المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الحجر لحظ نفس المحجور عليه - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في الحجر لحظ نفس المحجور عليه

‌فصل في الحجر لحظ نفس المحجور عليه

والأصل فيه قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (1) وأضاف الأموال إلى الأولياء، لأنهم مدبروها.

(ويحجر على الصغير والمجنون والسفيه لحظهم) فلا يصح تصرفهم في أموالهم، ولا ذممهم، قبل الإذن، لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع أموالهم، وفيه ضرر عليهم (ومن دفع إليهم ماله بعقد) كبيع وإجارة (أو) بـ (لا) عقد كوديعة وعارية (رجع فيما (2) بقي) من ماله، لبقاء ملكه عليه (لا ما تلف) منه بنفسه كموت قن أو حيوان، أو بفعل محجور عليه، كقتله له، فلا يرجع بشيء، لأنه سلطه عليه برضاه، علم الدافع بحجر المدفوع إليه أو لا، لتفريطه، لأن الحجر عليه في مظنة الشهرة.

(ويضمنون) أي المحجور عليهم لحظ أنفسهم (جناية) على نفس أو طرف ونحوه، على ما يأتي تفصيله في الجنايات (3)(و) يضمنون (إتلاف ما لم يُدفع إليهم) من المال، لاستواء المكلف وغيره، ومن أعطوه مالًا بلا إذن ولي ضمنه، لتعديه بقبضه ممن لا يصح منه دفع حتى يأخذه منه ولي.

ولا يضمن من أخذ من محجور عليه مالًا ليحفظه من الضياع، كأخذه (4) من غاصب أو غيره ليحفظه لربه، ولم يفرط، لأنه محسن بالإعانة على رد الحق لمستحقه، فإن فرط ضمن.

(ومن بلغ) من ذكر وأنثى وخنثى (رشيدًا) انفك الحجر عنه (أو) بلغ

(1) سورة النساء، الآية:5.

(2)

في "أخصر المختصرات"(ص 180): (بما).

(3)

في لوحة (297) من مخطوطة الكتاب.

(4)

في الأصل: كأخذ. والمثبت من "شرح المنتهى"(2/ 289).

ص: 771

(مجنونًا ثم عقل ورشد انفك الحجر عنه) لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (1) الآية، ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله، حفظًا له، وقد زال، فيزول الحجر، لزوال علته (بلا حكم) بفكه، وسواء رشده الولي أو لا، لأن الحجر عليه لا يحتاج إلى حكم فيزول بدونه، ولقوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2)، واشتراط الحكم زيادة تمنع الدفع عند وجود ذلك، وهو خلاف النص (وأعطي) من انفك الحجر عنه (ماله) للآية، ويستحب بإذن قاض، وإشهاد برشد، ودفع، ليأمن التبعة و (لا) يعطى ماله (قبل ذلك بحال) ولو صار شيخًا، لظاهر الآية.

(وبلوغ ذكر بإمناء) باحتلام أو غيره، لقوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} (3)(أو تمام خمس عشرة سنة) لحديث ابن عمر: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني (4). متفق عليه. وفي رواية البيهقي بإسناد حسن: فلم يجزني ولم يرني بلغت (5).

(أو نبات شعر خشن) أي يستحق أخذه بالموسى (6)، لا زغب (7) ضعيف (حول قُبُله) لأنه صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، حكم بأن يقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وحكم بأن يكشف عن مؤتزراتهم، فمن

(1) سورة النساء، الآية:6.

(2)

سورة النساء، الآية:6.

(3)

سورة النور، الآية:59.

(4)

البخاري، في الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم (3/ 158) وفي المغازي باب غزوة الخندق. . . (5/ 45)، ومسلم في الإمارة (3/ 1490) بنحوه. واللفظ الذي ذكره المصنف عند ابن ماجه، الحدود، باب من لا يجب عليه الحد (2/ 850).

(5)

"السنن الكبرى"(6/ 55).

(6)

هي آلة الحديد. "المصباح المنير"(2/ 805).

(7)

بفتحتين: صغار الشعر وليِّنه حين يبدو من الصبي. . "المصباح المنير"(1/ 345).

ص: 772

أنبت فهو من المقاتل، ومن لم ينبت ألحقوه بالذرية. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لقد حكم بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة"(1). متفق عليه.

(و) بلوغ (أنثى بذلك) الذي يحصل به بلوغ الذكر (و) تزيد عليه (بحيض) لحديث: "لا يقبل اللَّه صلاة حائض إلا بخمار"(2). رواه الترمذي وحسنه (وحملها دليل إمناء) لإجراء اللَّه تعالى العادة بخلق الولد من مائهما، قال تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} (3) الآية. وإذا ولدت حكم ببلوغها من أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر؛ لأنه اليقين.

(ولا يُدفع إليه) أي من بلغ رشيدًا ظاهرًا (ماله حتى يُختبر بما يليق به، ويؤنس رشده، ومحله) أي الاختبار (قبل بلوغ) لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} (4) الآية (والرشد هنا إصلاح المال).

والناس يختلفون في ذلك، فيختلف إيناس الرشد باختلافهم، فولد التاجر يعلم رشده (بأن يبيع ويشتري فلا يغبن غالبًا) غبنًا فاحشًا (ولا يبذل ماله في حرام) كقمار، وغناء وشراء محرم، كآلة لهو، ونحو ذلك (و) لا في (غير فائدة) وولد رئيس وكاتب باستيفاء على وكيله فيما وُكِّل فيه.

(1) البخاري، في الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل (4/ 28) وفي مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ (4/ 227) وفي المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب (5/ 50) وفي الاستئذان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم (7/ 135)، ومسلم في الجهاد (3/ 1388) عن أبي سعيد الخدري، بلفظ: تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قضيت بحكم اللَّه"، وفي لفظ:"قضيت بحكم الملك".

(2)

الترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار (2/ 215) عن عائشة، أبو داود، الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار (1/ 421)، وابن ماجه، الطهارة، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار (1/ 214).

(3)

سورة الطارق، الآية:5.

(4)

سورة النساء، الآية:6.

ص: 773

ويؤنس رشد أنثى باشتراء قطن، واستجادته، ودفعه، ودفع أجرته إلى الغَزَّالات، واستيفاء عليهن.

ومن نوزع في رشده، فشهد به عدلان ثبت. وإلا بأن لم يشهد أحد، فادعى محجور عليه علم وليه برشده، حَلَفَ أنه لا يعلم رشده، لاحتمال صدق مدع.

ومن تبرع في حجر، فثبت كونه مكلفًا رشيدًا؛ نفذ تصرفه، لتبين أهليته له.

(ووليهم) أي المحجور عليهم لحظ أنفسهم (حال الحجر) عليهم (الأب) لكمال شفقته (الرشيد) لأن غير الرشيد محجور عليه (ثم) وليهم بعد الأب (وصيُّه) لأنه نائبه، أشبه وكيله في الحياة، ولو كان بجُعْلٍ وثَمَّ متبرع، أو كان الأب أو وصيه كافرًا على كافر، إن كان عدلًا في دينه، ولا ولاية لكافر على مسلم (ثم) بعد الأب ووصيِّه، وليهم (الحاكم) لانقطاع الولاية من جهة الأب، فتكون للحاكم، كولاية النكاح، لأنه وليُّ من لا وليَّ له.

وتكفي العدالة في الولي ظاهرًا، فإن عدم حاكم أهل، فأمين يقوم مقامه، وعلم منه أنه لا ولاية للجد، والأم، وباقي العصبات.

(و) يجب على الولي أن (لا يتصرف لهم) أي المحجور عليهم (إلا بالأحظِّ) لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)، فإن تبرع الولي بصدقة أو هبة، أو حابى، بأن باع من مال موليه بأنقص من ثمنه، أو اشترى له بأزيد، أو زاد في النفقة على الإنفاق بالمعروف، ضمن لتفريطه، وللولي تعجيل نفقة موليه مدة جرت به عادة أهل بلده، إن لم يفسدها، وإلا فتدفع إليه يومًا بيوم، فإن أفسدها بإتلاف، أو دفع لغيره أطعمه معاينة، وإلا كان مفرطًا، وإن أفسد كسوته ستر عورته فقط في بيت إن لم يمكن تحَيّل على إبقائها عليه ولو بتهديد.

(1) سورة الإسراء، الآية:34.

ص: 774

ولا يصح أن يبيع ولي أو يشتري أو يرهن من مالهم لنفسه، لأنه مظنة التهمة، إلا الأب، فله ذلك، لأن التهمة منتفية بين الوالد وولده، إذ من طبعه الشفقة عليه، وترك حظ نفسه لحظه. وللأب ولغيره من الأولياء مكاتبة قنه، وعتقه على مال، وتزويجه لمصلحة، وإذنه في تجارة، وسفر بمال مع أمن بلد، وطريق، لجريان العادة به، ولأب وغيره مضاربة بمالهم بنفسه، لحديث ابن عمرو (1) مرفوعًا:"من ولي يتيما له مال، فليتجر به، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة". وروي موقوفًا على عمر، وهو أصح (2).

ولمحجور ربحه كله، لأنه نماء ملكه، فلا يستحقه غيره إلا بعقد، ولا يعقدها الولي لنفسه للتهمة، ولولي دفع مال محجور عليه لغيره مضاربة بجزء معلوم من ربحه، لأن عائشة رضي الله عنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر (3).

(1) في الأصل: عن ابن عمر. والتصويب من "سنن الترمذي" ينظر الحاشية الآتية.

(2)

الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم (3/ 24) عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال. . . فذكره. قال الترمذي: وإنما روي هذا احديث من هذا الوجه. وفي إسناده مقال. لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث.

وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب فذكر هذا الحديث. اهـ

قال في "نصب الراية"(2/ 337): وقال صاحب "التنقيح" رحمه الله قال مهنا: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: ليس بصحيح. اهـ وأشار ابن الجرزي إلى ضعفه في "التحقيق"(5/ 50).

والموقوف على عمر. أخرجه الدارقطني في كتاب الزكاة، باب استقراض الوصي من مال اليتيم (2/ 111) والبيهقي في الزكاة، باب من تجب عليه الصدقة (4/ 107) وقال: هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر.

(3)

أخرجه عبد الرزاق، كتات الزكاة، باب صدقة مال اليتيم، (4/ 66، 67) وابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، ما قالوا في مال اليتيم زكاة (3/ 149).

ص: 775

ولوليٍّ بيع مال موليه نساء، وله قرضه ولو بلا رهن لمصلحة، وله شراء أضحية لمحجور عليه موسر، نصًّا (1). وله مداواته لمصلحة، ولو بأجرة، نصًّا (2). وله ترك صبي بمكتب لتعلم خط ونحوه بأجرة، لأنه من مصالحه، وله شراء لعب غير مصورة لصغيرة تحت حِجْرِهِ من مالها، نصًّا (3)، للتمرن، وله -أيضًا- تجهيزها إذا زوجها، أو كانت مزوجة بما يليق بها من لباس وحلي وفرش على عادتهن في ذلك البلد، وله خلط نفقة موليه بماله إذا كان أرفق به، وله بيع عقاره لمصلحة، نصًّا (4)، ولو بلا ضرورة، أو زيادة على ثمن مثله.

ولولي صغير وسفيه ومجنون، غير حاكيم وأمينه؛ الأكل لحاجة من مال موليه، لقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (5)، ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء، ولي يتيم، فقال:"كل من مال يتيمك غير مسرف"(6). رواه أبو بكر. ولا يأكل الحاكم ولا أمينه شيئًا، لاستغنائهما بما لهما في بيت المال، فيأكل من يباح له الأقل من أجرة مثله وكفايته، ولا يلزمه عوضه إذا أيسر؛ لأنه عوض عن عمله، ولظاهر الآية، ومع عدم الحاجة يأكل من

(1)"المقنع" مع "الشرح الكبير" مع "الإنصاف"(13/ 383).

(2)

"الإنصاف"(13/ 385) و"شرح منتهى الإرادات"(2/ 293).

(3)

"الإنصاف"(13/ 385).

(4)

"الإنصاف"(13/ 387).

(5)

سورة النساء، الآية:6.

(6)

أبو بكر، نسبه إليه هكذا في "معونة أولي النهى"(4/ 835) وهو غلام الخلال، وقد أخرجه أبو داود، في الوصايا، باب ما جاء في ما لولي اليتيم أن ينال عن مال اليتيم (3/ 292)، والنسائي، في الوصايا، باب ما للوصي (6/ 256) وابن ماجه، في الوصايا، باب في قوله: ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف (2/ 907)، قال الألباني: هذا إسناد حسن. اهـ "رواء الغليل"(5/ 277).

ص: 776

مالهم ما فرضه له حاكم، فإن لم يفرض له شيئًا لم يأكل منه، لقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} (1).

ولناظرِ وقفٍ ولو لم يحتج أكْل منه بمعروف، إلحاقًا له بعامل الزكاة، فإن شرط له الواقف شيئًا فله ما شرطه (ويتكبل قوله) أي الولي (بعد فك حجر) عن محجور عليه (في) وجود (منفعة) أي غبطة في بيع عقار (و) وجود (ضرورة) في ذلك (و) في (تلف) مال، أو قدر نفقة، ولو على عقار محجور عليه، أو كسوة لمحجور عليه، أو لزوجته، أو رقيقه، ونحوه، فيقبل قول الولي في ذلك، لأنه أمين ما لم تخالفه عادة وعرف، فيرد للقرينة، ويحلف ولي حيث قبل قوله، لاحتماد صدق الآخر.

و(لا) يقبل قول ولي (في دفع مال بعد رشد) أو بعد عقل، لأنه قبض المال لمصلحته، أشبه المستعير (إلا) أن يكون الدفع (من) ولي (متبرع) فيقبل قوله في دفع المال إذن، لأنه قبض المال لمصلحة المحجور عليه فقط، أشبه الوديع، ولا يقبل قول ولي في قدر زمن إنفاق إلا ببينة، لأن الأصل عدم ما يدَّعيه.

وليس لزوج حرة رشيدة حجر عليها في تبرع زائد على ثلث مالها.

ولولي حر مميز، وسيد قيت مميز، أن يآذن له أن يتَّجر، لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (2) ولأنه عاقل محجور عليه، فصح تصرفه بإذن وليه وسيده، كالعبد الكبير والسفيه، وكذلك يصح أن يأذن له أن يدّعي على خصم، وأن يقيم بينة على الخصم، وأن يحلِّفه إذا أنكر.

(ويتعلق) جميع (دَين) قن (مأذون له) في تجارة إن استدان فيما أذن له فيه، أو غيره (بذمة سيد) لأنه غر الناس بإذنه له، وكذا ما اقترضه ونحوه بإذن سيده، لأنه تصرف لسيده (و) يتعلق (دَين غيره) أي غير المأذون له في

(1) سورة النساء، الآية:6.

(2)

سورة النساء، الآية:6.

ص: 777