأن تحريم بيعه وحده للتفريق بين ذوي الرحم المحرم، وهو مفقود هنا، لأنه إذا استحق بيع الرهن بيعا معًا، دفعًا لتلك المفسدة.
(ويلزم في حق راهن بقبض) لقوله تعالى: {فَرِهَن مَقْبُوضَةٌ} (1) وقبض رهن كقبض مبيع على ما سبق، ولراهن الرجوع فيه قبل قبضه ولو أذن فيه، لعدم لزوم الرهن إذن، وله التصرف فيه بما شاء، فإن تصرف فيه بما ينقل الملك أو رهنه ثانيًا بطل الرهن الأول، سواء أقبض الثاني أو لا، لخروجه عن إمكان استيفاء الدَّين من ثمنه، وإن دبره أو كاتبه أو أجره أو زوج الأمة لم يبطل، لأنه لا يمنع ابتداء الرهن، فلا يقطع استدامته، كاستخدامه.
وإن رهنه ما بيده أمانة أو غصبًا، لزم وصار أمانة، لا يضمنه مرتهن إلا بتعد أو تفريط، واستدامه قبض رهن شرط للزومه، فيزيله أخذ راهن بإذن مرتهن، ولو أخذه إجارة أو عارية أو أمانة لزوال الاستدامة التي هي شرط اللزوم، وإن أجره أو أعاره لمرتهن أو لغيره بإذن مرتهن فلزومه باق (وتصرف كل منهما فيه) أي في الرهن (بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن) فينفذ، ولو بلا إذن مرتهن، موسرًا كان الراهن أو معسرًا، نصًّا (2)، لأنه إعتاق من مالك تام الملك، فنفذ؛ كعتق المؤجر، بخلاف غير العتق، ولأنه مبني على التغليب والسراية.
(1) سورة البقرة، الآية:283.
(2)
"الإنصاف"(12/ 411).
ويحرم عتق راهن لرهن بلا إذن مرتهن، لإبطاله حقه من عين الرهن، (وتؤخذ قيمته) أي الرهن المعتق (منه) أي الراهن (رهنًا) مكانه إن كان موسرًا أو أيسر (وهو) أي الرهن (أمانة في يد مرتهن) ولو قبل عقد، كبعد وفاء دَين، فلا يضمنه إلا بتعد أو تفريط كسائر الأمانات.
(وإن رهن) ما يصح رهنه (عند اثنين) بدَين لهما (فوفى) راهن (أحدهما) دينه، انفك نصيبه من الرهن، لأنه عقد واحد مع اثنين بمنزلة عقدين، أشبه ما لو رهن كل واحد النصف مفردًا، فإن كان الرهن لا تنقصه القسمة كمكيل فلراهن مقاسمة من لم يوفه، وأخذ نصيب من وفاه من الرهن، وإلا لم تجب قسمته لضرر المرتهن، ويبقى بيده نصفه رهن (1) ونصفه أمانة (أو رهناه) أي رهن اثنان واحدًا شيئًا (فاستوفى من أحدهما) ما عليه (انفك) الرهن (في نصيبه) أي الموقي لما عليه، لما تقدم.
(وإذا حلَّ الدَّين) الذي به الرهن (وامتنع) راهن (من وفائه فإن كان) قد (أذن لمرتهن في بيعه) إذا حل الدين (باعه) واستوفى دينه من ثمنه؛ لأنه وكيل ربِّه (وإلا) يكن أذن في بيعه، أو كان أذن ثم رجع لم يبع و (أُجبر) أي أجبره حاكم (على الوفاء) من غير رهن، لأنه قد يكون له غرض فيه، والمقصود الوفاء، (أو) أجبره على (بيع الرهن) ليوفي من ثمنه إن امتنع عن الوفاء من غيره (فإن أبي) من الوفاء ومن البيع (حُبس أو عُزر) أي حبسه حاكم أو عزره حتى يفعل ما أمر به (فإن أصر) على الامتناع من كل منهما (باعه) أي الرهن (حاكم) نصًّا (2)، بنفسه أو أمينه (ووفى دينه) لقيامه مقام الممتنع (وغائب كممتنع) فيبيعه الحاكم أو أمينه، ولا يبيعه مرتهن إلا بإذن ربه أو الحاكم.
(وإن شرط) راهن (أن لا يباع) الرهن (إذا حل الدَّين، أو) شرط
(1) في "شرح المنتهى": (نصفه رهنًا. .) على الحال. ولعله الأصوب.
(2)
"شرح المنتهى"(2/ 238).
مرتهن أنه (إن جاءه بحقه في وقت كذا، وإلا فالرهن له بالدين، لم يصح الشرط) لمنافاته مقتضى العقد، والرهن صحيح؛ لحديث:"لا يغلق الرهن"(1) رواه الأثرم عن [معاوية بن](2) عبد اللَّه بن جعفر.
وإن اختلفا في رد رهن أو في عينه أو قدره أو في دين به أو في قبضه، وليس هو بيد مرتهن، فقول راهن بيمينه، لأن الأصل عدمه، وإن قال راهن: رهنتك ما بيدك بألف فقال: بعتنيه بها، أو قال: بعتكه. قال: رهنتنيه بها، حلف كل على نفي ما ادعى عليه، وأخذ راهن رهنه، وبقي الألف بلا رهن.
(ولمرتهن أن يركب ما يُركب) من حيوان مرهون بقدر نافقته (ويحلب
(1) أخرجه البيهقي، في كتاب الرهن، باب ما روى في غلق الرهن (6/ 44) وقال عقبه: هذا مرسل. اهـ
وقد أخرجه ابن ماجه، كتاب الوهون، باب لا يغلق الرهن (2/ 816) عن أبي هريرة. قال البوصيري: في إسناده محمد بن حميد الرازي. وهو ضعيف. اهـ بتصرف.
وأخرجه الدارقطني في "سننه" كتاب البيوع (3/ 32) من وجه آخر عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة بلفظ: "لا يغلق الرهن، له غنمه، وعليه غرمه" قال الدارقطني: هذا إسناد حسن متصل. اهـ وكذا أخرجه ابن حزم في "المحلى"(8/ 500) من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري. . . به وقال عقبه: هذا مسند من أحسن ما روي في هذا الباب. اهـ ونقل عن الحافظ في "التلخيص"(3/ 42) أنه قال: سنده حسن. اهـ وعبارته في "المحلى" هذه لا تفيد ذلك. وقد حسنه -أيضًا- ابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 430) وأخرجه مالك في الأقضية، باب ما لا يجوز من غلق الرهن (2/ 728) عن سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لا يغلق الرهن". وهو في "المراسيل لأبي داود" (ص 170). ينظر "بيان الوهم والإيهام" (5/ 90).
(2)
ما بين معقوفين سقط من الأصل. والمثبت من "المغني"(6/ 507) و"سنن الدارقطني"(6/ 44) ومعاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب القرشي المدني. روى عن أبيه عبد اللَّه وعبد اللَّه بن عتبة بن مسعود. . وغيرهم. روى عنه جماعة. ثقة. وقول ابن حجر في "التقريب"(ص 470): مقبول. غير مقبول. ينظر: "تهذيب الكمال"(28/ 196).
ما يُحلب) منه (بقدر نفقته) متحريًا للعدل؛ لحديث البخاري وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: "الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة"(1)(بلا إذن) راهن ولو كان حاضرًا، لأنه مأذون فيه شرعًا، ولا ينهك المركوب والمحلوب، بالركوب والحلب نصًّا (2)، لأنه إضرار به.
(وإن أنفق) مرتهن (عليه) أي على الرهن (بلا إذن راهن مع إمكان) استئذانـ (ـه لم يرجع) عليه بشيء، لأنه متبرع حكمًا، فلم يرجع بعوضه، كالصدقة على مسكين، ولتفريطه بعدم الاستئذان (وإلا) أي وإلا يمكن استئذانه لغيبته أو استتاره (رجع) على راهن (بالأقل مما أنفقه) على رهن أ (ونفقة مثله إن نواه) ولو لم يستأذن حاكمًا في الإنفاق، أو لم يشهد أنه ينفق ليرجع على ربه (و) حيوان (معار ومؤجر ومودع) ومشترك بيد أحدهما بإذن الآخر إذا أنفق عليه مستعير، ومستأجر ووديع وشريك (كرهن) فيما سبق تفصيله.
وإن مات قن فكفَّنه فكذلك (ولو خرب) رهن كدار انهدمت (فنعمره) أي الرهن مرتهن بلا إذن راهن (رجع) مُعمر (بآلته فقط) لأنها ملكه، بخلاف نفقة الحيوان لحرمته، وعدم بقائه بدونها.
وإن جنى الرهن تَعَلَّق الأرشُ برقبته، فإن استغرقه خيّر سيده بين فدائه بالأقل من الأرش أو قيمته ويبقى الرهن بحاله، وبين بيعه في الجناية، أو تسليمه لوليها، فيملكه ويبطل الرهن فيهما، لاستقرار كونه عوضًا عنها، وإلا يستغرقه أرشٌ بيع منه بقدره، أي قدر أرش الجناية، إن لم يفده سيده، وباقيه رهن، فإن تعذر بيع بعضه بيع الكل، للضرورة، وباقي ثمنه رهن.
(1) البخاري، الرهن، باب الرهن مركوب ومحلوب (3/ 115، 116).
(2)
"الشرح الكبير"(12/ 490).
وإن جني عليه فالخصم سيده، فإن غاب فالمرتهن، لتعلق حقه بموجب الجناية، ولسيد أن يعفو على مال، وأن يقتص إن أذن مرتهن، أو أعطاه ما يكون رهنًا، فإن اقتص بدونهما في نفس أو دونها، أو عفى على مال فعليه قيمة الأقل من الجاني والمجني عليه، يجعل رهنًا مكانه.
وإن وطئ مرتهن أمة مرهونة ولا شبهة له، حُدَّ، وَرَقَّ ولده، ولزمه المهر، وإن أذن راهن فلا مهر كالحرة المطاوعة، وكذا لا حد إن ادعى جهل تحريمه، ومثله يجهله، لكونه حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية، وولده حر؛ لأنه من وطء شبهة.