المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الربا والصرف - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: ‌فصل في الربا والصرف

‌فصل في الربا والصرف

(الربا) محرم بالإجماع، لقوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1)، وحديث أبي هريرة مرفوعًا:"اجتنبوا السبع الموبقات"(2) فعده منها، وهو لغة: الزيادة (3)، وشرعًا:(نوعان: ربا فضل) في أشياء (وربا نسيئة) في أشياء.

(فربما الفضل يحرم في كل مكيل) مطعوم كبر ونحوه، أو لا كأشنان (4)(و) في كل (موزون) من نقد أو غيره مطعوم كسكر، أو غيره كقطن (بيع بجنسه متفاضلًا) لحديث عبادة بن الصامت يرفعه:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد"(5) رواه الإمام أحمد، ومسلم. (ولو يسيرًا لا يتاتى) كتمرة، لعموم الخبر، (ويصح به) أي: يصح بيعه بجنسه، بشرط كونه (متساويًا، و) يصح (بغيره) أي: بغير جنسه (مطلقًا) متساويًا أو لا (بشرط قبضٍ قبل تفرق) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"(6). رواه مسلم.

(1) سورة البقرة، الآية:275.

(2)

أخرجه البخاري في الرصايا، باب قول اللَّه: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا. . . (3/ 195)، ومسلم في الإيمان (1/ 92).

(3)

"التوقيف على مهمات التعريف"(ص 354).

(4)

الأشنان: ما تغسل به الأيدي على أثر الطعام. معرب. وهو عند الرب: الحُرُض.

ينظر: "المعرب"(ص 124) و"المصباح المنير"(1/ 21) و"لسان العرب"(7/ 135).

(5)

مسند أحمد (5/ 320) ومسلم، المساقاة (3/ 1210، 1211).

(6)

مسلم، المساقاة (3/ 1211) وهو جزء من حديث عبادة بن الصامت.

ص: 703

و (لا) يصح بيع (مكيل بجنسه وزنًا) كرطل تمر برطل تمر (ولا عكسه) كبيع موزون بمثله كيلًا، لحديث "الذهب بالذهب وزنًا بوزن، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، والبر بالبر كيلًا بكيل، والشعير بالشعير كيلًا بكيل"(1) رواه الأثرم من حديث عبادة، ولأنه لا يعلم العلم بالتساوي مع مخالفة المعيار الشرعي (إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرير) فيصح البيع للعلم بالتماثل، ويصح البيع إذا اختلف الجنس كيلًا ووزنًا وجزافًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"(2) رواه مسلم وأبو داود.

ويصح بيع لحم بمثله وزنًا من جنسه رطبًا ويابسًا إذا نزع عظمه، ويصح بيع لحم بحيوان من غير جنسه، كقطعة من لحم إبل بشاة، لأنه ربوي بيع بغير أصله ولا جنسه، ويصح بيع عسل بمثله إذا صفي كل منهما من شمعه، ويصح بيع فرع من جنس معه غيره لمصلحته كجبن، فإن فيه ملحًا، أو منفردًا كسمن بسمن متماثلًا كيلًا إن كان مائعًا وإلا فوزنًا، ويصح بيع فرع بفرع غيره، كزبد بمخيض ولو متفاضلًا لاختلافهما جنسًا بعد الانفصال، إلا مثل زبد بسمن فلا يصح بيعه به لاستخراجه منه، ولا بيع فرع بأصله كأقط أو زبد أو سمن أو مخيض بلبن لاستخراجه منه، ولا بيع نوع مسته النار كخبز شعير بنوعه الذي لم تمسه كعجين.

والجنس (3): ما شمل أنواعًا مختلفة بالحقيقة،

(1) وأخرجه أيضًا الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 66).

(2)

تقدم تخريجه قريبًا.

(3)

هو عبارة عن لفظٍ يتناول كثيرًا، ولا تتم ماهيته بفرد من هذا الكثير، وهو كالجسم عند النحويين والفقهاء: اللفظ العام. فكل لفظ عمَّ شيئين فصاعدًا فهو جنس لما تحته، سواء اختلف نوعه أو لم يختلف. وعند آخرين: لا يكون جنسًا حتى يختلف بالنوع نحو: الحيوان، فإنه جنس للإنسان والفرس والطائر ونحو ذلك. . فالعام جنس وما تحته نوع. وقد يكون جنسًا لأنواع، ونوعًا لجنس كالحيوان، فإنه نوع =

ص: 704

والنوع (1): ما شمل أشياء مختلفة بالشخص، وقد يكون النوع جنسًا باعتبار ما تحته، والجنس نوعًا باعتبار ما فوقه كالذهب والفضة، والبر والشعير، والتمر والملح، وفروعها أجناس، كالأدقة والأخباز، والأدهان، فدقيق البر جنس، وخبزه جنس، واللحم أجناس، واللبن أجناس باختلاف أصولها، فلحم البقر والجواميس جنس، ولبنها جنس، ولحم الضأن والمعز جنس، ولبنها جنس، وهكذا سائر الحيوانات. فيجوز بيع رطل لحم ضأن، برطلي لحم بقر، والشحم، والألية، والمخ، والقلب، والطحال، والرئة، والكلية، والكبد، والأكارع أجناس، فيجوز بيع رطل شحم برطلي مخ، أو برطلي أبيه لأنهما جنسان.

ويصح بيع دقيق ربوي بدقيقه إذا استويا نعومة، ومطبوخه بمطبوخه، وخبزه بخبزه، محلًا بمثل إذا استويا نشافًا أو رطوبة، ويصح بيع عصيره بعصيره، ورَطْبه برَطْبه، ويابسه بيابسه.

ولا يصح بيع منزوع نواه مع نواه، بما نزع نواه مع نواه، لزوال التبعية، فصار كمُدِّ عجوة ودرهم، ولا بيع منزوع نواه بما نواه فيه لعدم التساوي، ولا بيع حب بدقيقه أو سويقه، ولا بيع دقيق حب بسويقه، ولا بيع نيئه بمطبوخه، ولا بيع أصله بعصيره، ولا بيع خالصه بمشوبه، أو مشوبه بمشوبه، ولا بيع المحاقلة (2)، وهو بيع الحب المشتد في سنبله

= بالنسبة إلى الجسم، وجنس بالنسبة إلى الإنسان والفرس.

"الكليات"(ص 338، 339) وينظر: "المصباح المنير"(1/ 154) و"التوقيف"(ص 256).

(1)

النوع: من الشيء الصنف، وتنوع صار أنواعًا ونوعته تنويعًا جعلته أنواعًا منوعة. قال الصغاني: النوع أخص من الجنس. ومثل: هو الضرب من الشيء كالثياب والمار حتى في الكلام. "المصباح المنير"(2/ 867).

(2)

المحاقلة من الحقل وهو الزرع قبل أن يغلظ سوقه. وقيل: الأرض التي تزرع. "المطلع"(ص 240).

ص: 705

بجنسه، ويصح بغير جنسه، ولا بيع المزابنة (1)، وهي بيع الرطب على النخل بالتمر، لحديث ابن عمر:"نهي عن المزابنة"(2) متفق عليه، إلا في العرايا (3) وهي بيعه خرصًا بمثل ما يؤول إليه إذا جف، وصار تمرًا كيلًا فيما دون خمسة أوسق، لحديث أبي هريرة مرفوعًا:"رخص في العرايا بأن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق"(4). متفق عليه، فلا يجوز في الخمسة لوقوع الشك فيها، وإنما رخص في ذلك لمحتاج لرطب ولا ثمن معه، لحديث محمود بن لبيد. متفق عليه (5)، وإنما يصح ذلك بشرط

(1) المزابنة: مفاعلة من الزَّبْن، وهو: الدفع، كأن كل واحد منهما يزبن صاحبه عن حقه بما يزاد منه. وهى: بيع معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه. "المطلع"(ص 240).

(2)

البخاري في البيوع، باب بيع الزبيب بالزبيت والطعام بالطعام، وباب بيع المزابنة، وباب بيع الزرع بالطعام كيلًا (3/ 29، 31، 35)، ومسلم في البيوع (3/ 1171).

(3)

العرايا: جمع عرية. وهى لغة: كل شيء أفرد من جملة. وشرعًا ما ذكره المؤلف. "المطلع"(ص 241).

(4)

البخاري في البيوع، باب بيع التمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة، وفي المساقاة باب الرجل يكون له عمر (3/ 32، 81)، ومسلم في البيوع (3/ 1171).

(5)

كذا قال: متفق عليه. وذكره في المغني (6/ 112) ولم يعزه إلى أحد، وذكره في الكافي (3/ 94) قال: روى محمود بن لبيد، قال: قلت لزيد بن ثابت: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالًا محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه، وعندهم فضول من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرية بخرصها من التمر يأكلونه رطبًا. وقال: متفق عليه.

وانتقده الزيلعي في نصب الراية (4/ 36) وقال: ووهم في ذلك، فإن هذا ليس في الصحيحين ولا في السنن، بل ولا في شيء من الكتب المشهورة، ولم أجد له سندًا بعد الفحص البالغ، ولكن الشافعي ذكره في كتابه في باب العرايا بغيره إسناد. اهـ

وقال الحافظ في "التلخيص"(3/ 33) في تنبيهه: قال الشيخ الموفق في "الكافي" بعد أن ساق هذه الحديث: متفق عليه. وهو وهم منه. اهـ

ص: 706

الحلول وتقابضهما بمجلس العقد، فالقبض فيما على نخل بتخليته، وفي تمر بكيل أو نقل لما علم كيله، وعلم منه أن الرطب لو كان مجذوذًا لم يجز بيعه بالتمر، للنهي عنه، والرخصة وردت في ذلك ليؤخذ شيئًا فشيئًا لحاجة التَّفَكُّه، وأن المشتري إن لم يكن محتاجًا للرطب، أو كان محتاجًا إليه ومعه نقد لم يصح، ولا تصح في بقية الثمار، ولا زيادة مشتر على القدر المأذون فيه ولو اشتراه من عدد في صفقات.

ويصح بيع تراب معدن بغير جنسه، وبيع تراب صاغة بغير جنسه، لعدم اشتراط المماثلة، ولا تضر جهالة المقصود لاستتاره بأصل الخلقة في المعدن، وحمل عليه تراب الصاغة، ولا يصح بجنسه للجهل بالتساوي، ويصح بيع نخل عليه رطب، أو تمر بمثله، أو بتمر أو رطب، لأن الربوي في ذلك غير مقصود بالبيع، وكذا عبد له مال إذا اشتراه بثمن من جنسًا ماله واشترطه إن لم يقصده.

ولا يصح بيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما، كمد عجوة، ودرهم بمثلهما أو بمدين أو درهمين، وكبيع محلى بفضة أو ذهب، بفضة أو ذهب، وتسمى مسألة مد عجوة (1) ودرهم، لأنها مثلت بذلك، ولا يصح ذلك سدًا لذريعة الربا، إلا أن يكون يسيرًا لا يقصد، كخبز فيه ملح بمثله.

ويصح قوله: أعطني بنصف هذا الدرهم نصفًا، وبالآخر فلوسًا أو حاجة، وقوله لصائغ: صنع لي خاتمًا وزنه درهمًا (2)، وأعطيك مثل زنته، وأعطيك أجرتك درهمًا.

(1) العجوة: ضرب عن أجود التمر بالمدينة. "المطلع"(ص 241) و"طلبة الطلبة"(ص 197) و"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 180).

(2)

كذا بالأصل. والمعنى: واجْعَل وَزْنَهُ درهمًا.

وفي "شرح المنتهى"(2/ 199): وَزنُهُ دِرْهَمٌ.

ص: 707

ومرجع كيلِ عرفُ المدينة على عهده صلى الله عليه وسلم، ووزنٍ عرفُ مكة كذلك، لحديث عبد الملك بن عمير مرفوعًا:"المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة"(1) وما لا عرف له هناك يعتبر عرفه في موضعه أشبه القبض والحرز، وكل مائع مكيل، لحديث: كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع (2)، وقيل عليه سائر المائعات.

(وربا النسيئة) من النساء بالمد وهو التأخير (3)(يحرم فيما) أي في مبيعين (اتفقا في علة ربا فضل كـ) بيع (مكيل بمكيل) مثله (و) بيع (موزون بموزون) مثله (نساءً).

وإن اختلف الجنس (إلا أن يكون الثمن) أو المثمن (أحد النقدين) أي الذهب والفضة (فيصح) لأنه لو حرم النَّسَاءُ في ذلك لسد باب المسلم في الموزونات، وقد رخص فيه الشرع. وأصل رأس ماله النقدان، إلا في صرفه بفلوس نافقة، فيشترط الحلول والتقابض نصًّا (4)، إلحاقًا لها بالنقد، ومشي في "الإقناع"(5) على خلاف ذلك، ويصح (بيع مكيل بموزون وعكسه) كبيع

(1) أخرجه أبو داود في البيوع، باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم المكيال مكيال المدينة (3/ 633)، والنسائي في البيوع، باب الرجحان في الوزن (7/ 284) عن ابن عمر. وصححه ابن حبان، والدارقطني، والنووي، وابن دقيق العيد، والعلائي. قاله في "فيض القدير" (6/ 374) وفيه: قال بعضهم عن ابن عباس قيل وهو خطأ. اهـ

(2)

أخرجه البخاري الوضوء، باب الوضوء بالمد (1/ 58)، ومسلم في الحيض (1/ 258) عن أنس ومن حديث سفينة رواه مسلم (1/ 258).

(3)

ينظر: "المطلع"(ص 239) و"التوقيف"(ص 698) و"الدر النقي"(2/ 447).

(4)

"الإنصاف"(12/ 98).

(5)

(2/ 256) وعبارته: وإن كان أحدهما ناقدًا فلا، ولو في صرت فلوس نافقة به، اختاره الشيخ وغيره، خلافًا لما في "التنقيح". اهـ

وقوله: فلا: أيَ فلا يشترط الحلول والتقابض. وهذا أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه قال كما في "الاختيارات" (ص 189): ولا يشترط الحلول والتقابض في =

ص: 708

موزون بمكيل (مطلقًا) حالًّا أو نساء، ويصح فيما لا يدخله ربا فضل، كثياب وحيوان وتبين وغيره، لحديث ابن عمرو أنه أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ على قلائصِ (1) الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة (2).

= صرف الفلوس النافقة بأحد النقدين. وهو رواية عن أحمد، نقلها ابن منصور، واختارها ابن عقيل. اهـ

وتعليل ذلك: أن اشتراط الحلول والتقابض معتبر في جنس الذهب والفضة، سواء كان ثمنًا أو كان صرفًا، أو كان مكسورًا بخلاف الفلوس. ولأن الفلوس هي في الأصل من باب العروض والثمنية عارضة لها.

والقول الآخر الذي أثبته المؤلف هو الذي عليه أكثر الأصحاب. ونص عليه أحمد. وهو القول الآخر لشيخ الإسلام ابن تيمية.

وتعليل ذلك: أن هذه الصورة من جنس الصرف، فإن الفلوس النافقة تشبه الأثمان، فيكون بيعها بجنس الأثمان صرفًا.

قال ابن تيمية كما في "الفتاوى"(29/ 469) لما ذكر القولين: والأظهر المنع من ذلك، فإن الفلوس النافقة يغلب عليها حكم الأثمان، وتجعل معيار أموال الناس. اهـ

وهذا هو الأصح، لقوة التعليل. واللَّه أعلم.

تنبيه: هذه المسألة مما اختلف فيها الإقناع والمنتهى، ولم يذكرها الشيخ عبد العزيز الحجيلان في كتابه "المسائل التي اختلف فيها الإقناع والمنتهى".

ينظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(29/ 459) و"الإنصاف"(12/ 98) و"كشاف القناع"(3/ 264).

(1)

القلائص: جمع قَلُوْص بالفتح: الناقة الشابَّة، بمنزلة الجارية من النساء. ينظر:"المصباح المنير"(2/ 704).

(2)

المسند (2/ 171، 216) وأخرجه -أيضًا- أبو داود في البيوع، باب الرخصة في ذلك (3/ 652) عن عمرو بن الحريش عن عبد اللَّه بن عمرو، قال الحاكم في "المستدرك": صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي. اهـ

قال الحافظ في "الفتح"(4/ 419): أخرجه الدارقطني -من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو- وغيره، وإسناده قوي. اهـ وما بين =

ص: 709

رواه أحمد وغيره.

ولا يصح بيع كالئ بكالئ، وهو بيع دين بدين (1)، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك (2)، ولا بيع دين لغير من هو عليه مطلقًا، ولا بيعه بمؤجل لمن هو عليه، ولا جعله رأس مال سلم، ولا تصارف المدينين بجنسين في ذمتيهما، لأنه بيع دين بدين. ويصح تصارفهما إن أحضر أحد الدينين، نصًّا (3)، أو كان أمانة، لأنه بيع دين بعين.

ومن وَكَّل غريمه في بيع سلعته، وأخذ دينه من ثمنها، فباع الوكيل بغير جنس ما عليه، لم يصح أخذه من ثمن السلعة، نصًّا (4)، لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه، ولأنه متهم.

ومن عليه دينار فبعث إلى غريمه بدينار ناقص وتتمته دراهم لم

= شرطتين ليس من كلام الحافظ.

وقد جاء ذلك من فعل ابن عمر بن الخطاب ورافع بن خديج. علقهما البخاري في كتاب البيوع، باب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة. ينظر:"الفتح"(4/ 419).

(1)

ينظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 20) و"المصباح المنير"(2/ 741) و"المطلع"(ص 241).

(2)

الدارقطني في البيوع (3/ 71) والحاكم في البيوع (2/ 57) من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . به.

قال البيهقي بعد أن أخرج الحديث في "سننه" البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الدين بالدين (5/ 290): موسى هذا هو ابن عبيدة الربذي. وشيخنا أبو عبد اللَّه -يعني الحاكم- قال في روايته عن موسى بن عقبة، وهو خطأ. والعجب عن أبي الحسن الدارقطني شيخ عصره، روى هذا الحديث في كتاب السنن عن أبي الحسن علي بن محمد المصري هذا فقال: عن موسى بن عقبة. . اهـ

وقد أخرج هذا الحديث ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 2336) في ترجة: موسى بن عبيدة هذا، وقال في نهاية الترجمة: والضعف على رواياته بين. اهـ

(3)

"معونة أولي النهي"(4/ 216).

(4)

المصدر السابق (4/ 217).

ص: 710

[يجز](1) لأنه من مسألة مد عجوة ودرهم.

(و) يصح (صرف ذهب بفضة وعكسه) كصرف فضة بذهب، مأخوذ من الصريف، وهو تصويت النقد بالميزان (2)(وإذا افترق متصارفان) تفرقًا يبطل خيار مجلس صح فيما قبض و (بطل العقد فيما لم يقبض) لفوات شرطه، ويقوم الاعتياض عن أحد العوضين وسقوطه عن ذمة أحدهما مقام قبضه.

ويصح ولا يبطل صرف باشتراط خيار فيه، كسائر الشروط الفاسدة في البيع، وإن ظهر ما صورف به معيبًا، أو مغصوبًا بطل العقد، وإن ظهر بعضه بطل فيه فقط.

ولكل من المتصارفين الشراء من الآخر من جنس ما صرف منه بلا مواطأة، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر. فجاءه بتمر جنيب (3) فقال:"أكُلُّ تمر خيبر هكذا؟ " قال: لا واللَّه، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل بع التمر بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"(4) متفق عليه، ولم يأمره أن يبيعه من غير من اشترى منه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

(1) ما بين معقوفين من "شرح منتهى الإرادات"(2/ 200). وفي الأصل طمسٌ.

(2)

الصرف -بالفتح- ردُّ الشيء من حالة إلى أخرى، أو إبداله بغيره.

وتصريف الرياح: صرفها من حال إلى حال. ومنه تصريف الكلام والدراهم.

والصريف: الصوت، ومنه صريف الأقلام. "التوقيف"(ص 454). "المصباح المنير"(1/ 462).

(3)

الجنيب: من أطيب أنواع التمر.

ينظر: "مشارق الأنوار"(1/ 198) و"المصباح المنير"(1/ 153).

(4)

البخاري في البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (3/ 35) وفي مواضع أخرى، ومسلم في المساقاة (3/ 1215).

ص: 711

ولو صارف شخصًا على دينار بعشرة دراهم، فأعطاه خمسة عن نصفه، ثم اقترضها منه، ودفعها إليه ثانيًا عن النصف الباقي، صح ذلك، ما لم يكن حيلة، وهي التوسل إلى محرم بما ظاهره الإباحة.

والحيل كلها غير جائزة في شيء من أمور الدين، لأنه تعالى إنما حرم المحرمات لمفسدتها وضررها، ولا يزول ذلك مع بقاء معناها (1).

ومن عليه دينار فقضاه دراهم متفرقة كل نقدة بحسابها منه صح، وإلا فلا.

ويجوز الصرف والمعاملة بنقد مغشوش لمن يعرفه. قال أحمد (2): إذا كان شيئًا اصطلحوا عليه مثل الفلوس اصطلحوا عليها، فأرجو أن لا يكون بها بأس. ولأن غايته اشتماله على جنسين لا غرر فيهما، ولاستفاضته في الأعصار، فإن لم يعرف الآخر غشه لم يجز لما فيه من التغرير.

ويحرم كسر السكة الجائزة بين المسلمين للخبر (3)، ولما فيه من التضييق

(1) قرَّر ذلك مستدلًا ومعللًا: ابن بطة العكبري في كتاب "إبطال الحيل" وهو مطبوع.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في ذلك هي: "إقامة الدليل على إبطال التحليل".

وجاء في "طبقات الحنابلة"(1/ 205) أن القاضي أبا يعلى صنَّف كتاب "إبطال الحيل". وقد نقل عنه ابن تيمية، كما في "مجموع الفتاوى" (30/ 220) وابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 401 وغيرها) وأطال ابن القيم هنا النَّفَس في الحديث عن الحيل بما لا يدع بقية لقادمٍ. ينظر:"إعلام الموقعين"(من الجزء 3/ ص 159 حتى ص 117 من ج 4).

(2)

نقلها صالح عن أبيه. ذكرها ابن النجار في "معونة أولي النهي"(4/ 231) ولم أقف عليها في المطبوع من "مسائل صالح" واللَّه أعلم.

(3)

أخرج أبو داود في البيوع، باب في كسر الدراهم (3/ 730)، وابن ماجه في التجارات، باب النهي عن كسر الدراهم والدنانير (2/ 761) عن عبد اللَّه المزني قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس. وفي إسناده: محمد بن فضاء. ترجمة ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 2178) وأورد له =

ص: 712

عليهم، إلا أن يختلف في شيء منها هل هو ردئ أو جيد؟ فيجوز كسره للحاجة.

والدراهم الزيوف (1) لا تباع ولا تخرج في معاملة ولا صدقة لئلا تختلط بجيدة، وتخرج على من لا يعرفها، نصًّا (2)، وقال: لا أقول إنه حرام، قال في "الشرح": فقد صرح بأنه إنما كرهه لما فيه من التغرير بالمسلمين (3).

والكيمياء (4) غِشٌّ، فتحرم؛ لأنها تشبيه المُصَنَّعِ من ذهب أو فضة

= هذا الحديث. ونقل عن ابن معين والنسائي: ضعف محمد بن فضاء هذا.

وقال البخاري: سمعت سليمان بن حرب يضعِّف محمد بن فضاء المعبِّر يقول: كان يبيع الشراب. من "تهذيب الكمال"(26/ 278) وقال البخاري -أيضًا- في "التاريخ الصغير"(2/ 145): وقال سليمان بن حرب: روى ابن فضاء هذا الحديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجارية بينهم" وإنما ضرب السكة حجاج بن يوسف، لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ

وقال البيهقي في "شعب الإيمان"(4/ 234). وهذا الحديث رواه محمد بن فضاء -وليس بالقوي- عن أبيه عن علقمة بن عبد اللَّه المزني عن أبيه. واللَّه أعلم. اهـ قال الحليمي -كما نقله عنه البيهقي في "الشعب"(4/ 234): والبأس أن تكون زائفًا، فيكسر لئلا يغتر به مسلم.

ووجه النهي عن الكسر أنه كتمزيق الورقة التي فيها ذكر اللَّه أو ذكره رسول اللَّه إذا كانت الحروف تتقطع والكلم يتفرق. وفي ذلك إزراء بقدر المكتوب. ومتى كسر لعذر فإنما إثم الكسر على ضاربه، لأنه هو الذي غرَّ ودلّس، فأحوج إلى الكسر، لإظهار الغش، واللَّه أعلم. اهـ

(1)

الرديئة. لأنها مطلية بالزئبق المعقود بمزاوجة الكبريت. ينظر: "المصباح المنير"(1/ 357).

(2)

"الشرح الكبير"(12/ 129).

(3)

"الشرح الكبير"(12/ 129).

(4)

الكيمياء: لفظ عبراني معرب أصل "كيم يه" ومعنى هذه الكلمة. أنه من اللَّه. قال =

ص: 713