المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في القرض - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في القرض

‌فصل في القرض

بفتح القاف، وحكي كسرها مصدر قرض الشيء يقرضه -بكسر الراء- إذا قطعه، ومنه المقراض والقرض اسم مصدر بمعنى الاقتراض (1). وشرعًا: دفع مال إرفاقًا لمن ينتفع به ويرد بدله (2)، وهو من المرافق المندوب إليها للمقرض، لحديث ابن مسعود يرفعه "ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقته مرة"(3). رواه ابن ماحه، ولأن فيه تفريجًا وقضاء لحاجة أخيه المسلم أشبه الصدقة عليه.

وإن قال معط: ملكتكه. ولا قرينة على رد بدله؛ فهبة، وإن اختلفا في أنه هبة أو قرض ولا قرينة فقول آخذٍ بيمينه، ولا يجب على مقرض ولا يكره لمقترض. نصًّا (4)، لكن لا يقترض إلا ما يقدر أن يوفيه، إلا اليسير الذي لا يتعذر مثله، وله أخذ جُعل على اقتراضه بجاهه لا على كفالته، وشرط علم قدره ووصافه، وكون مقرض يصح تبرعه (وكلُّ ما صح بيعه) من مكيل وموزون وغيره (صح قرضه إلا بني ادم) لأنه لم ينقل قرضهم، ولا هو من المرافق.

ويتم القرض بقبول ويملك، فلا يملك مقرض استرجاعه إلا إن حجر على مقترض لفلس، فيملك الرجوع فيه بشرطه؛ لحديث: "من أدرك

(1)"القاموس"(ص 840) و"المطلع"(ص 246) و"تحرير ألافاظ التنبيه"(ص 193).

(2)

"معونة أولي النهى"(4/ 303) وينظر: "التوقيف على مهمات التعاريف"(ص 580).

(3)

ابن ماجه، في الصدقات، باب القرض (2/ 812)، قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف. . اهـ وضعف إسناده -أيضًا- البيهقي في "السنن"(5/ 353).

وقد جمع له طرقًا الشيخ الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 223، 229) وحسنه.

(4)

"الشرح الكبير"(12/ 324).

ص: 730

متاعه بعينه. . " (1) ويأتي (2)، وله طلب بدله من مقترض في الحال.

وإن شرط مقرض رده بعينه لم يصح الشرط، لأنه ينافي مقتضى العقد، وهو التوسع بالتصرف، ورده بعينه يمنع ذلك، ويجب على مقرض قبول مِثليٍّ (3) رد بعينه وفاء، بخلاف مُتَقوَّم (4)، ما لم يتعيب مثلي رد بعينه فلا يلزمه قبوله (ويجب) على مقترض (رد مثل فلوس) اقترضها، ولم تحرم المعاملة بها، غلت أو رخصت؛ لأنها مثلية.

(و) يجب رد مثل (مكيل وموزون) لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه، لأنه يضمن في الغصب والإتلاف بمثله، فكذا هنا (فإن فُقد) المثل (فقيمته يوم فقد) لأنه يوم ثبوتها في الذمة (و) يجب (قيمة غيرها) أي المثليات لأنه لا مثل له، فضمن بقيمته كما في الإتلاف والغصب، وإنما تعتبر القيمة (يوم قبضه) لاختلاف القيمة في الزمن اليسير بكثرة الراغب وقلته.

ويجوز قرض ماء كيلًا كسائر المائعات، ويجوز قرضه لسقي مقدرًا بأنبوبة أو نحوها مما يتخذ من فخار ورصاص ونحوه على هيئتها، ويجوز

(1) أخرجه البخاري في الاستقراض باب إذا وجد ماله عند مفلس. . . (3/ 86)، ومسلم في المساقاة (3/ 1193) عن أبي هريرة.

(2)

في الحجر (ص 764).

(3)

المِثْلُ لغة: أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة. وفي الاصطلاح: ما حصره كيل أو وزن، وقد يلحق بهما المعدود والمزروع.

"الكليات"(ص 851) و"مقدمة في بيان المصطلحات الفقهية على المذهب الحنبلي" للشيخ علي الهندي (ص 13).

وقد كتب في المثلي والقيمي. الشيخ الدكتور علي محي الدين القره داغي وذلك في كتابه القيم: "قاعدة المثلي والقيمي في الفقه الإسلامي".

(4)

هو خلاف المثلي. فالمثلي ما له وصف ينضبط به كالحبوب. . ونحوها. والقيمي ما لا وصف له ينضبط به في أصل الخلقة حتى ينسب إليه.

والقيمة الثمن الذي يقاوم به المتاع، أي يقوم مقامه. والجمع القِيَم اهـ من "المصباح المنير"(2/ 714) بتصرف.

ص: 731

قرض خبز وخمير عددًا ورده عددًا، بلا قصد زيادة، لحديث عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه، الجيران يستقرضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصًا؟ فقال:"لا بأس، إنما ذلك من مرافق الناس، لا يراد به الفضل"(1). رواه أبو بكر (2) في "الشافي"، ولمشقة اعتباره بالوزن مع دعاء الحاجة إليه، ويثبت البدل حالًّا ولو مع تأجيله، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به، وأيضًا شرط الأجل زيادة بعد استقرار العقد فلا يلزم، وكذا كل دين حال أو مؤجل حل، فلا يصح تأجيله لما تقدم.

ويجوز شرط رهن فيه، لأنه صلى الله عليه وسلم استقرض من يهودي شعيرًا ورهنه درعه (3). متفق عليه، ويجوز شرط ضمين أيضًا (ويحرم كل شرط يجر نفعًا) كشرطه أن يسكنه داره، أو يقضيه خيرًا منه، أو يقضيه ببلد آخر ولحمله مؤنة، لأنه عقد إرفاق وقربة، فشرط النفع فيه يخرجه عن موضوعه، فإن لم يكن حمله مؤنة جاز، لأنه مصلحة لهما من غير ضرر.

ولا يفسد القرض بفساد الشرط (وإن وفَّاه أجود) مما أخذ منه كصحاح عن مكسرة، أو أجود نقدًا، أو سكة مما اقترضه أو أرجح يسيرًا في

(1) أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق"(7/ 184) قال الحافظ ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(3/ 191) هذا الحديث غير مخرج في شيء من الكتب الستة، قال شيخنا: في إسناده من يجهل حاله. وأخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 2170) عن عائشة مرفوعًا بلفظ: "لا بأس أن يستقرض القوم من جيرانهم الخبز فيقضون أصغر منه أو أكبر". قال ابن عدي: حديث منكر لا يرويه عن الزهري غير محمد بن عبد الملك، وكل أحاديثه مما لا يتابعه الثقات عليه، وهو ضعيف جدًا.

ينظر: "إرواء الغليل"(5/ 232).

(2)

هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد أبو بكر المعروف بغلام الخلال.

(3)

البخاري، في البيوع، باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وباب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وفي السلم باب الكفيل في السلم، وباب الرهن في السلم (3/ 8، 14، 45، 46)، ومسلم في المساقاة (3/ 1226).

ص: 732

قضاء ذهب أو فضة (أو أهدى إليه هدية بعد وفاء بلا شرط فلا بأس) لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلف بَكْرًا فرد خيرًا منه، وقال:"خيركم أحسنكم قضاء"(1) متفق عليه، من حديث أبي رافع.

وإن فعل مقترض ذلك قبل الوفاء ولم ينو مقرض احتسابه من دينه، أو لم ينو مكافأته عليه لم يجز، إلا إن جرت عادة به بينهما قبل قرض، لحديث أنس مرفوعًا:"إذا أقرض أحدكم فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك"(2). رواه ابن ماجه، وفي إسناده من تُكلِّم فيه.

وكذا حكم كل غريم، فإن استضافه مقترض حسب له ما أكل، ومن طولب ببدل قى ض أو غصب ببلد آخر لزمه أداء البدل إلا ما لحمله مؤنة، كحديد ونحوه، وقيمته ببلد القرض أو الغصب أنقص فلا يلزمه إلا قيمته بها، لأنه لا يلزمه حمله إلى بلد الطلب فيصير كالمتعذر، فإن كانت قيمته ببلد القرض أو الغصب مساوية لبلد الطلب أو أكثر لزمه دفع المثل ببلد الطلب لما سبق. وعلم منه أنه إن طولب بعين الغصب بغير بلده لم يلزمه، وكذا لو طولب بأمانة أو عارية ونحوها بغير بلدها، لأنه لا يلزمه حملها إليه، ولو بذله مقرض أو غاصب بغير بلد قرض أو غصب ولا مؤنة حمله، كأثمان؛ لزم قبوله، مع أمن البلد والطريق؛ لعدم الضرر عليه.

ومن اقترض من رجل دراهم وابتاع منه بها شيئًا، فخرجت زيوفًا، فالبيع جائز، ولا يرجع عليه بشيء، نصًّا (3)، لأنها دراهمه، فعيبها عليه،

(1) أخرجه مسلم دون البخاري، في المساقاة (3/ 1224) ينظر:"إرواء الغليل"(5/ 236).

(2)

سنن ابن ماجه، الصدقات، باب القرض (2/ 813)، قال البوصيري في الزوائد: في إسناده عتبة بن حميد الضبي ضعفه أحمد، وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ويحيى بن أبي إسحاق لا يعرف حاله. اهـ

(3)

"الشرح الكبير"(12/ 352).

ص: 733

وله على المقترض بدل ما أقرضه له بصفته زيوفًا، وحمله في "المغني"(1) على ما إذا باعه السلعة بها وهو يعلم عيبها، فأما إن باعه في ذمته ثم قبضها غير عالم بها فينبغي أن يجب له دراهم لا عيب فيها، ويرد عليه هذه، ثم لمقترض ردها عن قرضه، ويبقى الثمن في ذمته.

(1)"المغني"(6/ 440).

ص: 734