المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخسران فيجبره بالربح، ولا العامل، لأنه لا يأمن أن يلزمه - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٢

[عثمان ابن جامع]

الفصل: الخسران فيجبره بالربح، ولا العامل، لأنه لا يأمن أن يلزمه

الخسران فيجبره بالربح، ولا العامل، لأنه لا يأمن أن يلزمه ما أخذه في وقت لا يقدر عليه، فإن اتفق على قسمه أو بعضه، جاز، لأنه ملكهما، كالشريكين.

‌تتمة:

العامل أمين يصدق بيمينه في قدر رأس مال، وفي ربح وعدمه، وفي هلاك وخسران، وفيما يذكر أنه اشتراه لنفسه، أو للمضاربة، وفي نفي ما يدَّعي عليه من خيانة، أو تفريط، لأن الأصل عدمهما.

وإذا شرط العامل النفقة، ثم ادعى أنه أنفق من ماله بنية الرجوع، فله ذلك سواء، كان المال بيده، أو رجع إلى ربه، كالوصي إذا ادّعى النفقة على اليتيم.

وإذا اشترى العامل شيئًا، وقال المالك: كنت نهيتك عنه، وأنكر. فقوله، لأن الأصل معه.

ولو أقر عامل بربح، ثم ادعى تلفًا، أو خسارة، قُبِلَ قوله، لأنه أمين، ولا يقبل قوله إن ادعى غلطًا، أو كذبًا، أو نسيانًا، أو اقتراضًا تمم به رأس المال بعد إقراره به لربه، كأن قال عامل: هذا رأس مال مضاربتك. ففسخ ربها، وأخذه. فادعى العامل أن المال كان خسر، وأنه خشي إن وجده ناقصًا يأخذه منه، فاقترض ما تممه به، ليعرضه عليه تامًا، فلا يقبل قواسه فيه، لأنه رجوع عن إقرار بحق لآدمي.

ولا يقبل قوله في رد مال المضاربة إلى ربه بلا بينة، نصًّا (1)، لأنه قبضه لنفع له فيه، أشبه المستعير، والقول قول المالك في ذلك. ويقبل قول مالك في صفة خروجه عن يده، كأن قال: أعطيتك ألفا قراضًا، على النصف من ربحه. وقال العامل: بل قرضًا لا شيء لك من ربحه، فقول رب المال، لأن الأصل بقاء ملكه عليه، فإذا حلف، قسم الربح بينهما، وإن خسر المال، أو

(1)"معونة أولي النهى"(4/ 756).

ص: 797

تلف، فقال ربه: كان قرضًا. وقال العامل: كان قراضًا، أو بضاعة، فقول ربه -أيضًا- لأن الأصل في قبض مال الغير الضمان، فلو أقاما بينتين، قُدِّمَتْ بينة عامل، لأن معها زيادة علم، ولأنه خارج. وإن قال رب المال: كان بضاعة. وقال العامل: كان قراضًا، حلف كل منهما على إنكار ما ادعاه خصمه، وكان له أجر عمله، لا غير.

ويقبل قول مالك بعد ربح في قدر ما شرط لعامل، فإن أقاما بينتين، قدمت بينة عامل -أيضًا- ويصح دفع عبد، أو دابة، أو قِربة، أو قِدْر، أو آلة حرث، ونحو ذلك لمن يعمل به بجزء من أجرته. ويصح خياطة ثوب، ونسج غزل، وحصاد زرع، ورضاع قن، واستيفاء مال، وبناء دار، وطاحون، ونجر باب (1)، ونحو ذلك، بجزء مشاع منه، لأنها عين تنمى بالعمل عليها، فصح العقد عليها ببعض نمائها. ويصح دفع دابة، أو نحل، أو عبد، أو أمة، لمن يقوم به مدة معلومة بجزء منه، كربعه، أو خمسه، والنماء ملك لهما، على حسب ملكيهما، لا بجزء من نماء كدَرٍّ، ونسل، وصوف، وعسل، ونحو ذلك، لحصول نمائه بغير عمل، وله أجر مثله.

والضرب (الثالث: شركة الوجوه، وهي أن يشتركا) بلا مال (في ربح ما يشتريان في ذممهما بجاهيهما) أي بوجوههما، وثقة التجار بهما (2) والجاه والوجه واحد، يقال: فلان وجيه ذو جاه. (3)

وهي جائزة لاشتمالها على مصلحة بلا مضرة، ولا يشترط لصحتها ذكر جنس ما يشتريانه، ولا ذكر قدره، ولا ذكر وقت الشركة. فلو

(1) النَّجْرُ: نحتُ الخشب. ويقال للقطع -أيضًا- ينظر: "القاموس"(ص 617) و"تاج العروس"(14/ 183) و"المعجم الوسيط"(2/ 903).

(2)

"الكافي"(3/ 339) و"الروض المربع" -مع الحاشية- (5/ 265) و"التوضيح"(2/ 721).

(3)

الجاه والوجاهة: القدر والمنزلة. "القاموس"(ص 1607) ينظر: "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 206).

ص: 798

قال أحدهما للآخر: كلما اشتريت من شيء فبيننا، وقال له الآخر كذلك، صح العقد، ولا يعتبر ذكر شروط الوكالة، لأنها داخلة في ضمن الشركة، بدليل المضاربة، وشركة العنان.

(وكلٌّ) من شريكي الوجوه (وكيل الآخر) في بيع وشراء (وكفيله بالثمن) لأن مبناها على الوكالة والكفالة. وملكٌ فيما يشتريان كما شرطا، لحديث:"المؤمنون عند شروطهم"(1) وربحٌ كما شرطا، من تساو وتفاضل لأن أحدهما قد يكون أوثق عند التجار، وأبصر بالتجارة، ولأنها منعقدة على عمل وغيره، فكان ربحها على ما شرطا، كشركة العنان. والخسران بتلفٍ، أو بيعٍ بنقص عما اشتري به، على قَدْرِ الملك، فمن له الثلثان مثلًا فعليه ثلثا الوضيعة، وهكذا، سواء كان الربح بينهما كذلك، أو لا، وتصرفهما كتصرف شريكي عنان، على ما سبق (2).

والضرب (الرابع: شركة الأبدان) سميت بذلك: لاشتراكهما في عمل أبدانهما (3). (وهي) نوعان: أحدهما (أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانما من مباح كاصطياد ونحوه) كاحتشاش، وتلصص على دار الحرب، واحتج أحمد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشرك بين عمَّار وسعد وابن مسعود. فجاء سعد بأسيرين، ولم يجيئا بشيء (4). كان ذلك في غزوة بدر، وكانت غنائمها لمن

(1) تقدم تخريجه (ص 678).

(2)

(ص 790).

(3)

الأبدان: جمع بدنٍ وهو: الجسد.

ينظر: "الدر النقي"(3/ 311) و"القاموس الفقهي"(ص 32).

(4)

أبو داود، في البيوع، باب في الشركة على غير رأس مال (3/ 681)، والنسائى، في المزارعة، باب شركة الأبدان (7/ 57) وفي البيوع، باب الشركة بغير مال (7/ 319)، وابن ماجه، في التجارات، باب الشركة والمضاربة (2/ 768) عن عبد اللَّه قال: اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء وعمار بشيء.

قال في "الإرواء"(5/ 295): ضعيف. . . لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه عبد اللَّه بن مسعود، =

ص: 799

أخذها، قبل أن يشرك اللَّه تعالى بينهم (1).

(أو) أن يشتركا فيما (يتقبَّلان في ذممهما من عمل، كخياطة) وحدادة وقصارة، وهذا هو النوع الثاني. ولو قال أحدهما: أنا أتقبل، وأنت تعمل، والأجرة بيننا؛ صح، لأن تقبل العمل يوجب الضمان على المتقبِّل، ويستحق به الربح، فصار كتقبله المال في المضاربة، والعمل يستحق به العامل الربح، كعمل المضارب، فينزَّل منزلة المضاربة (فما تقبله أحدُهما) من عمل (لزمهما عمله، وطولبا به) لأن مبناها على الضمان، فكأنها تضمنت ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه، ولكل من الشريكين طلب أجرة عمل، ولو تقبله صاحبه، ويبرأ مستأجر بدفعها لأحدهما، وتلفها بيد أحدهما بلا تفريط: عليهما، لأن كلًّا وكيل الآخر، ولا يشترط لصحتها اتفاق صنعة الشريكين، فلو اشترك حداد ونجار، أو خياط وقصار، فيما يتقبلان في ذممهما من عمل، صح، لاشتراكهما في كسب مباح، أشبه ما لو اتفقت الصنائع. ولا يشترط اصحة الشركة معرفة الصنعة لواحد منهما.

(وإن ترك أحدهما) أي الشريكين (العمل) لعذر (أو لا) لعذر، بأن كان حاضرًا صحيحًا (فالكسب بينهما) على ما شرطا (ويلزم من عُذِر) بنحو مرض في ترك عمل مع شريكه (أو لم يَعْرف العمل أن يقيم مقامه) في العمل

= فإنه لم يسمع منه. اهـ

(1)

قال أبو عبيد في كتاب "الأموال"(ص 280): فكانت الأنفال الأولى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول اللَّه عمر يوم بدر على ما أراه اللَّه من غير أن يخمِّسها، على ما ذكرناه في حديث سعد. ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس، فنسخت الأولى، وفي ذلك آثار. اهـ

وقد تعقبه ابن كثير رحمه الله في ذلك، حيث قال في "التفسير" (4/ 10): فيه نظر ويردُّ عليه حديث علي بن أبي طالب في شارفيه اللذين حصلا له من الخمس يوم بدر. وقد بينت ذلك في كتاب "السيرة" بيانًا شافيًا. اهـ

ينظر: "السيرة"(2/ 466).

ص: 800

(بطلب شريك) له بذلك لدخولهما على العمل، فلزمه أن يفي بمقتضى العقد، وللآخر الفسخ إن امتنع، أو لم يمتنع.

ولا تصح شركة دلَّالين، لأن الشركة الشرعية لا تخرج عن الوكالة والضمان، ولا وكالة هنا، لأنه لا يمكن توكيل أحدهما على بيع مال الغير، ولا ضمان، لأنه لا دين بذلك يصير في ذمة واحد منهما، ولا تقبُّل عمل (1).

والضرب (الخامس شركة المفاوضة، وهي) لغة: الاشتراك في كل شيء (2)، وشرعًا (3):(أن يفوض كل) من اثنين فأكثر (إلى صاحبه كل تصرف مالي) من بيع، وشراء في الذمة، ومضاربة، وتوكيل، ومسافرة

(1) وفي المذهب قولٌ آخر في شركة الدَّلالين.

فقال في "الموجز": تصح.

وقال شيخ الإسلام: وقد نص أحمد على جوازها. . . قال: ووجه صحتها: أن بيع الدلال وشراءه بمنزلة خياطة الخياط ونجارة النجار، وسائر الأُجراء المشتركين، ولكل منهم أن يستنيب، وإن لم يكن للوكيل أن يوكل.

ومأخذ من منع ذلك: أن الدلالة من باب الوكالة، وسائر الصناعات من باب الإجارة، وليس الأمر كذلك.

ومحل الخلاف في شركة الدلالين: التي فيها عقدٌ. فأما مجرد النداء والعرض وإحضار الديون فلا خلاف في جوازه.

وتسليم الأموال إى الدلالين مع العلم باشتراكهم، إذن لهم ببيعها، ولو باع كل واحد ما أخذه ولم يعط غيره واشتركا في الكسب، جاز في أظهر الوجهين. اهـ

وهذا اختيار الشريف أبي جعفر، وابن عقيل.

ينظر: "الاختيارات"(ص 214، 215) و"الإنصاف"(14/ 166، 167).

(2)

"حلية الفقهاء"(ص 144)، "طلبة الطلب"(ص 220) و"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 205) و"المطلع"(ص 262).

(3)

هي في الشرع: قسمان: صحيح، فاسد. فالصحيح نوعان، بدأ المؤلف بالنوع الأول. ينظر:"معونة أولي النهى"(4/ 779).

ص: 801

بالمال، وارتهان، وتقبل ما يرى من الأعمال. أو (1)(يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما فتصح؛ إن لم يدخلا فيها كسبًا نادرًا) أو غرامة، لأنها لا تخرج عن أضرب الشركة التي تقدمت (وكلها جائزة. ولا ضمانَ فيها إلا بتعدٍّ أو تفريط)(2).

وإن أدخلا فيها كسبًا نادرًا، كوجدان لقطة، أو ركاز، أو ما يحصل من ميراث، أو أدخلا فيها ما يلزم أحدهما من ضمان غصب، أو أرش جناية، أو ضمان عارية، ونحو ذلك، فهي حينئذ فاسدة، لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله، ولما فيه من كثرة الغرر، لأنه قد يلزم فيه ما لا يقدر الشريك عليه، ولكل من الشريكين في هذا القسم ما يستفيده، وله أجرة عمله.

(1) هذا بيان النوع الثاني من الصحيح.

(2)

هذا بيان القسم الثاني وهو: الفاسد.

ص: 802