الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الشروط في البيع
وهي ما يشترطه أحد المتعاقدين على الآخر فيه، وتعتبر مقارنته للعقد، (والشروط في البيع) وفي شبهه من نحو إجارة وشركة (ضربان: صحيح) لازم، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: ما يقتضيه بيع كشرط تقابض، وحلول ثمن، وتصرف كل فيما يصير إليه، واشتراط رده بعيب قديم، فلا أثر لذلك، لأنه تحصيل للحاصل.
الثاني: ما كان من مصلحته (كشرط رهن وضامن) بالثمن (و) كذا شرط كفيل ببدن مشتر، ويدخل فيه لو باعه وشرط عليه رهن المبيع على ثمنه فيصح نصًّا (1)، أو شرط (تأجيل ثمن) أو بعضه إلى أجل معين، أو شرط صفة في مبيع ككون العبد كاتبًا ونحوه، أو مسلمًا، أو الأمة بكرًا أو تحيض، أو الدابة هملاجة (2) أو لبونًا أو حاملًا، والفهد ونحوه صيودًا، أو الأرض خراجها كذا في كل سنة، والطائر مصوتًا أو يبيض، أو يجيء من مسافة معلومة، فيصح الشرط ويلزم، لأن في اشتراط هذه الصفات قصدًا صحيحًا، وتختلف الرغبات باختلافها، فإن حصل للمشترط شرطه فلا فسخ، وإلا فله الفسخ؛ لفقد الشرط، ولحديث "المؤمنون عند شروطهم"(3)، أو أرش فَقْدِ الصفة كأرش عيب ظهر عليه، وإن تعذر رد
(1)"شرح المنتهى"(2/ 160).
(2)
الهملجة: حُسن سير الدابة. "المصباح المنير"(2/ 881) و"التوقيف"(ص 743).
(3)
أخرجه أبو داود في الأقضية باب في الصلح (4/ 19 - 20) من حديث أبي هريرة بلفظ: المسلمون. . . قال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير"(2/ 69): بإسناد حسن. اهـ وضعفه ابن حزم، وعبد الحق، وله شواهد من حديث عائشة وأنس وعمرو بن عوف ورافع بن =
لنحو تلف مبيع تعين أرش فقد الصفة كمعيب تعذر رده، وإن أخبره بائع بصفة في مبيع يرغب فيه لها، فصدقه بلا شرط، فبان فقدها، فلا خيار له، لتقصيره بعدم الشرط، أو شرط صفة فبان أعلى فلا خيار (1).
(و) الثالث: (شرط بائع) على مشتر (نفعًا معلومًا في مبيع) غير وطء ودواعيه (كـ) اشتراط بائع (سكنى الدار) المبيعة (شهرًا) مثلًا، وحملان البعير المبيع ونحوه إلى محل معين، وخدمة العبد مدة معلومة، فيصح نصًّا (2)، لحديث جابر أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملًا واشترط ظهره إلى المدينة، وفي لفظ قال: فبعته بأوقية واستثنيت حملانه إلى أهلي (3). متفق عليه.
ولبائع إجارة ما استثنى وإعارته، وإن باع مشتر ما استثنى نفعه صح البيع، وكان المبيع يزيد المشتري الثاني مستثنى النفع كالأول، وللمشتري الثاني الفسخ إن لم يعلم، كمن اشترى أمة مزوجة أو دارًا مؤجرة.
(و) كذا يصح شرط (مشتر نفع بائع) نفسه في مبيع (كـ) شرط (حمل حطب) مبيع (أو تكسيره) وخياطة ثوب أو تفصيله، أو حيز رطبة (4)، أو حصاد زرع ونحوه بشرط علم النفع المشروط، واحتج أحمد على صحة ذلك بما روي أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة (5) حطب وشارطه على حملها (6)، ولأن ذلك بيع وإجارة، فإن شرط نفع غير مبيع، أو لم يعلم النفع
= خديج، وعبد اللَّه بن عمر، ينظر:"التلخيص الحبير"(3/ 26، 27).
(1)
كشرط الأمة ثيبًا فبانت بكرًا. ينظهـ "شرح المنتهى"(2/ 161).
(2)
"الشرح الكبير"(11/ 214).
(3)
البخاري في الشروط باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز (3/ 174) وفي مواضع أخرى، ومسلم في المساقاة (3/ 1221).
(4)
الرُّطبة: الفصفصة نباتٌ تعلف به الدواب، وهو المعروف: بالقتّ فارسية معربة. ينظر: "المعرَّب"(ص 469)"القاموس"(ص 115) و"تاج العروس"(18/ 75).
(5)
جُرزَةٌ بالضم الحزمة من القتِّ ونحوه. "القاموس"(ص 649).
(6)
رواه صالح بن الإمام أحمد في "مسائل أحمد"(2/ 174، 177) وذكر هذه المسألة ابن =
لم يصح، فإن تراضيا على أخذ عوض عن ذلك النفع المعلوم جاز.
(وإن جمع بأن شرطين) ولو صحيحين كحمل حطب وتكسيره، أو خياطة ثوب وتفصيله (بطل البيع)، لحديث ابن عمرو مرفوعًا:"لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك"(1) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح. ما لم يكونا من مقتضاه، كاشتراط حلول الثمن ونحوه، أو يكونا من مصلحته، كاشتراط رهن، وضمين معينين، فيصح.
ويصح تعليق فسخ غير خلع بشرط، كبعتك كذا بكذا على أن تنقدني الثمن إلى وقت معين ولو أكثر من ثلاثة أيام، أو على أن ترهننيه بثمنه، وإلا فلا بيع بيننا، فينعقد البيع بالقبول، وينفسخ إذ لم يف بشرطه.
(و) الضرب الثاني من الشروط في البيع: (فاسد) وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: ما (يبطله) أي العقد من أصله (كشرط عقد آخر من قرض وغيره) كبيع وإجارة، وشركة وقرض، وصرف الثمن أو صرف غيره، وهو بيعتان في بيعة المنهي عنه، قاله أحمد (2). والنهي يقتضي الفساد، وكذا لو باعه شيئًا على أن يزوجه ابنته، أو ينفق على عبده ونحوه.
(أو ما يُعلق البيع) وهو النوع الثاني، ولا ينعقد معه بيع:(كبعتك) كذا (إن جئتني أو رضي زيد) بكذا، أو اشتريت كذا إن جئتني، أو رضي زيد بكذا، لأنه عقد معاوضة يقتضي نقل الملك حال العقد، والشرط يمنعه.
(و) النوع الثالث: (فاسد لا يبطله) أي العقد كشرطه ما ينافي مقتضاه
= قدامة في "المغني"(6/ 156) وابن القيم في "الطرق الحكمية"(ص 16).
(1)
أخرجه أبو داود في البيوع باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (3/ 769) والترمذي في البيوع باب كراهية بيع ما ليس عندك 525 - 526 عن عبد اللَّه بن عمرو. وأخرجه أيضًا النسائي في البيوع باب بيع ما ليس عند البائع (7/ 288) وابن ماجه في التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك (2/ 737) قال الترمذي: حسن صحيح. اهـ
(2)
الإنصاف 11/ 231.
(كشرط أن لا خسارة) في مبيع (أو) شرط أنه (متى نفق) المبيع (وإلا رده) لبائعه (ونحو ذلك)، أو اشترط بائع على مشتر أن لا يقفه أو لا يبيعه أو يهبه، فالشرط فاسد، والبيع صحيح، إلا شرط عتق فيصح ويجبر عليه مشتر أبَاهُ، لأنه مستحق للَّه تعالى، لأنه قربة التزمها المشتري فأجبر عليه كالنذر، وكذا شرط خيار وأجل مجهولين، أو إن باعه مشتر فهو أحق به بالثمن، أو شرط الأمة لا تحمل، فيصح البيع، وتبطل هذه الشروط.
ولمن فات غرضه بفساد الشرط عن بائع ومشتر، الفسخُ، علم الحكم أو جهله، لأنه لم يسلم له الشرط الذي دخل عليه؛ لقضاء الشرع بفساده، أو أخذ أرش نقص ثمن بسبب إلغاء شرطه، أو استرجاع زيادته بسبب إلغائه، (وإن شرط) بائع على مشتر (البراءة من كل عيب) فيما باعه له (مجهول) أي: العيب أو من عيب كذا إن كان (لم يبرأ) بائع بذلك، فلمشتر الفسخ بعيب لم يعلمه حال عقد، لما روى أحمد أن ابن عمر باع زيد بن ثابت عبدًا بشرط البراءة بثمانمائة درهم، فأصاب زيد به عيبًا، فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم بهذا العيب؟ قال: لا. فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم (1). وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر، فكانت كالإجماع.
وأيضًا خيار العيب إنما يثبت بعد البيع فلا يسقط بإسقاطه قبله كالشفعة، وإن سماه لمشتر برئ منه لدخوله على بصيرة، أو أبرأه من كان عيب بعد العقد، برئ منه لإسقاطه بعد ثبوته له كالشفعة.
(1) رواه عبد اللَّه بن أحمد في "مسائل الإمام أحمد"(3/ 903، 904) ومالك نحوه في "الموطأ" البيوع، باب العيب في الرقيق (2/ 613)، وابن أبي شيبة في "المصنف" البيوع. الرجل يشتري الشيء فيحدث به العيب (6/ 212).