الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في العارية
بتخفيف الياء، وتشديدها، من عار الشيء إذا ذهب وجاء، ومنه قيل للبطال: عيار، لتردده في بطالته، وأعاره وعاره لغتان كأطاعه وطاعه، أو من العري، وهو: التجرد لتجردها من العوض، أو من التعاور، وهو: التناوب، لجعل المالك للمستعير نوبة في الانتفاع بها (1).
(والعارية سنة) لأنها من البر والمعروف، ولا تجب لحديث:"إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك"(2) رواه ابن المنذر، ولحديث:"ليس في المال حق سوى الزكاة"(3) ونحوه، فيرد ما خالفه إليه جمعًا بين الأخبار.
وتنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها: كأعرتك هذه الدابة، أو أركبها إلى كذا أو استرح عليها، ونحوه، وكدفعه دابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه لبرده، وإذا ركب الدابة، أو استقر الكساء عليه، كان قبولًا (وكلُّ ما ينتفع به) من الأعيان (مع بقاء عينه) كرقيق ودواب ودور ولباس وأوان (نفعًا مباحًا تصح إعارته) بخلاف ما لا ينتفع به، إلا مع تلف عينه، كأطعمة، وأشربة، وبخلاف غير مباح النفع، لأن الإعارة لا تبيح إلا ما
(1) ينظر: "المطلع"(ص 272) و"التوقيف"(ص 496).
(2)
وأخرجه -أيضًا- الترمذي، في الزكاة، باب إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (3/ 4، 5)، وابن ماجه، في الزكاة، باب ما أدى زكاته ليس بكنز (1/ 570) عن أبي هريرة. وقال الترمذي: حسن غريب. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه ذكر الزكاة. فقال رجل: يا رسول اللَّه هل عليَّ غيرها؟ فقال: لا إلا أن تتطوع. اهـ
وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 170): إسناده ضعيف.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1/ 570) عن فاطمة بنت قيس. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 169): وفيه أبو حمزة ميمون الأعور راويه عن الشعبي عنها، وهو ضعيف. اهـ
أباحه الشرع، فلا تصح إعارة لغناء، أو زمر، ونحوه، ولا إناء من أحد النقدين، ولا حلي محرم، ولا أمة ليطأها، أو يقبِّلها، ونحوه (إلا البضع) بضم الباء أي الفرج، فلا تصح إعارته، لأنه لا يباح إلا بملك، أو نكاح (و) إلا (عبدًا مسلمًا لكافر) فتحرم إعارته له للخدمة خاصة، كما تحرم إجارته لها (و) إلا (صيدًا ونحوه) كطيب (لِمُحْرِمٍ) فلا تصح إعارته له، لأنه معاونة على الإثم والعدوان (و) إلا (أمة وأمرد لغير مأمون) فلا تصح إعارته لخدمة، ولا غيرها، لأنه إعانة على الفاحشة.
(وتضمن) العارية (مطلقًا) فرط أو لم يفرط، لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"على اليد ما أخذت حتى تؤديه"(1). رواه الخمسة وصححه الحاكم. وعن صفوان أنه عليه السلام استعار منه يوم حنين أدراعًا فقال: "أغاصب يا محمد؟ فقال: "بل عارية مضمونة" (2) رواه أحمد وأبو داود، ويكون ضمانها (بمثل مثلي) لأنه أقرب إليها من القيمة (و) بـ (قيمة غيره) أي المثلي، وهو المتقوم، لأنه حينئذ يتحقق فوات العارية، فوجب الضمان به، ويلغو شرط عدم ضمانها، كإلغاء شرط ضمان أمانة، لأن مقتضى العقد في العارية الضمان، وفي الأمانة عدمه، فإذا شرط خلافه فسد، لمنافاته مقتضى العقد (يوم تلف) ووقته ليلًا كان أو نهارًا و (لا) تضمن (إن تلفت) بعض أجزائها (باستعمال بمعروف كخمل منشفة) وطنفسة
(1) أبو داود، في البيوع، باب في تضمين العارية (3/ 822)، والترمذي، في البيوع، باب العارية مؤداة (3/ 557) والنسائي في الكبرى، البيوع، باب (3/ 411)، قال الترمذي: ابن ماجه، في الصدقات، باب العارية (2/ 802) وأحمد (5/ 8، 12، 13) قال الترمذي: حسن صحيح. اهـ وقال الحاكم في "المستدرك"(2/ 47): صحيح عل شرط البخاري، وأقره الذهبي.
(2)
أحمد (3/ 401) وأبو داود، في البيوع، باب في تضمين العارية (3/ 822 - 823) قال الحافظ في "التلخيص" (3/ 60): أعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث. قال ابن حزم: إن أحسن ما فيها حديث يعلى بن أمية -يعني الذي رواه أبو داود- اهـ بتصرف.
-بكسرتين- وهي: بساط له خَمْل ونحوهما (1)، أو تلفت كلها بمرور الزمان، فلا تضمن، لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه، أشبه تلفه بالفعل المأذون فيه، ولو جرح ظهر الدابة الحمل وجب الضمان، سواء كان الحمل معتادًا، أو لا، لأنه غير مأذون به.
(ولا) تضمن العارية (إن كانت وقفًا ككتب علم) ونحوها، كأدراع موقوفة على الغزاة (إلا بتفريط) أو تعد (وعليه) أي المستعير (مؤنة ردها) لحديث:"العارية مؤداة"(2). وحديث: "وعلى اليد ما أخذت حتى ترده"(3). وليس عليها مؤنتها زمن انتفاعه بها، كالمؤجرة، ويقبل قول مستعير بيمينه أنه لم يتعد الاستعمال بالمعروف، لأنه منكر.
(وإن أركب) إنسان دابته (منقطعًا، للَّه) تعالى فتلفت تحته (لم يضمنـ) ـها، لأنها غير مقبوضة، لأنها بيد صاحبها، وراكبها لم ينفرد بحفظها، أشبه ما لو غطى ضيفه بلحاف، فتلف عليه، لم يضمنه.
ومن قال لرب دابة: لا أركب بأجرة، فقال ربها: ما آخذ منك أجرة، ثم ركبها فعارية، لأن ربها لم يبذلها إلا كذلك، أو استعمل مودع الوديعة بإذن ربها، فعارية.
ولا يضمن ولد عارية سُلِّم معها بتلفه عند مستعير، ولا زيادة حدثت عنده في معار إلا بتعد أو تفريط.
وإن اختلف المالك والقابض، فقال المالك: آجرتك، قال: بل أعرتني قبل مضي مدة لها أجرة، فقول قابض بيمينه، وإن كان بعدها، فقول مالك فيما مضى بيمينه، ويجب له أجرة المثل، أو قال قابض: أعرتني أو أجرتني، فقال مالك: غصبتني، فقول مالك بيمينه، وإن قال مالك: أعرتك، وقال قابض: أودعتني، فقول مالك، وكذا في عكسها.
(1)"المصباح المنير"(2/ 511).
(2)
تقدم (ص 742).
(3)
تقدم في الصفحة السابقة.